الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسباب النفسية والروحية لصناعة المبدع نص (نبوءة الجداول)– أنموذجًا

داود السلمان

2024 / 6 / 23
الادب والفن


الشاعر – الشاعرة حين تضيق به الحياة، وتُغلق في وجهه الطرق، وتوصد أبواب التطلّع نحو آفاق الحياة، سيشعر بأنّه يعيش غربة الروح، وهي الغربة القاتلة التي تُعدّ أشدُّ من غربة الجسد، فالجسد ممكن أن يعوضه، بما يسد رمقه بملبس أو بمأكل أو ما شاكل؛ لكن الروح لا تستلذ بتلك المسميات المادية، كحالات المتصوف تماما. لذلك نجد المتصوّف، لا يعبأ بهذه الماديات قطعا، فيلتفت إلى الروحانيات، لأنها هي ما يسد الظمأ الحقيقي، الظمأ الذي تشتاق له الروح وتحن إليه حنين الظامئ للماء الزلال؛ لهذا تجد المتصوف يلتجأ لطقوسه الخاصة للحصول على لذّة لا تضاهيها لذّة، كي يسد الفراغ الذي أكمن في الروح، لاشتياق الحبيب.
الشاعر كإنسان يحب ويعشق، الشاعر كذلك لأنهما نفس الروح، باختلاف التكوين البيولوجي لهما، كون وضيفة المرأة مختلفة بعض الشيء عن وضيفة الرجل للسبب عينه، لكنهما متساويان في العقل والادراك والوعي، وهذه العبارة الأخيرة أجزم بها.
صاحبة هذا النص (نبوءة الجداول) وجدان وحيد شلال، الظاهر أنها تشعر بهذه الغربة، في لحظة من لحظات وجدها، وربما اشتياقها - حنينها، على اعتبارها كيان حيّ نابض، وهي ليست مادة جامدة، وهذا الكيان الذي تكمُن فيه الروح، وللروح متطلباتها كما للجسد. نعم، وللروح أبعاد نفسية وأخرى فلسفية، وثالثة ميتافيزيقية معرفية، ولكل بُعد من هذه الأبعاد، متطلباته ومآله وهي لا تقل شأنا عن متطلبات الجسد، وأن عدم تحقيقها وتحققها، لسبب أو لآخر، يفضي بالتالي إلى أمور لا يُحمد عقباها، بحسب جُل علماء النفس ومنهم كارل يوغن، وألكسيس كاريل صاحب كتاب "الإنسان ذلك المجهول". لكن يمكن معالجة تلك الحاجات بتحقيق مطالبها، بقدر احتياج الروح لتلك المطالب، وبالتدريج، كي لا تطب الروح المزيد، لأنّ الافراط والتفريط يخلُ بالموازين.
الشاعرة حينما تقول: "سحابة داكنة أخفي وراءها قلبي الذي لا ينام". فالأمر وصل إلى الذروة، ولا محيص في أن الضنك اطنب بدقائق مجسات الروح، فما عاد بالتذرع، لأخذ مفعوله ولا التصبّر يجدي منفعة، أي أن الأمر وصل لنهاية مغلقة. هكذا تصف لنا الأمر الشاعرة، كأنها تغلق جميع الطرق، وتسد النوافذ، وتوصد الأبواب، بدون واعز من حسابات، تزرع بها بذرات الأمل، وتجعل من السعادة تضيء دروب المُدلهمّات، وتدع النور يشرق بآفاق رحبة، وكي لا تتسرب إلى أفئدتنا قبسات التشاؤم.
ثمة خصلة جميلة بالشعراء – الشاعرات، أنهم يكتبون ابداعاتهم وهُم في أوج الضنك والمتاعب النفسية (طبعا ليس الشعراء فحسب، بل معظم الكتاب، كان دوستويفسكي يكتب وهو في أشدّ حالات اليأس، وشظف العيش، والهروب من الواقع المرّ، ومنها العوز المادي الذي هو أشد ألمًا له من جميع أزماته وآلامه) لذك يبدعون، ولربما هذا هو سرّ ابداعهم. واجزم بأن الشاعرة وجدان وحيد، لولا الأزمة النفسية التي تمرُّ بها، ما كانت تخرج لنا بنص جميل كهذا النص، فالأزمات النفسية وغيرها هي من يصنع المبدع والابداع، الإنسان الذي يعيش مترفا، متهيئة له جميع الاحتياجات، - من ومادية ونفسية ومزاجية - من المستحيل أن تخلق منه مبدعًا حقيقيًا، إلّا ما ندر وهو من الشذوذ، ولكل قاعدة شذوذ.
الإنسان بصورة عامة، هو كيان مصاب بالمعاناة، والسبب عقله حيث بالعقل يدرك أشياء لا يدركها مخلوق آخر، من هذه المخلوقات التي هي بالملايين، وربما بالمليارات، لأنه يطلب تلك الأشياء وتحن روحه إليها، وهو بأمس الحاجة لرشف زلالها، وأحيانا تكون من الصعب الحصول عليها، فيبذل قصارى جهده، لكن بلا جدوى، فيشقى ويشعر باليأس، وهذا اليأس يحدو به إلى مزالق، وصراعات نفسية قاتلة.
*نص: (نبوءة الجداول)
في الليلِ أجلسُ في الشرفِة وحيدة
فنجان قهوتي
صوت المارة
سحابة داكنة أخفي وراءها قلبي الذي لا ينام
ضحكات الأطفال وهي تلهو بعيداً عن آهاتي
افكر !!!
كيف للريح أن تسكن قلبي
ويكسرني الليل ويشربني الأسى
ضاق بنا الوقت ،،،
وجفت نبوءة الجداول
لأنام على جسدِ المسافة
جرحاً،،،
أجلس هنا
أرمّم الحلمَ الذي نامَ في الكهفِ سنين عددا
أعد وراك ،،،
الضحكات على فم الشمس
القصائد وعطرها
أتساءل ؟؟؟
كيف ؟؟؟
باعني الطريق للطيور المهاجرة
و عانق قلبي الغياب
هنا حين أجلس في الشرفة وحيدة
أتساءلُ ؟؟؟ !!!
أيها الربيع الذي رسمتني على جدران الفصول
قصيدة ،،،
بحبرك البابلي
كيف تذبلُ أسماؤنا في فم القصائد
كيف للموت ؟؟؟
إن يكسر قوانين الأرض والسماء
ليسقط الندى عن وجِهك
ويرميني على لغة الجرح القديمة
تعويذة سومرية،،،
كيف للزهرة أن تخنتق بين الحلم والحلم
وبين شفاه الوعد
هناك خلف المدن العتيقة
التي وضعت القصائد في نافذة الصمتِ
يسبحُ حزني بالجراحِ
يرسمني نقطة في السطر الأخير
حلماً ،،،
على أشرعة السفن النائمة بالشواطئ
تحملُ كف الأمنيات
هناك ،،
خلف النخيل
وجه الماء ،،،
يحملُ طين أوجاعي
قوافل النبض كلها معك
وانا وحدي ،،،
أطوف حول حقول القشّ
مقطوعة الظلّ .
وجدان وحيد شلال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح