الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البنية الاجتماعية وعملية الإنتقال إلى الديموقراطية

محمد سيد رصاص

2006 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ساهم اختلال التوازن الدولي لصالح المعسكر الغربي ضد السوفييت في أواسط الثمانينيات,والذي تزامن مع انحسار المد اليساري في أميركا الللاتينية,في اقتناع الولايات المتحدة بعدم الحاجة إلى أنظمة مثل حكم الجنرال بينوشية أوتلك التي كان يحكم فيها الجيش في البرازيل(منذ1964)والأرجنتين(1955).إلاأن ذلك لم يكن كافياً للوصول إلى أنظمة ديموقراطية,هناك,لولاوجود قوى اجتماعية ضاغطة,ساعد الجو الدولي الجديد على أرجحيتها الداخلية.
يلاحظ,في أميركا اللاتينية,أن النظام الديكتاتوري لم يستطع(أولم يرغب)في أن يصبح شمولياً,بل اعتمد,إضافة للجو الخارجي-الدولي,على طبقات وفئات اجتماعية ضد أخرى,أمنَت له البقاء والاستمرار,من دون الاعتماد على العنف والقوة الآتية من الدبابة وحدها,وبعض تلك النظم استطاع الدخول-أوقيادة البلاد-في تجارب اقتصادية ناجحة,مثل برازيل الستينيات والسبعينيات,وهو ماكان حال الجنرال بينوشية أيضاً في تشيلي,وخاصة في الفترة الأولى من مجيئه للسلطة(بعد11أيلول1973),لما اتبع سياسات ليبرالية اقتصادية رأت البرجوازية والفئات الوسطى مصالحها فيها في ظل نمو اقتصادي متسارع,قبل أن يقطعه تضخم نقدي-نتيجة السياسات الليبرالية المتطرفة الآتية من عند المنظِر الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمان ,الذي أصبح ملهماً فيمابعد لسياسات حقبة ريغان- وصل إلى حدود 40%في عام1978.
هنا,وُجدت قوى مجتمعية,وقفت ضد استمرار الديكتاتورية العسكرية,ضمت الفئات الوسطى والقسم الأعظم من البرجوازية,وخاصة في الثمانينيات لما دخلت دول أميركا اللاتينية في الأزمة الاقتصادية وبالذات عبر ديونها العالية للبنوك الدولية,إضافة إلى الطبقة العاملة والمزارعين,والمثقفين والأكاديميين والتكنوقراط,الذين-أي الأخيرون,مع العمال والمزارعين الذين يعود قسم كبير منهم لأصول خلاسية-كانوا يشكلون قاعدة اجتماعية لليسار,لتنضم إليهم بالثمانينيات الكنيسة الكاثوليكية التي لم تعد بجانب الديكتاتوريات,كماكان الأمر في الستينيات وأوائل السبعينيات في زمن المد اليساري.
أمنَ ذلك انتقالاً للديموقراطية هناك, اجتمع فيه الجو الدولي المناسب مع وجود قاعدة اجتماعية عريضة,كان لبُها متمثلاً في برجوازية-صناعية وتجارية ومالية-وفئات وسطى,لم تعد ترى مصالحها في استمرار القبضة العسكرية على مقود السلطة السياسية,وهو ماوجد مثيل له في آسيا الشرقية في حالات متزامنة,وعبر أوضاع اجتماعية مقاربة لأوضاع أميركا اللاتينية,مثل الفيليبين-1986-وكوريا الجنوبية-1987-,عندما ساعد أيضاً المناخ الدولي الجديد على تسريع عملية الانتقال نحو الديموقراطية.
في العالم العربي,كانت الديكتاتوريات العسكرية ذات طابع شمولي,نزع فيها الحاكم نحو عدم الاكتفاء بالسيطرة على مجالي السياسة والأمن,وإنما شمل حكمه(وقبضته)الاقتصاد والاجتماع والثقافة والإدارة,وقد استطاع الحكم الشمولي هنا أن يعيد صياغة الاقتصاد من جديد مزيحاً طبقات وفئات وشرائح اجتماعية لصالح أخرى وأن يشكِل برجوازية جديدة-غيرتلك القديمة- أتت من رحم نظامه وعبر مظلته,فيماأدى مسار العملية الاقتصادية إلى طحن الفئات الوسطى,وخاصة في المدن,وافقارها,بينما أدى نموذج (رأسمالية الدولة),عبر ماسمي ب(القطاع العام),إلى جعل الدولة رب العمل الأقوى بالمجتمع,وإلى ربط جيوب ملايين العمال والمستخدمين بها في أوائل كل شهر,ماأمَن للسلطة-التي عملياً تماهت مع الدولة-وضعاً استطاعت من خلاله الإمساك بمفاتيح ضبط المجتمع,مانعة إياه من أن يكون في وضع استقلالي عنها,كما هو حال (المجتمع المدني)في أميركا اللاتينية,والذي أتت استقلاليته الثقافية-السياسية,واتجاهه للتمايز عنها,من خلال وضعه المستقل اقتصادياً.
من هنا,رأينا كيف أن معارضة الأنظمة الشمولية العربية قد أتت أساساً من الفئات الوسطى,سواء تلك المدينية,أوالتي أصبحت كذلك بعد هجرتها من الريف إلى الضواحي الفقيرة للمدن الكبرى,فيما لم تنضم البرجوازية الجديدة العربية-في الدول التي يحكمها العسكر-إلى التفكير الديموقراطي,بل مازالت(كما كان الأمر منذ السبعينيات)ترى مصالحها تحت تلك المظلة السلطوية,ولم تتجه بعد إلى اتجاهات ليبرالية على الصعيد السياسي,بينما ظلت ليبراليتها الاقتصادية حذرة في موضوع الاتجاه لفتح الأسواق أمام المنافسة الداخلية الحرة وأمام البضاعة الأجنبية,بدلاً من التمتع القديم بحظوة التشارك والرعاية من قبل من هم في السلطة السياسية,فارضين لعباً مضبوطة للعملية الاقتصادية,كماالأمر في الجانب السياسي.
أعطى هذا توازناً اجتماعياً,لم يجعل التحرك الديموقراطي العربي المعاصر فعالاً أوقوياً أومؤثراً,وخاصة بعد تزامن وترافق عملية طحن الفئات الوسطى الاقتصادي من قبل الأنظمة مع ضرب أحزاب المعارضة التي استندت-من اليسار الماركسي إلى الاسلاميين-على تلك الفئات الوسطى,ماجعل التحرك الديموقراطي في الفترات الأخيرة يستند أساساً إلى مثقفين وبقايا أحزاب يفتقدون الإمتداد الاجتماعي,فيما كانت البرجوازية الجديدة ,وجيش المستخدمين والعاملين في (قطاع الدولة في الاقتصاد)أومايسمى ب(القطاع العام),يرون مصالحهم في الوضع القائم,وهو ماهو موجود كذلك عند الفلاحين والمزارعين الذين تحولوا إلى قوة محافظة منذ تطبيق الاصلاح الزراعي,الشيء الذي تضافر مع جو دولي لم يرى فيه القطب الواحد للعالم مصلحة في التغيير الديموقراطي عند العرب,مادامت صناديق الاقتراع العربية لاتوحي مناخاتها بقوى فائزة موالية له ,بعكس ماهو حاصل في أوروبا الشرقية مثلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات