الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانهيار الوجودي والحاضرية الوجودية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 6 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الحاضرية الوجودية هي فلسفة تعتقد بأن الفرد له دور أساسي في تشكيل واقعه ومستقبله، وأن الحرية والمسؤولية الشخصية هما أساس وجوده, وبهذا تؤكد على أهمية الأصالة والاستقلالية الذاتية في مقابل الاعتماد على المعايير الخارجية والتبعية, هناك تباين واضح بين الأفراد في قدرات العقل والاستيعاب والتطبيق العملي, البعض لديهم قدرات تحليلية وتجريدية مرتفعة، وآخرون أكثر قدرة على الإبداع والتطبيق العملي, كما أن هناك تفاوت في السرعة والدقة والمرونة الذهنية, هذا التباين الفردي له انعكاسات مهمة على التعليم والتدريب والمسارات الوظيفية, الأنظمة الناجحة هي التي تراعي هذه الاختلافات وتوفر مسارات متنوعة تتناسب مع مختلف الميول والقدرات, بالإضافة إلى تطوير إمكانات كل فرد بدلاً من إخضاعهم لنمط موحد. الفروقات الفردية في المهارات موضوعة فلسفية وعلمية بالغة الأهمية في فهم وتطوير الإمكانات البشرية، تستحق مزيداً من النقاش والتحليل، هناك جوانب عديدة يمكن التطرق إليها من منظور فلسفي في إطار الحاضرية الوجودية:
الوجود والحرية الفردية: تُعد الحاضرية الوجودية فلسفة تؤكد على أهمية الوجود الفردي والحرية في تحديد المصير والتشكيل الذاتي للواقع، وهذا له جذور عميقة في الفكر الحاضري الوجودي.
الفردانية والاختلاف: الفروق الفردية في القدرات والمهارات تُطرح كتحد للتجانس والنمطية، وتؤكد على قيمة التنوع والاختلاف بين الأفراد.
العقل والإدراك: الاختلافات في قدرات العقل والاستيعاب تطرح أسئلة فلسفية حول طبيعة العقل البشري وآليات الإدراك والمعرفة.
الفردية والمجتمع: العلاقة بين الفردية والمجتمع، وكيفية التوفيق بين تنمية الإمكانات الفردية وتحقيق التماسك الاجتماعي.
التربية والتنمية البشرية: كيف يمكن للتربية والتنمية البشرية أن تراعي الفروق الفردية وتعزز الإمكانات الذاتية للأفراد.
تتوفر العديد من المداخل والمناقشات الفلسفية الممكنة في إطار الحاضرية الوجودية ومن منظور فلسفي:
المدخل الوجودي
مفهوم الحرية الفردية والمسؤولية في الفكر الوجودي, دور الاختيار والقرار في تشكيل الذات وتحقيق الوجود الأصيل, مفهوم الأصالة والاغتراب في ضوء الفروق الفردية, طبيعة العقل البشري وآليات الإدراك والمعرفة, الفروق الفردية في القدرات المعرفية والإمكانات العقلية, دور البيئة والوراثة في تشكيل الفروق الفردية, العلاقة بين الفردية والتضامن الاجتماعي, قضايا العدالة والمساواة في ضوء الفروق الفردية, دور المجتمع والمؤسسات في إتاحة الفرص وتعزيز الإمكانات الفردية, كيفية مراعاة الفروق الفردية في العملية التعليمية والتنموية, دور التربية في تنمية الإمكانات الذاتية للأفراد, قضايا التوجيه والإرشاد في ضوء المهارات والقدرات الفردية.
في الفكر الحاضري الوجودي، هناك علاقة وثيقة بين مفهومي الحرية الفردية والمسؤولية الفردية، هل يمكن للإنسان أن يكون مسؤولاً عن أفعاله إذا كان مقيدا ومحدودًا في حريته...؟
وفقًا للفكر الحاضري الوجودي، فإن العلاقة بين الحرية والمسؤولية الفردية هي علاقة جدلية ومتشابكة, الإنسان محكوم بأن يكون حرًا، أي أن الحرية هي جوهر الوجود الإنساني, ومع ذلك، قد يكون الفرد مقيدا في ممارسة هذه الحرية بسبب حدود خارجية أو ظروف معينة, يؤكد الحاضريون الوجوديون أن الإنسان مسؤول عن اختياراته وأفعاله حتى في ظل هذه القيود, فالمسؤولية لا تنبع فقط من الحرية المطلقة، ولكن من الاختيارات التي يتخذها الفرد ضمن الإمكانات المتاحة له, وبالتالي، يرى الحاضريون الوجوديون أن الفرد يظل مسؤولاً عن أفعاله حتى في ظل القيود والمحدودية، لأن الاختيار والتحمل للنتائج هو ما يحدد المسؤولية الفردية في النهاية, فالحرية والمسؤولية متلازمتان في الفكر الوجودي.
لكن السؤال الصعب هو كيف يمكن للفرد ان يكون مسؤولا عن افعاله إذا لم يكن لديه أي خيار حقيقي ...؟ هذا يثير جدلاً فلسفيًا معقدًا، هناك وجهات نظر مختلفة يمكن النظر إليها:
النظرة الوجودية التقليدية
من وجهة نظر الوجوديين التقليديين مثل سارتر، الإنسان محكوم بأن يكون حرًا وبالتالي مسؤولاً عن اختياراته وأفعاله بغض النظر عن الظروف الخارجية، حتى لو كان الفرد محدودًا في خياراته، هناك دائمًا بعض الحرية للاختيار والتصرف، وبالتالي فهو مسؤول.
النظرة الوجودية المعاصرة
بعض الوجوديين المعاصرين اعترفوا بأن الظروف القاهرة التي لا تترك للفرد أي خيار حقيقي قد تقلل من مستوى مسؤوليته الشخصية، في حالات انعدام الخيار الحقيقي، قد لا يكون الفرد مسؤولاً بالكامل عن أفعاله لأنه لم يكن لديه سيطرة حقيقية عليها، لكن هناك من يرى أن مجرد وجود الوعي والإدراك يفرض نوعًا من المسؤولية على الفرد، حتى وإن كان خياراته محدودة.
النظرة الميتافيزيقية
تركز على الوجود المسبق للوعي والبنية الأساسية للإنسان قبل التجربة الحسية الحاضرية, يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هناك ماهية أو جوهر سابق للتجربة الفعلية، والذي يشكل الأساس والإطار المرجعي للسلوك والتصرفات البشرية.
النظرة الحاضرية الوجودية
تركز على البعد الوجودي والتجريبي للإنسان، حيث يتشكل الفرد والذات من خلال التجربة المعاشة والسياق الحاضر، هذا الاتجاه ينفي الوجود المسبق للماهية وترى أن الإنسان هو مشروع مفتوح يتحدد من خلال اختياراته وتصرفاته.
هناك بعض النظريات المعروفة الأخرى المهمة التي تأتي في هذا السياق:
النظرية الفينومينولوجية:
تركز على دراسة الظواهر والخبرات المعاشة من منظور الشخص نفسه، تؤكد على البعد الوجودي والتجريبي للإنسان، لكن دون إنكار تماما أهمية البنى المسبقة.
النظرية التفاعلية:
تنظر إلى الذات على أنها نتاج التفاعل بين الفرد والبيئة الاجتماعية والثقافية، تؤكد على أهمية السياق والعوامل الخارجية في تشكيل الفرد.
النظرية البنائية:
ترى أن الذات والوعي هما نتاج للبنى المعرفية والثقافية التي تحدد إطار تفكير الفرد وإدراكه للعالم، تجمع بين البعد الداخلي والخارجي في تشكيل الذات.
النظرية النفسية التطورية:
تنظر إلى الوعي والذات كعملية ديناميكية متطورة تتشكل عبر المراحل النمائية للفرد، متأثرة بالبنى البيولوجية والخبرات الاجتماعية.
لكن قدرة الإنسان على إعادة بناء وتحويل بنيته المعرفية والثقافية الى بنية متطورة تشير إلى أن معنى الحياة في الحاضرية الوجودية هي أمور متغيرة وقابلة للتحقيق, الإنسان لا يستطيع أن يصنع معنى حياتي دائم ومطلق إلا بعد أن يتعمق في معرفة ذاته وصياغة هويته بشكل مستمر, مع نمو الذات والوعي الذاتي، تتشكل رؤى جديدة للحياة والوجود, في المقابل، نكوص الذات أو انغلاقها على نفسها قد يؤدي إلى تراجع المعنى الحياتي وانكماش في المعنى الحاضري الوجودي, هذا يؤكد على أن البحث عن المعنى الوجودي هو عملية مستمرة تتطلب من الفرد الانفتاح على التغيير والتطور الذاتي, ان المعنى الحياتي الجوهري لا يتحقق إلا من خلال الحركة والديناميكية في بناء الذات والمعرفة, هذا هو الجوهر الفلسفي للحاضرية الوجودية, هناك عدة أمثلة على كيفية تراجع المعنى الحياتي والانكماش, العيش في روتين جامد وعدم القدرة على التعلم والنمو الشخصي, عندما يقع الفرد في دوامة التكرار اليومي دون التفكير في تحديات جديدة أو اكتساب خبرات متنوعة، إن معنى الحياة عنده ينكمش ويذوب في دوامة التحديات ويشعر بالتسطيح وقلة القيمة, كذلك الاغتراب والانسحاب من العلاقات الاجتماعية, عندما يبتعد الفرد عن التفاعل الحي مع الآخرين، وينعزل في عالمه الخاص، فإن إحساسه بالوجود والغرض من الحياة يتضاءل, الانغماس في الإدمان والسلوكيات المدمرة, اللجوء إلى أنماط سلوكية هروبيه كالإدمان على المخدرات أو المقامرة يؤدي إلى انفصال الفرد عن حقيقة وجوده وأهدافه, عندما يفقد الإنسان القدرة على اتخاذ قراراته والتحكم بمسار حياته، تنكمش حاضريته الوجودية وتتراجع قدرته على إعطاء معنى لوجوده, في حالات الاكتئاب العميق والفقدان الكلي للأمل، يفقد الفرد حماسته للحياة ويصبح عاجزاً عن إعطاء أي معنى لوجوده, في هذه الحالات، فإن الخروج من حالة الانكماش والتراجع الوجودي يتطلب إعادة بناء البنى المعرفية والقيمية، والانفتاح على تجارب جديدة تنمي الشعور بالغرض والهدف من الحياة.
تظهر إشكالية إعادة بناء البنى المعرفية والقيمية للفرد عندما تكون البنية الوجودية المركزية قد انهارت بالفعل, هذا هو التحدي الأكبر في مواجهة حالات الانكماش الوجودي والتراجع المعرفي, عندما يفقد الفرد الإحساس بالمعنى والغرض من الحياة، فإن محاولة إعادة بناء بنيته المعرفية والقيمية تصطدم بهذه البنية الوجودية المنهارة, الفرد لم يعد قادراً على إنتاج معاني جديدة للوجود بطريقة متماسكة ومترابطة, مما يؤدي إلى انهيار "الحلم الوجودي" للفرد - تلك الرؤية الشاملة للكون والحياة التي كانت تعطي معنى وغايةً لوجوده, عندما تتداعى هذه الرؤية المركزية، يصبح الفرد عاجزاً عن إعادة بناء بنيته المعرفية بشكل متكامل, المرحلة الأكثر صعوبة هي تخطي حالة الفراغ الوجودي والاستعداد لبناء معنى جديد للوجود, وهذا يتطلب جهداً كبيراً على المستويين الفردي والمجتمعي, قد لوحظ بشكل دقيق أن ظاهرة الانهيار الوجودي قد تظهر عند الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم الفلسفية. حتى من يؤمن بالحاضرية الوجودية أو الفلسفات الميتافيزيقية قد يواجه هذا الصراع الوجودي والشعور بفقدان المعنى والغرض في الحياة, أن هذه المشكلة تتجاوز الحدود الفلسفية, فالإنسان بطبيعته كائن يسعى للبحث عن المعنى والغرض من وجوده، بغض النظر عن المنظور الفكري الذي يتبناه, عندما يخفق في إيجاد هذا المعنى، قد ينهار بناؤه الفكري والروحي, لذلك، فإن الطرق المقترحة للتعامل مع الانهيار الوجودي تكون مفيدة بشكل عام لجميع البشر من اي توجه فكري لان التوجهات الفكرية المختلفة لا يمكن ان تقي الفرد من الوقوع بين انياب الانهيار, الأهم هو مساعدة الفرد على إعادة بناء معنى وجوده بطريقة متماسكة ومرضية, وجوهرها هنا هو الاهتمام بالبعد الإنساني والنفسي للفرد، بغض النظر عن الخلفية الفكرية لديه, وهذا ما ينبغي التركيز عليه في جهود إعادة هيكلة نظام المعتقدات والقيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي