الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات شعبية جنجل وجناجل

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 6 / 24
الادب والفن


الحورية والصياد

اصطاد الصياد ، ذات يوم ، سمكة كبيرة جميلة ، ورغم حاجته إلى المال لم يبعها ، بل بنى لها حوض ماء واسعاً ، ووضعها فيه .
وخرج الصياد ، في اليوم التالي ، إلى النهر ليصطاد السمك ، فنزعت السمكة جلدها ، وإذا هي حورية ، غاية في الرقة والجمال ، وفي الحال ، قامت بتنظيف البيت ، وترتيبه ، ثم ارتدت جلد السمكة ، وعادت إلى الحوض .
وعاد الصياد إلى البيت مساء ، ودهش بما رأى ، وازدادت دهشته حين تكرر هذا الأمر في الأيام التالية ، وتعمد أن يعود في أحد الأيام مبكراً ، وفوجىء بوجود الحورية ، وقد أعجب بها ، وطلب منها الزواج ، فوافقت وتزوجا .
ورآها أحد أتباع السلطان ، وبهره جمالها ، فأعلم السلطان بما رأى ، وأرسل السلطان في طلب الصياد ، وأراد أن يُعجزه ، ليجبره على طلاق زوجته فيتزوجها هو ، وطلب منه أن يأتيه برغيف خبز يكفيه هو وحاشيته .
وعاد الصياد إلى البيت مهموماً ، وحالما علمت زوجته بالأمر ، ذهبت إلى أختها في النهر ، فأعطتها رغيف الخبز ، وأخذ الصياد الرغيف إلى السلطان ، فطلب منه هذه المرة ، أن يأتيه بطفل لا يزيد عمره عن الشهر ، فيدخل عليه ، وينطق بالسلام .
وكما في المرة السابقة ، ذهبت الحورية إلى أختها في النهر ، فأعطتها ما أرادت ، وفي اليوم التالي ، دخل الصياد على الملك ومعه الطفل ، فقال الطفل للسلطان : السلام عليكم ، يا مولاي .
وتعجب السلطان مما رأى ، وسأل الصياد عن حكايته ، فقصها عليه من البداية حتى النهاية ، وحين أدرك السلطان مدى تعلق الزوجين أحدهما بالآخر، تراجع عن رغبته في الحورية ، وأكرم الصياد ، وجعله واحداً من حاشيته .


حكاية شعبية من الموصل ـ العراق










جنجل وجناجل

كان يا كان ، كان هناك خشفان صغيران ، اسم الأول جنجل ، واسم الثاني جناجل ، يعيشان مع أمهما الغزالة ، في كوخ وسط الغابة ، وكانت أمهما تخاف عليهما من الدامية ، وقد أوصتهما أن لا يفتحا الباب إلا عندما يسمعاها تردد : جنجل وجناجل ، افتحا لامكما الباب ، بقروني الحشيش ، لأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وخرجت الغزالة ذات يوم ، فجاءت الدامية ، ورددت ما تردده الغزالة قائلة : جنجل وجناجل ، افتحا لأمكما الباب ، بقروني الحشيش ، بأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وتملك جنجل وجناجل الخوف ، لكنهما ردا على الدامية قائلين : اذهبي ، أنتِ لستِ أمنا ، بل أنت الدامية ، لن نفتح لكِ الباب .
وحاولت الدامية كسر الباب ، لكنها لم تستطع ، فأسرعت إلى بيتها ، وشربت علبة مليئة بالحلو ، وقالت بصوت يشبه صوت الغزالة : جنجل وجناجل ، افتحا لامكما الباب ، بقروني الحشيش ، وبأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وأسرعت جناجل إلى الباب لتفتحه ، فقال لها جنجل محذراً : جناجل ، لا تفتحي الباب ، هذا ليس صوت أمنا ، بل صوت الدامية .
وضحكت جناجل ، وقالت : أنتَ خائف ، حتى توهمت أن صوت أمنا هو صوت الدامية . وما إن فتحت جناجل الباب ، حتى اندفعت الدامية إلى الداخل ، وبلعت جنجل وجناجل ، ثم خرجت ، ومضت متثاقلة إلى بيتها .
كان الغراب يراقب ما حدث ، وهو واقف على شجرة تطل على بيت الغزالة ، فانطلق باحثاًعن الغزالة ، حتى وجدها ، وأخبرها بما جرى لجنجل وجناجل ، وأسرعت الغزالة إلى الحداد ، وحدت قرنيها عنده ، ثم أسرعت إلى الدامية ، وتصدت لها قائلة : لقد بلعتِ صغيريّ جنجل وجناجل ، تعالي نتناطح ، فإذا غلبتني ابلعيني كما بلعتِ صغيريّ ، وإن غلبتكِ شققتُ بطنكِ ، وأخرجت جنجل وجناجل .
ووافقت الدامية على ذلك ، وبدأ التناطح ، وبعد معركة طاحنة ، غلبت الغزالة الدامية ، وشقت بطنها ، فخرج جنجل وجناجل ، وأسرعا إلى أمهما فرحين ، واحتضنت الغزالة صغيريها ، وقالت :
أنا غزالة غزيلة
وكروني حديد
كلمن ياخذ أولادي
الكينة بالبرية




حكت لي أمي ..

ـ إنني رأيتُ الدامية ، رأيتها بعينيّ هاتين ، اللتين " سيأكلهما الدود غداً " .
هذا ما قالته لي أمي ، وطبعاً صدقتها ، صدقتُ أنها رأت الدامية ، ومن منا لا يصدق أمه ، وخاصة إذا كان في حدود الخامسة من العمر ؟
لا أذكر بالضبط ، ربما كانت الليلة شتائية ، وبيني وبين أمي منقل مليء بجمر الفحم الدفء ، عندما روت لي ما رأته ، ولابد أنني فتحتُ عينيّ على سعتهما ، وقلبي يخفق رعباً ، وكيف لا وأمي تتحدث عن الدامية ، التي رأتها بعينيها ، اللتين " سيأكلهما الدود غداً " ؟
كان بيت أهلي ، يقع في حي الميدان بالموصل ، القريب من نهر دجلة ، هكذا بدأت أمي حكايتها ، وكان لي صديقة مسيحية في عمري ، ألعب معها أحياناً في بيتهم ، الذي يطل على النهر مباشرة .
وذات يوم ، كنتُ ألعب وصديقتي ، في غرفة بالطابق الثاني من البيت ، تطل إحدى نافذتيها على النهر ، وتطل الأخرى على سلم حجري ، ينحدر إلى شاطئ النهر مباشرة .
ولسبب ما نهضتُ ، ونظرت عبر النافذة ، وسرعان ما تراجعتُ ، وأنا أشهق خائفة ، فأسرعت صديقتي إليّ ، قائلة : لا تخافي ، ما الأمر ؟
وأشرت إلى النافذة ، بأصابع مرتعشة ، وقلتُ بصوت يشي بخوفي : أنظري .
ونظرت صديقتي ، حيثُ أشرتً ، ثم ابتسمت ، وقالت : لا تخافي ، هذه الدامية .
وبدل أن " لا أخاف " ازداد خوفي ، وشهقت قائلة : الدامية !
وقالت صديقتي : نحن نراها هنا ، بين حين وآخر ، ويكفي أن ننقر على النافذة ، لتهبّ من مكانها ، وتلوذ بالفرار ، تعالي انظري .
وتقدمت من النافذة ، وقلبي مازال يخفق خوفاً ، ودققتُ النظر فيها جيداً هذه المرة ، يا للهول ، كانت امرأة ضخمة الجسم ، عارية ، شعرها الأسود الكث يغطي صدرها ، و ..
ونقرت صديقتي بأحد أصابعها على زجاج النافذة ، فهبت الدامية من مكانها مذعورة ، وألقت نفسها في الماء ، وسرعان ما اختفت في أعماق النهر .
هذه هي الدامية ، التي تقول أمي أنها رأتها بعينيها ، عندما كانت صغيرة ، وقد صدقتُ أمي ، وشعرت بالخوف من الدامية ، وتمنيتُ بيني وبين نفسي ، أن لا أراها كما رأتها أمي في صغرها .
وتحققت أمنيتي ، إذ لم أرَ الدامية ، وبالتأكيد لن أراها ، فهي لم ولن تكون موجودة إلا في حكايات الأطفال ، التي ترويها الجدات ، في ليالي الشتاء الباردة ، ولا أعتقد أن أحد الأطفال ، يمكن أن يصدق بوجودها الآن ، كما كان بعضنا يصدق ذلك في طفولته .



















أبو داهي والدامية

أبو داهي رجل في حوالي الأربعين ، شهم ، شجاع ، طيب القلب ، لا يتردد في غوث الآخرين ونجدتهم ، ولاسيما الأطفال والنساء ، مهما كانت الظروف ، وهذا للأسف ما أوقعه في حبائل الدامية .
يعمل أبو داهي ، وخاصة في أشهر الصيف ، في نقل الرقي والخيار والبطيخ ، من القرى الشمالية القريبة ، إلى مدينة الموصل ، بواسطة طوف " كلك " ينحدر به مع التيار ، في نهر دجلة .
وذات يوم ، قبيل غروب الشمس ، كان ينحدر بطوفه مع النهر ، في محاذاة الغابة ، فتناهى إليه من بين الأشجار ، صوت امرأة تستغيث به قائلة : دخيلك ، يا أبا داهي ، يا أبا الشهامة والغيرة ، إنني امرأة وحيدة ، أغثني .. أغثني .
ولأن أبا داهي " شهم ، وشجاع ، وأبو غيرة " ركن طوفه عند الشاطئ ، القريب من الغابة ، وأسرع إلى مصدر الصوت ، وإذا هو وجهاً لوجه مع امرأة ضخمة ، منفوشة الشعر ، شبه عارية ، ترى من تكون ، هذه ليست امرأة عادية ، يا للويل إنها ..الدامية .
واتسعت عيناه رعباً ، وخفق قلبه كعصفور تحاصره أفعى ، فابتسمت الدامية ، ومدت يديها نحوه ، وهي تقول : أهلاً بقسمتي ونصيبي ، أهلاً بزوجي .
وتراجع أبو داهي قليلاً ، وقال : لكن لي زوجة ، وهي تنتظرني في البيت مع الأولاد .
وتقدمت الدامية منه ، ويداها مازالتا ممدودتين نحوه ، وقالت : زوجتك الأولى في البيت ، وأنا زوجتك الثانية ، هنا في الغابة .
وهمّ أبو داهي أن يستدير ، ويلوذ بالفرار ، لكنه فجأة وجد نفسه أسير ذراعين قويين كأنهما الفولاذ ، وسرعان ما طرحته الدامية على الأرض ، ولحست أسفل قدميه بلسانها الخشن ، حتى صار لا يستطيع الوقوف ، أو الهرب من الغابة .
ورغماً عنه ، استسلم أبو داهي " للقسمة والنصيب " ، وصارت الدامية زوجته الثانية ، تسهر عليه ، وترعاه ليل نهار ، وتوفر له كلّ ما يحتاجه من طعام وشراب ، لكنه ظلّ يحن إلى بيته وأولاده وزوجته وأهله وأصحابه وجيرانه ، وراح يتحين الفرص للإفلات من الدامية ، والهرب إلى الموصل .
وذات ليلة مقمرة ، تمددت الدامية كالعادة إلى جانب " ابو داهي " ، وسرعان ما استغرقت في نوم عميق ، وراحت تشخر بصوت مرتفع ، واغتنم أبو داهي هذه الفرصة ، فزحف ببطء إلى الطوف ، وحلّ الحبل الذي يربطه بالشاطئ ، ثم انطلق به بسرعة ، منحدراً مع التيار إلى الموصل .
وأفاقت الدامية ، وكأن قلبها أعلمها بهربه ، فجن جنونها ، وبحثت عنه فيما حولها ، دون جدوى ، وعلى ضوء القمر ، رأت الطوف من بعيد ، ينحدر وسط النهر مع التيار ، وفي مقدمته يقف أبو داهي .
وعلى الفور ، راحت تركض على امتداد النهر ، وهي تصيح بصوت مذبوح : أبو داهي ، زوجي ، تمهل ، لا لاتتركني هنا وحيدة ، تعال ، إنني لا أحتمل الحياة بعيداً عنكَ .
لم يتمهل أبو داهي ، وواصل انحداره مع التيار بعيداً عنها ، فتوقفت غاضبة ، وراحت تهدد قائلة : لن تفلت مني ، أنت قسمتي ونصيبي ، وسأعيدك لتعيش معي في الغابة ، مهما كلفني الأمر .
لم ينسَ أبو داهي هذه التجربة ، التي عاشها في الغابة مع الدامية ، وظلّ طول حياته بعيداً عن الطوف والنهر ، خشية أن تفاجئه الدامية ، في مكان ما ، وتخطفه ليعيش معها في الغابة .






الثعلبُ الفرّاءُ

يُحكى أن ثعلباً ، ادعى في الغابةِ ، التي هاجرَ إليها ، بأنه فرّاءُ أباً عن جدٍ ، وأنَّ الفِراءَ التي يصنعُها ، لا مثيلَ لها في أيّ مكانٍ .
وعلمَ الأسدُ بالأمرِ ، وهذا ما أرادهُ الثعلبُ ، فأمرَ بإحضارهِ ، وسألهُ : ممَا تصنعُ الفِراءُ ؟
فردّ الثعلبُ : من جلودِ الحملانِ ، يا مولايَ .
فأمرَهُ الأسدُ قائلاً : اصنعْ لي فروةْ .
وانحنى الثعلبُ للأسدِ ، وقالَ : أمرُ مولايَ .
وصمتَ لحظةْ ، ثمّ قالَ : سأنجزُها خلالَ اسبوعٍ ، إذا ارسلتَ لي حملاً ، صباحَ كلّ يومٍ .
وصباحَ كلّ يومٍ ، خلالَ سبعةِ أيامٍ ، راحَ الأسد يُرسلُ حملاً إلى الثعلبِ ، وفي نهايةِ الأسبوع ، عرفَ الأسدُ بأنّ الفروةَ لمْ ولنْ تنجزَ ، بلْ إنّ الثعلبَ نفسهُ ، تركَ الغابةَ ، ولاذَ بالفرارِ .
وعلى الفور ، أرسلَ الأسدُ من جاءَهُ بالثعلبِ ، وألقاهُ ذليلاً بينَ أقدامهِ ، فصاحَ الأسدُ : أيها اللقلقُ .
وحضرَ اللقلقُ ، وقالَ : مولايَ .
فأمرَهُ الأسدُ قائلاً : خذْ هذا الثعلبَ الكذابَ ، وطرْ به إلى أعلى ما تستطيعُ ، والقهِ من هناكَ .
وقالَ اللقلقُ ، وهو يطبقُ على الثعلبَ بمنقارهِ : أمرَ مولايَ .
وتوسلَ الثعلبُ بالأسدِ أن يسامحهُ ، ويعفو عنه ، لكنْ دون جدوى ، وحلقَ اللقلقُ بالثعلبِ ، وطارَ به عالياً .. عالياً ، ثمّ سألهُ : كيفَ ترى الأرضَ ؟
ونظرَ الثعلبُ إلى الأرضِ خائفاً ، وقالَ : أراها مثلَ صينيةِ الطعامِ .
فطارَ اللقلقُ عالياً .. عالياً .. عالياً ، ثمّ سألهُ : الآنَ ، كيفَ تراها .
فردّ الثعلبُ مرعوباً : أراها مثلَ طبقِ الطعامِ الصغيرِ .
عندئذٍ ألقاهُ اللقلقُ ، وهو يقولُ : اذهبْ ، وكلْ من هذا الطبقِ .
وهوى الثعلبُ من ذلكَ الارتفاعِ الشاهقِ ، وهو يدعو قائلاً : يا ربي وقعني على فروة راعي
لا ينكس كراعي
ووقعَ الثعلبُ بالفعلِ على فروةِ راعي ، كانَ يرعى قطيعَ غنمهِ في ذلكَ المكانِ من الحقلِ ، ولم ينكسرْ اكراعه ، فالتفّ بالفروةِ ، المصنوعةِ من فراءِ الحملانِ ، ومضى بها إلى بيتهِ .

ـ روتها لي ، وأنا صغير ، زوجة عمي ، وكانت من ريف نينوى ـ العراق






فرط الرمان

تمنى ملك ، أن يرزقه الله ولداً ، وقال إذا كبر ، سأجري ساقيتين ، الأولى عسلاً ، والثانية دهناً .
ورزق ولد ، سماه نور الزمان ، وأجرى ساقيتين عسلاً ودهناً ، وملأ الناس جرارهم ، وجاءت أخيراً امرأة عجوز ، واستقطرت ما بالساقيتين في جرتها ، فصوب نور الزمان سهماً ، وكسر جرتها .
ودعت العجوز على نور الزمان ، أن يقع في حب الأميرة فرط الرمان ، وخرج الأمير يبحث عنها ، حتى وصل كوخاً ، فيه شيخ ، فأخبره إنها في مملكة السعلاة ، وذهب إلى السعلاة ، فرضع من ثديها وهي نائمة ، وقال لها ، إنه صار كأحد أولادها .
ودلته السعلاة على قصر أخيها الغول ، وأعطته خاتمها ، وذهب إلى الغول ، فدله على قصر الأميرة فرط الرمان ، فوق الجبل العظيم .
وقال له الغول : قف تحت شباك القصر ، ونادِ
يا فرط الرمان
اسحبي المشتاق ، الذي جاء من واق .. واق
إذا مالت شعرها لك ، فتسلق به إليها وإلا سيأتي والداها فيقتلانك .
وصل نور الزمان القصر ، ونادى فرط الرمان ، وفتحت الشباك ، ودلت شعرها ، وسحبته إليها ، أحبته فرط الرمان ، وأخبرته أن الغولان خطفاها ، وربياها كأبنتهما، وجاء والداها ، فحولته إلى مكنسة ، ووضعته وراء الباب ، وتشمما ما حولهما ، وقالا : إننا نشم رائحة بني آدم .
فقالت فرط الرمان : هذه رائحة إحدى ضحاياكما من البشر .
خرج الغولان في صباح اليوم التالي ، وأعادت فرط الرمان الأمير إلى حالته الأولى ، ونزل الأمير نور الزمان ، والأميرة فرط الرمان ، وامتطيا الحصان ، ولاذا بالفرار .
ولحق بهما الغولان ، عندما عرفا بهربهما ، فحولت الأميرة فرط الرمان نفسها إلى منارة ، يقف فوقها الأمير للآذان ، فسأل الغولان المؤذن عن الأمير والأميرة ، فقال إنه لم يرهما .
وعاد الأمير نور الزمان إلى والديه الملك والملكة ، ففرحا به ، وكذلك الناس ، الذين ظنوا أنه مات ، وبعدها أقيمت الاحتفالات ، وتزوج الأمير نور الزمان ، الأميرة فرط الرمان ، وعاشا عيشة سعيدة .

عن نصين عراقيين ، الأول " فتيت الرمان " لكاتب من الموصل ، يوسف أمير قصير ، والثاني " فرط الرمان " لكاتب من بغداد هو " كاظم سعد الدين " .




العوض على الله

ذهبت سلمى الصغيرة إلى السوق ، واشترت شيئاً من العسل ، وضعته في قارورة صغيرة ، وعند الباب رأتها جارتهم العجوز ، ونظرت إلى قارورة العسل ، وقالت : أريد أن أتذوق هذا العسل .
لم تلتفت سلمى إلى المرأة العجوز ، لكنها لم ترتح للهجتها ، وقبيل منتصف النهار اختفت القارورة ، فذهبت إلى القاضي ، ووجدته يلعب مع قط صغير جميل .
قالت سلمى : أيها القاضي ..
وقاطعها القاضي قائلاً ، وهو يداعب قطه : أوجزي ، فأنا كما ترين مشغول .
قالت سلمى : اشتريت قارورة عسل .
قال القاضي : تحليت .
وقالت سلمى : اشتهتها جارتنا العجوز .
وقال القاضي : ومن لا يشتهي العسل ؟
وقالت سلمى : وقبل منتصف النهار اختفت قارورة العسل .
فقال القاضي : سبحان الله .
فقالت سلمى : أريد حقي .
وداعب القاضي قطه الصغير المدلل ، وقال : العوض على الله .
وخرجت سلمى من عند القاضي غاضبة ، ما العمل ؟ لقد لجأت إلفى القاضي لينصفها ، فلم يقدم لهم غير " العوض على الله " .
قبيل العصر ، اختفى القط الصغير المدلل ، وجنّ القاضي ، ما العمل ؟ ورغم كل شيء ، ذهب إلى سلمى ، وقال لها : سلمى ، لقد اختفى قطي المدلل ، سأجن يا سلمى .
فقالت سلمى ببرود : عوضك على الله .
ونظر القاضي إلى سلمى ، وقال : ألقينا القبض على جارتكم العجوز ، واعترفت بأنها هي التي سرقت قارورة العسل .
ونظرت سلمى إليه ملياً ، ثم قالت : عد إلى بيتك ، أيها القاضي ، وسيأتيك قطك مساء .











الحمامة

منذ خروجها من البيضة ، والشيخ حامد يعتني بهذه الحمامة البيضاء ، ولأن أمها المسكينة ، أكلها القط الأسود ، صار هو له أماً .
كان يزقها من فمه ، كما تزق الحمامة الأم صغيرتها ، حتى كبرت ، وتعلمت الطيران ، وراحت تدور فوق الحقول المجاورة ، ثم تعود إلى الشيخ .
ومرض الشيخ ، واشتد مرضه ، وحاول ابنه وزوجة ابنه معالجته ، دون جدوى ، وضعفت قواه ، حتى أوشك على الهلاك .
وذات صباح ، قالت الزوجة الطيبة ، على مسمع من الحمامة : لو إنني أعرف دواء لعلاجه ، لجلبته له ، مهما كان الثمن .
وعلى الفور ، طارت الحمامة البيضاء ، طارت بعيداً ، ومع غروب الشمس عادت متعبة ، وفي منقارها حزمة صغيرة من العشب .
وما إن رآها الزوج ، ورأى العشب الذي في منقارها ، حتى استبد به الغضب ، فأخذ العشب منها ، وألقاه جانباً ، وصاح بها : أيتها اللعينة ، هذا عشب سام ، اذهبي من هنا وإلا قتلتك .
وأطرقت الحمامة رأسها ، ثم خرجت ، وحلقت بعيداً ، وفي اليوم التالي ، سأفر الزوج إلى قرية بعيدة ، وقال لزوجته : اهتمي بأبي حتى أعود .
واعتدل الشيخ بصعوبة في فراشه ، وقال لزوجة ابنه : هاتي العشب ، الذي جات به الحمامة .
وجاءت الزوجة الشابة بالعشب ، فقال الشيخ بصوت واهن : اغليه ، أريد أن أشربه .
واتسعت عينا الزوجة الشابة خوفاً ، وقالت : لمنه عشب سام .
فصاح الشيخ حامد بصوت مرتعش : اغليه ، لا أريد أن أعيش بعد أن طردت حمامتي .


" 2 "
ــــــــــــــــــــ
وأحضرت الزوجة الشابة ، العشب الذي جاءت به الحمامة البيضاء ، وقطعته ، ووضعته قي قدر ، وجعلته يغلي ، حتى أصبح كالحساء .
وقدمته إلى الشيخ المريض ، فاحتسى منه قليلاً ، وتمدد ينتظر ، لكنه بدل أن يموت كما أراد ، صار ـ ويا للعجب ـ شاباً في مقتبل العمر .
وعاد الزوج ، وفوجئ بشاب يجلس في محل أبيه ، فنظر إلى زوجته غاضباً ، وقال : أين أبي ؟
وأصيبت الزوجة بالخرس ، فقال الشيخ ـ الشاب : أنا أبوك ، يا بنيّ .
والتفت الزوج إلى زوجته ، وسألها ثانية : أين أبي ؟ أخبريني وإلا ..
وأشارت الزوجة بيد مرتعشة إلى الشيخ ـ الشاب ، وقالت : هذا هو أبوك .
واقترب الزوج منها ، وهو يصيح : أبي كان شيخاً ، فكيف صار شاباً ؟
وهمت أن تجيبه ، فانقض عليها يريد قتلها ، فهربت مولولة ، ولاذت ببيت أحد الجيران ، فأغلق الزوج الباب ، وذهب إلى اخوتها ، وأخبرهم بما جرى .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
حضر اخوتها غاضبين ، وهموا بمعاقبة أختهم ، فقالت باكية : لم أخطئ ، أراد الشيخ أن أغلي العشب فغليته ، وما إن شرب منه حتى صار شاباً .
لم يصدقها أحد ، فقال الجار الذي لاذت به : هاتوا شيخاً ، وليشرب من هذا الحساء ، من يدري ، لعل المرأة المسكينة صادقة .
وعلى الفور ، جاءوا بامرأة عجوز ، وشربت من الحساء ، وإذا بها تصبح صبية في مقتبل العمر ، دهش الجميع ، وعرفوا أن الزوجة صادقة .
ونظرت الصبية العجوز إلى الشيخ ـ الشلب ، وقالت مذهولة : حامد !
وحدق الشيخ الشاب فيها مذهولاً ، وقال : حمدية !
واقترب منها ، وقال ، والجميع ينظرون إليه مذهولين :
لقد حرمت سابقاً من الزواج بك ، فلنتزوج الآن .
وهذا ما حدث ، وهكذا انتهت الحكاية ، وعاشا عيشة سعيدة ، أما الحمامة ، فبعد أن عرفت بما جرى ، عادت إلى صاحبها الشيخ ـ الشاب حامد ، ففرح بعودتها أشد الفرح .

عن حكاية تركمانية من العراق














القدر

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
أرق الملك ذات ليلة ، فخرج متنكراً من قصره ، وراح يتجول وحده في المدينة ، حتى وصل حيّاً لا يسكنه غير الفقراء والمعدمين .
ومن أحد البيوت الفقيرة ، خرج شيخ يشع النور من وجهه ، وملابسه بيضاء كلها ، وكذلك عمامته ، وكأنها منسوجة من شعاع القمر .
وحدق الملك فيه متعجباً ، وقال : لم أرَ شيخاً مثلك في مملكتي من قبل .
فابتسم الشيخ ، وقال : أنت ترى الآن .
وتساءل الملك : من أنت ؟
فردّ الشيخ قائلاً : أنا القدر .
وصمت لحظة ، ثم قال : رُزق صياد السمك بولد ، فكتبت قدره على جبينه .
وقال الملك : وماذا يمكن أن تكتب ؟ إنه ابن صياد سمك ، فلن يكون ، حين يكبر ، إلا صياد سمك .
وسار الشيخ مبتعداً ، وهو يقول : بل سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
ووقف الملك مذهولاً يتمتم : ابنتي ! هذا محال .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
بعد اسبوع ، رزقت زوجة الملك بطفلة جميلة ، وصُعق الملك ، وتراءى له الشيخ ـ القدر يقول له أمام بيت صياد السمك : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
وهبّ من مكانه صارخاً : هذا محال .
واستدعى جلاده في الحال ، ودله على بيت صياد السمك ، وأمره قائلاً : خذ ولدهم الصغير ، واذبحه في الغابة ، وجئنِ بشيء من دمه .
وانحنى الجلاد للملك وقال : أمر مولاي .
ولم يهدأ للملك بال ، حتى عاد الجلاد من الغابة ، ومه شيء من الدم ، قدمه للملك ، وقال بصوت مضطرب : هذا دمه ، يا مولاي .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
مرت السنون ، وكبرت الأميرة ، حتى تفتحت شابة جميلة ، كما تتفتح الزهرة الفواحة ، وغدت في سنّ تؤهلها للزواج .
وكان الملك يأمل أن يزوجها أميراً ، من عائلة ملكية ، تدعم حكمه ، وتقوي مملكته ، في مواجهة الممالك العدوة ، التي تحيط بمملكته .
وذات يوم ، خرج الملك للصيد في الغابة ، ومعه عدد من الحرس والمرافقين ، من بينهم الجلاد ، وأبقى وزيره المخلص نائباً له على الحكم في غيابه ، كما أوصى المربية العجوز ، أن ترعى الأميرة الشابة ، وتحرص على راحتها ، حتى يعود .
وتوغل الملك وحرسه في الغابة ، وراء الطرائد وخاصة الغزلان ، وفي اليوم الثالث ، وقد توغلوا كثيراً في إعماق الغابة ، رأى حطاباً كبير السن ، أسود البشرة ، ومعه شاب وسيم ، أبيض البشرة .
وتوقف الملك محدقاً في الشاب ، وقال للملك : أيعقل أنّ هذا الشاب ابنك .
ورد الحطاب العجوز متلعثماً : إنه في الحقيقة ليس ابني ، ولكني ربيته كابني .
وقال الملك ، وهو مازال يحدق في الشاب : لا أفهم .
فقال الحطاب العجوز : منذ سنين ، سنين عديدة ، جاء رجل إلى هذا المكان ، ومعه طفل يريد أن يذبحه ، ولكن بدل أن يذبحه أعطاه لي .
وأشار الملك إلى الجلاد ، وقال : أهذا هو الرجل ؟
ولاذ الحطاب بالصمت ، فتقدم الجلاد من الملك ، وانحنى بين يديه ، وقال : الأمان ، يا مولاي .
فقال الملك : لك الأمان ، تكلم .
ورمق الجلاد الشاب بنظرة سريعة ، وقال : كان طفلاً بريئاً ، يا مولاي ، فلم أستطع ذبحه ، وذبحت بدله أرنباً برياً ، وجئتك بدمه .
وهمهم الملك ، وقد امتقع وجهه ، وتراءى له القدر ـ الشيخ يقول : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد اسبوع .

" 4 "
ـــــــــــــــــــــ
كتب الملك رسالة إلى وزيره ، وطلب من الشاب ، أن يحملها إليه على جناح السرعة ، وعلى جناح السرعة ، ركب الشاب حصانه ، وانطلق به إلى الوزير ، حاملاً معه رسالة الملك .
وعند منتصف الليلة التالية ، وصل الشاب على حصانه قصر الملك ، لم يكن الوزير موجوداً ، فاستقبلته الأميرة ومربيتها العجوز ، فأخذتا منه الرسالة ، وقرأتها الاميرة خفية ، فهالها مضمونها .
وتساءلت المربية العجوز : ماذا يقول الملك للوزير ، يا سيدتي ؟
فردت الأميرة قائلة : يقول له ، عندما تصلك رسالتي ، اقطع رأس حاملها فوراً .
وشهقت المربية العجوز هلعاً ، وقالت : يقطع رأس هذا الشاب ؟ يا للهول .
وأمسكت الأميرة الرسالة ، وقالت ، وعيناها الجميلتان تلمعان : سأغيرها .. وسأتزوجه .
وصاحت المربية العجوز : ماذا !
فقالت الأميرة : هذا الشاب قدري .

" 5 "
ــــــــــــــــــ
عاد الملك من الصيد ، وفوجئ بالقصر يتلألأ بالأفراح ، وأقبل الوزير يستقبله ، وفي أثره أقبلت الأميرة والشاب ، ويد كل منهما في يد الآخر ، وقد غمرهما الفرح الشديد .
وهمس الملك للوزير غاضباً : ماذا فعلت !
فردّ الوزير قائلاً : ما طلبته مني في رسالتك بالضبط ، يا مولاي .
واقترب الملك من الأميرة ، وقال : بنيتي ..
وقاطعته الأميرة قائلة : كلّ وقدره ، وهذا قدري ، يا أبي ، أرجوك باركني .





تخريفات عجائز !

على عادته ، خرج الحطاب الفتي إلى الغابة ليحتطب ، لكن وعلى غير عادته ، قال لأمه العجوز : قد أتأخر اليوم ، يا أمي .
ولحقت به أمه حتى الباب متسائلة : لماذا !
فرد قائلاً : سأتوغل اليوم في الغابة .
وشهقت أمه قائلة : حذار ، يا بنيّ ، فأعماق الغابة مسكونة .
وضحك الحطاب الفتي ، دون أن يلتفت إلى أمه ، وهو يقول : هذه تخريفات عجائز .
وتوغل الحطاب الفتي في الغابة ، توغل كثيراً ، وكلما تذكر تحذير أمه العجوز ، ابتسم ، وقال في نفسه : " تخريفات عجاز " .
وتعثر الحطاب الفتيّ ، وتهاوى حتى ارتطم رأسه بالأرض ، وسقط فأسه بعيداً عنه ، ونهض مبتسماً ، وهو يقول في نفسه : لو رأتني أمي العجوز ، لقالت لي ، ألم احذرك ؟ و ..
وفجأة رأى دبة فتية ، تسير أمامه ، وبين ذراعيها دب رضيع ، وهزّ رأسه ، من أين جاءت هذه الدبة الفتية ، ومعها صغيرها الرضيع ؟
وسمع الدبة الفتية ، تخاطب صغيرها الرضيع : ها قد وصلنا كوخ جدك وجدتك .
وعلى الفور ، ظهر كوخ صغير بين الأشجار ، وبدل الدبة الفتية وصغيرها الرضيع ، رأى الحطاب الفتيّ ، امرأة فتية تحمل طفلاً رضيعاً بين يديها ، وتمضي إلى داخل الكوخ .
وجنّ جنون الحطاب الفتي ، إن الغابة مسكونة فعلاً ، واندفع إلى داخل الكوخ ، وإذا رجل عجوز وامرأة عجوز ، يرحبان بالمرأة الفتية ، فقال الرجل العجوز متهللاً : يا أهلاً ، ويا مرحباً ، بابنتنا العزيزة .
وأخذت المرأة العجوز الطفل الرضيع بين ذراعيها ، وهي تقول فرحة : آه .. ما أجمله .. ما أجمله .. إنه صورة من أبنتنا العزيزة .. أمه .
واندفع الحطاب الفتيّ إلى العجوزين ، وقال : انتبها ، أيها الجدان ، انتبها ، هذه ليست ابنتكما ، انها دبة ، رأيتها بعيني هاتين ..
وقاطعه الرجل العجوز قائلاً : ماذا تقول ! أنت رجل غريب ، لا تعرفنا ولا نعرفك .
وقالت المرأة العجوز : هذه ابنتنا ، تزوجت قبل أكثر من سنة في القرية ، وهذه زيارتها الأولى لنا .
ورفع الحطاب الفتيّ فأسه ، وانقض على الفتاة الشابة ، وضربها على رأسها ، وهو يقول : بل هي شبح ، لا يؤثر فيها حتى الفأس ، انظرا ..
وصدم الحطاب الفتي ، حين رأى الدم ينبثق كالنبع من رأس الفتاة الفتية ، وسمعها تصرخ متوجعة ، وتتهاوى على الأرض .
وجنّ جنون الزوجين العجوزين ، فلطمته العجوز على صدره ، وطارده العجوز بهراوة ضخمة ، فاندفع هارباً من الكوخ ، وصيحات العجوزين تطارده .
وتعثر الحطاب الفتيّ ، وتهاوى حتى ارتطم رأسه بالأرض ، ونهض على الفور ، خشية أن يدركه الرجل العجوز ، بهراوته الضخمة القاتلة .
وتوقف مذهولاً ، وتلفت حوله مراراً ، عجباً ، لا أثر للعجوزين ، ولا للمرأة الفتية وصغيرها الرضيع ، أو للدبة الفتية وصغيرها الرضيع ، بل لا أثر للكوخ الصغير نفسه .
واستدار الحطاب الفتيّ ، آه هذه ليست تخريفات عجائز إذن ، وعلى الفور انطلق عائداً من حيث أتى ، ولو حدث ابنه ، في شيخوخته عما رأى ، ربما قال : " هذه تخريفات عجائز " .



ـ عن حكاية من التراث الياباني .




جحا الياباني

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
نحن لا نؤمن بالحلول ، على العكس من بعض اليابانيين ، وبحسب استاذ في " الحكايات الشعبية العالمية ، من هيروشيما في اليابان ، حلت روح جحا البغدادي ، في شخص ولد في قرية يابانية قريبة من طوكيو ، قبل مئات السنين .
ولأن جحا هو جحا ، في كلّ زمان ومكان ، وقد عرفناه في العراق وتركيا والصين و .. و .. و .. تعالوا نراه في اليابان القديمة ، تعالوا نرَ .. جحا الياباني .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
ذات ليلة شتائية باردة ، جلس جحا الياباني في كوخه ، إلى جانب موقد تشتعل فيه نار ، تشيع الدفء في الكوخ ، وفي حضنه هرّه العجوز .
كان جحا الياباني وحده في الكوخ ، يتمتع بالدفء والأمان ، لكن ، في الخارج ، كان هناك لص فتيّ ، يراقبه من شقّ صغير في الباب .
وعلى عادته ، راح جحا يتحدث إلى هره العجوز ، ويودعه سره ، فهو ليس مجنوناً ، ليحدث غير هره العجوز ، ويودع لديه سره ، وأي سرّ .
وبصوت لا يكاد يُسمع ، قال جحا : اسمع أيها الهر العجوز ، اسمعني جيداً ، ولا تخبر أحداً ، ولا حتى زوجتك ، التي رحلت في شتاء العام الماضي ، ما سأقوله لك الآن ، فهو سرّ حياتي .
وصمت جحا الياباني ، ثم قال بصوت أشد خفوتاً : لؤلؤتي الغالية ، التي ورثتها عن جدي ، حرامي بغداد ، هذا ما تقوله جدتي ، سأضعها فب صندوق صغير ، وأدفنها في أرضية الكوخ ، وأغطيها بالبساط .
ورفع الهر العجوز رأسه محدقاً فيه ، فصمت لحظة ، ثم قال : لست أحمق ، يا هري العجوز ، لقد أوصيت اللؤلؤة ، أن تصير فأرة وتلوذ بالهرب ، إذا جاءها لص ، وأراد أن يأخذها .
ونام جحا الياباني مطمئناً تلك الليلة ، فلم يسمع حديثه إلى الهرّ العجوز ، سوى الهرّ العجوز ، فمن أين له أن يعرف ، أن اللص الفتيّ اللعين ، سمع ما قاله ، وهو يرتجف من البرد خارج باب الكوخ ؟




" 3 "
ـــــــــــــــــــ
عاد جحا الياباني من رحلته ، بعد بضعة أيام ، ودخل كوخه متلهفاً لرؤية لؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن جده " حرامي بغداد " .
واستقبله هره العجوز مرحباً : ميو .
وربت جحا الياباني على رأسه ، وقال : آه هري العزيز ، تعال نستخرج اللؤلؤة .
ورفع البساط على عجل ، وعلى عجل استخرج الصندوق من أرضية الكوخ ، ونفض عنه الغبار ، آه هنا تستقر لؤلؤته آمنة مطمئنة ، وقال لهره العجوز : انظر ، سأفتح الصندوق ، وسترى لؤلؤتي الغالية ، التي ورثتها عن جدي حرامي بغداد .
وفتح جحا الياباني الصندوق الصغير ، وبدل لؤلؤته الغالية ، رأى فأرة صغيرة ، ما إن رأته ، حتى قفزت هاربة من الصندوق .
وفغر فاه وتمتم مذهولاً : لؤلؤتي !
وتقادحت عينا الهر العجوز ، وتذكر أنه لم يتذوق فأرة منذ أشهر عديدة ، ومدّ جحا يديه نحو الفارة للامساك بها ، وقال : مهلاً يا لؤلؤتي ، أنا لستُ لصاً ، أنا جحا ، صاحبك جحا .
لكن الفأرة الصغيرة لم تلتفت إلى كلامه ، وانطلقت مذعورة ، وكادت تجتاز عتبة باب الكوخ ، لكن الهرّ العجوز ، كان لها بالمرصاد ، فوثب عليها ، وأمسكها بين أسنانه ، فصاح به جحا الياباني : تمهل ، يا هري ، لا تبلعها ، إنها لؤلؤتي .
لكن الهر العجوز ، على عادته ، لم يتمهل ، وابتلع الفأرة الصغيرة ، وغيبها في جوفه ، الذي لم تزينه فأرة منذ أشهر عديدة .
وتوقف جحا الياباني مذهولاً ، يكاد يبكي ، فلؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن جده حرامي بغداد ، ضاعت إلى الأبد ، ابتلعها هره العجوز الأرعن .
والتمعت عيناه ، حين أبرقت فكرة في رأسه ، فمدّ يديه ، وأخذ هره العجوز إلى صدره ، إن لؤلؤته الغالية في مكان أمين ، لن يصل إليها إي حرامي ، حتى لو كان من بغداد ، وتمتم فرحاً : آه ، يا لحمقي ، كيف لم أفكر في هذا منذ البداية ؟ 20 / 6 / 2016










الرجل القرش

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ صغرها ، أغرمت كالي بتناول المحار ، الذي كان أبوها ، صياد السمك الماهر ، يصطاده لها من شواطىء البحر .
وكبرت كالي ، وصاحبت أباها بين فترة وأخرى ، عند خروجه لصيد السمك في البحر ، ولم يكن يفوته أن يصطاد لها بعض المحار ، وهذا ما تعلمته منه ، وراحت تساعد أباها فيه .
وخرج أبوها وحده ، ذات يوم ، وتوغل في البحر ، حتى غاب قاربه عن الشاطئ ، وغابت الشمس ، في ذلك اليوم ، وعاد الصيادون بقواربهم من البحر ، لكن أباها لم يعد ، وسرعان ما عرفت بأنه لن يعود ، لقد فتك به أحد القروش .
لكن هذا لم يمنعها من الذهاب إلى الشاطئ ، واصطياد المحار ، فقد علمها أبوها صيد المحار ، وكذلك السباحة في البركة ، ذات المياه العذبة .
وقد انتبه الرجل القرش ، إلى الفتاة الفتية الجميلة ، كالي ، ذات البشرة البنية اللامعة ، وهي تتردد على البركة ، وتسبح فيها ، وكأنها سمكة نشيطة ، فراح يتردد هو الآخر على البركة .
وذات يوم ، أقبلت كالي على الحوض ، ووقفت كعادتها في أعلى الصخرة ، وقفزت برشاقة وخبرة إلى الماء ، ورآها الرجل القرش ، وهو عند مدخل الحوض المتصل بالبحر ، وتوقف مذهولاً .
لم يدخل الرجل القرش إلى الحوض ، بل دار حوله ، وعند الشاطئ ، تحول إلى شاب ، لا يقلّ وسامة عن كالي ، وبقي واقفاً هناك .
وخرجت كالي من الحوض ، واتجهت إلى الشاطئ ، لتصطاد بعض المحار ، وفوجئت بشاب غريب ، وسيم ، بادي القوة ، يقف على الرمال .
وتوقفت كالي مترددة ، ثم قالت : يبدو أنك .. غريب .
فقال الشاب : نعم ، لست من هنا .
وصمت لحظة ، ثم قال : أنت وحدك على هذا الشاطىء المنعزل ، ألا تخافين ؟
وهزت كالي رأسها ، ثم قالت : إنني أحب المحار ، وآت لاصطياده من هنا .وتقدم الشاب ، وخاض في المياه الرقراقة ، وهو يقول : تعالي ، سأساعدك في الصيد ، إذا سمحتِ .
لم تنطق كالي بكلمة ، لكنها سرعان ما راحت تصطاد المحار معه ، حتى تجمع عندها كمية كافية ، فتوقفت ، وقالت للشاب : هذا يكفي ، أشكرك .
وأخذت كالي المحار ، الذي جمعه لها الشاب ، ووقفت على الشاطئ ، فقال الشاب : تذكريني عندما تأكلين هذا المحار .
ابتسمت كالي ، وقد تورد خداها اللامعان ، لكنه لم ترد ، بل استدارت ، ومضت نحو القرية ، ولبث الشاب على الشاطئ ، ينظر إليها ، حتى غابت .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
في اليوم التالي ، ورغم شدة الريح ، قصدت كالي الحوض ، ووقفت متلفتة على الصخرة العالية ، ثم قفزت بخفة ورشاقة إلى الماء .
وحين أطلت برأسها من الماء ، فوجئت بالشاب يقف على حافة الحوض ، وعيناه الشابتان المحبتان ، تتطلعان بلهفة إليها .
وخرجت كولي من الحوض ، وقطرات الماء للتلألأ كاللؤلؤ على جسمها البنيّ اللامع ، فقال الشاب : الأمواج عالية اليوم ، يا كالي .
وابتسمت كالي ، وقالت : أنا سباحة ماهرة .
ونظرت إليه ، وقالت : أنت تعرف اسمي .
فقال الشاب : سمعت إحدى صديقاتك تناديكِ .
ثم سار أمامه باتجاه الشاطىء ، وهو يقول : تعالي نجمع بعض المحار .
ولحقت كالي به ، وسارت إلى جانبه صامتة ، وسرعان ما انهمكا في جمع المحار ، حتى توقف كالي ، وقالت :
هذا يكفي اليوم .
وخرج الشاب من الماء ، وقال : ربما لن يكفي ، لو أكلتُ معكِ .
ونظرت كالي إليه ، وهي تخرج من الماء ، وقالت : تعال إلى بيتنا ، وكل معي ، أمي سترحب بك .
ابتسم الشاب ، وقال : أشكرك .
ثم نظر إليها ، وقال بصوت هادئ : غداً نأكل معاً ، هنا على شاطئ البحر .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
على شاطئ البحر ، في اليوم التالي ، جلست كالي والشاب الغريب ، يلتهمان بشهية المحار ، الذي جمعاه معاً ، من جوف البحر ، حتى شبعا تماماً ، وضحكت كالي قائلة : لم ينتهِ المحار .
وضحك الشاب بدوره ، وقال : لقد شبعت .
ووقفت كالي ، وقالت : أنا أيضاً شبعت .
ونظرت إلى مياه الحوض العذبة الشفافة ، وقالت : لا أشهى من السباحة الآن .
وتقدمت كالي خطوات من الحوض ، وهي تقول : تعال نسبح معاً .
فردّ الشاب قائلاً : لا ، أنا متعب ، اسبحي أنت .
ولم تنتظر كالي ، أن ينتهي الشاب من كلامه ، فارتمت في الحوض ، وراحت تشق الماء العذب الشفاف ، وكأنها سمكة فتية نشيطة ، وهتف الشاب بها محذراً : كالي ، حذار من سمكة القرش .
وردت كالي ، دون أن تلتفت إليه : لا عليك ، لم أرَ سمكة قرش تدخل الحوض من قبل .
وقال الشاب ، وكأنه يحدث نفسه : رأيت سمكة قرش شرسة ، تحوم في الجوار ، قبل قليل .
ودارت كالي سابحة في الحوض ، وكأنها تستعرض مهارتها أمام الشاب ، وفجأة اختض الماء عند مدخل الحوض ، وهب الشاب ، وقلبه يخفق بشدة ، وصاح : كالي ، اخرجي ، إنه القرش .
وصرخت كالي مذعورة ، وسمكة القرش الشرسة ، تشق الماء بسرعة نحوها ، وقد كشرت عن أنيابها القاتلة ، وصاحت مستنجدة : النجدة .. النجدة .
وهبّ الشاب من مكانه ، وأمام أنظار كالي المصعوقة ، تحول إلى سمكة قرش ضخمة ، قطعت الطريق على سمكة القرش المهاجمة ، واشتبكت معها في معركة شرسة دامية .
وغاصت سمكتا القرش المشتبكتين إلى الأعماق ، ولم يطفُ منهما إلى سطح الماء ، غير بقع كثيرة وغزيرة وواسعة من الدماء القانية .
وهدأت مياه الحوض ، وعادت شفافة كما كانت من قبل ، ولمحت كالي ظلّ سمكة قرش ضخمة مدماة ، تصعد من الأعماق شيئاً فشيئاً ، أهي الشاب أم .. ؟
وظهرت سمكة القرش الضخمة ، فوق سطح الماء ، وقالت دون أن تنظر إلى كالي : اذهبي مطمئنة ، قتلت سمكة القرش .
وحدقت كالي في سمكة القرش الضخمة ، بعيني تغرقما الدموع ، وقالت : تعال معي .
فاستدارت سمكة القرش الضخمة ، وراحت تشق المياه ببطء نحو الفتحة المؤدية إلى البحر ، وهي تقول بصوت حزين : وداعاً .. يا كالي .

29 / 6 / 2016











الفتاة الغزالة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
خلال غياب الأمير ، الذي سيدوم على ما يبدو ، فترة ليست قصيرة ، فزوجته مريضة ، ولابد لها من علاج مستمر في المدينة ، اعتني الخدم بالقصر ، كما لو أن الأمير وزوجته موجودان فيه .
ولم يعكر صفو الخدم ، في ذلك القصر الكبير ، سوى الضجة التي كانت تتكرر ، بعد انصرافهم للنوم ، كارتطام بعض الابواب ، وخاصة باب المطبخ ، وجلبة الأواني والأباريق المختلفة .
ورغم أنني عامل في الاسطبل ، إلا أنني غالباً ما أسهر مع الخدم والخادمات في المطبخ ، أستمع إلى حكاياتهم عن السحر والأشباح ، وهذا ما كان يخيفني أحياناً ، ويجعلني فريسة للكوابيس .
وذات ليلة شتائية باردة ، جلست بين الخدم والخادمات ، أمام الموقد ، الذي كانت ألسنة النار تتعالى فيه ، أستمع إلى الحكايات المثيرة ، لكني سرعان ما غفوت ، ثم استغرقت في نوم عميق .
وعند منتصف الليل ، أفقت على وقع حوافر فوق بلاط المطبخ ، وفتحت عينيّ على سعتهما ، يا إلهي ، أهو حلم ؟ من يدري .
وفوجئت بغزالة فتية ، تسير نحو الموقد ، ودرتُ بعينيّ الخائفتين ، في أرجاء المطبخ ، كيف دخلت هذه الغزالة ، وباب المطبخ مغلق تماماً ؟ لابد أنني أحلم .
وأمام عينيّ الخائفتين ، المذهولتين ، تحولت الغزالة إلى فتاة شابة ، نحيلة ، رقيقة ، في ملامحها مسحة من الجمال الريفي البريء .
لم أتحرك من مكاني ، ولم تلتفت الفتاة ـ الغزالة إليّ ، وإنما جلست صامتة أمام الموقد ، الذي كانت النار مازالت مشتعلة فيه .
وقبيل الفجر ، نهضت الفتاة ، وعادت غزالة فتية كما كانت ، ومضت بخطى هادئة وثابتة إلى الخارج ، رغم أن باب المطبخ كان مغلقاً .
ونهضت من مكاني ، وتنفست الصعداء ، لم أكن أحلم إذن ، وما رأيته كان حقيقة وليس وهماً ، وبقيت مستيقظاً ، حتى دبت الحياة في القصر ، وانصرف الخدم والخادمات إلى أعمالهم المعهودة .




" 2 "
ــــــــــــــــــــ
لم أرو ما حدث لأحد ، وأبقيته سراً بيني وبين نفسي ، ربما لأتأكد بأن ما جرى ليلة أمس ، ليس مجرد حلم ، بل حقيقة واقعة .
وفي ليلة اليوم التالي ، جلست وسط الخدم والخادمات ، أمام الموقد ، الذي كانت تتعالى في جنباته ألسنة اللهب الدافئة ، أصغي إلى حكايات الأشباح ، التي لا تُملّ ، متظاهراً بالتعب والنعاس .
ومع تقدم الليل ، بدأ الخدم والخادمات يغادرون المطبخ ، منصرفين إلى مهاجعهم ، ولبثت في مكاني متظاهراً بالنوم ، وسمعت إحدى الخادمات تقول : سيمرض هذا الفتى ، إذا بقي هنا ، كما في الليلة الماضية .
وردّ أحد الخدم عليها قائلاً : لينم هنا ، فهذا أفضل من النوم في الاسطبل ، في هذه اللية الباردة .
وأغلق الباب ، وساد المطبخ صمت عميق ، يبدو أن الجميع قد غادروا إلى مهاجعهم ، ولم يبقَ أحد منهم ، لكني مع هذا لم أتحرك من مكاني ، أو أفتح عينيّ ، فلأبقَ هكذا وأنتظر .
لم أنتظر طويلاً ، فقد سمعت وقع أضلاف على أرضية المطبخ ، إنها هي .. الفتاة ـ الغزالة ، لا أحد يمشي هكذا غيرها .
وفتحتُ عينيّ ، نعم كانت الغزالة فعلاً ، وتوقفت وسط المطبخ ، وتحولت إلى فتاة ، كما في الليلة الماضية ، وسرعان ما جلست أمام الموقد .
ونهضت من مكاني ، ووضعت عدة قطع من الخشب في الموقد ، فارتفعت ألسنة اللهب ، وأشاعت الدفء في أرجاء المطبخ .
والتفتُ إلى الفتاة ـ الغزالة ، فنظرت إليّ ملياً ، ثم قالت بصوت مفعم بالحنين : أنت تذكرني بعامل شاب ، كان يعمل في اسطبل القصر .
وجلست إلى جانبها مبتسماً ، وقلت : أنا أيضاً أعمل في اسطبل القصر .
واستطردت الفتاة ـ الغزالة قائلة : لقد قدم لي مرة هدية جميلة ، ، لم أعرف أول الأمر ، من أين أتى بها ، فطرده الأمير ، ونفاه بعيداً ، وعلمت فيما بعد ، أنه مات في بلاد الغربة .
وقبيل الفجر ، نهضت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : الجو بارد جداً الليلة في الخارج .
وتحولت إلى غزالة ، ومضت إلى الخارج ، عبر الباب المغلق ، وهي تقول : إلى اللقاء .




" 3 "
ـــــــــــــــــــ
عند حوالي منتصف النهار ، والخدم والخادمات مشغولون بأعمالهم ، تسللت إلى غرفة سيدة القصر ، وأخذت منها خلسة ، ما ظننت أن الفتاة ـ الغزالة بحاجة إليه ، وخبأته في مكان أمين من المطبخ .
وجاء الليل ، وجلست مع الخدم والخادمات أمام الموقد ، أصغي إلى أحاديثهم عن الأشباح والساحرات ، وكالعادة تظاهرت بالنوم ، حتى نعسوا جميعاً ، ومضوا الواحد بعد الآخر إلى مهاجعهم .
ونهضت من مكاني ، وغذيت نار الموقد بعدة قطع من الخشب ، قبل أن تأتي الفتاة ـ الغزالة ، وفي الوقت المحدد ، حوالي منتصف الليل ، أقبلت الغزالة عبر الباب المقفل ، وتحولت إلى فتاة ، كما في المرتين السابقتين ، وقالت مبتسمة : طاب مساءك .
فأجبتها باشاً : طاب مساءك ، لقد غذيت النار ، قبل أن تأتي .
ومدت الفتاة يديها الباردتين أمام الموقد ، وقالت : حقاً ، إن النار فاكهة الشتاء .
ونظرت إليها ، وقلت : وخاصة عند حضوركِ .
وجلست الفتاة ـ الغزالة أمام الموقد ، وقالت : تعال اجلس إلى جانبي .
وجلستُ إلى جانبها ، فقالت : اليوم كنت طوال الوقت متشوقة إلى رؤياك .
وغمرني سيل من الفرح ، فنظرت إليها ، وقلت : وأنا كنت متشوقاً لمجيئك ورؤيتك .
ثم ملتُ عليه ، وقلتُ فيما يشبه الهمس : أحضرت لك مفاجأة ، ستسركِ .
وتساءلت الفتاة ـ الغزالة مبتسمة : مفاجأة ! ما هي ؟ أخبرني .
وأجبتها قائلاً : ليس الآن ، عندما يحين وقت مغادرتك ، ستدفئين رغم برودة الجو .
وانهمكنا في أحاديث شتى ، لا يبدو أنها يمكن أن تنتهي ، فالحديث معها ، مهما كان موضوعه ، مريح ، شيق ، لا يُمل .
وحوالي الفجر ، نهضت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : حان الوقت ، عليّ أن أذهب .
فاستمهلتها قائلاً : مهلاً ، المفاجأة .
وابتسمت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : آه كدتُ أنساها .
وأسرعت إلى المكان ، الذي خبأت فيه المفاجأة ، وأخرجتها بسرعة ، وأفردتها أمامها قائلاً : انظري ، البارحة قلت ، الجو بارد في الخارج ، هذا المعطف الفرو سيدفئك من البرد .
وعلى العكس مما توقعته ، لم تفرح الفتاة ـ الغزالة ، وإنما قطبت ، وقد علا الحزن محيّاها ، وقالت : هذا هو المعطف نفسه ، الذي قدمه لي عامل الاسطبل ، وكان السبب في طرده وهلاكه .
ثم استدارت نحو الباب ، وقد تحولت إلى غزالة ، ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : وداعاً .


27 / 6 / 2016

















آن الأوان

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
حضر مادوك مع خطيبته تيليري ، التي جاء بها ، قبيل المساء ، من قريتها البعيدة ، الواقعة في طرف الغابة ، حفل زواج صديقه .
وأثناء الحفل ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، ارتفعت ضجة غريبة في الخارج ، جعلت الجميع يتوقفون مذهولين ، وتناهى صوت ، ربما لم يسمعه غير مادوك ،يهمس كما العاصفة البعيدة : آن الأوان .
وتلاشى الصوت المنذر شيئاً فشيئاً ، وعاد المحتفلون إلى الاستغراق في حفلهم ، لكن مادوك ظل واجماً ، صامتاً ، مما أقلق خطيبته تيليري ، فسألته قائلة : ما الأمر ، يا عزيزي ؟
وحاول مادوك أن يبتسم ، وهو يردّ عليها قائلاً : لا شيء .. لا شيء .
لكن الأمر ، بالنسبة لمادوك ، لم يكن أبداً " لا شيء " ، وتراءت له ، تلك الفتاة الغريبة الشكل ، الصغيرة الحجم جداً ، بمعطفها الأحمر ، التي اعترضته في الغابة عصراً ، وهو في طريقه إلى خطيبته ، وخاطبته قائلة : مادوك ، لقد آن الأوان .
وحين فرغت من كلامها ، اختفت وكأنها لم تكن ، ولا يدري لماذا تذكر خطيبته تيليري ، لعل السبب هو ملامح تلك الفتاة الغريبة ، وربما صوتها ، وتلفت حوله ، لقد اختفت الفتاة ، يا للعجب .
وبعد منتصف الليل ، أوصل مادوك خطيبته تيليري إلى بيتها ، وعرضت عليه أن يبات ليلته عندهم ، فهي غير مطمئنة إلى عودته وحده إلى البيت ، عبر الغابة الموحشة الخطرة .
فقال مادوك : أشكرك ، أمي تنتظرني ، وستقلق عليّ جداً ، إذا لم أعد إلى البيت هذه الليلة .
وودع مادوك خطيبته تيليري ، على أن يزورها صباح اليوم التالي ، لتطمئن عليه ، خاصة وأنها لم تكن مرتاحة ، لما جرى في تلك الليلة .
لم يصل مادوك إلى البيت ، حيث تنتظره أمه على أحرّ من الجمر ، لا تلك الليلة ، ولا في الأيام التالية ، وجنّ جنون الأم ، أين اختفى مادوك ؟
وانتظرت تيليري ، على قلق ، أن يزورها مادوك صباح اليوم التالي ، لكنه لم يزرها لا صباحاً ، ولا في الأيام التالية ، وكادت أن تجن ، حين علمت بأنه لم يصل إلى البيت ، وأنه اختفى تماماً .
وأرسل أهل القرية رسلاً في كلّ الاتجاهات ، لعلهم يعثرون على أثر لمادوك ، وفتشوا التلال والوديان ، وحتى الأنهار ، لكن دون جدوى .
وقصدت أمه ناسكاً عجوزاً ، يقطن في كهف خارج القرية ، لعله يطمئنها على ابنها ، لكن الناسك بدل أن يطمئنها ، قال لها ما أدمى قلبها .
قال لها وكأنه يحكم عليها بالإعدام : عودي إلى بيتك ، ولا تبحثي عن ابنك مادوك ، لقد استحوذت عليه روح ملعونة ، ولا أحد يدري متى يمكن أن تطلق سراحه ، هذا إذا أطلقت سراحه في يوم من الأيام .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
ودّع مادوك خطيبته تيليري ، عند باب بيتها ، على أن يلتقي بها ، صباح اليوم التالي ، دون أن يدريا ، أن هذا اللقاء لن يتم مطلقاً .
ومرت شهور وشهور ، ولم يعد مادوك من غيبته ، ويئس الجميع من عودته ، حتى أمه ، عدا خطيبته تيليري ، التي لم تيأس ، ولم تفقد الايمان قط بأنه حيّ ، وبأنه سيعود في يوم من الأيام .
وفي كلّ صباح ، عند شروق الشمس ، كانت تقف على مرتفع ، تراقب الطريق ، لعلها تراه قادماً من بعيد ، لكن دون جدوى .
ولم تكن تيليري ، مخطئة في اعتقادها بأن خطيبها مادوك كان حياً ، لكنها لم تعرف ، ولن تعرف ، حتى النهاية ، ما جرى له بعدما ودعها تلك الليلة .
فبينما كان يسير في الغابة ، والقمر يسطع بدراً من بين الأشجار ، دون أن تغيب تيليري عن باله لحظة واحدة ، سمع صوت موسيقى عذبة ، تنبعث من كهف ، لم يلحظ وجوده في تلك المنطقة من قبل .
فتوقف ليستمع ، ويتمتع بتلك الموسيقى العذبة ، وإذا به يرى في باب الكهف ، تلك الفتاة الصغيرة جداً ، التي اعترضته صباحاً في الغابة ، والتي فيها بعض ملامح خطيبته تيليري ، تلوح له قائلة : تعال .
واستجاب مادوك لتلويحتها ، دون ارادة منه ، واقترب منها ، وقال : طاب مساءك .
وردت الفتاة عليه ، بصوت أشبه بصوت خطيبته تيليري : أهلاً ومرحباً .
وسارت أمامه داخل الكهف ، وهي تقول : أنت متعب ، تعال ارتح قليلاً .
ودخلا ما يشبه قاعة صغيرة ، جميلة ، مليئة بالأثاث الفاخرة ، وقالت : تفضل اجلس .
وجلس مادوك ، وتأمل الفتاة الصغيرة جداً ملياً ، ثم قال متردداً : أنت تشبهين خطيبتي تيليري ، ولو أنك صغيرة الحجم جداً .
وجلست الفتاة الصغيرة الحجم قبالته ، وقالت : إنني روح ، يا مادوك ..
وقال مادوك : أنت تعرفين اسمي .
واستطردت الفتاة الصغيرة الحجم قائلة : منذ فترة طويلة ، وأنا انتظرتُ شبيه جدك لأختطفه .
وابتسم مادوك ، وقال : هذا يعني أنني مُختطف الآن .
ولم تلتفت الفتاة الصغيرة الحجم إلى تعليقه ، وقالت : لقد أحببتُ جدك ذاك ، رغم أنني روح ، وقد لعنتني أمي ، وقالت إنني سأتعذب عقوداً طويلة ، إذا أصريت على حبه ، والزواج منه ، وهذا ما حدث .
وحدق مادوك فيها ، وقال : وما علاقتي أنا بما أقدم عليه جدي ذاك ؟
فردت الفتاة الصغيرة الحجم قائلة ، وهي تتأمل مادوك : أنت الوحيد ، من بين جميع أحفاده ، طوال هذه العقود ، الذي تشبهه تماماً .
ولاذت الفتاة الصغيرة الحجم بالصمت ، ثم قالت : واللعنة هي أن أذوب وأقصر كالشمعة ، عقداً بعد عقد ، حتى أجد حفيداً من أحفاده يشبهه ، فأختطفه .

" 3 "
ـــــــــــــــــــــ
أفاق مادوك ، بعد أن نام فترة ، لا يعرف بالضبط مداها ، وإذا الشمس تطل عليه دافئة ، ساطعة ، من بين أغصان الأشجر الكثيفة للغابة .
وهبّ من مكانه ، متعباً ، ثقيل الجسم ، وتلفت حوله مذهولاً ، فلم يجد أثراً لا للكهف ، ولا للفتاة الصغيرة الحجم ، التي تشبه خطيبته تيليري .
وتناهى إليه وقع حوافر ثقيلة ، والتفت نحو مصدر الصوت ، ورأى حطاباً عجوزاً ، يقود حماراً محملاً بما إحتطبه من أغصان الأشجار ، فأسرع إليه ، وحيّاه قائلاً : طاب صباحك ، يا عم .
وتوقف الحطاب العجوز ، وحدق فيه بعينيه العمشاوين ، وقال : طاب صباحك ، يا بنيّ .
وصمت لحظة ، دون أن يحول عينيه عنه ، ثم قال : يبدو أنك غريب عن هذه المنطقة .
فقال مادوك : لا يا عم ، أنا من قرية قريبة من هنا ، اسمها بانتاناس .
وبدت الدهشة على ملامح الحطاب العجوز ، وقال : أنا من هذه القرية ، وأعرف أهلها جميعاً ، ويعرفونني ، أنا لم أرك فيها من قبل .
وقال مادوك : أنا أيضاً لم أرك .
ولاذ الحطاب العجوز بالصمت ، فقال مادوك : أمي هي انغاراد ، والجميع يحبونها ويحترمونها و ..
وسحب الحطاب العجوز حماره ، ومضى مبتعداً ، وهو يقول : عفواً ، لم أسمع بك أو بأمك ، اذهب إلى القرية ، وتأكد مما تقوله ، لعلي مخطئ .
وبدل أن يتجه مادوك إلى القرية ، حيث أمه انغاراد وبيته ، ويتأكد مما قاله الحطاب العجوز ، قفل عائداً إلى بيت خطيبته تيليري .
وتباطأ في سيره متلفتاً ، وقد استبدت به الحيرة ، فالطرق ليست هي نفس الطرق ، التي سار عليها البارحة ، والأشجار ، حتى الأشجار بدت له مختلفة ، ماذا يجري ؟ هذا ما يريد أن يعرفه .
ومن بعيد ، لاح له بيت قديم ، متداعي ، يشبه بيت خطيبته تيليري ، لكنه ليس هو بالتأكيد ، مهما يكن ، فليطرق الباب ، ويتأكد .
وطرق الباب ، وانتظر ، فلم يأته ردّ ، وطرق ثانية ، ولم ينتظر هذه المرة كثيراً ، فقد تناهى إليه وقع أقدام ثقيلة ، بطيئة ، وجاءه صوت شائخ ، يكاد يشبه ـ ويا للعجب ـ صوت خطيبته تيليري : من ؟
وردّ مادوك : أنا .
وجاءه الصوت ثانية : من أنت ؟
فردّ قائلاً : أنا مادوك .
وسمع الصوت الشائخ يتمتم ، كأن صاحبته تحدث نفسها : مادوك !
وعلى الفور ، فتح الباب ، وأطل منه وجه شائخ ، يحمل بعض ملامح خطيبته تيليري ، فشهق مادوك مصدوماً : تيليري !
وحدقت المرأة الشائخة فيه ملياً ، ثم قالت : جدة جدتي ، كانت تيليري ، وحين ولدتُ قيل لي ، إنني أحمل بعض ملامحها .
وفغر مادوك فاه متمتماً : مستحيل .
وتابعت المرأة الشائخة قائلة : هذه حكاية قديمة ، قديمة جداً ، تتردد في العائلة ، قيل إن خطيب جدتي مادوك ، أوصل جدتي ذات ليلة إلى هنا ، وقفل عائداً إلى بيته في قرية بانتاناس ، لكنه لم يصل إلى بيته مطلقاً ، ولم يعثر له على أثر حتى الآن .
واستدار مادوك ببطء شديد ، ومضى مبتعداً ، في خطى مذهولة تائهة ، وهو يتمتم : أنا مادوك ، إلى أين أمضي ؟ إلى أين ؟

7 / 7 / 2016










السمكة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، فيومه كان طويلاً ، ومتعباً ، في معبد الاله مردوخ ، وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب .
وتوقف مستغرباً ، فمن يمكن أن يأتيه ، في مثل هذا الوقت من الليل ؟ وحين فتح الباب ، وقد رفع بيده القنديل ، رأى أمامه صياد السمك .
ومال الصياد عليه ، وقال : عفواً مولاي ، الوقت متأخر ، لكن الأمر هام .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، بشيء من الضيق ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقال الصياد : معجزة ، معجزة الهية ، يا مولاي .
والتمعت عينا الكاهن العجوز ، وهو يتمتم بصوت غير مسموع : معجزة !
فقال الصياد مؤكداً : نعم ، يا مولاي ، معجزة .
ودمدم الكاهن العجوز ، وكأنما يخاطب نفسه : آه ، المرتدون ، الويل لهم ، إنهم يشيعون أن زمن المعجزات قد ولى .
وصمت لحظة ، ثم قال : البارحة ، عند منتصف الليل ،
أثناء هبوب العاصفة الماطرة ، رأيت البرق يضيء بشعلته الوهاجة الشجرة المعمرة .
وكأنما الصياد كان ينتظر هذه الفرصة ، فمال على الكاهن العجوز ، وقال : المعجزة هنا ، يا مولاي ، ولكن ليس الشجرة المعمرة ، بل السمكة .
وتمتم الكاهن العجوز مذهولاً : السمكة !
فتابع الصياد كلامه قائلاً : مررت بالشجرة المعمرة ، مساء هذا اليوم ، وحانت مني نظرة إلى تجويفها الضخم ، المليء بمياه الأمطار ، فرأيتها ..
وفغر الكاهن العجوز فاه ، وقد اتسعت عيناه الكليلتين ، فقال الصياد : رأيت المعجزة ، سمكة صغيرة ملونة ، لم أرَ مثلها من قبل ، تدور سابحة في مياه تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، وتطلع إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، التي كانت تنتصب كالشبح ، تحت ضوء القمر ، وسط الحقل ، ثم قال : لابد أن أراها ، هذه المعجزة ، الآن .
واندفع الكاهن العجوز ، وسط الليل ، نحو الشجرة الضخمة المعمرة ، والقنديل في يده ، ولحق الصياد به مسرعاً ، وقال : الوقت متأخر ، يا مولاي ، دع هذا إلى صباح الغد .
واستمر الكاهن العجوز في اندفاعه ، وهو يقول : لن أستطيع أن أنام ، إذا لم أرَ المعجزة .
وتوقف الكاهن العجوز ، أمام فجوة الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد اتسعت عيناه المذهولتين ، وعلى ضوء القنديل رأى المعجزة ، رأى السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وتمتم خاشعاً : حقاً إنها معجزة ، آه الإله مردوخ قادر على كلّ شيء ، الويل للمرتدين .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
من كل مكان ، حيثما سمعوا بالمعجزة ، تقاطر الناس رجالاً ونساء وحتى أطفالاً ، لرؤية المعجزة ، والتبرك بها .
وما إن رأوا السمكة الصغيرة الملونة ، تدور سابحة في المياه المتجمعة في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة ، حتى تأكدوا أنها معجزة حقيقية ، أرسلها ـ كما قال الكاهن العجوز ـ الإله العظيم مردوخ .
ويوماً بعد يوم ، وتجربة بعد تجربة ، شاع بين الناس ، الذين زاروا السمكة ، كراماتها وقدرتها العجيبة على تلبية دعوات الناس ، مهما كان نوعها .
جاءت امرأة بطفلتها ، التي ولدت ضريرة ، وطلبت من السمكة راجية ، أن تفتح طفلتها عينيها ، اسوة بالأطفال الآخرين ، وترى العالم .
وفتحت الطفلة عينيها ، وتلفتت حولها مندهشة فرحة ، وصاحت : ماما ، إنني أرى .
ولأول مرة ، رأت الطفلة الأشجار والعصافير والسماء ، وكذلك رأت المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وفي اليوم التالي ، جاءت المرأة إلى الكاهن العجوز ، ومعها دجاجة مكتنزة ، قدمتها له ، وقالت له على استحياء : ارجوك ، اقبلها ، إنها هدية .
وأخذ الكاهن العجوز الدجاجة المكتنزة ، وقال : سأقبلها منكِ ، مادامت هدية .
وبعد أيام ، جاء شاب يحمل أمه العجوز ، التي أصيبت بالشلل ، وما إن رأت الأم السمكة ، حتى شعرت بالدماء تتدفق في عروقه ، فصاحت : بنيّ ، انزلني ، لقد شفيت .
وفي ذلك اليوم ، عاد الشاب فرحاً إلى القرية ، وكيف لا وأمه العجوز ، التي كانت مصابة بالشلل ، تسير إلى جانبه ، وكأنها عادت إلى أيام شبابها الأولى .
وفي اليوم التالي ، جاء الشاب ، وقدم للكاهن جدياً صغيراً ، فأخذه الكاهن العجوز ، حتى دون أن يشكره ، نعم فهو هدية .
وذات مرة ، جاءت شابة مع أمها ، ومالت على السمكة الصغيرة الملونة ، وهمست لها بصوت لا يكاد يُسمع : أريد طفلاً .
وانحنت الأم على السمكة الصغيرة الملونة ، وعيناها مغرورقتان بالدموع ، وقالت : ابنتي تزوجت منذ ثلاث سنوات ، ولم ترزق بطفل .
وأقسمت الأم ، فيما بعد ، أن السمكة الصغيرة الملونة ، توقفت لحظة ، وتطلعت إليها وإلى ابنتها الشابة ، وبعد عدة أشهر ، جاءت الأم ، ومعها خروف ، قدمته هدية للكاهن العجوز ، وهمست له فرحة : ألف شكر للسمكة المعجزة ، لقد حملت ابنتي .
وجاءت امرأة بطفل في حوالي العاشرة من عمره ، وعلى العكس من أقرانه ، لم ينطق بكلمة واحدة ، وما إن رأى السمكة الصغيرة الملونة ، حتى صاح منبهراً : ماما انظري ، سمكة صغيرة ملونة .
ورغم أن المرأة كانت أرملة فقيرة ، إلا أنها أهدت الكاهن العجوز بطة ، وقالت له : اقبلها ، يا مولاي ، فأنا لا أملك غيرها .
وقبل الكاهن العجوز البطة عابساً ، فهي على أية حال هدية ، هدية للسمك الصغيرة الملونة المعجزة ، والهدية لا ترد ، مهما كانت قيمتها .
ومع الأيام ، امتلأ بيت الكاهن العجوز بالهدايا ، ولم يعد يتسع لمزيد من الدجاج والبط والجديان والحملان ، فباع معظمها ، ونوه للزائرين ، أن أفضل هدية تقدم للمعجوة هي النقود .
وهكذا انهالت النقود على الكاهن العجوز ، كلّ هذا وصياد السمك ، يرى سمكته الصغيرة الملونة ، التي وضعها بنفسه في ماء التجويف ، تدرّ ذهباً على الكاهن العجوز ، فقرر أن يطالب بحقه .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، بعد يوم طويل متعب ، قضاه استعداداً للاحتفال بمرور سنة على ظهور المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب ، فتوقف متضايقاً ، ترى من يطرق الباب في هذا الوقت من الليل ؟ لابد أنه أحد زوار المعجزة .
وفتح الباب ، والقنديل في يده ، وفوجئ بصياد السمك يقف مبتسماً أمامه ، ترى ماذا يريد هذا الأحمق ؟ فقال متضايقاً : الوقت متأخر ، وأنا متعب .
فمال الصياد عليه ، وقد اختفت ابتسامته ، وقال : مولاي ، ليس لديّ ما أقتات به .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، وقال بجفاء : أنت صياد سمك ، وما زلتَ شاباً .
فقال الصياد بصوت متعب : إنني مريض ، يا مولاي ، ولم أعد أقوى على الصيد .
وتململ الكاهن العجوز متضايقاً ، وقال : غداً هو العيد الأول للمعجزة ، والناس جاءوا من كلّ مكان ، وهم يحيطون بها الآن ، والشموع مضاءة في أيديهم ، اذهب غداً إليها ، وستشفيك .
وحدق الصياد في الكاهن العجوز ، وقال : اعطني شيئاً مما أعطتك السمكة .
وبشيء من الغضب ، قال الكاهن العجوز : هذه أموال الإله مردوخ ، ومعجزته السمكة ، يا بنيّ ، ولا يجوز لأحد ، مهما كان ، أن يمد يده إليها .
وابتسم الصياد ، وقال : مولاي ، فيما يخص السمكة المعجزة ، أريد أن أصارحك .
وحدق الكاهن العجوز فيه صامتاً ، فقال الصياد : تلك السمكة الصغيرة الملونة ، يا مولاي ، أنا اصطدتها بنفسي من النهر ، ووضعتها في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، متطلعاً إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد أحاطت بها مئات الشموع المضاءة ، وقال : هذا التجديف ، الذي تنطق به ، لو سمعه هؤلاء المؤمنون لمزقوك ارباً .
جمد الصياد في مكانه مرعوباً ، لا يحير بكلمة واحدة ، فصفق الكاهن العجوز الباب في وجهه ، ومضى إلى الداخل ، وأوى إلى فراشه .
واختفى الصياد ، لا أحد يعرف أين ، ولا ماذا حلّ به ، وظلت السمكة المعجزة ، تدور سابحة في ميه التجويف ، في الشجرة الضخمة المعمرة ، ومريدوها وزوارها يزدادون يوماً بعد يوم .

26 / 7 / 2016

• ـ عن حكاية صينية قديمة .
















الساحر


" 1 "
ـــــــــــــــــــ
لسبب ما ، أراد جحا أن يتعلم السحر ، ربما ليغنيه عن العمل المتعب مع حماره " الحمار " ، ويمكنه من مجابهة زوجته الشرسة ، وايقافها عند حدها .
لكنه لم يعرف ، أين يتعلم السحر ، حتى إنه فكر أن يذهب إلى عمشة ، الساحرة العجوز ، التي تعيش في خيمتها وسط الصحراء ، مع عنزتها المجنونة .
وذات أمسية ، طُرق الباب ، يا للعنة ، أهذا وقته ؟ إنه وحده في البيت ، وقد قلى سمكة الشبوط ، ونثر فوقها البهارات التي يحبها ، ترى من القادم ؟
طُرق الباب ثانية ، فخبأ جحا سمكة الشبوط المقلية ، ثم فتح الباب ، وإذا هو وجهاً لوجه مع الساحر ، وحدق فيه ملياً ، إذا لم يكن هذا هو الساحر ، فكيف يكون الساحر إذن ؟
وتمتم جحا قائلاً : أهلاً ومرحباً بالساحر .
وفتح لساحر عينيه الكبيرتين ، المكحلتين ، على سعتهما ، وقال أهلاً بك .
وتنحى جحا قليلاً ، وقال : تفضل ، ادخل ، على الرحب والسعة .
ودخل الساحر بملابسه الغريبة ، ولحيته الكثة ، وقلائد الخرز الملونة حول عنقه ، وقبل أن يجلس ، قال : جحا ، أنا جائع .
كيف عرف اسمه ؟ لا عجب ، إنه ساحر ، ويبدو أنه ساحر عظم ، وعلى الفور ، أخرج جحا سمكة الشبوط المقلية ، ناسياً أنه يتضور جوعاً ، ووضعها أمام الساحر ، وقال : كلها، حلال عليك .
وانكبّ الساحر على السمكة ، يفترسها بتلذذ ، فمال جحا عليه ، وقال : أريد منك ، بعد أن تشبع طبعاً ، أن تعلمني ولو بضع عبارات من السحر .
وهمهم الساحر ، وهو مستمر على افتراس سمكة الشبوط : آه سمكة لذيذة .
وهنا حطّ غرابان فوق افريز الكوة الصغيرة للغرفة ، فتوقف الساحر عن افتراس السمكة ، وفحّ كما تفح الأفعى : هشبور .. خنشور ..
وانتفض جحا خائفاً ، فاستطرد الساحر فاحّاً كالأفعى : يا عدوا النور .
ومال الغرابان برأسيهما الأسحمين ، كأنهما ينصتان إلى ما يُقال ، فصاح الساحر : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وصاح الساحر بأعلى صوته : ها ..
فهبّ الغرابان من مكانيهما مذعورين ، ولاذا بالفرار ، فقال الساحر : ها هما يهربان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وهبّ الساحر من مكانه ، وقد أجهز على سمكة الشبوط المقلية ، وقبل أن يخرج ، ويصفق الباب وراءه ، صاح : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
طوال أيام ، راح جحا يردد كلمات الساحر ، التي حفظها عن ظهر قلب " هشبور .. خنشور .. يا عدو النور " حتى أن زوجته ، التي انتبهت إليه ، ظنت أنه أصيب بالجنون .
ولعل جحا ، أراد أن يختبر تأثير هذه الكلمات السحرية على الآخرين ، لكنه لم يختر لذلك لا ابنه جحيح ، ولا زوجته أم جحيح ، وإنما اختار حماره ، فهو مخلوق هادىء ، حكيم ، صبور ، طالما تفهمه ، في أصعب محنه مع زوجته الشرسة أم جحيح .
وعلى الفور تسلل إلى السرداب ، دون علم زوجته أم جحيح ، خشية أن تبطل بشراستها مفعول الكلمات السحرية ، وفي العتمة الشفافة ، رأى حماره يقف هادئاً ، صافناً ، مفكراً ، لابد أن يتأمل في حماقات البشر ، وكيف يمكن اصلاحها .
واقترب جحا منه ، وربت برفق على رأسه ، ثم قال محاكياً صوت الساحر : هشبور .. خنشور .. يا سارق النور .
والتفت الحمار إليه ، وقال : جحا ، إنني حمار ، اذهب وجرب هذه الكلمات مع غيري .
وتوقف جحا مفكراً ، ثم تراجع ، واتجه إلى الخارج ، لكنه سرعان ما جمد مصعوقاً ، لقد تكلم الحمار ، إنها كلمات سحرية مؤثرة حقاً ، أنطقت الحمار العجوز نفسه ، وعلى الفور ، انطلق خارج السرداب ، يبحث عن زوجته أم جحيح .
ورآها في غرفتها ، تتأمل وجهها في المرآة ، فاقترب منها ، وهمس لها قائلاً : هشبور ..
وأبعدت أم جحيح المرآة عنها ، وحدقت فيه قائلة : ماذا ؟ هشبور !
فتابع جحا قائلاً : خنشور .. يا سارق النور .
وتراجع جحا خائفاً ، إذ تقادحت عينا زوجته أم جحيح ، وهي تقترب منه ، وتقول ، وقد كشرت عن أنيابها ، وكأنها لبوة شرسة : جحا ، أيها المخبول ، أنت سرقت شبابي ، اغرب عني ، قبل أن أفترسك .
وفي لمح البصر ، غرب جحا عنها ، إن هذه الكلمات السحرية ، لم تؤثر إلا في الحمار وحده ، ترى ما السبب ؟
وفكر جحا لحظة ، لعل الساحر كذاب ، لقد أكل سمكة الشبوط المقلية ، ولم يقدم له سوى كلمات كاذبة ، ربما لا معنى لها ، وإلا ما معنى .. هشبور .. خنشور .. يا سارق النور ؟
وصمت لحظة ، لكن هيئته ، ملابسه الغريبة ، لحيته الكثة ، قلائد الخرز الملون حول رقبته ، وعيناه الواسعتان المكحلتان ، كلّ هذا يدل على أنه ساحر ، ساحر كبير ، إذن أين العلة ؟
ولمعت عينا جحا ، نعم ، لقد وجدها ، وجد العلة ، الظلام هو العلة ، لقد أثرت الكلمات السحرية في الحمار ، بسبب ظلام السرداب ، ولم تؤثر في زوجته أم جحيح ، لأن الغرفة ليست مظلمة ، آه لن يردد كلمات الساحر ، بعد الآن ، إلا في الظلام .

" 3 "
ـــــــــــــــــــــ
لم ينم جحا ، رغم أن الليل كاد ينتصف ، ليس لأنه يشعر بالخوف ، فقد ذهبت زوجته أم جحيح ، منذ المساء ، عند أختها ، وأخذت معها ابنها جحيح ، بل لأنه ، وربما بسبب الخوف ، راح يردد : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور " .
وفي الأثناء ، تسلل لصان إلى بيت جحا ، وتوقفا عند باب غرفته ، ينصتان إلى دمدمة غريبة ، غير مفهومة ، تقول : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وتبادل اللصان نظرات خائفة ، حائرة ، مترددة ، وقال الأول : هشبور .. وخنشور ؟
وقال الثاني : يا عدوا النور .
وقال الأول بصوت مرتعش : يبدو أنه عرفنا .
ونظر الثاني إليه ، وقال : إنني لست هشبور ولا خنشور ، وكذلك أنت .
فقال الأول بصوت خافت : أنت محق ، وإن كنا لا نحب النور كثيراً ، والآن لننصت .
ومالا نحو الباب ، وراحا ينصتان ، وسمعا جحا يدمدم قائلاً : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور ..
وتراجع اللصان خائفين ، والثاني يهمس خائفاً : لقد عرف بوجودنا هنا .
وقال الثاني ، وهو يتراجع خائفاً : الظلام كثيف جداً ، فكيف تسنى له ذلك ؟
وهنا صاح جحا بأعلى صوته : هشبور .. خنشور ..
وانتفض اللصان مرعوبين ، وصاح الأول : لقد أحاط بنا هشبور .. وخنشور .. و .. أهم جن ؟
وانطلق الثاني كالسهم عبر النافذة ، وهو يقول : فلنهرب وإلا وقعنا في أيديهم .
ولحقه الأول على عجل ، قافزاً عبر النافذة ، وسرعان ما ذابا في الظلام الحالك ، وساد الهدوء والصمت ، ولم تعد تسمع من الظلام نأمة واحدة .
وفتح جحا باب الغرفة ببطء ، وتردد ، وقد استبد به الخوف ، وحين رأى الغرفة مفتوحة ، قال بارتياح : آه لقد جاءا .
ودُفع الباب ، ودخل جحيح وأمه ، وتوقفت أم جحيح ، تحدق في جحا ، وقد اتسعت عيناه رعباً ، ثم قالت : يبدو أنك رأيت كابوساً .
وردّ جحا بصوت متحشرج : هشبور .. خنشور .. ونظرت الأم إلى جحيح ، فهزّ رأسه ، وقال : فلنأخذه غداً إلى السيد حامد ، ليخرج الجن منه .
وصاح جحا مرعوباً ، وهو يدخل الغرفة الأخرى ، ويصفق الباب وراءه : لا .. السيد لا .
فقالت الزوجة : إنني لا ألومه ، السيد سيفري جسمه بسياطه ، ولن يخرج الجن منه .
ومن الغرفة الأخرى ، ارتفع صوت جحا يصيح بصوت مجنون : هشبور .. خنشور .. يا سارقا النور .

× عن حكاية يابنية قديمة .

21 / 8 / 2016



طفل النبع

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
أوى الحطاب العجوز وزوجته ، إلى فراشيهما مبكرين ، فأنفاس الربيع العطرة ، الدافئة ، كما تقول الزوجة ، تثير النعاس ، وتدعو إلى النوم .
ولاحظ الحطاب العجوز ، وهو متمدد في فراشه ، أن زوجته ، على غير عادتها ، لم تنم ، رغم أن أنفاس الربيع ، كانت تملأ فضاء الكوخ ، فانقلب مواجهاً لها ، وقال : يبدو أن أنفاس الربيع ، لم تؤثر فيك .
وتنهدت الزوجة ، نعم ، إنها لم تنم ، وفكر الحطاب ، لابدّ أن هماً قديماً ، استيقظ في داخلها ، ومنعها من النوم ، فقال الحطاب العجوز : نامي .
وتنهدت الزوجة ثانية ، وقالت : جارتنا ، زوجة البقال ، قالت لي إنها حامل .
ولاذ الحطاب العجوز بالصمت لحظة ،ثم قال : إنها في حوالي الستين من العمر .
وقالت الزوجة : وزوجها تجاوز الستين .
فقال الحطاب العجوز : إنهما يستحقان كلّ خير .
ولاذت الزوجة بالصمت فترة ، ثم قالت بصوت تغرقه الدموع : طالما تمنيت ، هذه الفترة الطويلة ، أن يكون لي طفل يحمل ملامحك .
وسحب الحطاب العجوز الغطاء فوق وجهه ، وهو يقول : نامي ، يا عزيزتي ، نامي .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أيام ، خرجت زوجة الحطاب إلى الغابة ، مستغلة بقاء زوجها في الكوخ ذلك اليوم ، فقد تفتحت أزهار البابنج ، ولابد لها أن تجمع شيئاً منها ، وتجففها ، فهي تحتاجها وزوجها عند اصابتهما بالزكام ، وخاصة في فصل الشتاء البارد .
وعند شجرة الصنوبر الضخمة ، في أعماق الغابة ، حيث تكثر أزهار البابنج ، لاحظت زوجة الحطاب العجوز وجود نبع ، لم تلحظه من قبل ، يترقرق ماؤه مكوناً بركة صغيرة ، صافية ، كالمرآة .
وشعرت بالعطش ، بمجرد رؤيتها للماء الرقراق ، فانحنت على النبع ، وغرفت بكفيها الشائختين قليلاً من الماء ، ورفعته إلى شفتيها الظامئتين ، واحتسته جرعة بعد جرعة ، منتشية ، متلذذة ، وكأنها لا تحتسي ماء ، بل عسلاً خال من الشمع .
وعلى الفور ، أحست زوجة الحطاب العجوز بأنفاس الربيع العطرة ، الدافئة ، تهب في أعماقها ، التي أيبستها الشيخوخة ، وكما تتفتح الأزهار ، على أغصان شجرة التفاح ، في أول الربيع ، تفتحت في أعماقها مشاعر ، لم تعهدها منذ فترة طويلة .
وحانت منها نظرة إلى البركة الصغيرة ، الصافية كالمرآة ، وخفق قلبها بشدة ، فبدل وجهها الشائخ ، المليء بالتجاعيد ، رأت وجهاً شاباً ، مليئاً بالنظارة والحياة ، فتراجعت إلى الوراء مثارة ، ماذا يجري ؟ أحقيقة ما تراه أم .. ؟
واقتربت ببطء من البركة ، وقلبها مازال يخفق بشدة ، ورأت وجه الفتاة الشابة نفسه ، يطل عليها من الأعماق ، وتوقفت مفكرة ، ترى ماذا سيقول زوجها ، الحطاب العجوز ، حين يراها في هذه الهيئة ؟

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
دُفع باب الكوخ ، فالتفت الحطاب العجوز ، وفوجئ بفتاة شابة ، جميلة ، ترتدي ملابس عادية ، كأنها ملابس زوجته العجوز ، تقف ناظرة إليه ، وعلى وجهها تشرق ابتسامة ربيعية واسعة ، فقال بصوت متردد : أهلاً ومرحباً .
وضحكت الفتاة الشابة بمرح ، وقالت : يا للعجب ، يبدو أنك لم تعرفني .
وصمتت لحظة ، ثم قالت ، وهي مازالت تضحك : انظر إليّ ، انظر جيداً .
واتسعت عينا الحطاب العجوز ، وقد لمع في أعماقهما برق غريب ، وتمتم قائلاً : أنتِ .. !
فهزت رأسها ، وقالت : نعم ، أنا زوجتك .
وتمتم الحطاب مذهولاً ، وهو مازال يحدق فيها : لا .. لا .. هذا مستحيل .
واقتربت زوجته منه ، وأطبقت على كتفيه الضامرين بكفيها الشابين ، وقالت : سيكون لنت طفل هذه المرة ، وسيحمل ملامحك أنت .
فقال الحطاب العجوز : لا تكوني مجنونة ، لقد انتهى زمن المعجزات .
فقالت زوجته الشابة ، وهي تدفعه برفق نحو الباب : عند شجرة الصنوبر الضخمة ، في أعماق الغابة ، نبع صافٍ ، شربت منه ، فصرت ما أنا عليه .
ودفعته عبر الباب ، وأضافت قائلة : اذهب ، يا عزيزي ، واشرب منه ، وسترى .
ثم قال ، وهي تغلق باب الكوخ : سأنتظرك ، يا عزيزي ، لا تتأخر .
وعلى أحرّ من الجمر ، انتظرت الزوجة الشابة ، داخل الكوخ ، أن يعود زوجها من النبع ، شاباً كما كان ، في أيام زوجهما الأولى ، لكنه لم يعد ، رغم أن وقت العصر أوشك أن يحلّ .
ونفد صبر الزوجة الشابة ، مع حلول العصر ، فخرجت من الكوخ منفعلة ، وصفقت بابه بقوة ، ثم مضت مسرعة نحو أعماق الغابة .
وعند شجرة الصنوبر الضخمة ، قرب النبع ومائه الرقراق ، رأت طفلاً صغيراً ، يقف متأملاً صورته ، في أعماق البركة الصغيرة ، الصافية ، وقد أولاها ظهره ، ترى أين زوجها ، الحطاب العجوز ؟
وانتفض قلبها الشاب ، خوفاً وفرحاً ، حين التفت الطفل إليها ، ورأت في وجهه ، بشكل واضح تماماً ، ملامح زوجها ، الحطاب العجوز .
وما إن رآها الطفل ، حتى أسرع إليها فرحاً ، وقد فتح ذراعيه الطفلين ، فمدت يديها بلهفة إليه ، وضمته إلى صدرها الأمومي الشاب .
آه أخيراً ، ها هو الطفل الذي طالما تمنته زوجة الحطاب ، وهو يحمل الملامح التي أحبتها طول عمرها ، يقدمه هدية لها ، النبع بمياهه الرقراقة ، وبركته الصغيرة ، الصافية ، كالمرآة .


13 / 8 / 2016


لايلي النائمة

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
أفاقت الأميرة لايلي اليوم مبكرة ، كأن أحدهم هزها برفق ، وهمس لها : استيقظي ، يا لايلي .
واعتدلت في فراشها مندهشة ، ترى من أيقظها ؟ لعله الربيع ، مهما يكن ، فقد نهضت ومضت إلى حصانها ، دون أن تتناول فطورها ، وانطلقت به .
ولحقت بها أمها الملكة على عجل متسائلة : بنيتي لايلي ، إلى أين ؟
وردت لايلي ، دون أن تلتفت إليها : لا تقلقي ، يا ماما ، سأذهب إلى الغابة .
فقالت أمها الملكة : لكنكِ قلتِ البارحة ليلاً ، بأنك ستبقين في القصر .
لم تردّ الأميرة لايلي ، وواصلت الطريق ، طائرة على حصانها كالريح ، وتوقفت في وسط الغابة ، وراحت تتلفت يميناً ويساراً ، وكأنها تبحث عما دعاها إلى المجيء إلى الغابة .
وأرهفت سمعها ، إذ تناهى إليها وقع حوافر على الأرض المعشبة ، ومن بين الأشجار ، ظهر فارس شاب ، على حصان أبيض ، وتوقف أمامها ، وراح يتأملها ، ثم قال : لايلي .
واتسعت عينا لايلي دهشة ، وبدا لها ، في لمحة برق واحدة ، أنها عرفت سبب مجيئها إلى وسط الغابة ، ومع ذلك قالت : أنتَ تعرف اسمي .
فقال الفارس ، وهو مازال يتأملها : الإله بوذا جاءني في المنام ، وأخبرني باسمك ..
وتمتما لايلي مندهشة : الإله بوذا !
وتابع الفارس قائلاً : وقال لي ، بأنك ستنتظرينني هنا ، فجئتكِ من وراء سبع جبال عالية .
وابتسمت الأميرة لايلي ، والفرح يشع نجوماً في عينيها ، وصمت الفارس لحظة ، ترجل خلالها عن حصانه ، وفوجئت الأميرة لايلي ، وقال : جئتُ لآخذك إلى حياتي .
وعلى الفور ، أخذت الأميرة لايلي ، الأمير الشاب ، إلى القصر ، حيث طلب يدها من أبويها ، فقال الملك : هذا شرف لنا ، لكننا لا نعرف من أنت .
فقال الفارس الشاب : أنا أمير مملكة الفانالا ، التي تقع وراء الجبال السبع .
وشهقت الملكة الأم ، وقالت : مملكة الفانالا بعيدة جداً ، وهذا يعني إنني لن أرى لايلي ثانية .
ولاذ الملك بالصمت لحظة ، ثم قال : لايلي إبنتي الوحيدة ، ولا أريد الافتراق عنها .
ونظرت لايلي إلى أبيها الملك ، وقالت محتجة : أبي .. وقاطعه الملك ، وقال بحزم ، دون أن يلتفت إليها : لايلي ، اذهبي إلى غرفتكِ .
وذهبت لايلي إلى غرفتها ، ورقدت في فراشها تنتظر ، وما إن علمت بأن الفارس ، عاد من حيث أتى ، حتى أغمضت عينيها ، ونامت .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أن ذهب الأمير دينتال ، عائداً إلى مملكته في بلاد الفانالا ، أسرعت الملكة إلى غرفة الأميرة لايلي ، واستقبلتها المربية العجوز ، وقالت بصوت دامع : الأميرة لايلي نائمة .
وتطلعت الملكة الأم ، إلى ابنتها الأميرة لايلي ، ورأتها راقدة في فراشها ، مستغرقة في نوم عميق ، فقالت : لكن الليل مازال في أوله .
فقالت المربية العجوز : لقد نامت الأميرة ، حين علمت أن الأمير عاد من حيث أتى .
وعادت الملكة الأم إلى الملك ، وكان ما يزال في غرفة العرش ، وقالت له : ابنتنا لايلي نامت .
ونظر الملك إليها ، وقال مغالباً دهشته : لعلها متعبة ، دعيها ترتح .
وقالت الملكة الأم : نعم ، إنها بحاجة إلى الراحة ، فلتنم وترتاح .
وفي صباح اليوم التالي ، وعلى غير العادة ، لم تأتِ الأميرة لايلي إلى والديها الملك والملكة ، لتحييهما ، وتتبادل معهما المزاح والضحك .
ونهضت الملكة من فراشها ، ومضت إلى غرفة الأميرة لايلي ، دون أن تخبر الملك بوجهتها ، وما إن دفعت الباب برفق ، حتى أسرعت إليها المربية العجوز ، وقالت لها بصوت خافت حزين : الأميرة لايلي ، مازالت نائمة ، يا مولاتي .
ومدت الملكة الأم يدها ، ونحّت المربية العجوز عن طريقها ، واقتربت من سرير ابنتها الأميرة لايلي ، نعم ، الأميرة لايلي ، وكما رأتها البارحة ، مازالت مستغرقة في نوم عميق .
واقتربت المربية العجوز من الملكة ، وقالت لها بصوت خافت قلق : مولاتي ، إن الأميرة لايلي هكذا منذ البارحة ، إنني قلقة .
وتمتمت الملكة الأم بصوت تخنقه الدموع : يا ويلي ، يجب أن نفعل شيئاً .
وقفلت الملكة مسرعة إلى الملك ، وقالت له بصوت مضطرب : تعال وانظر ابنتنا لايلي ، إنها نائمة بشكل غريب ، منذ مساء البارحة .
وهرع الملك إلى غرفة الأميرة لايلي ، والملكة تركض وراءه قلقة ، وتوقف يحدق في الأميرة ، ثم قال : أخشى أن الأمر خطير ، فلنستدعي الطبيب .
وحضر الطبيب ، وحضر بعده أكثر من طبيب ، وأجروا فحوصات عديدة للأميرة لايلي ، وانتهوا إلى قرار واحد : إن الأميرة نائمة .
وقال الملك : هذا أمر غريب .
وتساءلت الملكة : متى تستيقظ ؟
فردّ الطبيب الخاص بالعائلة الملكة : بوذا وحده يعلم .
وصمت لحظة ، ثم قال : قد تستيقظ غداً ، أو بعد غد ، أو بع أسبوع ، أو بعد شهر ، أو ..
وصمت الطبيب ، ولم يضف كلمة أخرى ، نعم ، الأميرة لايلي نائمة ، ولم تستيقظ من نومها ، لا في اليوم التالي ، ولا في الأسبوع التالي ، ولا في الشهر التالي ، بل ولا في السنة التالية ، وها قد مرت حوالي سبع سنوات ، والأميرة لايلي نائمة .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
ذات يوم ، حوالي منتصف النهار ، دخل الحاجب على الملك والملكة ، وكانا في قاعة العرش ، وانحنى لهما ، وقال مخاطباً الملك : مولاي ، الأمير دينتال ، أمير مملكة بلاد الفانالا .
واتسعت عينا الملكة ، وتمتمت : دينتال !
وهب الملك من مكانه ، وقال منفعلاً : الأمير دينتال ؟ أين هو ؟
ورد الحاجب مضطرباً : بالباب ، يا مولاي .
وبدل أن يقول الملك للحاجب كالعادة " فليدخل " ، نحّاه عن طريقه ، وأسرع بخطاه الشائخة إلى الباب ، ووراءه أسرعت الملكة ، وإذا الأمير دينتال يقف بالباب ، نافد الصبر ، فحب به قائلاً : أهلاً ومرحباً بك ، أيها الأمير العزيز ال ..
وقاطعه الأمير دينتال متسائلاً : أين الأميرة لايلي ؟ لقد جاءني الإله بوذا ، وطلب مني أن آتي إليها .
ونظر الملك إلى زوجته محرجاً ، لا يدري ماذا يقول ، فقالت الملكة الأم : إنها نائمة ..
ونظر الأمير دينتال إلى الملك ، الذي قال : نعم ، إنها نائمة منذ أن غادرتنا .
فقال الأمير دينتال : خذاني إليها ، أريد أن أراها .
وسارت الملكة الأم ، متجهة إلى غرفة الأميرة لايلي ، وهي تقول : تفضل ، سآخذك إليها .
وسار الأمير دينتال وراءها ، وفي أثرهما سار الملك ، ودخلوا غرفة الأميرة لايلي ، فنهضت المربية العجوز مندهشة ، ووقفت جانباً .
وتوقفت الملكة أمام سرير الأميرة لايلي ، التي كانت مستغرقة في نوم عميق ، وقالت : ها هي الأميرة لايلي ، وهي نائمة منذ حوالي سبع سنوات .
وتقدم الأمير دينتال من الأميرة لايلي ، وانحنى عليها ، ثم قال بصوته الهادئ الدافئ : لايلي .
وعلى الفور ، تحركت رموش الأميرة لايلي ، وسرعان ما فتحت عينيها ، وما إن رأت الأمير دينتال ، حتى تساءلت فرحة : دينتال !
فردّ الأمير دينتال قائلاً : نعم ، دينتال .
واعتدلت الأميرة لايلي ، وقالت : كنتُ أظنّ أنك عدت إلى مملكتك ، في بلاد الفانالا .
فقال الأمير دينتال : لن أعود إلى مملكتي ، إلا وأنتِ معي ، يا لايلي .
ونظرت الأميرة لايلي إلى أبيها ، وقالت : بابا .
وهزّ الملك رأسه مغالباً دموعه ، ولم يتفوه بكلمة ، ونظرت لايلي إلى أمها ، وقالت : ماما .
فقالت الملكة الأم من بين دموعها : سأفرح لفرحك ، أينما كنتِ ، يا عزيزتي لايلي .

27 / 8 / 2016




الساحر جحا
وتيمورلنك

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ أشهر ، وجحا يبحث عن عمل ، يناسب " عبقريته " ، لكن دون جدوى ، وذات يوم ، ربما عند منتصف الليل ، وزوجته أم جحيح ، تغط في النوم إلى جانبه ، هبّ من رقاده صارخاً : وجدته .
وفزّت أم جحيح ، وراحت تخبط بيديها الثقيلتين يميناً ويساراً ، متسائلة : ماذا .. ماذا ؟
وردّ جحا : العمل ، وجدته .
وحدقت أم جحيح فيه ، رغم ظلام الغرفة ، وقالت : لن يصلح لك إلا عمل واحد ، يا ..
وقاطعها جحا صارخاً : لن أعمل حمالاً ، أنا جحا ، وليس حمالاً .
وصمت لحظة ، ثم قال : عمل سهل ، ومربح ، سأعمل ساحراً ، وستكوني مساعدتي .
وفتحت أم جحيح عينيها في الظلام ، وقد طار النوم منهما ، وسرعان ما أغلقت عينيها خائفة ، حين سمعت جحا يقول : سيكون لي شيطان يخدمني .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
أفاق جحا في صباح اليوم التالي ، ليس فقط على صياح ديك ملا قادر ، بل على مأمأة عنزة جارتهم العجوز عيوشة أيضاً .
وبحث ملا قادر عن ديكه ، لكنه لم يجد له أثراً ، وكيف يجد له أثراً ، والساحر جحا قال أمام العديد من الناس ، إن الثعلب قد اختطفه ؟
ودارت العجوز عيوشة في كلّ مكان ، باحثة عن عنزتها العزيزة ، لكن دون جدوى ، ترى أين اختفت العنزة ؟ هذا ما حير عيوشة ، وأحزنها .
وذات ليلة ، دُفع باب العجوز عيوشة ، ودخلت امرأة كأنها قطعة من الليل ، وخاطبت العجوز عيوشة قائلة : إذا أردتِ أن تعرفي مكان عنزتك ، اذهبي إلى الساحر العظيم جحا ، واسأليه .
ولم تتمالك العجوز عيوشة نفسها ، فتساءلت مستغربة ، ومستنكرة : جحا !
فردت قطعة الليل ، قبل أن تغادر الكوخ ، وتصفق الباب وراءها : لن تجدي عنزتك إذن .
ورغم ذلك ، أخذت عكازها ، وقصدت بيد جحا ، وطرقت باب بيته ، وسرعان ما أطلّ جحا ، وقال مغالباً فرحته : عيوشة ، أهلاً ومرحباً ، تفضلي .
فقالت العجوز عيوشة بصوتها الحاد : قيل لي إنك تعرف مكان عنزتي .
فردّ جحا قائلاً : نعم ، أعرف مكانها .
ورقت ملامح العجوز عيوشة ، وقالت : جحا ، سأموت إذا لم أعثر على عنزتي .
وحدق جحا في وجهها الشائخ ، كما يفعل السحرة المتمرسين عادة ، ثم قال : لا تخافي ، يا عيوشة ، ها هي عنزتك الرعناء ، ترعى العشب على ضوء القمر ، في بستان الشيخ صالح .
وفي فجر اليوم التالي ، ذهبت العجوز عيوشة إلى بستان الشيخ صالح ، ووجدت عنزتها العزيزة ، راقدة تحت إحدى اشجار البستان .
وشاع خبر عنزة العجوز عيوشة ، وكيف أنها ضاعت ، ولم تعثر لها على أثر ، حتى دلّ على مكانها ، الساحر العظيم جحا ، وانتشر الخبر من مكان إلى مكان ، حتى وصل إلى .. تيمورلنك .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
استدعى تيمورلنك جحا إلى قصره ، بعد عدة أيام ، ومثل جحا بين يديه منهاراً ، فقال له : جحا ، عرفت بقدراتك السحرية ، وأريدك في أمر هام .
واتسعت عينا جحا ، وقلبه يخفق بشدة ، وقال متأتئاً : مو .. مو ..لاي .
وتابع تيمورلنك قائلاً : فقدتُ خاتماً ثميناً ، أهداه لي جدي ، أريد أن تجده لي .
واشتدت تأتأة جحا ، وهو يقول مضطرباً ، مرعوباً : لكن .. مو.. مو .. ومو .. لاي ..
فقاطعه تيمورلك ثانية ، وقال مهدداً بصوت حاسم : أريد هذا الخاتم غداً وإلا ..
ولكي يضمن تيمورلنك استرجاع الخاتم ، في الموعد المحدد ، ولكي لا يفكر جحا في الهرب ، أمر بإيداعه في إحدى غرف القصر المنعزلة .
وعند منتصف تلك الليلة ، جاته جارية من جواري تيمورلنك ، وقال له متوسلة ، وهي تكاد تنهار : جحا ، استر عليّ وإلا هلكت .
وخمن جحا ما تريد الجارية أن تقوله ، فقال لها : قولي الحقيقة ، ولكِ الأمان .
فقالت الجارية ، وهي تتشبث بجحا ، ودموعها تغرق عينيها : أمي مريضة ، تكاد تموت ، وليس لدينا ما نعالجها به ، فسرقتُ الخاتم .
وتنفس جحا بشيء من الارتياح ، وقال لها : أين هو ، هذا الخاتم ؟
فردت الجارية قائلة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
وفي صباح اليوم التالي ، مثل جحا بين يدي تيمورلنك ، وكان مرتاحاً هذه المرة ، وقال : مولاي ، اطمئن ، لقد وجدنا خاتك الثمين .
وبدا الفرح على تيمورلنك ، وقال : أحسنت ، يا جحا ، سأجعلك ساحر القصر ، أين هو ؟
فقال جحا بنفس الروح المطمئنة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
ونظر تيمورلنك إلى وزيره ، فقال الوزير : في نهاية الحديقة ، يا مولاي ، هناك شجرتا رمان ، الأولى رمانها حلو ، والثانية رمانها حامض .
والتفت تيمورلنك إلى جحا ، وقال : تحت أي الشجرتين ، خاتمي ، يا جحا ؟
وأسقط في يد جحا ، ووقف حائراً مرتبكاً ، فالجارية لم تخبره بوجود شجرتي رمان ، فما العمل ؟ فقال متردداً : الحلو .. لا .. نعم .. نعم .. الحلو .
وحدق تيمورلنك فيه مهدداً ، وقال : إذا لم يجدوا الخاتم ، تحت شجرة الرمان الحلو ، كما تقول ، يا جحا ، سأجلدك خمسين جلدة .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
من سوء حظ جحا ، إنهم لم يجدوا خاتم تيمورلنك ، تحت شجرة الرمان الحلو ، وإنما وجدوه تحت شجرة الرمان الحامض .
وأحضر جحا ، ووقف منهاراً أمام تيمورلنك ، وقال : عفو مولاي ، الخطأ ليس خطئي .
وتساءل تيمورلنك غاضباً : خطأ من إذن ؟
فردّ جحا قائلاً : خطأ شيطاني .
واتسعت عينا تيمورلنك ، وتمتم : شيطانك !
فقال جحا : إنه غاضب مني ، هذا اللعين ، وأراد أن يعاقبني ، ف ..
وحدق فيه تيمورلنك ملياً ، ثم قال : لن أعاقبك ، يا جحا ، بل سأعاقب شيطانك .
ونظر جحا إلى تيمورلنك صامتاً ، مترقباً ، قلقاً ، فتابع تيمورلنك قائلاً : سأجلده ، سأجلد شيطانك ، وهو في داخلك ، خمسين جلدة .
وشهق جحا منهاراً ، فصاح تيمورلنك : أيها الجلاد ..
وانهار جحا ، راكعاً أمام تيمورلنك ، وقال : سأموت قبل الجلدة العاشرة ، لكن هذا لا يهمني ، يا مولاي ، فأنا أخاف عليك .
وحدق تيمورلنك في جحا متسائلاً ، فتابع جحا قائلاً : أخبرني شيطاني ، بأني سأعيش طويلاً ، وإذا متّ فسيموت سيدي تيمورلنك بعدي بثلاثة أيام .
وتراجع تيمورلنك ، وقلبه يخفق بشدة ، والتفت إلى وزيره ، وقال : فليخصص قصر كبير لجحا وعائلته ، يحيط به الحرس المدججون بالسلاح ليل نهار ، وليعين له طبيب خاص يعنى بصحته ، فأنا لا أريده أن يمرض ، و .. ويموت .
وانحنى الوزير لتيمورلنك ، وقال : أمر مولاي .


29 / 8 / 2016















فتاة البحيرة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ أن تفتحت عيونهم على الدنيا ، وهما معاً لا يفترقان ، فكوخ أهل جوين في القرية ، يقع قرب كوخ أهل تيلفريتش .
وحين بلغ جوين ، التاسعة من عمره ، راح يرعى بقرات أهله الثلاث ، ومعه راحت تيلفريتش ترعى بقرتي أهلها ، حين بلغت السابعة من العمر .
وكبرا معاً ، جوين وتيلفريتش ، وهما يرعيا أبقار أهلهما ، في المرعى المعشب ، قرب البحيرة ، حتى صارا شابين ممتلئين بالحيوية والعنفوان .
وكما كانا يتبادلان الطعام ، الذي كانا يأتيان به من أهلهما ، كلّ يوم ، كانا يتبادلان الحديث في شتى المواضيع ، وحتى عندما كانا يصمتان ، فإن مشاعرهما وعواطفهما المشتركة ، لم تكن لتصمت .
وذات يوم ، جاء جوين ببقراته الثلاث إلى المرعى ، قبل أن تأتي تيلفريتش ، وجلس ينتظرها بصبر نافد ، فوق مرتفع ، يطل على البحيرة ، فيومه لا يطيب ـ لا يدري لماذا ـ إلا إذا كانت تيلفريتش ترعى بقرتيها على مقربة من أبقاره الثلاث .
وحانت منه نظرة ، عن غير عمد ، إلى البحيرة ، وكانت هادئة ساكنة صافية كالمرآة ، وفجأة رأى فتاة شابة ، تبدو في عمر تيلفريتش ، تسرح شعرها الذهبي ، متخذة البحيرة الصافية مرآة لها .
وهنا وتناهى إليه صوت تيلفريتش ، تنادي من بعيد ، جوين .
وعلى الفور ، اختفت فتاة البحيرة ، وكأن الأعماق انشقت وابتلعتها ، ووصلت تيلفريتش إليه ، وقالت : ناديتك ، يا جوين ، ولم ترد ، ما الأمر ؟
لم يردّ جوين عليها ، فحدقت تيلفريتش فيه مستغربة ، وقالت : جوين ..
ونظر جوين إليها ، وقال : قبل أن تأتي ، رأيت فتاة في عمركِ ، تقف وسط البحيرة تسرح شعرها ، شعرها ذهبي كشعرك ، وعيناها زرقاوان .
وضحكت تيلفريتش ، وقالت : لعل هذه الفتاة ، ذات الشعر الذهبي ، والعينين الزرقاوين ، هي أنا ، أنا تيلفريتش ، ولا أحد غيري .
ولاذ جوين بالصمت ، فأطرقت تيلفريتش ، ولاذت بالصمت هي الأخرى .




" 2 "
ـــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ، قاد جوين بقراته الثلاث ، في وقت مبكر ، إلى المرعى ، وجلس فوق المرتفع ، المطل على البحيرة ، وراح ينتظر فتاة البحيرة ، لعلها تظهر قبل مجيء تيلفريتش .
وخفق قلبه بشدة ، وفرح ، حين ظهرت الفتاة ، ووقفت فوق سطح البحيرة ، وهذه المرة لم تنشغل بتسريح شعرها الذهبي ، وإنما رفعت عينيها الزرقاوين ، الصافيتين كسماء الصيف ، وراحت تتطلع إليه .
ونهض جوين ، وعيناه لا تفارقان عينيها ، وهبط ببطء من المرتفع ، وتوقف عند حافة البحيرة ، وقال بصوت رقيق : عمتِ صباحاً .
لم تردّ الفتاة تحيته ، هذا صحيح ، لكنه لاحظ ، رغم بعدها عنه ، أن ملامحه الرقيقة ، راحت تشفّ وتتألق ، فأشار إلى نفسه ، وقال : أنا جوين ، اسمي وين ، وأنتِ ، ما اسمكِ؟
وخيل لجوين ، أن الفتاة فتحت فمها ، ربما لتردّ عليه ، لكن ، في تلك اللحظة ، جاءه صوت تيلفرتيش تصيح من بعيد : جوين .
وعلى الفور ، اختفت فتاة البحبرة ، كأن ماء الأعماق انشقت وابتلعتها ، ووصلت تيلفرتيش إلى المرتفع ، وقالت : جوين ، ماذا تفعل عندك ؟
وردّ جوين بشيء من الحدة : هذه هي المرة الثانية .
ولاذت تيلفرتيش بالصمت محبطة ، فصعد جوين المنحدر ، وهو يقول : كنت أكلمها ، فتاة البحيرة ، وكادت تردّ عليّ ، حين ناديتني .
وتراجعت تيلفرتيش إلى الوراء ، وقالت : عفواً ، لن تكون هناك مرة ثالثة .
وانسحبت إلى بقرتيها ، صامتة حزينة ، وأخذتهما إلى طرف المرج ، وبقيت هناك معهما ، حتى عادت وحدها قبيل المساء إلى القرية .
واعترى جوين شعور بالحزن والندم ، ربما ظلم تيلفرتيش ، وهمّ أكثر من مرة ، أن ينهض من مكانه ، ويذهب إليها ، ويقدم لها شيئاً من الطعام ، كما يفعل كلّ يوم ، لكنه لم ينهض ، ولم يذهب إليها ، وإن داخله شعور بأنه سيندم على ذلك .
وقبيل المساء ، وبعد أن لاحظ أن تيلفرتيش قد عادت ببقرتيها إلى القرية ، نهض من مكانه ، وقاد بقراته الثلاث ، عائداً إلى القرية .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
أوى جوين إلى فراشه ، في وقت مبكر من الليل ، وأغمض عينيه ، لعله ينام ويرتاح ، ومرت ساعات وساعات ، لكنه لم ينم .
وبدل فتاة البحيرة ، ربما أرقته تلفرتيش ، لعلها غضبت منه ، لقد كلمها اليوم بشيء من الحدة ، وهذه أول مرة يحتد عليها ، ومن يدري ، فقد تأخذ بقرتيها غداً ، وترعى بهما بعيداً عنه .
وانقلب على جنبه ، لتفعل تلفرتيش ما تشاء ، إنها حرة ، واعتدل في فراشه ، وكان القمر يطل بدراً على القرية من بين الغيوم ، ونهض متسللاً من الكوخ ، وبدون ارادة منه ، قادته قدماه إلى المرعى ، ووقف فوق المرتفع ، المطل على البحيرة .
وبدل فتاة البحيرة ، ذات الشعر الذهبيّ ، والعينين الزرقاوين ، لاحت له تلفرتيش ، تقف فوق سطح الماء ، والقمر يطل عليها من بين الغيوم ، ماذا جرى ؟ وبهدوء استدار ، وقفل عائداً من حيث أتى .
وحين وصل القرية ، لم يتجه إلى كوخهم ، وإنما اتجه إلى كوخ تلفرتيش ، وتوقف أمام نافذتها ، ومدّ يده ، ونقر عليها برفق ثلاث نقرات .
وتناهى إليه وقع أقدام خفيفة ، ثم فُتحت النافذة ، وأطلت منها تلفرتيش ، وما إن رأته ، يقف تحت ضوء القمر ، حتى قالت مندهشة بصوت خافت : جوين .
ومال جوين عليها ، وهمس بصوت خافت : تلفرتيش ، جئتُ لأقول لكِ شيئاً .
وردت تلفرتيش بصوت خافت : جوين ، نحن في منتصف الليل .
واستطرد جوين قائلاً : غداً ، حين تأتين إلى المرعى ، لا تجلبي معك أي طعام .
وحدقت تلفرتيش فيه مندهشة ، فقال جوين : سأعدّ طعاماً بنفسي ، لي ولكِ .
وابتسمت تلفرتيش ، وقالت : أشكرك .
وهمت أن تغلق النافذة ، وهي تقول : اذهب الآن ، قبل أن يفيق أبواي .
ومدّ جوين يده ، وأمسك درفة النافذة ، وقال : لحظة ، يا تلفتيش ، لحظة .
وقالت تلفرتيش : نعم .
فتساءل جوين : هل تجيدين الطبخ ؟
ونظرت تلفرتيش إليه حائرة ، فتابع قائلاً : لا أرد للفتاة ، التي سأتزوجها ، أن لا تجيد الطبخ .
وندت حركة من داخل الكوخ ، فأغلقت تلفرتيش النافذة ، وهي تقول بصوت متهدج ، والفرحة تغرق عينيها بالدموع : اذهب ، لقد أفاق والداي .

31 / 8 / 2016






البجعة

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
عاد جوستاف إلى البيت ، قبيل المساء منقبض الصدر ، لا يدري لماذا ، وقد ازداد انقباض صدره ، حين لم يرَ في البيت ، على غير العادة ، لا زوجته سيسيلا ، ولا ابنته الصغيرة آنّا .
ودخل على أمه ، في غرفتها ، وكانت متمددة كالعادة في فراشها ، فهي امرأة عجوز مريضة ، وقال متسائلاً : أين آنّا وسيسيلا ؟
واعتدلت الأم في فراشها متأوهة ، وقالت : أخبرتني سيسيلا ، بأنها ستذهب إلى البحيرة ، وقد أخذت مها الصغيرة آنّا .
ومع غروب الشمس ، أقبلت سيسيلا متجهمة ، ومعها الصغيرة آنّا ، وألقت نظرة سريعة إلى جوستاف ، وهو يقف في الفناء ، ثم دخلت غرفتها ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة .
وعقب العشاء ، وبعد أن أوت آنّا إلى فراشها ، رقد جوستاف في فراشه ، وإلى جانبه تمددت سيسيلا صامتة ، والقنديل يضيء غرفتهما الصغيرة .
ومن غير أن يلتفت إلى سيسيلا ، قال جوستاف بصوته الهادئ : منذ فترة طويلة ، لم تذهبي إلى الغابة والبحيرة .
وكما لو كانت تحدث نفسها ، قالت سيسيلا : صباح البارحة ، وصباح اليوم ، رأيتُ بجعتين تأتيان من بعيد ، وتحومان فوق الغابة والبحيرة .
واعتدل جوستاف في فراشه ، وقال : ابنتنا آنّا ستبلغ السابعة بعد أسابيع قليلة .
وأبعدت سيسيلا عينيها عن القنديل ، وقالت : آه ما أسرع مرور السنين .
وأغمضت عينيها ، ثم قالت : تصبح على خير .
وتمدد جوستاف في مكانه ، وردّ قائلاً بصوته الهادئ : تصبحين على خير .
لم ينم جوستاف ، وسرعان ما سمع سيسيلا تغط في النوم ، نعم ، لقد مرّت أكثر من سبع سنوات على زواجهما ، ولعله شعر مؤخراً بأنها بدأت تتآلف مع حياتها في البيت ، ولكن ها هي البجعتان ، اللتان جاءتا من حيث لا يدري ، تعيدان مخاوفه السابقة ، إلى ما كانت عليه من قبل .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
أفاق جوستاف في اليوم التالي ، وإذا سيسيلا قد أفاقت قبله ، وأراد أن يقول لها " صباح الخير " ، لكنها عاجلته بقولها : جوستاف ، خذني إلى البحيرة .
واعتدل جوستاف ، وقال : يبدو أنك رأيتِ البجعتين صباح اليوم أيضاً .
فقالت سيسيلا : نعم ، رأيتهما ، لكن في المنام ، وأشارتا لي أن تعالي .
ونهض جوستاف ، وقال : أخشى أنكِ لم تري البجعتين ، البارحة وقبل البارحة ، إلا في المنام أيضاً .
وبدل أن تردّ سيسيلا عليه ، قالت بنبرة رجاء : مهما يكن ، خذني إلى البحيرة .
ونظر جوستاف إليها ، وقال : لنفطر أولاً ، ثم نذهب إلى البحيرة ، أنا وأنتِ فقط .
وبعد أن تناولوا طعام الفطور ، أخذ جوستاف زوجته سيسلا إلى البحيرة في الغابة ، تاركاً ابنته آنّا مع جدتها العجوز في البيت .
وقبيل منتصف النهار ، وصلا البحيرة ، وتوقفت سيسيلا على الشاطئ ، تتلفت يمناً ويساراً ، ثم رفعت رأسها إلى الأعلى ، فتوقف جوستاف ، على مقربة منها ، وقال : لا أثر للبجعتين .
وهزت سيسيلا رأسها ، ثم طافت بعينيها فيما حولها ، وقالت : هنا كنّا نأتي ، أنا وأختاي ، فننزع ثيابنا الريش ، ونلهو في الماء ساعات وساعات .
وصمتت لحظات ، ثم قالت بصوت حزين : حتى كان يوم ، افتقدت فيه ثوبي الريش ، بعد أن لهونا ، ولم أعثر له على أثر ، واضطرت أختاي أن تمضيا ، وتتركاني وحيدة ، في هذا المكان .
واقترب جوستاف منها ، وقال : وجئت في الوقت المناسب ، ولففتكِ بقميصي ، وحملتكِ إلى البيت ، وها قد مرت أكثر من سبع سنوات .
وتنهدت سيسيلا متمتمة : آه .
ومدّ جوستاف يديه إليها ، وضمها إلى صدره ، وقال : آمل أنكِ كنت سعيدة ، ولو بعض الوقت ، خلال هذه السنين السبعة .
ورفعت سيسيلا عينيها إليه ، وقالت : بل كنتُ سعيدة ، أمك .. وصغيرتنا .. و ..
وصمتت سيسيلا ، فقال جوستاف : وأنا ؟
فردت سيسيلا ، وهي تنسل من بين ذراعيه : وأنت .
وسارت سيسيلا بضع خطوات ، وهي تقول ، كأنما تحدث نفسها : لو أعرف فقط ، كيف اختفى ثوبي الريش ، ومن أخفاه ، آه .

" 3 "
ــــــــــــــــــ
قبيل منتصف النهار ، في اليوم التالي ، فوجئت سيسيلا ، وهي تجلس في فناء البيت ، بجوستاف يتقدم منها ، ويضع أمامها الثوب المنسوج من الريش .
وحدقت سيسيلا في الثوب ، وقد اتسعت عيناها ، واعتراها الذهول ، وتمتمت : جوستاف !
فتراجع جوستاف قليلاً ، وقال : ثوبك .
ورفعت سيسيلا عينيها إليه ، وقالت : لم يخطر لي .. أن الثوب .. يمكن أن يكون .. عندك .
وصمتت سيسيلا ، ربما اختنقت بدموعها ، فقال جوستاف : من يحب يقدم على المستحيل .
وهزت سيسيلا رأسها ، وقالت : كلّ ظني ، أنني لن أرى هذا الثوب ثانية .
وقال جوستاف : حاولت أكثر من مرة ، أن أحرقه ، لأقطع عليك طريق الابتعاد عني ، لكني لم أستطع ، إنه ثوبك ، الذي جاء بكَ إليّ .
ونهضت سيسيلا ، وهي تحدق في الثوب ، ثم قالت : يبدو أنه لم يعد يلائمني ، لقد امتلأ جسمي بعض الشي ، عما كنت عليه قبل سبع سنوات .
ونظر جوستاف إليها ، وقال دون أن يبتسم : لم يتغير جسمك كثيراً ، خلال هذه المدة .
ولاذت سيسيلا بالصمت ، وهي مازالت تحدق في الثوب ، فقال جوستاف : جربيه ، هيا .
ومدت سيسيلا يديها في تردد ، وبشيء من الخوف فردت الثوب ، فقال جوستاف : جربيه ، يا سيسيلا ، وسترين أنه مازال يلائمكِ .
وبهدوء ، وتصميم ، راحت سيسيلا ترتدي الثوب ، حتى لبسته تماماً ، وفردت جناحيها مرفرفة ، وكأنها تجربهما ، وخفق قلب جوستاف ، وداخله شعور غامض بالخوف ، لكنه مع ذلك قال : انظري ، إنه مازال ملائماً لكِ .
وعلى حين غرة ، انتفضت سيسيلا ، وقد فردت جناحيها على سعتهما ، وانطلقت كالسهم إلى الأعلى ، وأسرع جوستان ، وقد مدّ يديه الملهوفتين ، محاولاً الامساك بها ، وهو يهتف ملتاعاً : سيسيلا .
لم تلتفت سيسيلا إليه ، وواصلت طريقها إلى الأعلى ، ثمّ مالت كما الطير ، وانطلقت نحو الغابة ، وسرعان ما غابت بين الأشجار .


× ـ عن حكاية سويدية .

5 / 9 / 2016








حورية البحر

" 1 "
ــــــــــــــــــ
حتى قبل أن يتزوجا ، تعاهد هانس وسيسيلا ، على الوفاء والاخلاص لبعضهما البعض ، مدى الحياة ، ومهما كانت الظروف .
وقالت سيكل وقتها : سأكون لك إلى الأبد .
وتساءل هانس مازحاً : حتى لو لم أكن موجوداً ؟
وردت سيكل بحماس : نعم ، حتى لو غبت لأي سبب من الأسباب .
وربما امعاناً في المزاح ، قال هانس : هذا ما تقوله حفيدة حواء دائماً .
وبحماس أشد ، قالت سيسيلا : بل قول وفعل ، بعكس حفدة آدم .
وبعد الزواج ، ازدادت سيكل قناعة في رأيها ، وطالما قالت لهانس ، بمناسبة أو غير مناسبة " أنت لي ، وأنا لك إلى الأبد " ، وكان ذلك يُفرح هانس ، ويزيد من تعلقه بها .
وتعكرت فرحة سيكل بعض الشي ، عندما قل لها هانس مرة ، بعد عودته من الصيد في البحر : سيكيل ، لقد رأيت اليوم .. حورية البحر .
وغالبت سيكيل عواطفها ، وردت قائلة : حورية البحر خرافة ، هذا ما تقوله جدتي .
ولاحظت سيكيل بشيء من التأثر ، أن عيني هانس غابتا في البعيد ، وهو يقول : لكني رأيتها ، رأيت حورية البحر ، يا سيكيل .
ولكي لا يُعكر هانس صفو سيكيل ، لم يذكر حورية البحر أمامها مرة أخرى ، حتى إنها فكرت أن تسأله عنها ، وعما إذا كان يراها في البحر ، عندما يخرج إلى الصيد ، لكنها لم تفعل ذلك .
والحقيقة أن هانس رأى حورية البح ثانية وثالثة و .. وحيته أكثر من مرة ، بل وحدثته عن نفسها ، وقالت له : إن أبي هو ملك البحار .
ورد هانس قائلاً : لابد أنكم تعيشون في الأعماق .
وقالت الحورية : نعم ، ولنا قصر كبير جداً ، يضاهي قصور الملوك عندكم على الأرض .
ولاذ هانس بالصمت ، فاقتربت حورية البحر منه ، وقالت : تعال ، وشاهد قصرنا .
فقال هانس : إنني متزوج .
ومالت حورية البحر عليه ، وقالت : تعال وسأسعدك أكثر مما تسعدك زوجتك .
لم يردّ هانس عليها ، فتراجعت الحورية سابحة إلى الوراء ، وهي تقول بصوت مغري : سآتي إليك يوماً ، وسآخذك إلى قصر الأعماق .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
أوت سيكيل إلى فراشها ، في وقت مبكر من الليل ، وسرعان ما راحت تغط في نوم عميق ، وتمدد هانس إلى جانبها ، وحاول أن يغفو ، لعله ينال قسطاً من الراحة ، لكن دون جدوى .
وتراءت له حورية البحر ، تحوم حول قاربه وسط البحر ، وقطرات الماء تتلامع فوق وجهها ، تحت أشعة الشمس ، وقالت : سآتي ، وآخذك .
وانتبه إلى الباب ، يُدفع برفق ، والتفت ببطء ، وعيناه ترتعشان ، وعلى ضوء القنديل الخافت ، رأى ذراعاً تمتد نحوه ، والماء يقطر منها ، فاقترب من زوجته ، كأنه يحتمي بها من الذراع الممدودة .
وانسحبت الذراع ببطء ، وسمع الباب يُغلق ، دون أن يصدر عنه صوت ، إنها حورية البحر ، يبدو أنها جادة ، لكنه متزوج ، وهو يحب زوجته .
وتململت سيكيل ، فمد هانس ذراعيه واحتضنها ، وكأنه يخشى أن يفقدها ، أو يخرج من حياتها ، وسرى دفء في كيانه ، وسرعان ما استغرق في النوم .
وفي ليلة اليوم التالي ، وسيكيل مستغرقة في نوم عميق ، وقد تمدد هانس إلى جانبها ، وقلبه يخفق خوفاً ، من أن يتكرر ما حدث في الليلة السابقة .
وانتفض قلبه في صدره ، إذ سمع الباب يدفع برفق ، كما في الليلة السابقة ، وكما في الليلة السابقة ، امتدّ ذراع عبر فتحة الباب ، والماء يقطر منه ، وأشارت له إحدى أصابع كفها ، أن تعال .
وهذه المرة ، لم يقترب هانس من زوجته ، التي تغط إلى جانبه ، ولم يحتمي بها ، وإنما مدّ ذراعه إلى الذراع الممتدة ، وكالمسحور وضع أصابعه بين أصابعها ، التي كان يقطر منها الماء .
وعلى الفور ، شعر بالذراع الممتدة عبر الباب ، تسحبه برفق من الفراش ، وتأخذه إلى الخارج ، وشعر بها تسير به في الظلام ، حتى انتهى إلى البحر .
وفي اليوم التالي ، أفاقت سيكيل مبكرة ، ومدت ذراعها الدافئة ، إلى حيث ينام هانس ، وفتحت عينيها متكاسلة ، لم يكن هانس في مكانه ، وتذكرت أنه أخبرها البارحة ، بأنه لن يذهب اليوم إلى البحر للصيد ، فما الذي أيقظه ، وجعله يغادر فراشه ؟
وفكرت ، وهي تتقلب في فراشها الدافئ ، بأنه ربما خرج من الكوخ ، ليشاهد الشمس ، وهي تشرق من وراء الجبال البعيدة .
آه هانس ، إنه مازال يحمل مشاعر الشاب الفتيّ العاشق ، رغم مرور أكثر من سنة عل زواجهما ، لكن ها هي الشمس تشرق ، وترتفع ببطء في السماء ، دون أن يعود هانس إلى فراشه .
ونهضت سيكيل من فراشها ، وخرجت من الكوخ ، وراحت تتلفت يميناً ويساراً ، لكن دون جدوى ، ومرت الساعات والأيام وأسابيع والأشهر ، لكن لا أثر لهانس ، ترى أين مضى ؟

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
مرت أشهر عديدة ، وسيكيل تبحث عن هانس ، في كلّ مكان ، دون جدوى ، لكنها لم تصدق أنه سيغيب نهائياً ، وأنها لن تراه ثانية ، وتمنت لو يدفع الباب يوماً ، ويدخل عليها في غرفتها .
ودُفع باب البيت ، ذات مساء ،لكن الداخل لم يكن زوجها هانس ، وإنما جانر ، الذي هاجر بعيداً عنها ، قبل أكثر من سنتين ، وما إن رأته سيكيل حتى قالت مذهولة : جانر ! أهذا أنتَ ؟
واقترب جانر منها ، وقال بصوت حزين : طاب مساءكِ ، يا سيكيل .
وردت سيكيل قائلة : لكنك ، حين هاجرت بعيداً ، قلت بأنك لن تعود .
فقال جانر بنفس صوته الهادئ الحزين : هذا ما قلته ، بعد أن رفضتني ، وتزوجتِ من هانس ، وهو في الحقيقة ، كان يستحقك .
وصمت لحظة ، ثم قال : لكني تراجعتُ عما قلته ، عندما علمت بأنك في محنة شديدة ، بعد أن اختفى هانس من حياتكِ ، بهذه الصورة الغامضة .
وأطرقت سيكيل حزينة ، دامعة العينين ، فقال جانر : جئت لأساعدك في البحث عن هانس .
ورفعت سيكيل عينيها ، ومسحت منهما الدموع ، وقالت : أشكرك ، أنت انسان طيب ، يا جانر .
ومع عودة جانر ، عاد شيء من الأمل إلى سيكيل ، من يدري ، ربما تجد هانس ، أو تعثر على أثر له بمساعدة جانر ، فهو صياد مجرب ، وله خبراته الكبيرة ، وسيبذل قصارى جهده من أجلها .
ومرت أيام وأسابيع وأشهر ، ولم يجدا هانس ، أو يعثرا على أثر له في أي مكان ، ومع مرور الوقت ، ولقرب جانر من سيكيل ، عادت إليه عواطفه القديمة ، لقد أحبها ، ومازال يحبها ، وكان يتمنى أن تكون له ، لكنها صارت لهانس ، وها هو هانس قد اختفى ، ولم يعد له أثر في أي مكان .
حتى كانت ليلة ، وكانا يجلسان جنباً إلى جنب ، قرب موقد تشتعل فيه النيران ، نظر جانر إلى سيكيل طويلاً ، ثم قال بصوت هادئ : سيكيل .
ورفعت سيكيل عينيها الحزينتين إليه ، وقلبها يخفق متوجساً ، وتابع جانر قائلاً : الأيام تمر ، والإنسان يكبر ، نحن الآن مازلنا شباباً ، لكن غداً ..
ونهضت سيكيل غاضبة ، وقالت محذرة : جانر ..
ونهض جانر بدوره ، ومال على سيكيل ، وقال : أردتكِ وما زلتُ أريدك ، كان هانس في السابق موجوداً ، لكن الآن لم يعد له وجود .
وقالت سيكيل منفعلة : أنا لهانس ، وسأبقى لهانس إلى الأبد .
ثم مدت يدها ، وأشارت إلى الباب ، وصاحت بانفعال أشد : اذهب ، لا أريد أن أراك في بيتي .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
خلال هذه السنين الثلاث ، التي كانت فيها سيكيل تبحث عن زوجها ، في كلّ مكان دون جدوى ، كان زوجها هانس ، يعيش في قصر اللؤلؤ ، الذي بناه ملك البحار ، لابنته الأثيرة حورية البحر .
ورغم أن حورية البحر ، وفرت لهانس في قصر اللؤلؤ ، كلّ ما كان يتمناه ، وكادت تفقده بسحرها احساسه بالماضي ، إلا أن عالمه على الأرض ، كان يتراءى له أحياناً ، وبالأخص زوجته سيكيل .
وذات يوم ، وهانس وحورية البحر ،يجلسان أمام نافذة واسعة ، تطل على عالم أعماق البحر ، قالت حورية البحر : هذا العالم غاية في الجمال .
فقال هانس ، دون أن يلتفت إليها : مهما يكن ، فهو ليس أكثر جمالاً من عالم الأرض .
ونظرت حورية البحر إليه ، وقالت : اذهب غداً ، وزر قريتك وبيتك .
والتفت هانس إليها ، وكأن أحاسيسه بالماضي عادت إليه ، وتمتم : سيكيل .
ولاحت ابتسامة غامضة على شفتي حورية البحر ، وقالت : سترى زوجتك ، سيكيل .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : لكن ستعود إليّ .
في اليوم التالي ، بعد حلول الظلام ، أخذت حورية البحر هانس إلى الشاطئ ، وأشارت إلى أضواء تتغامز من بعيد ، وقالت : تلك قريتك ، التي غبت عنها ثلاث سنوات ، اذهب يا هانز .
وعلى ضوء القمر ، الذي كان يطل بدراً من السماء ، سار هانس حتى وصل القرية ، واتجه مباشرة إلى بيته ، وأمام باب البيت ، وفي فنائه ، فرأى عشرات القرويين ، نساء ورجالاً وأطفالاً ، يغنون فرحين ، وتلفت مذهولاً ، ترى ماذا يجري ؟
وانسل هانس إلى الفناء ، عبر القرويين اللاهين ، ولم ينتبه إليه أحد ، وفوجئ بزوجته سيكيل ، تقف وسط القرويات ، وتاج العرس والأكاليل تتوج رأسها ، وإلى جانبها ، وفي زينة كاملة ، يقف جانر .
وجمد هانس في مكانه ، يتأمل سيكيل ، دون أن تنتبه إليه ، وقد غمرها الفرح ، وهي تميل على جانر ، وتتبادل الحديث والضحك معه .
وأطرق هانس رأسه ، ثم انسل إلى الخارج عبر القرويين اللاهين ، دون أن يراه أحد ، واتجه ببطء نحو البحر ، حتى غاب في الظلام .

× ـ عن حكاية سويدية .

7 / 9 / 2016














آدزانومي

" 1 "
ـــــــــــــــــــــ
منذ أن تزوجت اويرهو ، بل وحتى قبل ذلك ، تمنت أن يكون لها ابنة ، لكن أمنيتها هذه لم تتحقق ، وبعد حوالي عشر سنوات توفي زوجها ، وبذلك إنتهى أملها أن يكون لها ابنة في حياتها .
وخلال هذه المدة الطويلة ، وكلما زارها الفرح ، وهو قلما يزورها ، وخاصة في الأعياد ، كانت تقول في نفسها " آه لو كانت لي ابنة ، لأسميتها آدزانومي ، ولشاركتني الأفراح هذه " .
وذات يوم ، خرجت اويرهو إلى الحقل ، لجمع بعض حبات البطاطا الحلوة ، وصادف أن اقتلعت مرة حبة بطاطا كبيرة ، ذات استقامة ، وشكل جميل ، فقالت : آه كم سأكون سعيدة ، لو أن حبة البطاطا هذه تتحول إلى ابنة صغيرة لي .
وتحركت حبة البطاطا الحلوة ، بين يدي اويرهو ، وقالت : سأكون ابنة لك ، إذا وعدتني .
فقالت اويرهو بحماس : أعدك بما تريدين ، فقط كوني ابنة لي .
فقالت حبة البطاطا : عديني بأن لا تعيرينني يوماً ، بأنني كنت حبة بطاطا .
فقالت اويرهو بلهفة شديدة : اطمئني ، أعدك بأنني لن أعيرك بهذا ، مهما كان السبب .
وعلى الفور ، وكما تمنت اويرهو ، تحولت حبة البطاطا الحلوة ، إلى فتاة صغيرة ، لها نفس المواصفات التي تمنتها دائماً ، بيضاء البشرة ، ذهبية الشعر ، وعيناها زرقاوان كسماء الصيف .
وفرحت اويرهو أشد الفرح بالطفلة الصغيرة ، وقالت لها : بنيتي ، سأسميكِ آدزانومي ، وهو الاسم الذي أردت أن أطلقه على الطفلة التي ستكون لي ، وها أنتِ لي .. يا آزدانومي .


" 2 "
ــــــــــــــــــ
كما تكبر فتيات الحكايات ، كبرت آدزانومي ، وصارت صبية ، تتألق حسناً وجمالاً ، وقد ازداد حسنها وجمالها تألقاً ، حين التقت بفتى في عمرها تقريباً ، أقبل من قرية تقع وراء الجبال البعيدة .
وقد رأته لأول مرة ، في سوق القرية ، وهي تبيع البطاطا الحلوة ، بدل اويرهو ، فتوقف على مقربة منها محدقاً فيها ، فرفعت عينيها الزرقاوين إليه ، وقالت : ألديّ بطاطا حلوة .
فابتسم الفتى ، وقال : اسمي كويكو .
وقالت آدزانومي : أتريد بطاطا ؟
فردّ كويكو قائلاً : أريدكِ أنتِ .
وابتسمت آدزانومي ، وقلبها يخفق فرحاً ، لكنها لم تردّ عليه ، فقال : قريتي وراء ذلك الجبل البعيد ، ولي كوخ يطل على النبع ، تعالي وشاركيني العيش فيه .
ونظرت آدزانومي إليه ، وقالت : لا أظن أن أمي توافق على طلبك .
وأطرقت رأسها ، ولاذت بالصمت ، وتمنت بينها وبين نفسها ، أن توافق أمها اويرهو ، فتذهب مع كويكو ، وتعيش معه في الكوخ المطل على النبع .
ومنذ ذلك اليوم ، وكويكو لا يكاد يفارق آدزانومي ، حتى تنتهي من بيع ما معها من بطاطا حلوة ، فتودعه ، وتعود وحدها إلى الكوخ .
وذات يوم ، سار كويكو معها في طريق العودة ، حتى لاح الكوخ من بعيد ، واويرهو تقف بالباب ، فتوقفت آدزانومي ، وقالت : تلك أمي ، وأخشى أن تكون قد رأتنا ، اذهب الآن .
وتوقف كويكو ، وقال : مهما يكن ، سأزوركم مساء اليوم ، وأطلب يدك منها .
فقالت آدزانومي بصوت خافت : لا ، دعني أفاتحها بالأمر أنا أولاً .
وتراجع كويكو بخطوات بطيئة ، وهو يقول : سأنتظرك غداً في السوق .
وواصلت آدزانومي طريقها ، حتى وصلت باب الكوخ ، حيث كانت تقف أمها ، وتابعت اويرهو كويكو حتى غاب ، فنظرت إلى آدزانومي ، وقالت : ذلك الشاب الغريب لا يُطمئن .
وتوقفت آدزانومي في مواجهة أمها ، وقالت : بالعكس ، إنه شاب طيب ، وهو يريدني زوجة له .
واربدّ وجه اويرهو ، وقالت بصوت يشي بانفعالها : يبدو إنه ليس من قريتنا .
وردت آدزانومي قائلة : إنه من قرية بعيدة ، تقع وراء الجبال ، وله فيها كوخ يطل على النبع .
وجنّ جنون اويرهو ، وصاحت : لن تكوني له ، إنه .. إنه شاب غريب .
ودفعت آدزانومي باب الكوخ ، ومضت إلى الداخل ، وهي تقول : إنه يريدني ، وأنا أريده أيضاً ، وسأذهب معه حيثما يذهب .
ولحقت اويرهو بها ، وقد طاش صوابها ، وقالت بصوت منفعل : لا يمكن ، أنتِ لي ، اقتلعتكِ من حقلي ، وكنتِ مجرد حبة بطاطا .
وصمتت اويرهو ، وقد أدركت أنها قالت ما لا يجب أن تقوله ، فاقتربت من آدزانومي ، وقالت : بنيتي ، أنا أحبكِ ، ولا أستطيع الحياة ، وأنتِ بعيدة عني .
وعندئذ استدارت آدزانومي ، ومضت عبر باب الكوخ ، دون أن تلتفت إلى اويرهو ، وسارت مبتعدة بخطى ثابتة ، حتى غابت في الظلام .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
انتظرت اويرهو ، على أمل أن تعود آدزانومي ، وتعتذر منها مرة أخرى ، لعلها تسامحها ، وتعود علاقتهما إلى مجراها الأول .
لقد أخطأت خطأ كبيراً ، خاصة وأنها وعدتها أن لا تعيرها ، لكن ماذا تفعل ، لقد جنّ جنونها ، حين علمت أنها ستبتعد عنها ، وتذهب مع كويكو إلى قريته ، وراء الجبال البعيدة .
وجاء المساء ، وحلّ الليل والظلام ، لكن آدزانومي لم تعد ، وخرجت اويرهو من الكوخ ، وبحثت عنها في الجوار ، ثم في أكواخ صديقاتها ، ثم في محيط القرية ، لكن دون أن تقع لها على أثر .
وفي اليوم التالي ، وطوال ساعات الصباح ، انتظر كويكو في السوق ، لتأتي آدزانومي كما اتفقا ، لكنها وعلى غير العادة لم تأتِ .
وحلّ منتصف النهار ، ولم تأتِ آدزانومي ، لابد أن أمراً خطيراً قد حدث ، وإلا لأتت في الموعد المحدد ، والتقت معه في السوق .
وبعد منتصف النهار ، لم يعد كويكو يحتمل الانتظار ، فترك السوق ، واتجه إلى كوخ آدزانومي ، وعلى مقربة من باب الكوخ ، رأى اويرهو مضطربة حائرة ، وما إن لمحته قادماً حتى أسرعت إليه ، وقالت : أين آدزانومي ؟ أخبرني .
وردّ كويكو قائلاً : هذا ما جئت لأعرفه ، لقد وعدتني أن تأتي اليوم إلى السوق ، لكنها لم تأتِ .
وأجهشت اويرهو بالبكاء ، وقالت من بين دموعها : لقد خرجت البارحة ، قبيل المساء ، من البيت غاضبة ، ولم تعد حتى الآن .
ونظر كويكو إليها ، وقال : قلتِ إنها خرجت غاضبة ، لماذا ؟
ورفعت عينيها الغارقتين بالدموع إليه ، وقالت بنبرة مذنبة : لقد وعدتها ، حين رأيتها لأول مرة ، أن لا أعيرها بأنها كانت حبة بطاطا ، لكن ..
وتمتم كويكو مذهولاً : حبة بطاطا !
وكفكفت اويرهو دموعها ، وقالت : لابد أنها ذهبت إلى الحقل ، الذي أخذتها منه .
وسارت في خطى واسعة ، متجهة إلى الحقل ، القريب من القرية ، وهي تقول : سأعتذر منها ، وستسامحني ، لابدّ أن تسامحني وإلا متّ .
وسار كويكو في أثرها ، دون أن يتفوه بكلمة ، حتى وصلا إلى الحقل ، وفجأة توقفت اويرهو ، وانحنت على الأرض ، ورفعت بيديها حبة بطاطا ، فيها ملامح آدزانومي ، فأجهشت في البكاء ، وهي تندب قائلة : بنيتي .. حبيبتي .. آدزانومي .. سآخذكَ معي إلى الكوخ .. وأبقيك إلى جانبي .. حتى النهاية .
وفوجئت اويرهو بكويكو ينقض عليها ، وينتزع حبة البطاطا منها ، ويضمها إلى صدره ، وهو يقول : لن أدعكِ تأخذينها ، لقد أخلفتِ وعدك لها ، وخنتها ، سآخذها معي ، لتبقى إلى جانبي ، في قريتي التي تقع وراء الجبال البعيدة .
واستدار كويكو ، وهو يضمّ إلى صدره حبة البطاطا ، التي تحمل ملامح آدزانومي ، وسار مبتعداً عن اويرهو ، حتى غاب عن الأنظار .

10 / 9 / 2016





صبية الغابة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أن أعدت الأم طعام الافطار ، همت أن تذهب إلى ابنتها بيتي ، وتوقظها من النوم ، لكنها توقفت مبتسمة ، فقد تناهى إليها تغريد ابنتها وأقبلت بيتي على من الغرفة المجاورة ، فهزت رأسها ، وقالت : لقد أنجبت بلبلة بدل أن أنجب طفلة .
وأقبلت بيتي على أمها ، وأعوامها الأربعة عشر ، تطل بهجة من ملامحها ، وراحت تدور راقصة ، ومغردة ، حول أمها ، فرفعت الأم يديها إلى رأسها ، وقالت : كفى ، يا بلبلتي ، لقد دخت .
وفتحت بيتي النافذة على سعتها ، وقالت : ماما ، إنه الربيع ، دعيه يدخل بيتنا .
ومدت أمها يديها إليها ، وعانقتها بحرارة ، وقالت : بنيتي ، أنتِ الربيع .
وخلال تناولهما طعام الافطار ، تناهت إليهما من الخارج ، مأمأة العنزات الثلاث ، فقالت الأم : العنزات الثلاث يطالبننا بالطعام .
ونهضت بيتي ، وهي مازالت تلوك لقمتها ، وقالت : هذا حقها ، سآخذها اليوم إلى غابة البتولا ، العشب هناك كثير ، وسأجعلها تأكل حتى تشبع .
والتمع برق في عيني الأم ، أضاء أياماً كاد يغطيها ظلام الأيام ، وتنهدت متمتمة : البتولا .
ثم نهضت ، وأعطت بيتي سلة ، وضعت فيها أرغفة خبز ، ومغزل وخيوط من الكتان ، وقالت : بنيتي ، املئي السلة بالغزل .
ولأن بيتي ليس لها ملكة مغزل ، فقد لفّت خيوط الكتان حول رأسها ، ثم أخذت السلة من أمها ، وهرولت تغرد فرحة ، وهي تسير خلف عنزاتها الثلاث إلى غابة أشجار البتولا .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
جلست بيتي تحت شجرة بتولا ، والعنزات الثلاث ترعى على مقربة منها ، وراحت تغزل الكتان ، وهي تغرد ، والغابة تردد صدى تغريدها .
وعند منتصف النهار ، توقفت بيتي عن النسج ، وجمعت بعض ثمار الفراولة ، وراحت تتناولها مع الخبز ، الذي أعطته لها أمها ، ثم نادت عنزاتها الثلاث ، وقدمت لكل واحدة منها قطعة من الخبز .
وعندما انتهت من غدائها ، هبت واقفة ، وانطلقت تغرد وترقص ، وأشعة الشمس تبتسم لها ، عبر الأوراق الخضراء لأشجار البتولا .
وفجأة توقفت بيتي مذهولة ، إذ رأت أمامها فتاة صغيرة في عمرها ، ذات جمال رائع ، ترتدي ملابس بيضاء ، وشعرها الذهبيّ ينساب على كتفيها ، وفوق رأسها اكليل من أزهار الغابة .
واقتربت الفتاة الغريبة من بيتي ، وابتسمت قائلة : رأيتك تغردين وترقصين ، يبدو أنكِ مثلي تحبين التغريد والرقص والفرح .
فهزت بيتي رأسها أن نعم ، فقالت الفتاة الغريبة : تعالي اذن نرقص ونغرد ونفرح معاً .
وعلى الفور ، وضعت الفتاة الغريبة يدها على خصر بيتي ، وراحت ترقص معها ، وهي تغرد ، وفي الأثناء صدحت موسيقى وتغريد رائعين ، ورفعت بيتي رأسها ، فرأت على الأغصان مجموعة من طيور الكروان والحسون والعنادل والقبرات .
وبعد حين ، توقفت الفتاة الغريبة ، ومعها توقفت الموسيقى ، وكما ظهرت الفتاة فجأة ، فجأة اختفت ، واختفت أيضاً جوقة الطيور المغردة .
وتلفتت بيتي حولها ، والشمس تميل إلى الغروب ، فرفعت مغزلها من على العشب ، ووضعته في السلة مع الكتان المغزول وغي المغزول ، ونادت عنزاتها الثلاث ، وقادتها عائدة بها إلى البيت .
آه لابد أن أمها ستؤنبها على تأخرها ، وكذلك لأنها لم تنتهِ من غزل الكتان ، كما اعتادت أن تفعل كلّ يوم ، وكلّ هذا بسبب الفتاة الغريبة ، وقررت أن لا تستمع إليها ، إذا رأتها مرة ثانية .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
مع غروب الشمس ، وراء الجبال البعيدة ، في ذلك اليوم ، وصلت بيتي إلى البيت ، حاملة سلتها ، وعنزاتها الثلاث تمشي متعبة أمامها ، وقد امتلأت ضروعها بالحليب .
ولمحت أمها تقف مقطبة بالباب ، ستؤنبها ، نعم ، وبشدة ، والحق معها ، فهي عادة تعود إلى البيت حوالي العصر ، وليس بعد غروب الشمس .
لكن الأم لم تُؤنبها ، وإنما أخذت العنزات الثلاث إلى الزريبة ، وحلبتها كما تفعل كلّ يوم ، ثم أعدت طعام العشاء ، وجلست مع بيتي تتناول الطعام ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة .
وبعد العشاء ، جلستا أمام الموقد ، ونظرت الأم إلى بيتي ، وقالت : أقلقتني اليوم ، لقد تأخرتِ .
ورفعت بيتي عينيها إليها ، وقالت : قد لا تصدقينني ، إذا قلتُ لك ، سبب تأخري .
وقالت الأم ، محاولة كتمان مشاعرها : سأصدقكِ ، يا بيتي ، أخبريني عن السبب .
ولاذت بيتي بالصمت ، فقالت الأم : إنني أصغي إليكِ ، يا بنيتي ، تكلمي .
وقالت بيتي : السبب هو فتاة في عمري . .
وحدقت الأم فيها متسائلة ، مستغربة ، فتابعت بيتي قائلة : ظهرت فجأة ، ترتدي ملابس بيضاء ، وعلى رأسها اكليل من أزهار الغابة ، فرقصت معي ، وأنستني الوقت ، ثم اختفت فجأة .
واتسعت عينا الأم ، ولمع فيهما برق غريب ، أضاء أياماً منسية من الماضي ، فنهضت من مكانها ، وقالت : أنتِ متعبة ، يا بنيتي ، اذهبي إلى فراشكِ .
ونهضت بيتي ، وتمددت في فراشها ، وقبل أن تغمض عينيها ، قالت لها أمها : ابقي غداً في البيت ، أنا سأرعى العنزات الثلاث .
وأوت الأم إلى فراشها هي الأخرى ، وقبل أن تستغرق في النوم ، تراءت لها فتاة صغيرة ، غريبة ، في عمر بيتي ، ترتدي ملابس بيضاء ، وتضع على رأسها ، اكاليل من أزهار الغابة .


" 4 "
ـــــــــــــــــــ
في وقت مبكر ، من صباح اليوم التالي ، وقبل الوقت الذي اعتادت بيتي ، الخروج فيه إلى المرعى ،
أخذت الأم العنزات الثلاث ، والسلة التي لم تضع فيها سوى أرغفة الخبز ، وانطلقت على جناح السرعة ، نحو غابة البتولا .
وطوال الطريق ، كانت أيام ربيعها المبكر ، تسير معها خطوة بخطوة ، وتسبقها أحياناً بشذاها ، وأغاريدها ، ورقصاتها المليئة بالحيوية والحياة .
وذات يوم ، من أيام ذلك الربيع ، ومثلما التقت بيتي بالفتاة الغريبة ، بملابسها البيضاء ، واكليل الأزهار على رأسها ، التقت هي الأخرى بالفتاة الغريبة نفسها ، وراقصتها حتى غروب الشمس .
وعندما عادت إلى البيت ، لم تكتفِ أمها بتأنيبها ، وإنما ضربتها بالمكنسة ، آه ما أطيب ضربات تلك المكنسة ، في ذلك الربيع البعيد .
وكما في الماضي ، جلست الأم تحت شجرة البتولا ، تنتظر الفتاة الغريبة ، نعم ، إنها ليست في عمر بيتي الآن ، لكن حنينها إلى ربيعها الأول ، جعلها بيتي أخرى ، تنتظر بلهفة ، تلك الفتاة الصغيرة الغريبة ، تحت شجرة البتولا .
ستأتي الفتاة الغريبة ، بملابسها البيضاء ، واكليل الزهر على رأسها ، فتضع يديها حول خصرها ، وترقص معها حتى غروب الشمس .
وأتى منتصف النهار ، وارتفعت الشمس فوق اشجار البتولا ، لكن الفتاة الغريبة لم تأتِ ، لا بأس ، لعلها تأتي بعد الظهر ، فالوقت مازال مبكراً ، وبينها وبين غروب الشمس ساعات كثيرة .
وتآكلت الساعات سريعاً ، ومالت الشمس للغروب ، دون أن تأتي الفتاة الغريبة ، فنهضت الأم من تحت شجرة البتولا ، ورفعت سلتها ، ثم نادت عنزاتها الثلاث ، وقفلت عائدة بهم إلى البيت .
ولاحت لها بيتي ، في أواخر أشعة الغروب ، تنترها بباب البيت ، وتراءى لها ربيعها الأول ، بيتي هي الربيع ، وسيبقى الربيع مادامت بيتي ربيعاً .
وبعد العشاء ، وهما جالستان قرب الموقد ، نظرت الأم إلى بيتي ، وقالت : بنيتي ، خذي العنزات الثلاث غداً إلى غابة البتولا ، وخذي معكِ السلة ، ولكن لا تضعي فيها سوى أرغفة من الخبز .

12 / 9 / 2016




الكذاب الأكبر


بعض الملوك ، في الحكايات ، يحبون القطط ، أو الكلاب ، أو الخيول ، أو الحروب ، أو الجواري ، لكن ملك حكايتنا هذه كان يحب الكذب .
ولحبه الشديد للكذب ، قرر هذا الملك ، أن يجري مسابقة لاختيار الكذاب الأكبر في مملكته ، ويقدم للفائز صندوقاً مليئاً بالذهب والجواهر واللؤلؤ ، أما الخاسر فينزل فيه أشدّ العقاب .
ورغم الطمع بالصندوق ، المليء بالذهب والجواهر واللؤلؤ ، إلا أن الخوف من العقاب الشديد ، جعل الناس جميعاً يترددون ، فلم يتقدم للمسابقة غير ثلاثة أشخاص فقط لا غير .
وفي اليوم المعين للسباق ، اتخذ الملك مجلسه في قاعة العرش ، وحوله جلست حاشيته ، ووقف بالقرب من الباب الحاجب ، وعدد من الحراس .
واعتدل الملك في جلسته على العرش ، وقال : والآن لنبدأ المسابقة ، ونختر الكذاب الأكبر .
وعلى الفور ، تقدم المتسابق الأول ، وانحنى للملك ، وقال : مولاي .
فحدق الملك فيه ، ثم قال : اكذب .
فقال المتسابق الأول : مولاي ، أفقت البارحة ، حوالي منتصف الليل ، وعصافير بطني تزقزق من الجوع ، ولأن زوجتي كانت نائمة ، ولم أشأ أن أوقظها لتعد لي
بعض الطعام ، ركبت حماري الطائر ، وذهبت إلى جزيرة واق واق ، وأكلت هناك سمكاً مشوياً ، ثم عدت إلى البيت ، فوجدت زوجتي ماتزال نائمة .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : هذا هراء ، إنني لا أرى فيما قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوه هو وحماره الطائر ، وانفوه إلى جزيرة واق واق .
وفيما أخذ الحراس المتسابق الأول إلى خارج القاعة ، تقدم المتسابق الثاني من الملك ، وانحنى له باجلال وتعظيم ، وقال : مولاي .
فنظر الملك إليه ، وقال : اكذب .
فقال المتسابق الثاني : مولاي ، عطشت عنزتي ، فأخذتها صباح اليوم إلى البحيرة ، وبشفطة واحدة شربت كلّ ما فيها من ماء ، ولم ترتوِ .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : أيها الأبله ، ليس فيما قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوا هذا الأبله ، وضعوه هو وعنزته في طوف ، وادفعوه وسط البحيرة ، لعله يتعلم شيئاً من الكذب .
وأخذ الحراس المتسابق الثاني إلى خارج القاعة ، فالتفت الملك إلى رجال حاشيته ، وقال : يا للأسف ، يبدو أن لا يوجد في مملكته كذاب واحد .
وهنا تقدم المتسابق الثالث ، وانحنى للملك بإجلال ، وقال : مولاي .
فنظر الملك إليه ، ثم قال : حسن ، اكذب .
وقال المتسابق الثالث بصوت مثير : عفو مولاي ، سأتكلم لكن لن تصدق كلامي ، وستقول لي على الفور ، أنت تكذب .
وقال الملك : هذا ما أتمناه ، تكلم .
فقال المتسابق الثالث بصوت هادئ : مولاي ، قبل أن ينتقل جلالة الملك والدكم ، إلى رحمة الله ، جاءه أبي في قاعة العرش هذه ، وأودع عنده جرة كبيرة مليئة بالليرات الذهبية .
ولم يتمالك الملك نفسه ، فهب من مكانه ، وصاح منفعلاً : أيها اللعين ، أنت تكذب .
ولاذ المتسابق الثالث بالصمت ، فقال الملك ، وهو يحاول أن يتمالك نفسه دون جدوى : أبوك اللعين ، ماذا كان يعمل ؟
فردّ المتسابق الثالث قائلاً بصوته الهادئ المثير : كان يعمل حمالاً ، يا مولاي .
وصاح الملك منفعلاً : حمال يملك جرة ..
وقال المتسابق الثالث : مليئة بالليرات الذهبية .
ومرة أخرى ، لم يتمالك الملك نفسه ، فصاح منفعلاً : أنت أكبر كذاب في ..
وصمت الملك ، وجلس مهزوماً على عرشه ، فتقدم المتسابق الثالث منه ، وقال : مولاي ، إذا كنتُ صادقاً ، فأعد لي الجرة المليئة بالليرات الذهبية ، التي أودعها أبي عند جلالة الملك والدكم ، أما إذا كنتُ أكبر كذاب ، فأعطني الجائزة .
وتناول الملك الصندوق ، ودفعه بشيء من الخشونة إلى المتسابق الثالث ، وقال : خذ جائزتك ، لكن لا تفتح الصندوق إلا في بيتك .
وأخذ المتسابق الثالث الصندوق ، وانحنى للملك ، وقال : أشكرك ، يا مولاي .
وأسرع المتسابق الثالث بالصندوق مبتعداً عن القصر ، وما إن دخل البيت ، حتى نادى زوجته فرحاً : تعالي ، لقد فزت بالصندوق ، وسأفتحه الآن .
وأمام عيني زوجته المترقبتين المتلهفتين ، فتح المتسابق الثالث الصندوق ، وإذا هو مليء .. بالحصى والحجارة والرمال .

13 / 9 / 2016




الفهرس
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحورية والصياد 2
2 ـ جنجل وجنيجل 4
3 ـ حكت لي أمي .. 6 4ـأبو داهي والدامية 10
5 ـ الثعلب الفراء 14
6 ـ فرط الرمان 17
7 ـ العوض على الله 20
8 ـ الحمامة البيضاء 22
9 ـ القدر 27
10 ـ تخريفات عجائز 33
11 ـ جحا الياباني 37
12 ـ الرجل القرش 41
13 ـ الفتاة ـ الغزالة 48
14 ـ آن الآوان 55
15 ـ السمكة 64
16 ـ الساحر 72
17 ـ طفل النبع 81
18 ـ لايلي النائمة 87
19 ـالساحر جحا وتيولنك 95
20 ـ فتاة البحيرة 103
21 ـ البجعة 110
22 ـ حورية البحر 117
23 ـ آدزانومي 127
24 ـ صبية الغابة 135
25 ـ الكذاب الأكبر 143








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح