الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من غشنا ليس منا
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
2024 / 6 / 23
الادب والفن
حدث مرة عندما كنت أعيش في سوريا أني احتجت قفلاً لباب الدار. فذهبت مع قريب لي، وقفنا عند محل خاص ببيع الأقفال في شارع – طريق حماة- . أعطانا البائع القفل وقال لنا أن السعر 50 ليرة سورية. في تلك الفترة لم أكن أميز بين ورقة الخمسين والمئتي ليرة لأن كليهما لونه أحمر ولهما نفس الحجم. فأعطيته ورقة من فئة 200 ليرة ظاناً أنها 50 ولم يقل الرجل أي شيء ودسها في الجرار. ومشينا بعد سلام الوداع لبائع الأقفال. في الطريق سألني قريبي: لماذا أعطيته 200 ولم تأخذ الباقي؟ فأستغربت سؤاله. فاستوضحت بالمقابل: وهل أعطيته 200 أم 50 ليرة. قال : بل 200. قفلنا راجعين إلى البائع الخبيث، وأبتدرته قائلاً: لماذا لم ترجع الباقي ياحبيب القلب. فقال: والله نسيت. وبينما هو يهم أن يرجع لنا بقية المبلغ، قرأت في لوحة قديمة مليئة بالغبار معلقة فوق الجدار مع الأقفال: من غشّنا ليس منا.
مرة أخرى، نزلت إلى السوق كي أشتري فواكه، فذهبت إلى سوق الفيصل ووقفت عند رجل نحيل وله وجه ممصوص مثل طائر اللقلق. وبعد السلام والرد، قلت له أريد أن تعطيني كذا كيلو من هذا وكذا من ذاك.... ثم أردفت: لكن إذا ممكن، أن يكونوا ظراف كي نبيض وجهنا مع الضيوف. فانشغل الرجل وأنا لا أراقبه، ظاناً أن الغش هو آخر شيء يصدر عن ذالك الرجل صاحب العود اليابس. وعندما نظرت إلى اللوحة المعلقة فوق جدار المحل قرأت: محل خضار الإمانة. فقلت في نفسي أنه لشيء جميل أن يشتري المرء من محل الأمانة، محل ثقة. وعندما أنتهى الرجل ربط الأكياس بإحكام، وظننت أن الربط هذا من أجل أن لايقع شيء من الفواكه مني على الطريق. عندما وصلت إلى البيت فتحت الأكياس البلاستيكية فوجدت يا أحبة أن نصف تلك الفوكه مضروبة وقد لحقها العفن. وتشككت في الوزن فزنت البضاعة فوجدتها ناقصة أيضاً. فمحل الأمانة قد غشني في الفواكه وفي الوزن، وربما ظن أنه انتصر على زبون صدق أسم محله بأنه أمانة. وبدل أن أبيّض وجهي مع الضيوف.. أسّود من الخضرجي الغشاش.
مع تقادم الأيام والسنين، اكتشفت أن الغش عادة متأصلة في البيع، فالجزار يغشك في النوعية والوزن وربما يبيعك لحم جحاش وأنت لاتعرف. فقد كانت الصحة تدور على محلات الجزارين وتغلق محلاتهم لمخالفة المواصفات أولاً ولأنهم لم يحصلوا على رشوة ثانياً.
نحن العرب نرفع الشعارات الجميلة ونفعل عكسها تماماً. فكنت أقرأ شعاراً يعلّق في المحلات يقول: لاتغضب وفي ذات المحل طوشة وعراك بالأيدي. هذه الشعارات لم أجدها يوماً في أمريكا. هنا لاتهتم المحلات والناس بالشعارات كثيراً لأن ذلك مفروغ منه. ومن يغش يحاسب على الفور.
وتذكرت عبد الله القصيمي وكتابه الرائع: العرب ظاهرة صوتية. أتعب الرجل نفسه وكتبه في منفاه وقد فهم أهم خصلة من خصال العرب ألا وهي الظاهرة الصوتية سواءً في الشعارات السياسية أو في الشعارات الإجتماعية أو في الحروب. كتاب يضاهي 800 صفحة.
كنت أمرّ على الحدائق وأقرأ لوحات قديمة صدئة تقول: أزرع ولاتقطع. وأرى الأطفال يخرّبون الورود والنباتات فيها. مجتمعات تعيش على خدعة الشعارات الكاذبة. ومن ثم قد تقرأ في أحد البيوت لوحة: النظافة من الإيمان وتراهم يرمون الأوساخ من البلكونة إلى الشارع، ولايكلف أحد منهم نفسه على التنظيف أمام بيته المملوء بالأوراق والأوساخ والأتربة.
هذا جانب بسيط من جوانب التخلف الذي نعاني منه ، لأن أشياء كثيرة مرتبطة ببعضها. فالغش هو شكل من أشكال العدوانية الإجتماعية وغرضه خداع الآخرين والإنتصار الكاذب على الزبون.
هناك بيت شعر ينسب لنزار قباني ولست متأكداً إذا قاله أم لا، وهو: شعب إذا ضرب الحذاء برأسه .. صرخ الحذاء وقال بأي ذنب أضرب. هذا لا شك نوع من جلد الذات وليس نقدها.
أخيراً أهديكم مقطع من قصيدة لنزار قباني على هوامش النكسة:
السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيوفنا أطول من قاماتنا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الغش عنوان ثقافتنا
زاهد سلام
(
2024 / 6 / 23 - 15:46
)
تحياتي لك أستاذ خليل
نعم الغش جزء من ثقافتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية
الجميع منافق وغشاش
.. جندي عظيم ما يعرفش المستحيل.. الفنان لطفى لبيب حكالنا مفاجآت
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يوضح إزاي كان هن
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر محمد عبد القادر -
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: العدو الصهيوني لا يعر
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يوضح كلمات أغنية