الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن نقص عليك أحسن القصص...5: كنزة

أمين بن سعيد

2024 / 6 / 24
كتابات ساخرة


كنت مسؤول الأعمال في أوروبا. بعد سنتين تربص، عملت تحت إشراف أقرب أوفياء الحاج، "عم محمد" الذي كان المعلم والأب الروحي ثم الفادي. بعد وفاته في حادث إطلاق النار الأخيرة مع الشرطة، حاولت الاستمرار بدونه، لكني لم أستطع، وكثرت الحوادث مع الشرطة، فأمرني الحاج بالعودة للبلد في أقرب وقت، ففعلت.
عند وصولي الشركة، وجدت بعض الرجال مع أشرف، المكلف بحماية ابنة الحاج الوحيدة. أعلمني أنه ينتظرني، وقال أن كنزة معه في مكتبه منذ وقت طويل. لم تعتد القدوم للشركة، وإن فعلت فعادة ما تكون الزيارة سريعة لكنها أطالت هذه المرة ولم يعلم أشرف السبب. علمني الحاج منذ صغري ألا أسأل، وأن علي أن أفهم وحدي، وكلما سألت كلما كنت غبيا وهو يكره الأغبياء.
تمنيت لو استطعت الاتصال به قبل صعودي إليه لأقول له "هذا كثير! فقدت عم محمد للتو فلماذا تفعل بي هذا؟". لكني لم أفعل وصعدت. عند دخولي المكتب لم أستطع تقبيله ولم يستطع ضمي إلى صدره لأن كنزة كانت معه. منذ زمن، أتخيل ذلك الموقف وأقول له أني سأضعف ولن أستطيع، فينهرني ويقول أنه يكره الضعف والضعفاء، وأقول له اسمح لي أن أضعف فقط مرة ولتكن عندما أراها فيرفض... كانت تنظر في الموبايل، ولم تلتفت لي، نظرت لي فقط عندما قال لها أن "كريم سيكون مكان أشرف ابتداء من الآن" وقالت "أهلا" ثم عادت تنظر في هاتفها. في اللحظة التي أنزلت فيها رأسها، نظر إلى الحاج فلاحظ سخطي وغضبي ولم يترك لي حتى لحظة واحدة لينفجر ذلك البركان الذي في داخلي وقال لي "اعلم أشرف بالتعليمات الجديدة، وانتظر كنزة تحت". فخرجت، الأمر صدر وعلي التنفيذ.
عدت إلى أشرف، وأعلمته بأوامر الحاج، ففرح، وقال لي "أحرس رئيس أمريكا أسهل عندي من كنزة ومن جنونها". وقبل أن يغادر قال بأنه سيحضر ليلا ليحمل الملف الكامل الخاص بها وعليه البدء في تحضيره في الحال.
بقيت في مكاني أفكر في كيف سأتصرف معها، نجحت في أول لقاء لكن لم أكن واثقا من نفسي في القادم والذي وقتها لم أكن أعلم عنه أي شيء. فهمت أن الحاج يختبرني وأن كنزة كانت الاختبار الأخير ليعطيني ثقته الكاملة. الحاج كبر ولم يعد قادرا على تحمل متاعب كل الأعمال وآن أواني لأستلم عنه. عم محمد قال لي يوما أني إن خذلته قتلته، كنزة لا تعرف أي شيء ولا يجب لها أن تعرف، وعندما أجبته أن عدم معرفة كنزة سيكون أصعب عندي من استلام أعمال الحاج ركلني في صدري حتى أسقطني وصرخ في "لم أخذل الحاج عقودا من الزمن ولن أفشل معها أيها الصبي الأحمق!"
بقيت سارحا لا أدري كم من الوقت، حتى فطنت للحاج وقد حضر مع كنزة، ما إن رأيتهما حتى أنزلت نظري إلى تحت وبقيت في مكاني. وقفا أمامي، كان بعض الرجال ورائي، فتقدمت مني كنزة ووقفت أمامي مباشرة فلم أرفع عيني إليها؟ قالت: "أبي قال لي، منذ هذه اللحظة لا أثق إلا في رجلين، هو وأنت، فهل ستكون أهلا لثقتي؟" فتلعثمت وأخرجت الكلمة بصعوبة "نعم" ثم نظرت إليها! اللعنة، لم تتغير ولا تزال كما هي منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة!
كانت في السابعة عندما رأيتها آخر مرة، وكنت في التاسعة عشرة عندما أرسلني الحاج للدراسة في أوروبا أو هكذا قال. في أوروبا درست في الجامعات ودرست عند عم محمد وعندما حصلت على ما أراد الحاج منها ومنه عدت للبلد.
غادرت كنزة، وطلب الحاج أن أصعد معه إلى مكتبه. أغلق الباب وضمني إليه بقوة وقال: "هل رأيت كم كبرت؟" فابتعدت عنه وأردت أن أنفجر في وجهه لكني لم أستطع. بقيت في مكاني واقفا، كنت أرتجف من الغضب، وقد تعلمت منذ صغري ألا أنطق بحرف عندما أغضب، فسكت، حتى قال لي: "قل، قل ولا تترك أي شيء في داخلك". فلم أتكلم وبقيت في مكاني كالحائط أنظر إلى أسفل حتى هدأت. ثم تكلمت. نظرت إليه وقلت "لماذا فعلت ذلك؟" فرد "لأجلكما، لن تستطيع الصمود لو لم أفعل كل ما فعلت، وإن لم تصمد هلكت وهلكت أختك معك" وأضاف "ابتداء من الليلة تعود إلى المنزل... أقصد تبدأ مهمتك الجديدة" فقلت له أني لن أستطيع وطلبت ثلاثة أيام لكي أكون حاضرا فأبى وصرخ في وجهي: "لا أحد يقول لي لا إلا كنزة، قلت الليلة يعني الليلة"، فأذعنت. ومع دخول سكرتيرته، قال لي "تستطيع الخروج الآن"، فخرجت، افتكرت أمينة مع خروجي، لكني كنت على يقين أنه تصرف معها، فلم أهتم لها كثيرا.
قبل حلول الليل، التقيت أشرف، فسلمني ملف كنزة، وأعطاني آخر التعليمات "هناك أشياء لا يعرفها الحاج، طلب مني "عم محمد" أن أتركها لتتصرف فيها عندما تعود، ستجدها في آخر الملف"، أضاف أن الحاج عازم على إرساله قريبا ليهتم بأعمال أوروبا وطلب مني أن يبقى مدة أخرى معي حتى أتمكن من كل الأعمال في البلد. ففهمت أنه يعلم كل شيء، ومنذ صغري... وأجبته أني سأفعل. قبل مغادرتي قال لي: "كنزة صعبة جدا وأي عاطفة معها ستسبب في هلاكها". في طريقي إلى المنزل، توقفت وتصفحت بسرعة الملف، وذهبت إلى آخره، فوجدت "كنزة على علاقة مع ابنة الحاج صالح".. مصيبة! الحاج صالح الغريم والعدو! اتصلت على الفور بأشرف: "كيف سمحت بذلك؟ وكيف لم تعلم الحاج؟" فرد "سليم ينتظر لقاءك، أبوه لا يعلم، وقد رتبت لك معه اللقاء غدا".
الحاج صالح خسر ابنان في اشتباكات مع الحاج ولم يبق له إلا سليم وأسماء، أسماء في عمر كنزة أما سليم فهو أصغر مني بسنتين. الحاج صالح يعلم بشأني، لكنه لم يتجرأ على أذيتي لأن الحاج هدده بأن الثمن سيكون سليم وأسماء.. اتفق الحاج مع الحاج صالح على مواصلة الأشغال مثلما هي لكن لا أحد يقترب من الأربعة أبناء، وتعاهدا على ذلك بعد تنازل الحاج على منطقة الجنوب كلها للحاج صالح مع دفع أداءات على كل بضاعة تدخل البلد من الجنوب ودون أي شوشرة أو عنف. اطلعت على تلك الدقائق في آخر ملف كنزة. وفهمت أن أشرف كان ابن عم محمد!
كل ذلك في ساعات قليلة، كان كثيرا جدا، وما شعرت به شككني في نفسي وكيف سأكون أهلا لأحل مكان الحاج وأنا لا أزال بكل هذا الضعف. لكنني وجدت لنفسي كل الأعذار في كنزة، وحاولت أن أترك كل شيء للغد وأن أنعم بلقائها الليلة ولو لدقائق وألا أفكر إلا فيها. ففعلت حتى وصلت، فوجدت الحاج خارج المنزل برفقة أمينة يتنزهان في الحديقة ويضحكان. عندما رأتني أمينة أسرعت نحوي وقبلتني بحرارة وضمتني إليها، لكنها سريعا ما ابتعدت خوفا من أن تكون كنزة تنظر من غرفتها، رأيت في وجهها سعادة لم أستغرب منها لكني شككت في صدقها فهل حقا كانت سعيدة أم لأنها فهمت ألا مستقبل لها ولابنتها بدوني؟ قال الحاج "كنزة كبرت وآن لها أن تعرف لكن ليس الآن وسيكون ذلك فقط عندما أقرر متى" فقلت "أنت الزعيم يا حاج والقرار دائما قرارك". قطعت كلامي لأني رأيت كنزة قادمة، قالت أن العشاء حضر وأمسكت بذراع الحاج والتصقت بصدره وجذبته وقالت لأمينة "هيا معنا أنا جائعة"، لم تقل كلمة لي ولم تنظر لي حتى، وعندما قال لها الحاج أن تدعوني للعشاء استغربت منه لكنها نظرت لي ودعتني. مع عم محمد، تربصت كثيرا عما يمكن أن يقع مع كنزة، لكن كل ذلك راح سدى، ولم أستطع عدم الشعور بالألم الفظيع الذي كنت أظن نفسي حاضرا لتحمله لكني لم أستطع... لكن وبرغم كل ذلك، كنت سعيدا، فلا يهم أنها لا تعرفني المهم اليوم أني قريب منها وسأكون معها وسأراها كل يوم، لم تعد خيالا وحلما بل صارت لي واقعا وحقيقة، وذلك الأهم.
بعد العشاء، غادرت كنزة إلى غرفتها، وبقينا ثلاثتنا. قال الحاج أن نظراتي لكنزة علي التحكم فيها أكثر، وقالت له أمينة أن عليه فعل نفس الشيء مع نظراته لي. فضحكنا ثلاثتنا، ثم سألتني أمينة "أعرف كم تحب أختك، لست أمك، لكني أم أختك، فلا تنس ذلك"، فأجبتها "بعد رحيل أمي، ظننت لزمن أن الحاج هو الوحيد الذي يهمني، ثم عرفت أن هناك كنزة فصارت مثله، ثم كان عم محمد ثم يمكن أن تكوني أنت".. ثم تلقيت رسالة: "أميرة خرجت من المنزل"، سألني الحاج عما فيها فقلت له "أنا حضرت لترتاح، لا تهتم، روتين بسيط، علي أن أذهب". الرسالة كانت من أشرف، اتصلت به فقال أنها في طريقها للقاء ابنة الحاج صالح وأعطاني العنوان. رافقني واحد فقط من الحراس، كان الوحيد الذي يستعمله أشرف في كل ما يخص قصة أميرة مع أسماء، باقي الحراس لا يعرفون وقد استبعدهم أشرف عمدا كي لا ينتشر الخبر ويصل إلى الحاج. عند وصولي المكان، رأيت سيارة أشرف، فقصدته وعندما اقتربت رأيت راكبا وراءه، فصعدت بجانبه، فقال لي: "سليم، الموعد تغير للظروف التي ترى".
قال سليم "أحب أختي كثيرا، هي الأميرة عندنا والجميع كل يفديها بحياته. لكن الحاج -قصد أباه- عقليته قديمة ويستحيل أن يقبل أن تكون ابنته... تعلم... وأظن الحاج -قصد أبي- لن يقبل أيضا، القضية يجب أن تحل بيننا بدون أن يعلما" أضاف: "القصة بدأت بينهما منذ خمسة أشهر، هذا الظرف فيه صورهما، هناك فلاش فيه فيديوهات عليك أن تكون حاضرا لتستطيع رؤيتها"... ثم سكت برهة... الأعمال شيء وهذه القضية شيء آخر، لست عدوك هنا بل حليفك الوحيد، الحاج عنده ارتفاع ضغط وسكري... إذا علم قد يجلط ولا أظنك تقبل أن تخسر أباك وقد عدت إليه للتو. الحاج أيضا قد يروح فيها لو علم ولن أقبل أن أخسر أبي بعدما خسرت أخوي وتعلم من كان السبب. لكني أحب أختي، وبصدق، ولم أجد أي حل ولا أعلم كيف سأتصرف معها... شيء وحيد يهمني، العلاقة يجب أن تنتهي وإلى الأبد، كيف؟ لا أعلم. خذ ثلاثة أربعة أيام أقصى تقدير واتصل بي. عندما هم بالنزول، قلت له: "لا يوجد أخس وأوضع منا، سأجد الحل"، فقال وهو ينزل: "أريد فقط حلا، أما آراؤك فتستطيع وضعها أين شئت".
قال أشرف: "دعك منه"، فسألته عن كنزة: "هل القصة نزوة؟"، فأجاب: "لا يهم نزوة أو لا، المهم أن القصة يجب أن تنتهي"، زدت "هل كان لها علاقات مع أولاد؟" فجاء رده جازما: "أختك مثلية مليون بالمائة!"... اللعنة! أختي التي أمضيت الشهور والأعوام أحلم بلقائها والحياة معها، ها أنا أعود لأكون المسؤول على تدمير سعادتها! فقال "قلت لك منذ قليل، العاطفة معها ستتسبب في هلاكها، وهلاكك وهلاكنا جميعا، فلا تفعل وكن في مستوى الآمال المعلقة عليك".
نظرت من نافذة السيارة لكنزة مع بنت الحاج صالح... فقلت في نفسي: "اللعنة هذه عقوبة الدنيا قبل الآخرة! لو كانت فتاة أخرى غير ابنة الحاج صالح لأذبتها في الحامض! اللعنة كيف سأتصرف؟!"
مع اتصال الحاج: "أين كنزة؟ ليست في المنزل"... فأجبت: "عيني عليها، حسبما فهمت، أرادت مع أصدقائها مفاجأة صديقة لهم، فنظموا لها حفلة عيد ميلاد، سهرة عادية مع أصدقائها... لا تهتم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيج
أمين بن سعيد ( 2024 / 6 / 23 - 22:25 )
-أميرة خرجت من المنزل-/ ما يخص قصة أميرة مع أسماء: سقوط ألف ولام في -أميرة- لا أدري كيف، والأميرة كنزة.

اخر الافلام

.. إبداع المخرجة نانسي كمال وتكريم من وزير الثقافة لمدرسة ويصا


.. المهندس حسام صالح : المتحدة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى الع




.. الفنان لطفي بوشناق :شرف لى المشاركة في مهرجان الموسيقى العر


.. خالد داغر يوجه الشكر للشركة المتحدة في حفل افتتاح مهرجان الم




.. هبة مجدى تدعم زوجها محمد محسن قبل تكريمه فى مهرجان الموسيقى