الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة الليبرالية الجديدة

سلامة كيلة

2003 / 7 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر



 الليبرالية من سمات الرأسمالية، لكن كل رأسمالية كانت تعمل من اجل إزاحة الرأسماليات الأخرى. لهذا كانت وهي تكرس اقتصاد السوق الحر في إطار أمتها تضع الحواجز في وجه الرأسماليات الأخرى عن طريق كدسة من القوانين الحمائية التي تصدرها الدولة. وكان هذا أول دور يسجل للدولة في المجال الاقتصادي في إطار " نفي الليبرالية".لهذا كانت الرأسمالية تشرعن حرية سوقها الداخلي ؛ وتغلقه في وجه الخارج في الوقت الذي تسعى فيه إلى فتح الأسواق الخارجية،و تحويلها إلى أسواق " داخلية" تخصّها. وكان الاستعمار هو الشكل المعبّر عن ذلك في التعامل مع الأمم المخلّفة، كما كانت الحروب هي المعبر عن تطاحن الرأسماليات وسعي كل منها للاستفراد بالأسواق العالمية، أو تقاسمها بما يحقق مصالح المنتصر. وكان ذلك هو الشكل الآخر ل "نفي الليبرالية". لتبدو الليبرالية وكأنها حرية الأقوى وحرية المنتصر.
 لكن أزمة سنة 1929 التي هزّت الاقتصاد الرأسمالي (والمسماة سنة الكساد العظيم) فرضت توسيع دور الدولة التدخلي (مستفيدة من القوانين الاشتراكية ومن التجربة الاشتراكية). هذا الدور الذي تحقق سواء عبر التخطيط والإشراف والتوجيه، أو عبر التوظيف الاستثماري، أو حتى عبر التأميم (كما حدث في أوروبا نهاية ستينيات القرن العشرين وسبعينياته). وكذلك في مجال تحقيق الضمان الاجتماعي. وهو ما أسس ما أطلق عليه "دولة الرفاه". وبهذا أصبح السوق محكوما بسياسات محددة تفرضها الدولة، رغم أن ذلك لم يفض إلى إنهاء اقتصاد السوق، لكن لم تعد "اليد الخفية" (أي المنافسة) حرّة تماما، وأصبح الرأسمال محكوما بقوانين تفرضها الدولة في مجالات الاستثمار والأجور والضمان الاجتماعي.
 وإذا كانت نهاية الحرب العالمية الثانية قد فرضت تداخل الاقتصاد الرأسمالي وتشابكه،عبر التوظيف المتبادل في إطار الدول الرأسمالية وتشابك الرأسمال من مختلف الأمم الرأسمالية، وبالتالي أسست لأن يتشكّل سوق موحّد يجمع المراكز الرأسمالية (أميركا / أوروبا / اليابان)، فان نهاية الاستعمار باستقلال الأمم المخلفة، نتيجة نضالات حركات التحرر القومي وتوسّع دور المنظومة الاشتراكية وتزايد فاعليتها العالمية، ولكن كذلك نتيجة التنافس بين الرأسمالية الأميركية والرأسماليات الأخرى التي مثّلت القوى المستعمرة القديمة. وأيضا نشوء عالم تسيطر في أجزاء واسعة منه دول اشتراكية أو دول حركات التحرر القومي، وبالتالي خروجه من منظومة النمط الرأسمالي، أو تقليص علاقاته بهذه المنظومة، كل ذلك فرض تقلّص أسواق الرأسمالية، ودفع لأن تصبح العلاقات الاقتصادية مع الدول "المنشقّة" ذات ممر إجباري هو "الدولة الوطنية"، التي فكّت ارتباط الاقتصاد المحلي بالسوق العالمي، أو التي حدّت من هذا الارتباط.
 إذاً سنلحظ أن الدور التدخلي للدولة الرأسمالية كان يعوق من "فاعلية" السوق؛ لأنه كان ينظمه. وهو بالتالي كان "يضرّ" بالتراكم الرأسمالي عن طريق ضغط الأرباح، الذي نشأ نتيجة "المساومة التاريخية" مع الطبقة العاملة والتي رعتها الدولة الرأسمالية. لكن هذا الدور كان المنقذ للنمط الرأسمالي الذي كانت حريّة السوق "المطلقة" قد أوصلته، إضافة للحروب المدمرة التي نشأت عن التنافس، إلى أزمة ذاتية عميقة، كان الكساد العظيم الشكل الأكثر تعبيرا عنها والذي كان يمكن أن يطيح بها.
 كما أن انتصارات الاشتراكية وحركات التحرر القومي عززتا من دور الدولة عالميا، وأنهتا كون الأمم التي انتصرت فيها هي جزء من سوق رأسمالي عالمي حرّ وسلس.
 لكن "فشل" دولة الرفاه نتيجة التضخم الذي حكم الاقتصاد الرأسمالي والذي جرى اعتباره نتيجة تدخل الدولة، أعاد إنعاش الليبرالية وأحيا المفاهيم القديمة، بالعودة إلى آدم سميث وإحياء مفاهيمه حول حرية السوق واليد الخفية وكون أن السوق هو وحده الذي يصنع توازنه الخاص وحلوله الذاتية، وكونه يوجد التوازن في الاقتصاد الرأسمالي. ولقد عبّرت عودة مارغريت تاتشر إلى السلطة في بريطانيا ورونالد ريغان في اميركا وهيلموت كول في المانيا منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، عبّرت عن هذه الحالة وأشرت إلى القوة التي أصبحت لهذا التيار، الذي أصبح جارفا منذ التسعينيات.
 ولقد قامت سياسة هذا التيار على محورين:
 الأول: إنهاء دور الدولة الاقتصادي في المراكز وانسحابها لمصلحة دور "مطلق" للرأسمال الخاص، وبالتالي الهجوم على مكتسبات العمال والميل للتخلي عن الضمان الاجتماعي.
 الثاني: بدء هجوم عالمي لفرض اقتصاد السوق مستفيداً من أزمات دول حركات التحرر منذ بداية السبعينيات، من اجل فرض برنامج يهدف إلى إعادة اقتصاد السوق وتحقيق الانفتاح. وهو البرنامج الذي تولى صندوق النقد الدولي الترويج له وإلزام الدول المأزومة به. وهو البرنامج الذي أطلق عليه "برنامج التكييف الهيكلي"، و"الخصخصة". وكانت مسألة الديون التي تراكمت على تلك البلدان بفعل نهب الفئات الحاكمة فيها، أو التي نشأت نتيجة أغراء الحصول على "النقد الأجنبي". كانت هي المدخل إلى فرض هذا البرنامج.
 لهذا جاء انهيار المنظومة الاشتراكية (ولاسيما الاتحاد السوفيتي) ليطلق العنان لـ"حلم" الرأسمالية الأصلي المتمثّل في "السوق"، لاسيما وأن الرأسمالية تعاني من أزمات عميقة بدأت منذ السبعينيات، وتمثلت في الركود الطويل الذي لم تكن قد عهدته من قبل. ولاسيما بعد الميل التضخمي الذي حكم الاقتصادات الرأسمالية نتيجة تطبيق السياسات الكينزية (القائمة على تدخل الدولة وتطبيق اقتصاد الرفاه). فقد برز تيار من المفكرين الرأسماليين منذ السبعينيات يدعو إلى الليبرالية الجديدة (القائمة على العودة إلى الأصول – أي إلى آدم سميث)، لكن لحظة انهيار المنظومة الاشتراكية فتحت الشهية لإعادة صياغة العالم على أساس حريّة السوق. وفي هذا السياق ولدت منظمة التجارة العالمية، حيث قامت على أساس نظام التزام الدول بالحريّة المطلقة للأسواق وعدم التدخل في التجارة.
 وبهذا اتفقت الرأسماليات على فتح الأسواق وفرض هذا الفتح على مختلف أمم العالم وفق قوانين ملزمة وغير قابلة للنقض. رغم ميل كل رأسمالية إلى حماية القطاع الاقتصادي لديها الذي يعاني من صعوبة المنافسة (مثلا، أوروبا فيما يتعلق بالمسألة الزراعية وأميركا فيما يتعلق في صناعة الصلب..)
 وإذا كان اقتصاد السوق يفرض على العالم فرضا، فان أزمات الرأسمالية، والأمير كية تحديدا، تدفع باتجاه احتكار السوق العالمي عن طريق القوّة، كون القوة الأمير كية تحظى بالتفوّق المطلق. وهنا نلمس أساس "عودة الاستعمار"، حيث يجري احتكار السوق من قبل القوة المحتلة.
 إننا إذاً إزاء النزعة الإمبراطورية الأميركية، نزعة احتكار الأسواق والمواد الأولية وتهميش الرأسماليات الأخرى، وبالتالي نزعة الحر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت