الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سينهي تفعيل المجابهة في المتوسط الحرب على غزة؟

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن الجهة العربية الوحيدة القادرة على تحريك المياه الراكدة في محيط حرب الابادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ تسعة اشهر على قطاع غزة هي حزب الله، وتحديدا امينه العام الشيخ حسن نصر الله، الذي سيكون لخطابه الاخير الكثير مما بعده، بعد ان يأخذ بعض الحجيج جزء يسيرا من راحة أداء مراسم حج هذه السنة التي تميزت بشدة حرارة غير مسبوقة الا بلهيب قنابل نتنياهو الذي الهب احشاء أطفال عزة.
وفي هذا الخطاب الذي جاء استثناء في توقيته ومحتواه، يجب التوقف مطولا امام اشارته العابرة لتفعيل جبهة البحر الأبيض المتوسط لما لها من دلالات عميقة وخطيرة ليس على إسرائيل فقط بل والأهم على عدد من دول الاقليم والأكثر الاهمية من كل ذلك على المستوى الدولي، إذ بالإضافة إلى تهديده المباشر للدولة القبرصية الشريك الطاقوي المحتمل لاسرائيل فإنه لفت أنظار أوروبا إلى هشاشة اعتمادها على استراتيجيات الولايات المتحدة في صياغة علاقاتها الجيوسياسية مع العالم، وأن انقيادها الأعمى للمضي خلف واشنطن سيؤدي بها إلى الانتهاء لنتائج لن يكون بمقدورها التخلص من تبعاتها حيث ستجر عليها العديد من الويلات والمصائب.
ولكن وقبل ذلك وبالعودة إلى الاقليم الذي لا يكتفي بانه يغط في سبات عميق ويتعامى عن ما يجري من مذابح في غزة، بل إنه في معظم الأحيان شريكا اصيلا في هذه الجرائم لا لشيء الا لاعتقاد وهمي جوهره ان اسرائيل هي ضمانة البقاء والاستمرارا، وليس فقط عن طريق التعاون الأمني المشترك معها بل طريق الاندماج الاقتصادي بوهم انه مفتاح الاندماج والتعاون والتطبيع الاجتماعي والشعبي الذي يواجه فشلا ذريعا حتى يومنا هذا.
وفي هذا السياق بالذات لايمكن القفز عن الخطيئة التي ارتكبتها الحكومة المصرية عندما ربطت امن مصر الطاقي ليس فقط بدولة لها معها تاريخ طويل من العداء وأن السلام معها لم يصل بعد إلى محل إجماع، بل ان هذه الدولة لا زالت في حالة حرب مع اكثر من دولة اقليمية والأهم انها في حرب لم تتوقف منذ أكثر من سبعين عاما مع الطرف الأول في معادلة الصراع وهو الشعب الفلسطيني الذي يتمتع بعمق عربي شعبي متحرك لا ضمانات لاستقراره عند مستويات مطمئنة بالنسبة لصناع قرارات السلام مع اسرائيل.
وقد جاء هجوم السابع من أكتوبر وما ترتبت عليه من تداعيات لتؤكد المخاطر الجدية التي تهدد امن الطاقة المصري جراء ربطه باسرائيل، إذ انعكس القرار الاسرائيلي بتصفير صادرات الغاز إلى مصر عقب ذلك الهجوم والذي تزامن مع ازمة محلية اثر تراجع انتاج حقل ظهر الذي يسد حاجات السوق الداخلية بنحو 38% فقط من 2.76 مليار متر مكعب يوميا إلى 2.3 مما ترك أثرا بالغ الخطورة على الصناعات الاستراتيجية كثيفة الاستهلاك للغاز مثل الأسمنت والاسمدة وغيرهما هذا بالإضافة إلى تدهور القدرة على انتاج الطاقة الكهربائية، وربما انتهاء الحلم المصري بالتحول إلى مركز للطاقة الموجهة إلى أوروبا بالاعتماد على الغاز الإسرائيلي المستورد للاسالة والتصدير، حيث تدرس تل ابيب حاليا مشاريع لبناء سفن لإسالة وتصدير الغاز مباشرة من حقول الاستخراج إلى أوروبا، فضلا عن التفكير ببناء خط غاز مباشر بين إسرائيل واليونان وقبرص، وهو ما سيمثل حال تنفيذه تهديدا جوهريا للمصالح المصرية عبر إيجاد مسارات بديلة لتصدير الغاز المسال في مصر.
واذا كانت المخاطر التي تهدد امن الطاقة في مصر بقيت رهينة الخطط الاسرائيلي بايجاد بدائل عن الدور المصري على هذا الصعيد، فإن تلويح الشيخ حسن نصر بتفعيل ساحة المواجهة في البحر الأبيض المتوسط تقطع الشك باليقين على العزم بادخال عامل الغاز في معادلة الصراع، ما يعني عند وضعه موضع التنفيذ انهاء احلام مصر بالتعويل على احتلال مركز دولي لتصدير الغاز المسال، وحرمان الاقتصاد المصري الذي يعاني الأمرين من مليارات الدولارات، بالاضافة الى مضاعفات أزمات السوق المحلية الناجمة عن شح الغاز الذي يشغل اهم الصناعات الاستراتيجية، التي تؤثر على مختلف قطاعات الحياة في مصر، والتي لن يكون بمقدور الحكومة ادارة الظهر لها، بل على الاغلب ان هذا ما سيدفعها للبحث عن سبل لخفض حدة التوتر في المنطقة ومنع احتمالات اية مواجهة بين حزب الله واسرائيل التي تعرف جيدا ان ذلك مرهون بتطورات ملف غزة الذي وضعه الحزب شرطا مسبقا لتحديد نتائج اي تحرك دبلوماسي لنزع فتيل الجبهة الشمالية.
وكما تعرف مصر بان تفعيل جبهة البحر المتوسط قد تعني إدخال الغاز في معادلة الصراع فان كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الاوروبي تعرف بأكثر عمق معنى ان يصبح احد مصادر الغاز البديلة للغاز الروسي محل تهديد، حيث لن يعود حينها امام الولايات المتحدة من خيارات واضحة في كيفية التعامل مع الاحتياجات الأوروبية للغاز في ظل احتمال اتساع نطاق المواجهة العسكرية في مياه البحر الأبيض المتوسط وتعطيل انتاج حقول الغاز فيه وعرقلة خطوط الملاحة التجارية.
صحيح انه وفقا لبعض الدراسات الاقتصادية فان حجم الغاز الإسرائيلي المسال مصريا لا يغطي في أفضل الحالات اكثر من 5% من احتياجات السوق الأوروبية، غير ان اضطراب الملاحة التجارية في البحر المتوسط ستضاعف من حدة أزمات الأسواق الاوربية، خاصة وان الغاز الأمريكي لا يستطيع تغطية اكثر من 14% من الاحتياجات الاوربية، هذا فضلا عن الخسائر الفادحة التي ستمنى بها عقود التنقيب عن الغاز التي أبرمتها بعض الشركات الأوروبية مع الحكومة الإسرائيلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيكون بإمكان الولايات المتحدة ان تستمر في الإمساك بمعظم اوراق اللعبة كما هو عليه الوضع حاليا في حال توسع الصراع في المنطقة؟، اما إن الأمور ستفلت وأن أوروبا ستنقلب على إستراتيجية عزلها عن روسيا وإعادة احياء بعض خطوط الاتصال مع موسكو مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر كبرى على الدور العالمي لامريكا؟.
وفي هذا السياق تشير كثير من أراء المتابعين إلى أنه لم يعد امام واشنطن من مناص ومن اختيار افضل من اختيار البحث عن خطط لخفض حدة التوتر تبدأ بوقف الحرب على غزة، وإيجاد سبل ان لم تكن لحل النزاع في الشرق الأوسط فعلى اقل تقدير لتجميده ومنع توسعه، يعد ان اخذ عدد المتضررين جراء استمراره يزايد يوما بعد يوم، غير ان ذلك يبقى رهين جدية رسالة الشيخ نصر الله من ناحية، ومدى أخذ البيت الابيض لها بعين الاعتبار من الناحية الاخرى.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي