الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بين الخسارة واليأس..يُولَد الأمل..قصة قصيرة

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2024 / 6 / 24
الادب والفن


في أعقاب القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع #غزة، وجدت صفاء البالغة من العمر 30 عامًا، وهي امرأة فلسطينية حامل من قطاع غزة، نفسها وحيدة مزقها الحزن، لقد فقدت زوجها أحمد وطفليها الصغيرين، وليد وأماني، في الغارات الجوية المتواصلة التي حولت منزلهم إلى أنقاض.

وبينما كانت تتنقل في الشوارع المتربة لما تبقى من حيها، كان قلب صفاء يُثقله الحزن، كانت كل خطوة تخطوها عبارة عن صراع، وكان بطنها المنتفخ بمثابة تذكير دائم بالحياة التي تنمو داخلها - حياة لن تعرف أبدًا دفء حضن والدها أو الضحك اللعوب لإخوتها.

همست وعينيها تتأملان بقايا المباني المتفحمة وأكوام الحطام المنتشرة في كل مكان: "يا الله، أعطني القوة لتحمل هذه المحنة"..."ساعدوني في إيجاد طريقة لتكريم ذكراهم ومنح طفلي فرصة لمستقبل أفضل"

ضربت الشمس ظهرها بلا رحمة وهي تشق طريقها عبر المناظر الطبيعية المدمرة، شعرت بعيون جيرانها عليها، حيث أبدى بعضهم إشارات تعاطف صامتة، والبعض الآخر تجنب أنظارهم، غير قادر على تحمل رؤية ألمها.

كانت رحلة صفاء خلال الأسابيع المقبلة رحلة اغتراب واغتراب واغتراب، حيث وجدت نفسها على مشارف ما تبقى من المدينة، ولجأت إلى مخيم مؤقت أنشئ لاستيعاب موجة الناجين والنازحين الجدد.

امتزجت الأيام ببعضها البعض في روتين البقاء الرتيب، استمر بطن صفاء في النمو، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع إطارها الهزيل، لقد احتفظت لنفسها بحزنها درعًا واقيًا يحرس قلبها ويعزلها عن العالم.

خلال هذا الوقت واجهت صفاء بعض الغرباء الذين ترك لطفهم علامة لا تُمحى على حياتها، جاءت مجموعة من المتطوعين الشباب، وقد ملأت وجوههم الإصرار والأمل، إلى المخيم لتقديم ما في وسعهم من مساعدة، وقاموا بتوزيع الطعام والماء، واعتنوا بالجرحى، واستمعوا إلى قصص الراغبين في المشاركة.

وبرز بينهم الشاب إيهاب حيث بدت عينيه المليئتين بمزيج من الرحمة والقوة، ترى من خلال جدرانها المشيدة بعناية، اقترب منها ذات مساء بينما كانت تجلس بمفردها، تراقب غروب الشمس وهو يرسم السماء بألوان البرتقالي والوردي.

"السلام عليكم يا أختي" رحب بها بصوت لطيف ودافئ "لم أرك هنا من قبل، هل أنت جديدة في المخيم؟"

أومأت صفاء برأسها صمتا، وعيناها مثبتتان في الأفق، حيث كانت الشمس قد انخفضت بالكامل تقريبًا تحت خط المباني المحطمة.

جلس إيهاب بجانبها يحترم صمتها، وبعد لحظة تحدث مرة أخرى. "اسمي إيهاب.. أنا جزء من مجموعة من المتطوعين الذين يحاولون مساعدة المتضررين من القصف، هل هناك أي شيء تحتاجينه؟ طعام، دواء، مكان للإقامة؟"

استدارت صفاء لتنظر إليه وقد رأته حقًا للمرة الأولى، لاحظت اللطف في عينيه والصدق في ابتسامته. "لا، شكرًا لك،" أجابت، وصوتها ناعم وأجش من الإهمال، "لدي كل ما أحتاجه في الوقت الحالي."

أصر إيهاب بلطف "هل أنت متأكدة؟" "لدينا مطبخ مجتمعي صغير تم إعداده هناك، لن يكون غروب الشمس كما كان، لكن الشراكة جيدة" وأشار إلى مجموعة من الأشخاص المجتمعين حول موقد مؤقت، يتقاسمون وجبة بسيطة ويضحكون.

شعرت صفاء بسحب في قلبها، لقد مر وقت طويل منذ أن سمحت لنفسها بالشعور بالبهجة، أو حتى بالأمل، لقد كان هؤلاء الأشخاص بروحهم التي لا تتزعزع وصمودهم، شهادة على قوة النفس البشرية. "ربما" قالت وهي تسمح لنفسها بابتسامة صغيرة.

أضاء وجه إيهاب، ووقف على قدميه ومد لها يده "نعم بالطبع، نحتاج أيادي إضافية لفرز وتوزيع التبرعات، تعالي سأقدمك للآخرين"

وبينما انغمست صفاء في العمل التطوعي، وجدت العزاء في صحبة الأرواح المشابهة - أولئك الذين مثلها، رفضوا السماح لظلام ظروفهم بأن يطفئ نورهم، لقد عملوا بلا كلل، وقاموا بتوزيع المساعدات وتوفير الراحة وتبادل قصص الخسارة والأمل.

أصبح حضور إيهاب دائما إلى جانبها، لقد استمع إلى قصتها، وشاركها حزنها، وقدم لها كتفًا لتستند عليه عندما أصبح ثقل ذكرياتها أكبر من أن تتحمله، مع مرور الوقت.. ازدهرت صداقتهما إلى شيء أكثر من ذلك، تفاهم هادئ بينهما.

وفي إحدى الأمسيات، بينما كانا يجلسان معًا تحت السماء المرصعة بالنجوم، أمسك إيهاب بيدها... "صفاء لقد تحملت أكثر من أي شخص آخر، ومع ذلك تظل روحك غير مكسورة، إن قوتك ومرونتك تلهمني، أعلم أنه لا شيء يمكن أن يحل محل ما فقدته، ولكن أريدك أن تعلم يأنه ليس عليك مواجهة الحرب وحيدة، أنا هنا من أجلك"

شعرت صفاء بقلبها يتحرك بطريقة اعتقدت أنها مستحيلة، ورأت في عيني إيهاب نفس الإصرار والأمل الذي جذبها إليه منذ البداية، أجابت بصوت ثابت: ـ شكرًا لك يا ياإيهاب.. "لقد كنت نورًا في ظلامتي، لا أعرف ما يخبئه المستقبل، لكنني أعلم أنه طالما أننا نقف معًا، يمكننا مواجهته".

ومع تحول الأيام إلى أسابيع، اقترب موعد ولادتها، أصر إيهاب وعائلته على البقاء معها ليقدموا لها ملاذاً من الحب والدعم، وجدت الراحة في أحضانهم الدافئة، ممتنة لشعور الانتماء الذي منحوها إياه.

وكانت ولادة ابنتها، التي أسمتها أمل – والتي تعني "الأمل" – نقطة تحول. ..كانت صرخات أمل، المليئة بالحياة والحيوية، بمثابة إشارة لبداية جديدة، ليس فقط لصفاء، ولكن لجميع من حولها.

همست والدة إيهاب واسمها هناء والدموع تتلألأ في عينيها وهي تأخذ الرضيع المقمط بين ذراعيها "إنها جميلة..نعمة حقيقية من الله نرجو أن تجلب النور لعالمنا المظلم"

ابتسمت صفاء وقلبها يفيض بالحب والامتنان، كانت تعلم أن الطريق أمامها سيكون مليئًا بالتحديات، ولكن مع أمل بين ذراعيها وإيهاب بجانبها، شعرت بتصميم لا يتزعزع على صياغة مستقبل أفضل.

ومع نمو أمل، زاد حب صفاء لوطنها فلسطين، لقد بذلت جهدها في تربية ابنتها، وغرست فيها شعورًا عميقًا بالفخر بتراثها الفلسطيني، قامت بتعليم أمل تاريخهم الغني وثقافتهم العظيمة، وجمال أرضهم.

لكن صفاء كانت تحمل في داخلها أيضًا رغبة ملحة في العدالة والحرية، وكانت تتوق إلى رؤية نهاية للاحتلال الإسرائيلي، وللقمع والمعاناة التي يلحقها بشعبها، لقد أرادت أن تنشأ أمل في فلسطين حرة حقًا - مكان يمكن للأطفال اللعب فيه دون خوف من القنابل والرصاص، وحيث يمكن للعائلات أن تزدهر ،وتزدهر الأحلام.

في إحدى الليالي، بينما كانت تهز أمل لتنام، همست صفاء بهدوء، وعيناها تلمعان بالدموع التي لم تذرف: "عزيزتي أمل، أنتِ أمل فلسطين... أنتِ المستقبل الذي نناضل من أجله، قد لا أعيش حتى أرى ذلك اليوم" إن أرضنا حرة حقًا، لكنني لن أتوقف أبدًا عن النضال من أجل حقكم في تسمية هذا المكان بالوطن، ولن أتوقف أبدًا عن حب فلسطين، وأعلم أنه في يوم من الأيام، سنطرد الاحتلال ونستعيد ما هو حق لنا، حينها سيفرح والدك واخوتك في قبورهم..

كانت روح صفاء التي لا تتزعزع، وصمودها في مواجهة المأساة، وحبها الدائم لوطنها، بمثابة منارة أمل لجميع من حولها، لقد جسدت قوة الشعب الفلسطيني الذي لا يموت، حيث من بين الأنقاض والموت، خرجت الحياة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح