الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمر وياسمين..قصة قصيرة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2024 / 6 / 23
الادب والفن


في قلب غزة، وسط الدمار واليأس، عاش صبي صغير اسمه عمر، كانت عيناه البريئتان تحملان عمقًا يتناقض مع سنواته الرقيقة من فرط ما رآه من أهوال الحرب.

كانت حياة عمر مليئة بالفرح والضحك، كان يلعب مع أصدقائه في الشوارع النابضة بالحياة، ويداه الصغيرتان تمسكان بكرة قدم مهترئة، كان منزله ملاذاً مليئاً بدفء عائلته المحبة.

لكن كل ذلك تغير في إحدى الليالي المصيرية عندما بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية، انفجرت السماء في هدير يصم الآذان، وتناثرت الشظايا والحطام على غزة، لقد انهار منزل عمر وتحول إلى غبار، ودفنت عائلته تحت الأنقاض، وفي لحظة تغير العالم في عيون الصبي..

عندما انقشع الغبار، خرج عمر من بين الحطام وجسده يرتجف، كان يبحث بشكل محموم عن أحبائه، لكن صرخاته قوبلت بالصمت، أصبحت الشوارع التي كانت مألوفة ذات يوم أرضًا قاحلة مقفرة، مليئة ببقايا المباني والحياة المحطمة.

عمر يتجول بلا هدف، وقلبه مثقل بالحزن، لقد عثر على أنقاض مدرسة كان قد قضى فيها ساعات لا تُحصى في التعلم واللعب، أما الآن فقد أصبح هيكلاً عظمياً متفحماً، شهادة على الدمار الذي حل بغزة.

وبينما كان واقفاً هناك، ضائعاً ووحيداً، وقعت نظرة عمر على دفتر صغير ممزق وسط الحطام، لقد كان دفتر صديقه كريم، المليء بخربشات الطفولة وأحلامها، لقد رحل كريم رفيقه المقرب، وسكتت ضحكته إلى الأبد.

التقط عمر الدفتر وقلب صفحاته، فاختلطت دموعه بالحبر الباهت، حيث أثارت كل صفحة ذكرياتهم ومغامراتهم المشتركة وأسرارهم الهامسة، لقد اجتاحته موجات من الحزن الذي لا يطاق عندما أدرك أن طفولته قد سُرقت إلى الأبد.

تحولت الأيام إلى ليال بينما كان عمر يتجول في شوارع غزة المدمرة، كان الجوع ينخر في بطنه، والبرد يخترق عظامه، لكن عذابه الأكبر يكمن في الوحدة التي أكلته، حيث كان يشتاق إلى دفء الأسرة، وضحك الأصدقاء، لكن كل ما بقي كان فراغًا.

في إحدى الأمسيات، بينما كان عمر يجلس بين أنقاض مسجد تعرض للقصف، سمع صوتًا خافتًا، رفع رأسه ورأى فتاة صغيرة هزيله تخرج من الظل، كانت عيناها مليئة بنفس الألم واليأس الذي كان يحمله بداخله.

ببطء اقترب عمر من الفتاة وقدم لها قطعة خبز، فترددت للحظة قبل أن تأخذها، وكانت عيناها مليئة بالامتنان والشكر، وبينما كانوا يجلسون معًا في صمت، شعر عمر ببصيص من الأمل وسط الظلام، فتشجع عن سؤالها عن اسمها، فقالت: أنا ياسمين..

لقد واجهوا معًا التحديات التي كانت تنتظرهم، لقد بحثوا عن الطعام والمأوى، وقدموا لبعضهم البعض العزاء والدعم، وفي خضم معاناتهم وجدوا رابطة غير قابلة للكسر، ألا وهي رابطة الحب والرحمة التي هي شهادة على مرونة الروح الإنسانية وقدرتها الإعجازية على التكيف مع كوارث الطبيعة..

ومع مرور الوقت، أصبح عمر وياسمين معروفين في جميع أنحاء غزة كرمزين للأمل والرحمة، وقاموا بتنظيم توزيع المواد الغذائية، وأنشأوا مدارس مؤقتة للأطفال ولمن هم في عُمرهم، قدموا الراحة لأولئك الذين فقدوا كل شيء، لقد جلب وجودهم شعاعاً من الضوء إلى الظلام، مذكّراً سكان غزة بأنه حتى في مواجهة الشدائد يمكن للإنسانية أن تنتصر.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود التي بذلوها، ظلت ندوب الحرب محفورة بعمق في قلب عمر وياسمين، كانا يتوقان إلى حياة خالية من العنف والخوف، حيث يستطيع الأطفال اللعب وتحقق الأحلام، كان عمر يعلم أن الطريق إلى السلام طويل وشاق، كان يعلم أن التخلص من نير الاحتلال وظلم الصهاينة صعب جدا ولكنه ليس مستحيلا، ومع استغراقه الشديد في مستقبله كان مصمماً على السير فيه أيا كانت النتيجة، من أجل عائلته وأصدقائه الذين سقطوا، ومن أجل الأجيال القادمة في غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?