الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم طويل آخر .. قصة قصيرة

محمد سمير عبد السلام

2024 / 6 / 22
الادب والفن


أسير في صحراء واسعة وسط مجموعة من الكهوف العتيقة التي بدأت تبزغ، وتتشكل من حولي، ثم تتعالى في المشهد، وتتضاعف حتى تقترب من مجالي، فأمتلئ بروائح الرمال، والمطاردات القديمة، وأصوات الفيلة، والغزلان، والثيران؛ الأصوات تتعاطف، وتتصارع بداخلي، وأستمع لصوت امرأة تتحدث بلغة مجردة؛ كأنها تصرخ أو تحذر القبيلة من معركة مجهولة؛ أتذكر الآن حلمي السابق حين كنت أسبح وسط روائح الزيوت، والصبار في صحراء مماثلة، والتقيت بالمرأة ذات النابين الطويلين المنغرزين في الرمال، وشعرت أنني داخل مجالها المكاني المظلم؛ أكان معبرا لحجرة أو مسرح؟
أرى من بعيد رجلا ضخما ذا تكوين شفيف قليلا يشبه الكائنات الحلمية والخيالية المنقوشة على كهف تاسيلي ناجر، يبدو أنه رآني وينوي الاقتراب مني؛ أستطيع الآن أن ألمح تشكيلات من الأعين الحمراء الداكنة، أو الأعين السوداء المجردة على حلته، وتتحرك ضمن مجاله التكويني مجموعة من صور الغزلان، والثيران الوحشية، والأبقار، وتيارات الرمال المتصارعة الصاخبة؛ أجدني مثل طيف، أو ممثل ضمن تيارات الرمال بداخله، أعانق الأبقار القديمة، وأستمع لتيارات الهواء الهادئة في رحلات الصيد، أو في لحظات ما قبل المعارك.
أين الرأس؟
تبدو عيناه واسعتان، وفمه صغير ولكن يكشف عن نابين مثل مثلثين حادين سميكين، ثم يختفي الرأس حينا، وتحل محله رؤوس لغزلان، وثيران وفيلة تتصارع فوق مساحة الرقبة، بينما أستمع لصوته من خلف المعركة، وبقع الدماء التي تتراقص في الهواء في مجال الرأس مثل الأميبا؛ وكأنه يدعوني لنتجول في أحد الكهوف التي تتضاعف حولنا، وتنفتح ببطء.
نتأمل قليلا، ونتواصل في صمت، ثم يتفرع الفضاء أمامنا، وينقسم إلى مجالين اسطوانيين بين الرمال، والسحب؛ المجال الأول مظلم فيما عدا ضوء بنفسجي طفيف، نعاين تكوينين لشخصين مخروطيين محدبين أحدهما مملوء بأعين غائرة، ومجموعة من الخناجر، والآخر مملوء برؤوس ضفادع، يتوسطها رأس ثعبان متيقظ؛ يمران من بيننا سريعا، ثم نشاهد مجالات طيفية شديدة الشفافية لمجموعة من الجمال التي تجري، كأنها في معركة صاخبة؛ تعقبها تيارات هوائية من العظام، وجماجم حيوانات قديمة؛ مثل الغزلان، والفيلة، والثيران، والديناصورات، وتحيطنا دوائر من أصوات المدافع، والسفن، والسيوف، وأطياف عديدة لفنار أصفر ضخم يتضاعف حولنا وفي أجزاء من مجالاتنا التكويني.
يقول الرجل الصحراوي:
-ما رأيك في هذه القهوة الخضراء، وتلك الموسيقى الهوائية؟
تتشكل الآن بيننا تكوينات مملوءة بمساحات بنفسجية داكنة، وخضراء، وبنية، تتراقص وحدها في الظلمة الكثيفة، وننظر إلى الأعلى فنجد صور النجوم شديدة الإضاءة، وكثيفة بينما تتوالى تيارات الجماجم، وقوافل أطياف الجمال، وتتصاعد موسيقى اللون في تكرار نشعر أنه يزداد بداخل تكويننا، بينما ينفصل عنا في آن.
نحن الآن في الاسطوانة المظلمة الأخرى، نتحدث بأصوات من طبقة الباص العميقة؛ أحب هذه المنحنيات الكلامية الداكنة حولنا حين تتشكل في الظلمة بالأخضر الداكن، أتذكر حين جلسنا بمكتبة داخل محيط واسع، وكانت الأمواج تتلون سريعا، وتتداخل في رؤوسنا، نعم، وسبحنا أيضا في غرفة كانت ممتلئة بفتيات يرتدين أزياء قوطية سوداء ممزوجة بموجات حمراء، أو بنفسجية، وكنا نمتلئ بأصواتهن، ونغماتهن المتداخلة أحيانا، ثم يختفين تماما ونمتلئ بعدها بظلمة لها ملمس الرمال الساخنة، نعم وكنا أحيانا ننظر معا داخل الغرف المائية إلى مجموعة من المرايا الضخمة المعلقة، ولا نشاهد سوى تيارات أحاديثنا فقط تتصارع، أو تتناغم ويخرج من بينها مخروط شفاف بني له رائحة القهوة، ولا نرى تكويناتنا أبدا في المشهد.
ممرات أخرى تتجه بنا إلى الأسفل، ونراقب مجموعة من الخفافيش تهبط سريعا في منحنيات، تضطرب، وتتصادم، وتسير في طرق متفرقة ثم تتلاقى مرة أخرى، ثم تختفي، ونعاين فقط الأصوات، ويشتد هبوطنا في الطرق والمنحنيات المظلمة وندخل مجالا لوجه امرأة ترتدي ماسك الجوكر، وتضحك ضحكات عبثية ويتضاعف وجهها حولنا، ثم نعاين صورا بعيدة لتل مملوء بالفراغات، والموجات، والأقنعة التي تشبه وجه المرأة بينما تصير ضحكاتها مع أصوات الخفافيش مثل الصدى اللطيف بداخلنا.
نجلس في مسرح مملوء بتكوينات تجريدية مملوءة بمساحات من الأزرق، والأحمر الداكن، وتتوسطه ماكينة مستديرة تشبه تكوينات مايرهولد في المسرح التجريبي، الفتاة تمسك بعصا غليظة تلتف بجسدها حول العصا مثل ثعبان الكوبرا، ويبدو أن ثعبانا طيفيا كان يحيطها بالفعل، ويرقص معها حول العصا؛ تخبرنا أنها كانت منذ قليل تراقب بعض الصور المتلاحقة في وعي شخصية جيني في رواية الأمواج لفرجينيا وولف، وأنها رأت مجموعة من المشاهد من أعلى الدائرة الخشبية؛ مثل جيني وحدها تتأمل أصوات مياه مجردة تخترق حيطان غرفتها الخاصة، جيني ترقص مع ملابس مسرحية بهيجة مملوءة بقطع حمراء، وبرتقالية، وزرقاء داكنة تسكنها أشباح شخصيات مجهولة بلا رؤوس، وأصوات قد تأتي من مغارات، أو مقابر؛ جيني تسبح في المياه، الأمواج الأخرى؛ وتعبر مغارة شفيفة فوق تيارات المياه تتشكل من صورتها ولكن في أزياء قوطية، وتنصت لأصوات أنتيجوني، وهيكوبا، وشبح كليمينسترا، ثم تلج موجة أو مغارة هوائية تشبه ضحكتها الخاصة، جيني تحاول رسم صورتها على الهواء ثم أعود إلى الماكينة وأمتلئ بضحكة جيني، والتي تمتزج أنوثتها الطيفية بأمواج العصا والثعبان من حولي.
مسرح آخر تجريدي مملوء بالمنحنيات البيضاء الناصعة، أو البنية الداكنة، ويتوسطها وجه لثور وحشي يبدو في حالة تأمل، أو دهشة ممزوجة بلمحة رعب هادئ؛ ألتقي بهذا الممثل الذي يرتدي زيا ملكيا، وتاجا اسطوانيا، يحدثني قليلا هن تجربة جروتوفسكي، ثم يخبرني أنه كان منذ قليل يعيد قراءة ذاته وفق شخصية الضيف الغريب في مسرحية حفل الكوكتيل لإليوت، وأنه قد وجده يشبه صوته الخاص وبخاصة في المشاهد الأولى من المسرحية، وأن هناك أصواتا أخرى تتموج بداخله؛ مثل ذلك الملك الداكن، وأصوات لغربان، ورجل من أقاربه كان محبا للتمثيل، وأنه كان يحب مشاهدة الضفادع لأرستوفان، ويجد صوتها بداخله، مع أصوات الآراء الحادة المتعارضة الأخرى؛ أجده أيضا يسرد حدث خروج شبح شخصية سيليا في مسرحية إليوت مساء من داخل تكوينه، وأن الشبح يرقص في الفضاء، ويعيد رسم تكوينه بأمواج تجمع بين البني والأسود، وفي كل مرة يمنحه انطباعا آخر، وداخل مملكة حلمية أخرى، وأنه بالأمس كان مع شبح سيليا ضمن مملكة داخل قصر قديم مملوء بنسوة يطرن بين الغرف ويضحكن أو يصرخن، ويصنعن دوائر مظلمة صاخبة بهيجة حول سيليا التي كانت تضحك أمام عنقود عنب أصفر كبير وشفاف في طبقة أخرى من المكان الشبحي.
طريق طويل خال إلا من بعض الأشجار العتيقة، وبحيرة، وبعض القطط السوداء، أو التي يختلط فيها اللون الأسود بمساحات بيضاء، أسير مع ممثلة ترتدي طيف فتاة فيرمير، وعلى جانبي الطريق مرايا مستطيلة ضخمة متجاورة، المرايا تعكس سوقا صاخبا مملوءا بباعة الخضروات، والفواكه، وبعض التحف، واللوحات الفنية، ومجموعة من النسوة يقمن برسم نسخ من فتاة فيرمير، أو بتكوينات غير محددة تشبه تكوينات فرانسيس بيكون، ولكن مملوءة بفجوات هوائية، وممرات مضيئة بنفسجية، المرايا لا تعكسنا أو تعكس طريقنا، نتأمل طريقنا ونبتسم في صمت، أراها ترقص برداء أسود مملوء بالبقع الحمراء حول شخصية ليدي مكبث وهي تمسك بالشمعة، بينما تستمع فقط إلى أصداء لسوق صاخب لامرئي، وتخبرني هي أنها تراني محاطا بثعابين مضيئة ذهبية بينما أعيد تأمل ممثل يشبهني وحوله القطط داخل مياه البحيرة، نبدأ الآن في بناء مسرح خشبي بسيط في الطريق الخال، ونتفق أن تكون لوحة الخلفية هي عين واسعة كبيرة مملوءة بمساحات الأبيض، والأحمر فتبدو مثل عاصفة كوكب المشترى الحمراء، وحولها سوف نرسم سوق المرايا، وصورة من البحيرة، نتفق أن نعيد رسم أصواتنا، وتكويناتنا الخاصة، وأحلامنا وذكرياتنا مع إلكترا، وأوريست، وليدي مكبث، وستيفن عند جويس، ومساعدة المخرج في كارثة بيكيت، وإسماعيل في رواية ملفل، ونبدأ في البحث عن صوتينا وتعبر فجوات أجسادنا الثعابين المضيئة بلا رؤوس وشخصياتنا الفنية المتداخلة التي بدأت في اكتساب كثافة مادية بدرجة أكثر منا قليلا.
ممر بدور علوي في تلك البناية الحديثة ذات الأرضية الفاخرة، والجداريات المملوءة بصور وتكوينات لثعابين لها أوجه تشبه الجوكر ولكن بأنياب طويلة، ووجوه لأسود، وتماسيح، ومهرجين ومهرجات باللون الذهبي؛ أستمع بحساسية داخلية شديدة إلى صوت دبيب أرضي قوي لمجموعة من العمالقة الرماديون الذين يسيرون خلفي، بينما تكويناتهم تبدو أشد كثافة من تكويني الهوائي، وتجري حولنا مجموعة من الكلاب الصفراء الداكنة؛ إننا نتجه بقوة نحو هدف بينما نستمع فقط لأصوات رصاص، وحراب، وزئير مجرد، وفحيح لامرأة تشارك معنا المعركة ولا نراها؛ يبدو أننا ضمن مطاردة لعدو مجهول.
من هو؟
ولماذا لا أراه أمامي بينما أتجه نحوه بقوة؟
يبدو أن عدوي تكوينه هوائي مثلي، لذا لا يظهر.
ما هذا اللهيب؟
ما هذه النيران البرتقالية الداكنة، والبنفسجية التي تندلع في الممر من حولنا؟
صوت المرأة ذات الفحيح يدفعنا لقتل العدو قبل أن يقتلنا، يرمي نحونا طاقة مجردة قوية فنشعر أننا نطير بقوة نحو نهايات الممر، نلاحظ وجود فجوة سوداء فارغة في نهاية الممر، بينما في المسافة التي تسبقها نعاين تكوينا هوائيا يرمينا بكرات من اللهب، ولا نراه الكرات النارية تعبرني، بينما أتقدم نحوه فيتجسد قليلا ثم يختفي أكثر من مرة، يتجسد، فأقذفه بإحدى كراته النارية، فيختفي مرة أخرى، وتتسع بيننا بقع طيفية واسعة من الدماء مثل الأميبا، وأجدني محاطا بالكلاب الصفراء التي تعوي بقوة، ونسقط في مجال هوائي كثيف آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع