الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نساء مغامرات في طريق الاستشراق قراءة في كتاب ( سيدات الشرق)

قيس كاظم الجنابي

2024 / 6 / 22
الادب والفن


نساء مغامرات في طريق الاستشراق
قراءة في كتاب ( سيدات الشرق)
-1-
وضعت الكاتبة الاسبانية (كريستينا موراتو) لكتابها (سيدات الشرق) عنواناً آخر هو(نساء رحالّة في الدول العربية)؛ والحقيقة ان الترجمة الأفضل هو(في البلدان العربية)، لان الرحالات تجولن في الغالب قبل نشوء الدول العربية الحديثة. ومن المحتمل ان العنوان الرئيس للكتاب هو(نساء رحالة في الدول العربية)، لان العنوان الأول منصص فهو بالتالي عنوان ثانوي، ولعل ذلك من تدخل الناشر أو المترجم؛ على كل حال صدر الكتاب بترجمة الأستاذ أكرم سعيد، وصدر عن دار تموز – ديموزي بدمشق عام 2002م، وتضمن الكتاب مقدمة بعنوان(مقدمة الرحلة الى الشرق) مستهلاً به كلمة للمس بيل كتبتها عام 1915م، والكاتبة هنا تتناول شخصيات غربية/أوربية نسائية قامت برحلات الى الشرق، وهن( ماري وورتلي مونتاغيو 1689-1762م)،و(هستر ستانهوب 1776-1839م)،و(جين ديغبي 1807-1881م)،و(ايزابيل برتون 1831-1896م)،و(جيرتورد بيل 1868-1926م)،و(فريا ستارك 1893-1993م)،و(اجاثا كريستي 1890-1976م)؛ ولم تتبع التسلسل التاريخي في وفياتهن ،ولكنها اتبعت زمن الرحلة وأهميتها.
سبع نساء اخترقن الشرق ووضعن بصماتهن عليه، كعالمات آثار ومدونات ومؤرخات وجغرافيات وحالمات ،وعاشقات للصحراء؛ وربما شبقيات متعثرات في حياتهن الزوجية ومنحرفات وفقاً لتصور الشرق وثقافته وتقاليده الموغلة في القدم، وطموحات الى المجد والشهرة ينافسن الرجال في حبهم للمغامرات والاستكشاف، صحفيات وجاسوسات .. وغير ذلك. كما حصل فعلاً لغيرهن من النساء والرجال؛ فقد كانت الليدي (مونتاغيو) زوجة السفير البريطاني تلج قصر السلطان العثماني منذ عام 1717م، وأول شخص أوربي/غربي يدخل الغرف السرية لحريم السلطان العثماني، استطاعت هذه المرأة ان تدخل" المقرات الداخلية الأربعة حرائم لسيدات تركيات ذوات شأن، بينهن حريم السلطانة حفصة ،أرملة مصطفى الثاني"؛ فكانت تصف في رسائلها الى أصدقائها في إنجلترا " تفاصيل تلك الأماكن الممنوع دخولها للرجال – باستثناء الزوج، المهجرين والمخصيين السود". حيث جرى استقبالها من قبل" نساء مبهرجات ومزينات في غرف ذات سقوف مذهبة وجدران مطعمة بالصدف والعاج".[ص8/ دار تموز، دمشق 2022م]
فكانت رسائلها تحاكي أجواء الليالي العربية الذي ترجمه الى الفرنسية (جان أنطوان جالان) بين عامي 1704-1717م؛ فكان له أثره الكبير في الحياة الاوربية العامة، وفي تطور فن الحكاية الى فن الرواية الاوربية المعاصرة؛ فألهبت رسائلها الخيال الأوربي، وبهرت الرسام الأوربي ، من أمثال (آنغر، ديركروا ،ماتين)؛ فملأوا لوحاتهم" بجواري جميلات أسيرات ، في أغلبيتهن عاريات، يدخن النرجيلة ،ويعزفن العود بانتظار زيارة السلطان".[ص8] في وقت كانوا يصفون العرب بالمتوحشين والبدو والقساة واللصوص وقطاع الطرق، كما وصفوا الباشوات الاتراك بالمستبدين، تعلمت الرحالات عدة لغات (العربية، الفارسية، التركية)وتعلمن ركوب الخيول والجمال والتدخين والسكنى في الخيام، لقد اندمجن بشكل كامل مع البدو، الذين كن يعتبرنهم من الارستقراطيين الحقيقيين للصحراء، رجالاً نبلاء ومضيافين، كانوا يعاملونهن" كرجال فخريين" يشربن الشاي مع العرب في فناجين الخزف وسط الصحراء، لكي يرضين غرورهن بشكل خاص، ورغباتهن الجسدية المكبوتة، لقد تركت " كل واحدة منهن بصماتها في الكثبان الرملية المتنقلة للصحراء أو في المدن كبغداد، دمشق او القاهرة، حيث عشن فترات طويلة من حياتهن ، عالمات آثار، جاسوسات لصالح الإمبراطورية البريطانية، رحالة رومانسيات ، مستكشفات، غريبات الاطوار وعاشقات، تجولن في عالم لم يعد له وجود.
بقي لدينا قصص رحلاتهن ، رسائلهن المؤثرة، وصفهن الرائع وصورهن بالأبيض والأسود لنفهم لماذا غيرت الرحلة الى الشرق حياتهن الى الابد".[ص11]
المقدمة التي كتبتها المؤلفة كانت ساحرة كسحر صحراء الشرق للغرب، ومستوفية للمادة، بعد ان اطلعت على تراث كل واحدة منهن اعادت صياغة حياة كل واحدة منهن، حسب سيرهن ومغامراتهن وأحلامهن، لان الكتابة عن الشرق تبقى مثيرة ولها طعم السحر وعجائب الجزر التي زارها السندباد البحري في رحلاته ،ولها مثل قلق شهرزاد ومخاوفها من القتل.
-2-
كان الموضوع الأول عن (ماري وورتلي مونتاغيو، 1762-1689م) زوجة السفير البريطاني في البلاط العثماني، التي اقتحمت مخادع زوجات السلاطين ،ومنهن ارملة السلطان مصطفى الثاني، وفي رسائلها التي كانت ترسلها ماري عام 1716م ، كانت أول شخص غربي يزور الغرف السرية للحريم السلطاني، بعض هذه الرسائل كانت الى زوجة الملك جورج الثاني؛ وقبل عام من وفاتها نشر كتابها (رسائل من استانبول ) عام 1763م؛ مما أثار حماس فولتير وأثر في تصور آنغر، ولم يسافر الفنان الفرنسي الى الشرق، ولكنه استلهم من توصيفات (الحمّام) الذي قدمته ماري في أكثر من لوحة فنية ،أشهرها (الحمام التركي- 1862م).
عاشت حياتها العاطفية المتخبطة، فقررت ابنتها (الليدي بوت) احراق يومياتها الأكثر حميمة لتجنب فضيحة أكبر، فتركت ابنتها بين ايدي هولندي موقر، وفي ظل حياة غامضة ومثقلة بالشبهات ،و لدت ماري وولد بعدها طفلان آخران، ثم ولد (وليام) عام 1692م، فعاشت في كنف جدتها (اليزابيث) التي توفيت عام 1699م،وتأثرت ماري بولدها الذي يملك مكتبة رائعة تحتوي على آلاف المجلات ،وفي عام 1703م كتبت أولى قصائدها ،وهي تقرأ بشغف أعمال موليير ،وكورنيل والشعراء اللاتين.
لم تكن ماري جميلة ،ولكنها تبدو جذابة جدا بعبقريتها واناقتها وشخصيتها القوية، حيث تتابع (موراتو) حياة سيدات الشرق بتوهج عابق وتألق متفتح، وفي نوع من الشعرية والشاعرية مع عدم النسيان للتواريخ والمحطات المهمة لدى شخصياتها وهي تكتب سير العمالقة من الرحالات اللواتي تركن بصماتهن على الشرق والغرب، فقد تتوجت حياة ماري بالزواج من سياسي واعد، أغراها بالمال ، حيث تزوجت ادوارد سراً في لندن، ومع ذلك بقيت تطور قدراتها الكتابية ، فلم تتوقف عن كتابة المقالات والقصائد والكتابة المسرحية؛ وفي عام 1716م تعين زوجها سفيراً في استانبول فأصبح ممثلاً لشركة الشرق التي كانت تتحكم بالتجارة بين بريطاني وبلاد الشام.
كان الحمام التركي/الشرقي هو الذي شاع في بغداد، في وقت كانت أوربا تفتقر له، فكان مبعث انبهار للغرب منذ عهدهم بالاندلس، فاكتشفت ماري ذلك السحر من العري فقالت عنه:" ان الحمام في الواقع كان يتشابه مع صالون تناول الشاي. عن الانجليز، بمعنى آخر ، المكان الذي تُبتدع فيه الفضائح، وتسري الاقاويل وتُروى آخر المستجدات في المدينة".[ص30] وهنا شعرت "بأنها أسيرة تهذيب وجمال السيدات التركيات اللاتي غرفتهن".[ص31]
لقد رأت ماري ان النساء الأكثر حرية في العالم والوحيدات اللاتي يتمتعن بحياة من الملذات غير المنقطعة،" ويقضين جلّ وقتهن في الزيارات، بالاستحمام او بالترفيه الأكثر متعة مثل إنفاق المال او ابتكار موضة جديدة".[ص45] وكانت رحلاتها كزوجة للسفير البريطاني لدى الدولة العثمانية من بلدها الى استانبول، ثم العودة اليه، هي التي الهمتها الخيال الواسع في تصوير حياة الشرق، مع انها كانت تمتلك صداقات مع ادباء معروفين مثل فولتير، كما تعرفت على شاعر شاب جذّاب من فينيسيا يدعى(فرانشيسكو الغاروتي) كان يصغرها بأربعة وعشرين عاماً، فأغرمت به بشكل جنوني، وبقيت تكتب له رسائلها الغرامية فيه باللغة الفرنسية، فعاشت مغامراتها وجنونها حتى أصيبت بمرض السرطان؛ فقامت الليدي (بوت) بنشر رسائلها عام 1763م بعنوان (رسائل السفارة)،ومنها رسائل موجهة الى عشيقها (الغاروتي)،ولكن (بوب) أحرقت يوميات(ماري) الشخصية التي كانت والدتها قد كتبتها منذ زواجها من السيد(ووتلي) وحتى وفاتها، ومع ذلك بقي قسم كبير من حياتها غارقاً في الغموض، الامر الذي اعتبره معجبو الليدي ماري نوع من التخريب الحقيقي ، يشبه اتلاف مذكرات الشاعر لورد بايرون. وهكذا اغرقت المؤلفة سيرة ماري بالتواريخ والاحداث والمغامرات وجعلتها تتحول الى موضوعات تاريخية، وسلبت منها روح الاغراء والتشويق، للكشف عن النزعة الشبقية المضمرة في جسدها وحياتها.
-3-
الرحالة الأخرى الثانية هي (الليدي هستر ستانهوب، 1776-1839م) التي دعتها بـ( زاهدة لبنان)، بعد ان اطلقت على ( مونتاغيو) لقب(بريطانية في الحريم)؛ كنوع من اختيار المهمة الأكبر عنواناً للفصل الخاص بكل شخصية من شخصيات كتاب(سيدات الشرق)، فقد كانت(هستر) في جبال لبنان منذ عام 1817م،مع حاشيتها من الخدم والعبيد في دير بجبال لبنان ،وهي ارستقراطية انجليزية تبلغ من العمر ستة وأربعين عاماً، حتى صارت مثل اسطورة او شخصية خيالية حين دخلت تدمر مثل ملكة عربية، تعرفت خلال مسيرتها على بعض الكتاب من أمثال (الفونس دي لامارتين أو الكسندر وليام كنغليك)،لم تكتب يومياتها ،حول حياتها المليئة بالشغف، رافقها في رحلاتها صديقها الدكتور تشالز ميريون، لمدة ثمانية وعشرين عاماً كطبيب خاص ،والذي نشر كتابين ،هما(مذكرات الليدي هستر ستانهوب) عام 1845م،و(رحلات الليدي هستر ستانهوب) عام 1846م.
كانت ابنت اخت رئيس الوزراء البريطاني(ويليام بيت) ،ولكن والدتها توفيت فتزوج والدها بزوجة ثانية، والذي يعد أول حزبي عمالي، قامت بجولة سريعة باوربا أولاً، رافقتها ميريون وهي تمثل لديه(ملكة الصحراء) صاحبة النفوذ والموهبة الاستثنائية ،تزامنت حياتها مع بديات صعود نجم نابليون ورغبته بالسيطرة على أوربا والشرق في حملته على اسبانيا ومصر وبلاد الشام، تمتعت بعلاقة مع لورد بايرون الشاعر الرومانسي الذي كان يلهب مشاعر السيدات الانجليزيات، بدأت رحلتها نحو الشرق في منتصف شهر تشرين الأول من عام 1810م، متجهة نحو عاصمة الدولة العثمانية في عهد السلطان محمود الثاني ابن عبد الحميد.
بعد غرق سفينتها التي تقلها اضطرت الى التخفي في زي رجل تركي، وهناك التقت بوالي مصر محمد علي باشا في قصره بالازبكية. تمتعت بسحر الشرق وغرابة الغرب، وتحدت النساء في اكتشاف المجهول من حياة الشرقيين، كما تمتعت بعلاقات ربما غير واضحة مع الفونس دي لامارتين الذي قام برحلة الى لبنان وكتب رحلته بعنوان(رحلة الى الشرق) فتزامنت مع رحلتها حيث زارت القدس ودخلتها من باب بيت لحم ، وكانت محاطة بسور محصن أمر ببنائه السلطان سليمان القانوني عام 1520م، بصحبة الدكتور ميريون وكان هناك الرحالة بوركهارت متخفياً بزي تاجر عربي وتحت اسم( إبراهيم عبدالله) فاستطاع ان يكتشف في 12/آب/ 1812م مدينة البتراء النبطية الأسطورية ؛وهناك في بلاد الشام تلقت دعوة من بشير الشهابي زعيم الدروز، فاكتشفت انهم يأكلون اللحوم غير المطبوخة، فصارت تعتقد بأنها ستتحدث في (رسائلها)عن أسطورة جديدة من أساطير الشرق، وعن أناس وصفتهم بـ(الشعب الرائع والغامض)، الذي يقطن جبل لبنان الذي كان غارقاً في الحرب الاهلية دامية بين المسيحيين والدروز، حيث كان الباشا سعيد سليمان مسؤولاً لميليشيا خاصة، يتقاتل نحو أربعين ألف عربي فيما بينهم؛ فسافرت الى دمشق فأقامت في منزل متواضع في الحي المسيحي ،وصفته بانه(قطعة من الجنة على الأرض)، يعود تاريخها الى نحو 4000 عام قبل الميلاد.
كانت تتجول في دمشق على ظهر حصانها دون حجاب وبزي عربي، حيث كان الناس يعاملونها باحترام كبير، وكانت النسوة يهتفن لها ويلقين حبيبيات القهوة في طريقها، فسرت اشاعات بأنها ذات اصل تركي، ويجري في عروقهم الدم العربي، وكان التجار يتنافسون عليها لتقديمها الى زوجاتهم(المحجورات) في الحريم، ومن هناك رحلت الى تدمر وملكتها الزباء(زنوبيا) كما يسميها العرب وتقع على طريق القوافل التجارية بين الغرب والشرق" التي كانت تمر عبر طريق الحرير وتجلب العبيد، الحرير ،التوابل، خشب الابنوس، العاج او المجوهرات تدمر الى مدينة تربة جداً أثارت اهتمام روما. شيّد الأثرياء معابد كبيرة يعيشون في قصور فخمة مغطاة بالرخام، ومزينة برسومات جدارية".[ص91]
وتسرد الكاتبة شيئاً من تاريخ تدمر، وعلاقتها بالرومان، حيث شاعت فيها عبادة الشمس، ثم قامت برحلة طيبة على نهر العاصي واستمتعت بمناظر نواعيرها وهي ترفع الماء من أعماق النهر الى المزارع، وقامت هناك بحملة لتنقيب الاثار في بعض المدن والبحث عن المخطوطات، وقد وصفها الرحالة والشاعر الرومانسي الفرنسي في عام 1832م في كتابه( رحلة الى الشرق) ووصف لقاءه الشاعري بها ،وفي عام 1838م طلبت من صديقها(تشالز ميريون) العودة الى إنجلترا بعد تعرضها لنكسات صحية، وقد فاق عمرها الستين حتى توفيت على سريرها في تموز 1839م، في بلاد الشام فدفنت في المكان الذي اختارته في احدى زوايا حديقتها من الزهور، بعد نحو خمسين عاماً من وفاتها حاولت واحدة من بنات شقيقتها (دوقة كيفلاند) التعرف على المكان الذي لجأت اليه خالتها.
-4-
في الموضوع التالي(روح بدوية) الذي تناولت فيه الكاتبة حياة (الليدي جين ديغبي ، 1807-1881م) التي أبحرت في نيسان 1853م من ميناء بيرابوس باليونان باتجاه الشرق ،وهي في السادسة والأربعين من عمرها، تاركة خلفها ثلاث زيجات وستة أطفال ،وعدد لا بأس به من العشاق المشهورين، وعلاقات عاطفية صاخبة صدمت بها مجتمع النخبة الإنجليزي، وألهمتها عدة روايات حققت نجاحاً كبيراً في المبيعات، وصف المؤلفة رحيل ديغبي الى الشرق، بانه هروب بكل المقاييس فقد كانت تريد نسيان حبها الأخير والشغوف لجنرال ألباني، ولوفاة مأساوية لابنها العزيز البالغة ستة أعوام؛ كانت قرأت (ايوثين) لالكسندر وليام كنغليك ،وهو كتاب رحلات فريدة من نوعها نشر عام 1845م، والذي تحدث فيه عن لقائه بالرحالة الإنجليزية الجامحة التي تحدثنا عنها وهي( الليدي هستر ستانهوب) في جبل لبنان، والتي تمكنت من دخول تدمر، فكانت كتب الرحلات التي تتحدث عن الشرق والبلاد المقدسة في فلسطين هي المعين الذي يستقي منه الرحالة مادتهم؛ فضلاً عن الانكسارات النفسية التي تتعرض لها النساء الارستقراطيات الغربيات، للهروب من واقع المغامرات والنزوات والفشل العاطفي والنزعة الشبقية التي يعتقد بأن الشرق موطنها، أو(داؤها ودواؤها)، لقد كانت مغامرات جين وزيجاتها وعلاقتها بملك بافاري ، غريب الاطوار لويس الأول، تبحث بها للتعويض عن ازمتها الذاتية، لهذا تزوجت (مجول المصرب) الرابع والأخير، وهو زعيم قبلي وحارس للقوافل والطرق قرب تدمر، مثقف ولبق من عشيرة المصرب؛ فأصبحت (الليدي جين ديغبي المصرب) بدوية حقيقية" تتزين بضفيرتين طويلتين تصلان للأرض، وتزيّن عينيها بالكحل، تدخّن النرجيلة وتمتطي جوادها بمهارة عالية(...) كانت تلقى احتراماً وتقديراً كما لو كانت ملكة لتلك العشيرة، مرتدية عباءتها الزرقاء، مع شعرها الجميل المنقسم الى ضفيرتين اثنتين تصلان للأرض، كانت تقود الابل ،وتخدم زوجها، وتحضّر له الوجبات الخفيفة، تجلس على الأرض، وتغسل قدميه وتقدم له القهوة؛ بينما كان زوجها يتناول الطعام، تبقى واقفة، تلبي طلباته وتقوم بتمجيده. كانت تبدو بمظهر رائع بزيها الشرقي".[ص110]
كانت روح التمرد والبحث عن الذات واحدة من خصائصها وملامح شخصيتها المفعمة بالنشوة، تتحدث أربع لغات(الإيطالية، الفرنسية، الألمانية، الإنجليزية)، رسامة بالقلم الرصاص والألوان، وتعزف على البيانو ، ولها قدرة على الغناء، وفي عام 1824م تزوجت من رجل بليد أغراها بكتابته للشعر، ثم تواصلت مع عشاق يروون ظمأها ويعيدون ترتيب جسدها الجموح بالشبق، فقد كانت علاقتها الغرامية الأولى مع شاب أمين مكتبة المتحف البريطاني هو(فريدريك مادين) ثم مع عشيقها الثاني الكولونيل (جورج انسون) وكانت لها علاقة مع (لورد الينبورو) وأنجبت منه ابنها الأول (أرثر)الذي اعترف. كانت ترى بأن الحب هو كل شيء وكانت علاقتها مع (لورد الينبورو) مثار صخب وفضائح وطلاق سبب ضجة كبيرة في المجتمع البريطاني، كما تمتعت برحلات أوربية الى باريس وبعض المدن الاوربية حيث قضت في باريس لوحدها ثلاثة أعوام في عالم ضيق من البوهيميين ، حيث" كان الجو مشحوناً بعناصر دخيلة شرقية جعلها موضة سائدة الرسام ديلاكروا المهووس بالتفاصيل الداخلية للحريم".[ص117]
في عام 1832م تحولت الليدي جين الى ملهمة للرسام(ميديشي) عندما رآها لأول مرة تجلس في شرفة مقهى(تامبوسي) ذات الحضور الجذاب والسحر المتدفق، ثم أصبح لويس الأول ملك بافاريا في الأعوام اللاحقة صديقها الوفي، و"عشيقاً عابراً"، حسب ما ورد لدى كاتبي سيرتها ،وكان الملك قد أمضى مدة من الزمن في إيطاليا واليونان، فازداد اعجابه بالحضارات القديمة، فحاول مواساتها عندما كانت آنذاك ماتزال صديقة للامير (فيليكس)، وهو في حقيقة الامر كان يغازلها، وكان الملك لويس يبلغ الخامسة والأربعين عاماً، ومتزوجاً منذ عام 1810م من الاميرة(تيريزا) التي كانت تعتبر الأكثر جمالاً في كل أوربا، وذات شخصية متحررة.
ارتبطت بعلاقة مع البارون(كارل فون فينغين) حين التقاها في احدى نزهاته، وهو يبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً ، فانجبت من تلك العلاقة ابنها (هيريرت) في باليرمو بايطاليا، ثم تزوجا عام 1833م، حيث ولد ابنها السادس الطفلة (بيرتا)، ثم عادت الى ميونخ عام 1835م، ثم هربت فيما بعد مع ثيوتوكي ، وعاشت لاحقاً في سورية ،وكانت تتلقى رسائل زوجها السابق البارون. ثم تزوجت من(سبيروس ثيو توكي) على الطقوس اليونانية في مرسيليا، بعد ان اعتنقت الكاثوليكية، ثم تعرفت على الرحالة(فرانس إدمون فرانسوا آبو) فعاشت معه حياة بوهيمية توحي بنوع من التمرد واليأس، ثم بدأت رحلتها الى الشرق وبالذات الى القدس وزارتها .
وفي القدس استنشقت كل عطور الشرق، بعد زيارة كنيسة القيامة، وطريق الالام كالحجاج واستمتعت بشراء الاقمشة، ثم توجهت الى دمشق ، ثم الى تدمر حيث توجت حياتها بعشق شاب بدوي (مجول المصرب) الأخ الأصغر لزعيم قبيلة المصرب ، وكانت هذه القبيلة تعيش على حراسة القوافل بين بغداد ودمشق ،تامين الحماية للرحالة ؛وهم الذين رافقوا بنجاح الليدي (هستر) في رحلة النصر الى تدمر في نيسان عام 1813م. كان مجول ربما في عمر ابنها ، وتعرفت على الرحالة الشهيرة(آن بُلنت) حفيدة الشاعر لورد بايرون، وأول أوربية تقوم باستكشاف المناطق الداخلية في البلاد العربية، والتي تعرفت على مجول ووصفته بانه" قصير القامة، رشيق القوام، ذو يدين وقدمين صغيرين، ووجه بلون زيتوني".[ص129] وكان شعره الأسود وانفه الحاد مثار اعجاب. كانت بُلنت (بلانت) هي التي عقدت التواصل بين جين والمس بيل ، في دور الاستشراق النسوي للشرق، والادوار التي أدت فيما بعد الى تفكيك الدولة العثمانية واحتلال الشرق العربي؛ فعاشت جين متقشفة في الصحراء، وفارسة من فرسانها مع زوجها مجول الذي زار دمشق للابلاغ عن وصولها الى تدمر، كما كانت تبهرها شخصية زنوبيا.
في حزيران عام 1853م استعدت للمغامرة الكبرى الى تدمرن وهناك التقت مجول في ضواحي المدينة فأدهشها مظهره وزيه الرائع،" كان مجول المصرب يرتدي رداءً قرميدي اللون، عباءة بيضاء طويلة، وشالاً من الحرير ملفوفاً على رأسه ويضع على خصره سكاكين ومسدسين اثنين، كان يضع حول عنقه حزاماً من الحرير الأحمر يتدلى منه سيف قاطع، ويحمل على معصم يده صقراً مغطّى العينين".[ص135] حملها في قافلة نظمتها الليدي جين، هي أكثر تواضعاً من القافلة التي نظّمتها الليدي هستر ستانهو عندما غادرت دمشق مع أربعين جملاً مع حاشيتها من الخدم.
وفي يوميات (جين) الكثير من الوصف الرومانسي للمناظر الخلابة المحيطة بتدمر، التي كانت تسمى(لؤلؤة الشرق) حيث يبرز المعبد الضخم المشيد عام 32م وكان يسمح للرحالة البقاء في تدمر لمدة24 ساعة فقط، ثم قامت برحلة الى بغداد فوصلتها في 12/شباط/ 1854م بعد رحلة مضنية استمرت ثمانية أسابيع ن فشعرت بخيبة أمل في هذه الرحلة لما شاهته في أوضاع متدنية فيها. بينما كانت (بُلنت) قد وصلت بغداد مع زوجها (ويلفريد) عام 1878م في أثناء رحلتها الى نجد، واعتقد ان خيبة أملها من رؤية بغداد ، كان بسبب عشقها الأسطورة، وربما لحنينها الشبقي لفحولة مجول( فيما بعد)، فقد كانت موافقتها على الزواج منه مرتبطة بموافقة شكلية من القنصل البريطاني السيد(ريتشارد وود) الذي رأى في هذا الزواج إهانة كبيرة ، من همجي غير متحضر وقاطع طريق؛ ويبدو ان من مصالح بريطانيا إقامة هذا الزواج، فتزوجت من مجول في حمص ثم عادت الى تدمر أواخر ربيع عام 1855م، ثم زارت بلدها بعد عشرين عاماً؛ فكتبت عنها الصحف من "عربي ، قذر، همجي، ومتوحش"، وكان يقال للفتيات اللواتي يتزوجن من العرب هو "الجماع ، ان يكن هادئات وفكرّن في الإمبراطورية".[ص144] ثم نظمت حياتها مع مجول منذ كانون الأول عام 1878م، كل ستة أشهر في مكان في منزله أو في دمشق.
وصفت الرحالة (إيملي بوفور) ضيفة الليدي جين في رحلتها الى تدمر عام 1861م ، كما وصفت الحياة البدوية ، كما وصفتها زوجة المستكشف البريطاني (إيزابيل برتون) بانها" اكثر بداوة من البدو أنفسهم"؛ فقد تعلمت غسل شعرها ببول الابل الذي يقتل القمل ،وينعش فروة الرأس ويعطي الشعر لمعاناً جذاباً" كانت ترتدي عباءة تقليدية من القطن الأزرق، واعتادت المشي حافية القدمين وتكحل عينيها. مع ذلك رفضت وضع الوشم على الشفتين، الخدين، الانف، الجبين ، الصدر، البطن كما كانت العادة بين الفتيات".[ص246]
في عام 1869م اتمت جين الثامنة والستين من العمر، فكتبت في يومياتها :" ومع ذلك، لا تستطيع ان تتفوق عليّ بمشاعرها الملتهبة والشغوفة أي شابة مندفعة ورومانسية في السابعة من عمرها".[ص150] وفي هذه المرحلة وصل ريتشارد برتون ترافقه زوجته الى دمشق التي سرعان ما صارت صديقتها، فقدمت لرتشارد معلومات رائعة حول العادات الجنسية للنساء في الحريم ،وهو ما استخدمه لاحقاً في ترجمة (ألف ليلة وليلة)ن ثم نشر كتاب بعنوان(رومانسية إيزابيل، الليدي برتون) الذي نشر عام 1898م والذي خصص فيه عدة فصول عن (الليدي جين ديغبي)،وصفت فيه إيزابيل زوجها مجول بـ" الأسود القذر والصغير أو شبه الأسود الذي اتخذته زوجها لها"، ولكن جين ردت على منتقديها :بأن زوجها لم يكن همجياً مع انها استغرقت خمسة عشر عاماً "لتعلمه كيفية استخدام الشوكة والسكين بشكل صحيح".[ص151]
كتبت ماري إس لوفيل شيئاً من سيرتها في كتابها (الحياة الفاضحة) محاولة ان تحررها من مذكراتها ورسائلها ويومياتها، كما زارها في منزلها بدمشق عام 1876م أحد الرحالة وكتب في يومياته عنها، وفي عام 1877م اتمت عامها السبعين "ومازالت عاشقة كمراهقة لحبيبها مجول".[ص153] واعتقد ان رغبتها الجنسية الشبقية كانت وراء تمسها بمجول وحبها له حتى توفيت عام 1881م في 11/آب.
-5-
خصصت الكاتبة الفصل التالي لسيدة أخرى من سيدات الشرق، الاهي صديقة جين (إيزابيل برتون، 1831- 1896م) زوجة القنصل البريطاني في الاستانة، وجعلته بعنوان (شغف شرقي) واسمها هو(إيزابيل أونديل) وكان زوجها برتون عبقرياً متعدد الجوانب : عسكري، جاسوس، علم انثروبولوجيا ، شاعر، كاتب غزير الإنتاج؛ فضلاً عن كونه عالماً باللغات تسلل متخفياً وزار جزيرة العرب ، قبل نشأة المملكة العربية السعودية، يتحدث بطلاقة تسع عشرة لغة، من بينها العربية والهندية، "رجل مثير وشاذ جنسياً" أثار ضجة كبيرة من خلال ترجمته لكتاب(ألف ليلة وليلة) الذي كان يعد من الكتب الإباحية الشرقية ،وكان زوجه من برتون يبدو لغزاً في كيفية قبولها بالزواج من رجل منبوذ اجتماعياً.
جذبها بملامحه العربية : شعر أسود، حواجب سود حادة ومحددة بشل جيد ،ووجه اسمر خشن؛ بينما كانت إيزابيل تعيش حياة رتيبة وسطحية في لندن ،وفي عام 1869م، تمكنت من زيارة الشرق، ولم تتردد في كتابة سيرة رسمية لزوجها (حياة النقيب السيد ريتشارد برتون)، ازالت مقاطع كاملة من كتبه واحرقت أكثرها اثارة وخصوصاً ما يتعلق بالجنس، وبعد وفاته في عام 1890م اشعلت الكثير من مخطوطاته ،من بينها ترجمته لكتاب (الروض العاطر في نزهة الخاطر) للنفزاوي، وهو كتاب مخصص للمعاشرات الجنسية، بينما كان برتون يشعر بالفخر لهذه الترجمة، قرار اتخذته بنفسها بعد "خمسة وثلاثين عاماً من زواج عبودي" والذي وصفته بـ(المرعب والرهيب) وهو الذي جعل منها مكروهة من معاصريها. في الوقت الذي كانت فيه تتصرف كزوجة مثالية.
ولدت إيزابيل في 20/آذار/ 1831م والدها(هنري رايموند) ينتمي الى اسرة(أوندويل) ؛ فكانت الابنة الأكبر من زواجه الثاني، والدتها إليزا جيرارد من اسرة ارستقراطية كاثوليكية متزمتة ، كانت تشعر بمحبة كبيرة لوالدها، ومشاعر متناقضة نحو والدتها، كانت والدتها تعد زوجها وحشياً ومنحطاً؛ بينما وصفتها معلماتها بأنها" متألقة ، ذكية وفضولية جداً". بعد وصولها الى دمشق لأول مرة عام 1869م، تناغم ما شاهدته عن الشرق مع ذكرياتها عنه، فقامت بزيارة الى بعض الغجر في خيامهم، فتعرفت على (هاجر) التي قرأت لها طالعها فقالت لها:" حياتك ستكون لكن يبحر ضد التيار، لكن الله سيكون معك".[ص162] بالطبع أثر هذا الكلام فيها وصار دليلاً لها. وفي لقائها بـ(برتون) الضابط في الجيش البريطاني المتواجد في الهند " المنبوذ والمثير للجدل، والذي كانت تلاحقه الفضائح"؛ فاعجبت بمظهره البهي، وهنا تذكرت نبوءة العرافة الغجرية(هاجر). وكان برتون قد تعلم الهندية واتقن اللغة العربية واثنتي عشرة لغة محلية، وكرّس في بومباي وقتاً مهماً "وبكل مثابرة لممارسة الفنون الجنسية للكاماسوترا مع احدى العشيقات المحليات. في كراتشي ، تردد متخفياً بزي تاجر فارسي على مواخير المثليين من أجل اعداد تقرير بناء على طلب قادته. العلاقات الحميمة مع الأطفال والمخصيين التي كانت تجري هناك ووصفها برتون بأدق التفاصيل تمّ استخدامها لاحقاً من قبل معارضيه لتشويه مسيرته العسكرية".[ص168] قام برحلة الى جزيرة العرب وزار مكة والمدينة ،وتجول في صحاري شبه الجزيرة العربية الواسعة واكتشف بعض الأماكن في صحراء الربع الخالي.
كان بوركهارت الرحالة السويسري قد انطلق عام 1808م برحلة من تكليف الجمعية الافريقية بهدف التوغل في القارة السوداء، وتخفى بزي عربي وتحت اسم الشيخ إبراهيم بن عبدالله، واكتشف البتراء عام 1813م. وفي عام 1815م قام برحلة حج الى مكة، وكتبت زوجة برتون في 24/أيار/ 1853م مقدمة الطبعة التذكارية لكتاب زوجها (رحلتي للحج الى المدينة ومكة)، وزار الإسكندرية عام 1853م ورصد ما كان يسمى بالختان الانثوي للبنات.
لانستطيع قراءة حياة إيزابيل من دون حياة برتون، كما أضاءت جزءاً من مغامرات بُلنت زوجة الشاعر (ويلفريد بُلنت) بعض الصور عن حياة برتون وحياة زوجته، حيث وصل بيروت في 1/ تشرين الأول/1869م؛ فكانت بالنسبة لهما دمشق غامضة، وان كان المكان الذي كانت تحلم ان تراه، فوصفتها بقولها:" كانت لؤلؤتي، جنّة عدن، أرض الميعاد، مدينتي البيضاء والرائعة، المليئة بالقباب المنتفخة وبالمآذن المتألقة، والتي تتداخل أهلّتها البراقة مع كل تدرجات اللون الأخضر".[ص194] وهناك رات حمامات دمشق التي أطبقت شهرتها الآفاق، وخصوصا النساء الاوربيات. والتنفس للنساء الشرقيات في العري والثرثرة. وفي عام 1869م كتبت في يومياتها :" حياتنا في دمشق مقدسة ، مهيبة وموحشة".[ص200] وكانت بصحبة زوجها برتون، فاشتركت مع جين عاشقة الشرق في البحث عن تدمر، ووثقت رحلاتها ومشاهداتها بكتاب مثير للفضول عنوانه(خفايا الحياة في سورية وفلسطين والأرض المقدسة ) الذي نشر في لندن عام 1875م حتى قالت:" كيف لي ان أقتلع الشرق من قلبي".[ص206].
-6-
المحطة الخامسة كانت مع (جيرتورد بيل، 1868- 1926م) أو المس بيل أو الخاتون بالعراقي، سكرتيرة المندوب السامي في العراق بعد الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917م، كانت دبلوماسية وبارعة وذات إرادة ، استطاعت تعيين الملك فيصل الأول ملكاً على العراق، كانت تسمى ملكة العراق واسست المتحف العراقي، ولدت في تموز عام 1868م في مقاطعة هيرهام وتزوج والدها عام 1876م من السيدة فلورنس أوليف ،وهي كاتبة وفنانة مسرحية لامعة، فكانت على علاقة طيبة مع مجتمع النخبة من أمثال تشارلز ديكنز ،وهنري جيمس ،ودبلوماسيين وسياسيين بارزين ، وفُتنت بالشرق مما جعلها تحلم بزيارته فتعلمت اللغة وصنفت كتابها(صور فارسية)الذي صدر عام 1894م.
يحتفظ أرشيف جامعة نيوكاسل على اكثر من 400 صورة تم التقاطها من قبل المس بيل بين عامي 1900-1918م، وتمتعت بعلاقات مهمة مع زعماء القبائل الكبيرة تمهيداً للاحتلال البريطاني للعراق ، كما فعلت مع فهد الهذال زعيم عنزة وعلي السليمان زعيم الدليم؛ بجانب اتصالات متينة مع الموحدين الدروز، عبر مغامرات شاقة ،وعادت الى بلدها عام 1900م، ورجعت الى بيروت عام 1905م، وزارت دمشق ونشرت كتابها عن رحلاتها في أواخر شهر كانون الأول 1906م، بعنوان(الصحراء والزرع) في الوقت الذي نشر تشارلز داوتي كتابه( الترحال في صحاري شبه الجزيرة العربية)؛ وكان هاجسها زيارة قصر الاخيضر ، كما كان ذلك هاجس لجمان الذي اشارت اليه في رحلتها(من مراد الى مراد) الذي صدر عام 1911م.
كان طموحها اجراء لقاء بين أبرز زعيمين قبليين من زعماء القبائل في جزيرة العرب ابن سعود وابن رشيد، في ظل إحساس بالإحباط من الزواج المناسب، كانت عاشقة لرجل متزوج وطموحة لاكتشاف الصحراء، انطلقت حملتها من دمشق؛ فكانت تقترب في توجهاتها من طموحات الليدي بُلنت، حفيدة اللورد بايرون، بصحبة زوجها ويلفريد سكوين بُلنت ،والتي كانت اول اوربية تخوض مغامرات الرحلات الى الشرق، وذلك عام 1878م، فأصدرت كتابها(الحج الى نجد)، كانت بيل تكتب رسائلها الى زوجة أبيها فتقول:" اشعر بأمان وثقة أكبر في هذا البلد دون قانون كما لو كنت في بلدي نفسه".[ص244] كما كانت رسائل (ديك) تكشف لها حقيقة مشاعره نحوها رداً على يومياتها تلك:" لقد قرأت يومياتك الرائعة والشغوفة واعلم ذلك. ليس أبداً عاشقا لك، أي كزوج وزوجة".[ص245]
هناك التقت محمد أبو تايه زعيم الحويطات الذي وصفته بيل بالرجل الأسطوري، ووصفه لورنس العرب بالفارس الحقيقي للصحراء، لحثه على الاستجابة لثورة الشريف حسين ، كان بلغريف واحداً من الذين يجوبون جزيرة العرب، والذي سافر اليها عام 1862م منتحلاً صفة طبيب وبزي عربي ،والذي نشر كتابه في لندن عام 1865م وسد فيه مغامراته، وكذلك كان مونتاغيو داوتي، مصنف كتاب (الترحال في صحارى شبه الجزيرة العربية)، وكانت بيل تطمح الى التوغل في صحراء النفوذ، الذي وصفه بأنه" أسوأ مكان خلقه الله"؛ بالنسبة للمسلمين.
تعرضت بيل للسجن في حريم قصر ابن رشيد، كانت "تعيش في حريم القصر محاطة بالخدم المخصيين في جو من الخيال".[ص251] وكانت جدة الأمير فاطمة تحيك مؤامراتها تحت أسوار مدينة حايل. ثم اطلق سراح في وقت كانت تشعر به بنهاية مجد ابن رشيد. والتقت داوتي وارتمت بين ذراعيه أربعة أيام رائعة، دون ان تجرؤ ان تسلم نفسها له، ولن تفعل ذلك طالما هو متزوج من جوديث؛ فقد كانت بيل تشكل مع لورنس العرب الثنائي الذي حقق لبريطانيا الخرائط والأفكار الازمة لتدمير الدولة العثمانية، وفي 10/آذار/ 1917م استولت القوات البريطانية على العراق، وعندها دعا برسي كوكس لتكون سكرتيرة الشرق، فكان لها دور فاعل في ترشيح الملك فيصل الأول لعرش العراق، الذي وصفته بالزعيم المثالي والدبلوماسي البارع.
-7-
كان الموضوع التالي عن (فريا ستارك، 1893- 1993م) وبعنوان(المستكشفة الأخيرة) التي حطت رحالها بعد موت(انتحار) المس بيل التراجيدي، بعد تناول كمية كبيرة من الحبوب المنومة، لشعورها بخيبة حياتها على الصعيد الشخصي ،وعدم زواجها من زوج مناسب، اتجهت من بيروت صوب جبل الدروز ، في الجنوب السوري ،والتي جعلت رحلتها عام 1927م، اسطورة عالمية لخرقها الطوق العسكري للقوات الفرنسية في سورية، لم تتح الظروف للرحالتين المس بيل وفريا باللقاء، بالرغم من تشابه الأهداف. ولدت فريا في باريس في 31/حزيران/1893م، وتلقت تعليمها في لندن . كان لورنس داريل يلقبها بـ(شاعرة الرحلات)، كما كانت تلقب (سيدة الإمبراطورية البريطانية في عام 1972م)، دونت كتابها (رسائل من سورية) عام 1942م، كانت بنتاً لروبرت ستارك ،لرسام بريطاني البوهيمي، وترعرعت متأثرة بشخصية والدتها الصارمة ،الامرأة المزاجية الشغوفة بالتنقل والتغيير ،تعلمت عدة لغات وتتحدث الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، واللغة العربية، تأثرت فريا بلورنس العرب، كما كانت تحمل معها كتاب داوتي(الترحال في صحارى شبه الجزيرة العربية) كأول رحالة يتوغل في شمال الجزيرة البعيدة الموحشة.
كانت تتعقب خطى المس بيل في التجوال والانجذاب الى الموحدين الدروز، وبعد عدة شهور استقلت القطار باتجاه دمشق في 15/آذار/1928م، فوصلتها وسكنت في غرفة صغيرة لدى اسرة مسيحية بباب توما(القديس توما)، وصفت النساء الدرزيات بانهن "يرتدين تنورات رائعة ذات ألوان مزركشة وصدريات مشدودة من المخمل تُربط على الخصر".[ص290] في وقت كانت فرنسا تعتقد ان وراء تمرد الدروز جواسيس بريطانيون.
زارت بغداد واقامت في حي للبغايا، ثم حاولت استعادة تاريخ بغداد واكمال دور المس بيل، خاتون بغداد وصانعة الملوك، فالتقت بالشيخ عجيل الياور زعيم قبيلة شمر، وراحت تدرس القرآن والآثار والفرق والمذاهب، وزارت بلاد فارس وسجنت في لورستان، ثم عادت الى بغداد، قبلت في الجمعية الجغرافية الملكية بلندن عام 1830م، كانت تتطلع لزيارة اليمن والتمتع بمناظرها، فزارت عدن، ثم ابحرت الى إيطاليا وزارت الحبشة؛ وتمتعت بعلاقة طيبة مع (بس) الذي لم يفكر بالانفصال عن زوجته؛ فشعرت "بالرفض من أحد سلّمت نفسها له لا بعد الحدود وكانت لأول مرة تشعر معه بلهيب الغرام العاطفي".[ص 312] وكان أكثر خبر ترك تأثيراً عليها وفاة لورنس العرب في 13/أيار/1935م، بعملية اغتيال للتخلص من تعهداته للعرب، بعد ابرام اتفاقية سايكس – بيكو،" في حادث دراجة نارية على احدى الطرقات القريبة من منزله الريفي في دورست. كان يبلغ من العمر سبعة وأربعين عاماً وهارباً من اسطورته نفسها، كان قد غيّر اسمه الى توماس إدوارد شو. قدّم لورنس استقالته الى ونستون تشرشل، بعد مؤتمر القاهرة (1921م) الذي قرر فيه الحلفاء مستقبل الشرق الأوسط. كان يشعر بعد الراحة ويعتقد انه قد خدع العرب، لان السلطات البريطانية لم تلتزم بالتعهدات التي تم التوصل اليها مع القبائل البدوية".[ص312]
نشرت عام 1940م كتابها (شتاء في شبه الجزيرة العربية)؛ فكانت في خريف عام 1938م قد عادت الى اسولو لكتابة مقدمة لاحد كتبها المصورة (مشاهد حضرموت)، ثم صارت فيما بعد خبيرة بوزارة الاعلام بلندن في آب 1939م، في جنوب شبه الجزيرة العربية، وكان رئيسها ستيوارت براون الذي تعرفت عليه عام 1937م، فاظهرت شجاعتها ومؤهلاتها الاستثنائية كجاسوسة فشدت الرحال الى بغداد عام 1941م، بعد تولي كورانواليس منصب السفير البريطاني بالعراق.
نشرت كتابها (جزيرة العرب) وقامت برحلة الى الهند عام 1943م ، ثم عكفت على تأليف كتابها الجديد (فرسان في مهب الريح)، ثم تزوجت في 7/ تشرين الأول/1947م، من ستيوارت براون، وكان يصغرها بثمانية أعوام، فاكتشفت بانه لم يشعرها بأي انجذاب ويرفض النوم في سريرها، فاعتبرت ذلك اذلالاً ، فاعترف لها في رسالة له مؤرخة في 15/ أيلول/ 1948م بمثليته الجنسية ،وطلب منها الصفح، مما يفسر لنا ان الرحالة كانوا في الغالب مثليين والنساء شبقيات؛ قامت بنشر رسائلها في ثمانية مجلدات، ثم توفيت في 9/أيار/ 1993م،بعد ان اطلق عليها لقب ملكة الرحالة.
-8-
الموضوع الأخير كان عن الكاتبة(أجاثا كريستي ، 1890- 1976م) والمعنون (عالمة آثار في بلاد الرافدين) الروائية التي اختصت بكتابة الرواية البوليسية(رواية الجريمة) التي رافقت زوجها (ماكس مالوان) عالم الآثار الذي قام بعدد من أعمال التنقيب بين عامي 1928- 1958م، في العراق، اشتهرت برواياتها الساحرة، مثل (جريمة في قطار الشرق السريع، موت فوق النيل، مؤامرة في بغداد، جريمة في بلاد الرافدين)؛ وقد بدأت بكتابة سيرة حياتها في موقع النمرود الاثري، شمال العراق، وقد اقتربت من عامها السبعين وانتهت منها وقد بلغت الخامسة والسبعين.
في 15/أيلول/ 1890م ولد أجاثا ماري كلاريسا ميلر، حتى بلغت الثامنة عشرة من عمرها كانت" رشيقة القوام وشابة جذابة، ذات شعر كستنائي اللون يصل الى أسفل خصرها ،وبشرة ناعمة وأكتاف مترهلة، تثير آذاك حالة من الانبهار".[ص343] ثم ابحرت مع والدتها بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م، وزارت الاهرام ؛ فكان" يعجبها تبادل عبارات الغزل مع الضباط البريطانيين المهذبين والوسماء المقيمين في القاهرة".[ص345]
كانت بعض رواياتها نافذة للأطلال على عالم الشرق، كما في روايتها (بوارو في مصر، الموت في النيل)؛ وكانت بدأت حياتها بكتابة القصص القصيرة، التي رفت نشرها الصحافة ، فتجرأت بكتابة روايتها (ثلوج على الصحراء)، ثم تعرفت على زوجها الأول ارشيبالد كريستي – أرتشي في 12/ تشرين الأول/ 1912م، في واحدة من حفلات الرقص، فتزوجا فيما بعد، وفي عام 1918م عاد زوجها الى بريطانيا، وكتبت روايتها (السيد براون الغامض) عام 1922م.رحلت مع زوجها الى جنوب أفريقيا ، وكتبت روايتها (الرجل ذو السترة البنية)،وفي عام 1928م تطلقت من زوجها كريستي، ثم تزوجت بعالم الآثار (مالوان).
كان مالوان يعمل منذ عام 1922م في واحد من المواقع الاثرية، للبحث عن آثار السومريين قبل 4000 عام قبل الميلاد، وفي عام 1930م عادت والتقت به في أور، وكان مسؤولاً معجباً بالسيدات البريطانيات ، المغامرات وغريبات الاطوار، بدأ بعد ذلك بكتابة مذكراته (مذكرات مالوان)، فطرح عليها فكرة الزواج ، وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً، ولم تكن كاثوليكية، وهي محملة بفشل زوجها الأول من كريستي، وحين بلغت الأربعين صارت زوجة لمالوان في 11/أيلول/ 1930م، فكتبت عدداً من الروايات البوليسية المستوحاة من عالم الشرق وسحرهن مع استمرارها بالتنقيب معه. حتى توفيت في 25/ كانون الثاني/ 1976م. فكانت مغامرتها الروائية قرينة بالشرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي


.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح




.. سهرة لبنانية بامتياز في كازينو لبنان مع النجم سعد رمضان والف


.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..




.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..