الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات شعبية جنجل وجناجل

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 6 / 24
الادب والفن


الحورية والصياد

اصطاد الصياد ، ذات يوم ، سمكة كبيرة جميلة ، ورغم حاجته إلى المال لم يبعها ، بل بنى لها حوض ماء واسعاً ، ووضعها فيه .
وخرج الصياد ، في اليوم التالي ، إلى النهر ليصطاد السمك ، فنزعت السمكة جلدها ، وإذا هي حورية ، غاية في الرقة والجمال ، وفي الحال ، قامت بتنظيف البيت ، وترتيبه ، ثم ارتدت جلد السمكة ، وعادت إلى الحوض .
وعاد الصياد إلى البيت مساء ، ودهش بما رأى ، وازدادت دهشته حين تكرر هذا الأمر في الأيام التالية ، وتعمد أن يعود في أحد الأيام مبكراً ، وفوجىء بوجود الحورية ، وقد أعجب بها ، وطلب منها الزواج ، فوافقت وتزوجا .
ورآها أحد أتباع السلطان ، وبهره جمالها ، فأعلم السلطان بما رأى ، وأرسل السلطان في طلب الصياد ، وأراد أن يُعجزه ، ليجبره على طلاق زوجته فيتزوجها هو ، وطلب منه أن يأتيه برغيف خبز يكفيه هو وحاشيته .
وعاد الصياد إلى البيت مهموماً ، وحالما علمت زوجته بالأمر ، ذهبت إلى أختها في النهر ، فأعطتها رغيف الخبز ، وأخذ الصياد الرغيف إلى السلطان ، فطلب منه هذه المرة ، أن يأتيه بطفل لا يزيد عمره عن الشهر ، فيدخل عليه ، وينطق بالسلام .
وكما في المرة السابقة ، ذهبت الحورية إلى أختها في النهر ، فأعطتها ما أرادت ، وفي اليوم التالي ، دخل الصياد على الملك ومعه الطفل ، فقال الطفل للسلطان : السلام عليكم ، يا مولاي .
وتعجب السلطان مما رأى ، وسأل الصياد عن حكايته ، فقصها عليه من البداية حتى النهاية ، وحين أدرك السلطان مدى تعلق الزوجين أحدهما بالآخر، تراجع عن رغبته في الحورية ، وأكرم الصياد ، وجعله واحداً من حاشيته .


حكاية شعبية من الموصل ـ العراق










جنجل وجناجل

كان يا كان ، كان هناك خشفان صغيران ، اسم الأول جنجل ، واسم الثاني جناجل ، يعيشان مع أمهما الغزالة ، في كوخ وسط الغابة ، وكانت أمهما تخاف عليهما من الدامية ، وقد أوصتهما أن لا يفتحا الباب إلا عندما يسمعاها تردد : جنجل وجناجل ، افتحا لامكما الباب ، بقروني الحشيش ، لأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وخرجت الغزالة ذات يوم ، فجاءت الدامية ، ورددت ما تردده الغزالة قائلة : جنجل وجناجل ، افتحا لأمكما الباب ، بقروني الحشيش ، بأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وتملك جنجل وجناجل الخوف ، لكنهما ردا على الدامية قائلين : اذهبي ، أنتِ لستِ أمنا ، بل أنت الدامية ، لن نفتح لكِ الباب .
وحاولت الدامية كسر الباب ، لكنها لم تستطع ، فأسرعت إلى بيتها ، وشربت علبة مليئة بالحلو ، وقالت بصوت يشبه صوت الغزالة : جنجل وجناجل ، افتحا لامكما الباب ، بقروني الحشيش ، وبأثدائي الحليب ، وبفمي الماء .
وأسرعت جناجل إلى الباب لتفتحه ، فقال لها جنجل محذراً : جناجل ، لا تفتحي الباب ، هذا ليس صوت أمنا ، بل صوت الدامية .
وضحكت جناجل ، وقالت : أنتَ خائف ، حتى توهمت أن صوت أمنا هو صوت الدامية . وما إن فتحت جناجل الباب ، حتى اندفعت الدامية إلى الداخل ، وبلعت جنجل وجناجل ، ثم خرجت ، ومضت متثاقلة إلى بيتها .
كان الغراب يراقب ما حدث ، وهو واقف على شجرة تطل على بيت الغزالة ، فانطلق باحثاًعن الغزالة ، حتى وجدها ، وأخبرها بما جرى لجنجل وجناجل ، وأسرعت الغزالة إلى الحداد ، وحدت قرنيها عنده ، ثم أسرعت إلى الدامية ، وتصدت لها قائلة : لقد بلعتِ صغيريّ جنجل وجناجل ، تعالي نتناطح ، فإذا غلبتني ابلعيني كما بلعتِ صغيريّ ، وإن غلبتكِ شققتُ بطنكِ ، وأخرجت جنجل وجناجل .
ووافقت الدامية على ذلك ، وبدأ التناطح ، وبعد معركة طاحنة ، غلبت الغزالة الدامية ، وشقت بطنها ، فخرج جنجل وجناجل ، وأسرعا إلى أمهما فرحين ، واحتضنت الغزالة صغيريها ، وقالت :
أنا غزالة غزيلة
وكروني حديد
كلمن ياخذ أولادي
الكينة بالبرية




حكت لي أمي ..

ـ إنني رأيتُ الدامية ، رأيتها بعينيّ هاتين ، اللتين " سيأكلهما الدود غداً " .
هذا ما قالته لي أمي ، وطبعاً صدقتها ، صدقتُ أنها رأت الدامية ، ومن منا لا يصدق أمه ، وخاصة إذا كان في حدود الخامسة من العمر ؟
لا أذكر بالضبط ، ربما كانت الليلة شتائية ، وبيني وبين أمي منقل مليء بجمر الفحم الدفء ، عندما روت لي ما رأته ، ولابد أنني فتحتُ عينيّ على سعتهما ، وقلبي يخفق رعباً ، وكيف لا وأمي تتحدث عن الدامية ، التي رأتها بعينيها ، اللتين " سيأكلهما الدود غداً " ؟
كان بيت أهلي ، يقع في حي الميدان بالموصل ، القريب من نهر دجلة ، هكذا بدأت أمي حكايتها ، وكان لي صديقة مسيحية في عمري ، ألعب معها أحياناً في بيتهم ، الذي يطل على النهر مباشرة .
وذات يوم ، كنتُ ألعب وصديقتي ، في غرفة بالطابق الثاني من البيت ، تطل إحدى نافذتيها على النهر ، وتطل الأخرى على سلم حجري ، ينحدر إلى شاطئ النهر مباشرة .
ولسبب ما نهضتُ ، ونظرت عبر النافذة ، وسرعان ما تراجعتُ ، وأنا أشهق خائفة ، فأسرعت صديقتي إليّ ، قائلة : لا تخافي ، ما الأمر ؟
وأشرت إلى النافذة ، بأصابع مرتعشة ، وقلتُ بصوت يشي بخوفي : أنظري .
ونظرت صديقتي ، حيثُ أشرتً ، ثم ابتسمت ، وقالت : لا تخافي ، هذه الدامية .
وبدل أن " لا أخاف " ازداد خوفي ، وشهقت قائلة : الدامية !
وقالت صديقتي : نحن نراها هنا ، بين حين وآخر ، ويكفي أن ننقر على النافذة ، لتهبّ من مكانها ، وتلوذ بالفرار ، تعالي انظري .
وتقدمت من النافذة ، وقلبي مازال يخفق خوفاً ، ودققتُ النظر فيها جيداً هذه المرة ، يا للهول ، كانت امرأة ضخمة الجسم ، عارية ، شعرها الأسود الكث يغطي صدرها ، و ..
ونقرت صديقتي بأحد أصابعها على زجاج النافذة ، فهبت الدامية من مكانها مذعورة ، وألقت نفسها في الماء ، وسرعان ما اختفت في أعماق النهر .
هذه هي الدامية ، التي تقول أمي أنها رأتها بعينيها ، عندما كانت صغيرة ، وقد صدقتُ أمي ، وشعرت بالخوف من الدامية ، وتمنيتُ بيني وبين نفسي ، أن لا أراها كما رأتها أمي في صغرها .
وتحققت أمنيتي ، إذ لم أرَ الدامية ، وبالتأكيد لن أراها ، فهي لم ولن تكون موجودة إلا في حكايات الأطفال ، التي ترويها الجدات ، في ليالي الشتاء الباردة ، ولا أعتقد أن أحد الأطفال ، يمكن أن يصدق بوجودها الآن ، كما كان بعضنا يصدق ذلك في طفولته .



















أبو داهي والدامية

أبو داهي رجل في حوالي الأربعين ، شهم ، شجاع ، طيب القلب ، لا يتردد في غوث الآخرين ونجدتهم ، ولاسيما الأطفال والنساء ، مهما كانت الظروف ، وهذا للأسف ما أوقعه في حبائل الدامية .
يعمل أبو داهي ، وخاصة في أشهر الصيف ، في نقل الرقي والخيار والبطيخ ، من القرى الشمالية القريبة ، إلى مدينة الموصل ، بواسطة طوف " كلك " ينحدر به مع التيار ، في نهر دجلة .
وذات يوم ، قبيل غروب الشمس ، كان ينحدر بطوفه مع النهر ، في محاذاة الغابة ، فتناهى إليه من بين الأشجار ، صوت امرأة تستغيث به قائلة : دخيلك ، يا أبا داهي ، يا أبا الشهامة والغيرة ، إنني امرأة وحيدة ، أغثني .. أغثني .
ولأن أبا داهي " شهم ، وشجاع ، وأبو غيرة " ركن طوفه عند الشاطئ ، القريب من الغابة ، وأسرع إلى مصدر الصوت ، وإذا هو وجهاً لوجه مع امرأة ضخمة ، منفوشة الشعر ، شبه عارية ، ترى من تكون ، هذه ليست امرأة عادية ، يا للويل إنها ..الدامية .
واتسعت عيناه رعباً ، وخفق قلبه كعصفور تحاصره أفعى ، فابتسمت الدامية ، ومدت يديها نحوه ، وهي تقول : أهلاً بقسمتي ونصيبي ، أهلاً بزوجي .
وتراجع أبو داهي قليلاً ، وقال : لكن لي زوجة ، وهي تنتظرني في البيت مع الأولاد .
وتقدمت الدامية منه ، ويداها مازالتا ممدودتين نحوه ، وقالت : زوجتك الأولى في البيت ، وأنا زوجتك الثانية ، هنا في الغابة .
وهمّ أبو داهي أن يستدير ، ويلوذ بالفرار ، لكنه فجأة وجد نفسه أسير ذراعين قويين كأنهما الفولاذ ، وسرعان ما طرحته الدامية على الأرض ، ولحست أسفل قدميه بلسانها الخشن ، حتى صار لا يستطيع الوقوف ، أو الهرب من الغابة .
ورغماً عنه ، استسلم أبو داهي " للقسمة والنصيب " ، وصارت الدامية زوجته الثانية ، تسهر عليه ، وترعاه ليل نهار ، وتوفر له كلّ ما يحتاجه من طعام وشراب ، لكنه ظلّ يحن إلى بيته وأولاده وزوجته وأهله وأصحابه وجيرانه ، وراح يتحين الفرص للإفلات من الدامية ، والهرب إلى الموصل .
وذات ليلة مقمرة ، تمددت الدامية كالعادة إلى جانب " ابو داهي " ، وسرعان ما استغرقت في نوم عميق ، وراحت تشخر بصوت مرتفع ، واغتنم أبو داهي هذه الفرصة ، فزحف ببطء إلى الطوف ، وحلّ الحبل الذي يربطه بالشاطئ ، ثم انطلق به بسرعة ، منحدراً مع التيار إلى الموصل .
وأفاقت الدامية ، وكأن قلبها أعلمها بهربه ، فجن جنونها ، وبحثت عنه فيما حولها ، دون جدوى ، وعلى ضوء القمر ، رأت الطوف من بعيد ، ينحدر وسط النهر مع التيار ، وفي مقدمته يقف أبو داهي .
وعلى الفور ، راحت تركض على امتداد النهر ، وهي تصيح بصوت مذبوح : أبو داهي ، زوجي ، تمهل ، لا لاتتركني هنا وحيدة ، تعال ، إنني لا أحتمل الحياة بعيداً عنكَ .
لم يتمهل أبو داهي ، وواصل انحداره مع التيار بعيداً عنها ، فتوقفت غاضبة ، وراحت تهدد قائلة : لن تفلت مني ، أنت قسمتي ونصيبي ، وسأعيدك لتعيش معي في الغابة ، مهما كلفني الأمر .
لم ينسَ أبو داهي هذه التجربة ، التي عاشها في الغابة مع الدامية ، وظلّ طول حياته بعيداً عن الطوف والنهر ، خشية أن تفاجئه الدامية ، في مكان ما ، وتخطفه ليعيش معها في الغابة .






الثعلبُ الفرّاءُ

يُحكى أن ثعلباً ، ادعى في الغابةِ ، التي هاجرَ إليها ، بأنه فرّاءُ أباً عن جدٍ ، وأنَّ الفِراءَ التي يصنعُها ، لا مثيلَ لها في أيّ مكانٍ .
وعلمَ الأسدُ بالأمرِ ، وهذا ما أرادهُ الثعلبُ ، فأمرَ بإحضارهِ ، وسألهُ : ممَا تصنعُ الفِراءُ ؟
فردّ الثعلبُ : من جلودِ الحملانِ ، يا مولايَ .
فأمرَهُ الأسدُ قائلاً : اصنعْ لي فروةْ .
وانحنى الثعلبُ للأسدِ ، وقالَ : أمرُ مولايَ .
وصمتَ لحظةْ ، ثمّ قالَ : سأنجزُها خلالَ اسبوعٍ ، إذا ارسلتَ لي حملاً ، صباحَ كلّ يومٍ .
وصباحَ كلّ يومٍ ، خلالَ سبعةِ أيامٍ ، راحَ الأسد يُرسلُ حملاً إلى الثعلبِ ، وفي نهايةِ الأسبوع ، عرفَ الأسدُ بأنّ الفروةَ لمْ ولنْ تنجزَ ، بلْ إنّ الثعلبَ نفسهُ ، تركَ الغابةَ ، ولاذَ بالفرارِ .
وعلى الفور ، أرسلَ الأسدُ من جاءَهُ بالثعلبِ ، وألقاهُ ذليلاً بينَ أقدامهِ ، فصاحَ الأسدُ : أيها اللقلقُ .
وحضرَ اللقلقُ ، وقالَ : مولايَ .
فأمرَهُ الأسدُ قائلاً : خذْ هذا الثعلبَ الكذابَ ، وطرْ به إلى أعلى ما تستطيعُ ، والقهِ من هناكَ .
وقالَ اللقلقُ ، وهو يطبقُ على الثعلبَ بمنقارهِ : أمرَ مولايَ .
وتوسلَ الثعلبُ بالأسدِ أن يسامحهُ ، ويعفو عنه ، لكنْ دون جدوى ، وحلقَ اللقلقُ بالثعلبِ ، وطارَ به عالياً .. عالياً ، ثمّ سألهُ : كيفَ ترى الأرضَ ؟
ونظرَ الثعلبُ إلى الأرضِ خائفاً ، وقالَ : أراها مثلَ صينيةِ الطعامِ .
فطارَ اللقلقُ عالياً .. عالياً .. عالياً ، ثمّ سألهُ : الآنَ ، كيفَ تراها .
فردّ الثعلبُ مرعوباً : أراها مثلَ طبقِ الطعامِ الصغيرِ .
عندئذٍ ألقاهُ اللقلقُ ، وهو يقولُ : اذهبْ ، وكلْ من هذا الطبقِ .
وهوى الثعلبُ من ذلكَ الارتفاعِ الشاهقِ ، وهو يدعو قائلاً : يا ربي وقعني على فروة راعي
لا ينكس كراعي
ووقعَ الثعلبُ بالفعلِ على فروةِ راعي ، كانَ يرعى قطيعَ غنمهِ في ذلكَ المكانِ من الحقلِ ، ولم ينكسرْ اكراعه ، فالتفّ بالفروةِ ، المصنوعةِ من فراءِ الحملانِ ، ومضى بها إلى بيتهِ .

ـ روتها لي ، وأنا صغير ، زوجة عمي ، وكانت من ريف نينوى ـ العراق






فرط الرمان

تمنى ملك ، أن يرزقه الله ولداً ، وقال إذا كبر ، سأجري ساقيتين ، الأولى عسلاً ، والثانية دهناً .
ورزق ولد ، سماه نور الزمان ، وأجرى ساقيتين عسلاً ودهناً ، وملأ الناس جرارهم ، وجاءت أخيراً امرأة عجوز ، واستقطرت ما بالساقيتين في جرتها ، فصوب نور الزمان سهماً ، وكسر جرتها .
ودعت العجوز على نور الزمان ، أن يقع في حب الأميرة فرط الرمان ، وخرج الأمير يبحث عنها ، حتى وصل كوخاً ، فيه شيخ ، فأخبره إنها في مملكة السعلاة ، وذهب إلى السعلاة ، فرضع من ثديها وهي نائمة ، وقال لها ، إنه صار كأحد أولادها .
ودلته السعلاة على قصر أخيها الغول ، وأعطته خاتمها ، وذهب إلى الغول ، فدله على قصر الأميرة فرط الرمان ، فوق الجبل العظيم .
وقال له الغول : قف تحت شباك القصر ، ونادِ
يا فرط الرمان
اسحبي المشتاق ، الذي جاء من واق .. واق
إذا مالت شعرها لك ، فتسلق به إليها وإلا سيأتي والداها فيقتلانك .
وصل نور الزمان القصر ، ونادى فرط الرمان ، وفتحت الشباك ، ودلت شعرها ، وسحبته إليها ، أحبته فرط الرمان ، وأخبرته أن الغولان خطفاها ، وربياها كأبنتهما، وجاء والداها ، فحولته إلى مكنسة ، ووضعته وراء الباب ، وتشمما ما حولهما ، وقالا : إننا نشم رائحة بني آدم .
فقالت فرط الرمان : هذه رائحة إحدى ضحاياكما من البشر .
خرج الغولان في صباح اليوم التالي ، وأعادت فرط الرمان الأمير إلى حالته الأولى ، ونزل الأمير نور الزمان ، والأميرة فرط الرمان ، وامتطيا الحصان ، ولاذا بالفرار .
ولحق بهما الغولان ، عندما عرفا بهربهما ، فحولت الأميرة فرط الرمان نفسها إلى منارة ، يقف فوقها الأمير للآذان ، فسأل الغولان المؤذن عن الأمير والأميرة ، فقال إنه لم يرهما .
وعاد الأمير نور الزمان إلى والديه الملك والملكة ، ففرحا به ، وكذلك الناس ، الذين ظنوا أنه مات ، وبعدها أقيمت الاحتفالات ، وتزوج الأمير نور الزمان ، الأميرة فرط الرمان ، وعاشا عيشة سعيدة .

عن نصين عراقيين ، الأول " فتيت الرمان " لكاتب من الموصل ، يوسف أمير قصير ، والثاني " فرط الرمان " لكاتب من بغداد هو " كاظم سعد الدين " .




العوض على الله

ذهبت سلمى الصغيرة إلى السوق ، واشترت شيئاً من العسل ، وضعته في قارورة صغيرة ، وعند الباب رأتها جارتهم العجوز ، ونظرت إلى قارورة العسل ، وقالت : أريد أن أتذوق هذا العسل .
لم تلتفت سلمى إلى المرأة العجوز ، لكنها لم ترتح للهجتها ، وقبيل منتصف النهار اختفت القارورة ، فذهبت إلى القاضي ، ووجدته يلعب مع قط صغير جميل .
قالت سلمى : أيها القاضي ..
وقاطعها القاضي قائلاً ، وهو يداعب قطه : أوجزي ، فأنا كما ترين مشغول .
قالت سلمى : اشتريت قارورة عسل .
قال القاضي : تحليت .
وقالت سلمى : اشتهتها جارتنا العجوز .
وقال القاضي : ومن لا يشتهي العسل ؟
وقالت سلمى : وقبل منتصف النهار اختفت قارورة العسل .
فقال القاضي : سبحان الله .
فقالت سلمى : أريد حقي .
وداعب القاضي قطه الصغير المدلل ، وقال : العوض على الله .
وخرجت سلمى من عند القاضي غاضبة ، ما العمل ؟ لقد لجأت إلفى القاضي لينصفها ، فلم يقدم لهم غير " العوض على الله " .
قبيل العصر ، اختفى القط الصغير المدلل ، وجنّ القاضي ، ما العمل ؟ ورغم كل شيء ، ذهب إلى سلمى ، وقال لها : سلمى ، لقد اختفى قطي المدلل ، سأجن يا سلمى .
فقالت سلمى ببرود : عوضك على الله .
ونظر القاضي إلى سلمى ، وقال : ألقينا القبض على جارتكم العجوز ، واعترفت بأنها هي التي سرقت قارورة العسل .
ونظرت سلمى إليه ملياً ، ثم قالت : عد إلى بيتك ، أيها القاضي ، وسيأتيك قطك مساء .











الحمامة

منذ خروجها من البيضة ، والشيخ حامد يعتني بهذه الحمامة البيضاء ، ولأن أمها المسكينة ، أكلها القط الأسود ، صار هو له أماً .
كان يزقها من فمه ، كما تزق الحمامة الأم صغيرتها ، حتى كبرت ، وتعلمت الطيران ، وراحت تدور فوق الحقول المجاورة ، ثم تعود إلى الشيخ .
ومرض الشيخ ، واشتد مرضه ، وحاول ابنه وزوجة ابنه معالجته ، دون جدوى ، وضعفت قواه ، حتى أوشك على الهلاك .
وذات صباح ، قالت الزوجة الطيبة ، على مسمع من الحمامة : لو إنني أعرف دواء لعلاجه ، لجلبته له ، مهما كان الثمن .
وعلى الفور ، طارت الحمامة البيضاء ، طارت بعيداً ، ومع غروب الشمس عادت متعبة ، وفي منقارها حزمة صغيرة من العشب .
وما إن رآها الزوج ، ورأى العشب الذي في منقارها ، حتى استبد به الغضب ، فأخذ العشب منها ، وألقاه جانباً ، وصاح بها : أيتها اللعينة ، هذا عشب سام ، اذهبي من هنا وإلا قتلتك .
وأطرقت الحمامة رأسها ، ثم خرجت ، وحلقت بعيداً ، وفي اليوم التالي ، سأفر الزوج إلى قرية بعيدة ، وقال لزوجته : اهتمي بأبي حتى أعود .
واعتدل الشيخ بصعوبة في فراشه ، وقال لزوجة ابنه : هاتي العشب ، الذي جات به الحمامة .
وجاءت الزوجة الشابة بالعشب ، فقال الشيخ بصوت واهن : اغليه ، أريد أن أشربه .
واتسعت عينا الزوجة الشابة خوفاً ، وقالت : لمنه عشب سام .
فصاح الشيخ حامد بصوت مرتعش : اغليه ، لا أريد أن أعيش بعد أن طردت حمامتي .


" 2 "
ــــــــــــــــــــ
وأحضرت الزوجة الشابة ، العشب الذي جاءت به الحمامة البيضاء ، وقطعته ، ووضعته قي قدر ، وجعلته يغلي ، حتى أصبح كالحساء .
وقدمته إلى الشيخ المريض ، فاحتسى منه قليلاً ، وتمدد ينتظر ، لكنه بدل أن يموت كما أراد ، صار ـ ويا للعجب ـ شاباً في مقتبل العمر .
وعاد الزوج ، وفوجئ بشاب يجلس في محل أبيه ، فنظر إلى زوجته غاضباً ، وقال : أين أبي ؟
وأصيبت الزوجة بالخرس ، فقال الشيخ ـ الشاب : أنا أبوك ، يا بنيّ .
والتفت الزوج إلى زوجته ، وسألها ثانية : أين أبي ؟ أخبريني وإلا ..
وأشارت الزوجة بيد مرتعشة إلى الشيخ ـ الشاب ، وقالت : هذا هو أبوك .
واقترب الزوج منها ، وهو يصيح : أبي كان شيخاً ، فكيف صار شاباً ؟
وهمت أن تجيبه ، فانقض عليها يريد قتلها ، فهربت مولولة ، ولاذت ببيت أحد الجيران ، فأغلق الزوج الباب ، وذهب إلى اخوتها ، وأخبرهم بما جرى .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
حضر اخوتها غاضبين ، وهموا بمعاقبة أختهم ، فقالت باكية : لم أخطئ ، أراد الشيخ أن أغلي العشب فغليته ، وما إن شرب منه حتى صار شاباً .
لم يصدقها أحد ، فقال الجار الذي لاذت به : هاتوا شيخاً ، وليشرب من هذا الحساء ، من يدري ، لعل المرأة المسكينة صادقة .
وعلى الفور ، جاءوا بامرأة عجوز ، وشربت من الحساء ، وإذا بها تصبح صبية في مقتبل العمر ، دهش الجميع ، وعرفوا أن الزوجة صادقة .
ونظرت الصبية العجوز إلى الشيخ ـ الشلب ، وقالت مذهولة : حامد !
وحدق الشيخ الشاب فيها مذهولاً ، وقال : حمدية !
واقترب منها ، وقال ، والجميع ينظرون إليه مذهولين :
لقد حرمت سابقاً من الزواج بك ، فلنتزوج الآن .
وهذا ما حدث ، وهكذا انتهت الحكاية ، وعاشا عيشة سعيدة ، أما الحمامة ، فبعد أن عرفت بما جرى ، عادت إلى صاحبها الشيخ ـ الشاب حامد ، ففرح بعودتها أشد الفرح .

عن حكاية تركمانية من العراق














القدر

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
أرق الملك ذات ليلة ، فخرج متنكراً من قصره ، وراح يتجول وحده في المدينة ، حتى وصل حيّاً لا يسكنه غير الفقراء والمعدمين .
ومن أحد البيوت الفقيرة ، خرج شيخ يشع النور من وجهه ، وملابسه بيضاء كلها ، وكذلك عمامته ، وكأنها منسوجة من شعاع القمر .
وحدق الملك فيه متعجباً ، وقال : لم أرَ شيخاً مثلك في مملكتي من قبل .
فابتسم الشيخ ، وقال : أنت ترى الآن .
وتساءل الملك : من أنت ؟
فردّ الشيخ قائلاً : أنا القدر .
وصمت لحظة ، ثم قال : رُزق صياد السمك بولد ، فكتبت قدره على جبينه .
وقال الملك : وماذا يمكن أن تكتب ؟ إنه ابن صياد سمك ، فلن يكون ، حين يكبر ، إلا صياد سمك .
وسار الشيخ مبتعداً ، وهو يقول : بل سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
ووقف الملك مذهولاً يتمتم : ابنتي ! هذا محال .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
بعد اسبوع ، رزقت زوجة الملك بطفلة جميلة ، وصُعق الملك ، وتراءى له الشيخ ـ القدر يقول له أمام بيت صياد السمك : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
وهبّ من مكانه صارخاً : هذا محال .
واستدعى جلاده في الحال ، ودله على بيت صياد السمك ، وأمره قائلاً : خذ ولدهم الصغير ، واذبحه في الغابة ، وجئنِ بشيء من دمه .
وانحنى الجلاد للملك وقال : أمر مولاي .
ولم يهدأ للملك بال ، حتى عاد الجلاد من الغابة ، ومه شيء من الدم ، قدمه للملك ، وقال بصوت مضطرب : هذا دمه ، يا مولاي .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
مرت السنون ، وكبرت الأميرة ، حتى تفتحت شابة جميلة ، كما تتفتح الزهرة الفواحة ، وغدت في سنّ تؤهلها للزواج .
وكان الملك يأمل أن يزوجها أميراً ، من عائلة ملكية ، تدعم حكمه ، وتقوي مملكته ، في مواجهة الممالك العدوة ، التي تحيط بمملكته .
وذات يوم ، خرج الملك للصيد في الغابة ، ومعه عدد من الحرس والمرافقين ، من بينهم الجلاد ، وأبقى وزيره المخلص نائباً له على الحكم في غيابه ، كما أوصى المربية العجوز ، أن ترعى الأميرة الشابة ، وتحرص على راحتها ، حتى يعود .
وتوغل الملك وحرسه في الغابة ، وراء الطرائد وخاصة الغزلان ، وفي اليوم الثالث ، وقد توغلوا كثيراً في إعماق الغابة ، رأى حطاباً كبير السن ، أسود البشرة ، ومعه شاب وسيم ، أبيض البشرة .
وتوقف الملك محدقاً في الشاب ، وقال للملك : أيعقل أنّ هذا الشاب ابنك .
ورد الحطاب العجوز متلعثماً : إنه في الحقيقة ليس ابني ، ولكني ربيته كابني .
وقال الملك ، وهو مازال يحدق في الشاب : لا أفهم .
فقال الحطاب العجوز : منذ سنين ، سنين عديدة ، جاء رجل إلى هذا المكان ، ومعه طفل يريد أن يذبحه ، ولكن بدل أن يذبحه أعطاه لي .
وأشار الملك إلى الجلاد ، وقال : أهذا هو الرجل ؟
ولاذ الحطاب بالصمت ، فتقدم الجلاد من الملك ، وانحنى بين يديه ، وقال : الأمان ، يا مولاي .
فقال الملك : لك الأمان ، تكلم .
ورمق الجلاد الشاب بنظرة سريعة ، وقال : كان طفلاً بريئاً ، يا مولاي ، فلم أستطع ذبحه ، وذبحت بدله أرنباً برياً ، وجئتك بدمه .
وهمهم الملك ، وقد امتقع وجهه ، وتراءى له القدر ـ الشيخ يقول : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد اسبوع .

" 4 "
ـــــــــــــــــــــ
كتب الملك رسالة إلى وزيره ، وطلب من الشاب ، أن يحملها إليه على جناح السرعة ، وعلى جناح السرعة ، ركب الشاب حصانه ، وانطلق به إلى الوزير ، حاملاً معه رسالة الملك .
وعند منتصف الليلة التالية ، وصل الشاب على حصانه قصر الملك ، لم يكن الوزير موجوداً ، فاستقبلته الأميرة ومربيتها العجوز ، فأخذتا منه الرسالة ، وقرأتها الاميرة خفية ، فهالها مضمونها .
وتساءلت المربية العجوز : ماذا يقول الملك للوزير ، يا سيدتي ؟
فردت الأميرة قائلة : يقول له ، عندما تصلك رسالتي ، اقطع رأس حاملها فوراً .
وشهقت المربية العجوز هلعاً ، وقالت : يقطع رأس هذا الشاب ؟ يا للهول .
وأمسكت الأميرة الرسالة ، وقالت ، وعيناها الجميلتان تلمعان : سأغيرها .. وسأتزوجه .
وصاحت المربية العجوز : ماذا !
فقالت الأميرة : هذا الشاب قدري .

" 5 "
ــــــــــــــــــ
عاد الملك من الصيد ، وفوجئ بالقصر يتلألأ بالأفراح ، وأقبل الوزير يستقبله ، وفي أثره أقبلت الأميرة والشاب ، ويد كل منهما في يد الآخر ، وقد غمرهما الفرح الشديد .
وهمس الملك للوزير غاضباً : ماذا فعلت !
فردّ الوزير قائلاً : ما طلبته مني في رسالتك بالضبط ، يا مولاي .
واقترب الملك من الأميرة ، وقال : بنيتي ..
وقاطعته الأميرة قائلة : كلّ وقدره ، وهذا قدري ، يا أبي ، أرجوك باركني .





تخريفات عجائز !

على عادته ، خرج الحطاب الفتي إلى الغابة ليحتطب ، لكن وعلى غير عادته ، قال لأمه العجوز : قد أتأخر اليوم ، يا أمي .
ولحقت به أمه حتى الباب متسائلة : لماذا !
فرد قائلاً : سأتوغل اليوم في الغابة .
وشهقت أمه قائلة : حذار ، يا بنيّ ، فأعماق الغابة مسكونة .
وضحك الحطاب الفتي ، دون أن يلتفت إلى أمه ، وهو يقول : هذه تخريفات عجائز .
وتوغل الحطاب الفتي في الغابة ، توغل كثيراً ، وكلما تذكر تحذير أمه العجوز ، ابتسم ، وقال في نفسه : " تخريفات عجاز " .
وتعثر الحطاب الفتيّ ، وتهاوى حتى ارتطم رأسه بالأرض ، وسقط فأسه بعيداً عنه ، ونهض مبتسماً ، وهو يقول في نفسه : لو رأتني أمي العجوز ، لقالت لي ، ألم احذرك ؟ و ..
وفجأة رأى دبة فتية ، تسير أمامه ، وبين ذراعيها دب رضيع ، وهزّ رأسه ، من أين جاءت هذه الدبة الفتية ، ومعها صغيرها الرضيع ؟
وسمع الدبة الفتية ، تخاطب صغيرها الرضيع : ها قد وصلنا كوخ جدك وجدتك .
وعلى الفور ، ظهر كوخ صغير بين الأشجار ، وبدل الدبة الفتية وصغيرها الرضيع ، رأى الحطاب الفتيّ ، امرأة فتية تحمل طفلاً رضيعاً بين يديها ، وتمضي إلى داخل الكوخ .
وجنّ جنون الحطاب الفتي ، إن الغابة مسكونة فعلاً ، واندفع إلى داخل الكوخ ، وإذا رجل عجوز وامرأة عجوز ، يرحبان بالمرأة الفتية ، فقال الرجل العجوز متهللاً : يا أهلاً ، ويا مرحباً ، بابنتنا العزيزة .
وأخذت المرأة العجوز الطفل الرضيع بين ذراعيها ، وهي تقول فرحة : آه .. ما أجمله .. ما أجمله .. إنه صورة من أبنتنا العزيزة .. أمه .
واندفع الحطاب الفتيّ إلى العجوزين ، وقال : انتبها ، أيها الجدان ، انتبها ، هذه ليست ابنتكما ، انها دبة ، رأيتها بعيني هاتين ..
وقاطعه الرجل العجوز قائلاً : ماذا تقول ! أنت رجل غريب ، لا تعرفنا ولا نعرفك .
وقالت المرأة العجوز : هذه ابنتنا ، تزوجت قبل أكثر من سنة في القرية ، وهذه زيارتها الأولى لنا .
ورفع الحطاب الفتيّ فأسه ، وانقض على الفتاة الشابة ، وضربها على رأسها ، وهو يقول : بل هي شبح ، لا يؤثر فيها حتى الفأس ، انظرا ..
وصدم الحطاب الفتي ، حين رأى الدم ينبثق كالنبع من رأس الفتاة الفتية ، وسمعها تصرخ متوجعة ، وتتهاوى على الأرض .
وجنّ جنون الزوجين العجوزين ، فلطمته العجوز على صدره ، وطارده العجوز بهراوة ضخمة ، فاندفع هارباً من الكوخ ، وصيحات العجوزين تطارده .
وتعثر الحطاب الفتيّ ، وتهاوى حتى ارتطم رأسه بالأرض ، ونهض على الفور ، خشية أن يدركه الرجل العجوز ، بهراوته الضخمة القاتلة .
وتوقف مذهولاً ، وتلفت حوله مراراً ، عجباً ، لا أثر للعجوزين ، ولا للمرأة الفتية وصغيرها الرضيع ، أو للدبة الفتية وصغيرها الرضيع ، بل لا أثر للكوخ الصغير نفسه .
واستدار الحطاب الفتيّ ، آه هذه ليست تخريفات عجائز إذن ، وعلى الفور انطلق عائداً من حيث أتى ، ولو حدث ابنه ، في شيخوخته عما رأى ، ربما قال : " هذه تخريفات عجائز " .



ـ عن حكاية من التراث الياباني .




جحا الياباني

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
نحن لا نؤمن بالحلول ، على العكس من بعض اليابانيين ، وبحسب استاذ في " الحكايات الشعبية العالمية ، من هيروشيما في اليابان ، حلت روح جحا البغدادي ، في شخص ولد في قرية يابانية قريبة من طوكيو ، قبل مئات السنين .
ولأن جحا هو جحا ، في كلّ زمان ومكان ، وقد عرفناه في العراق وتركيا والصين و .. و .. و .. تعالوا نراه في اليابان القديمة ، تعالوا نرَ .. جحا الياباني .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
ذات ليلة شتائية باردة ، جلس جحا الياباني في كوخه ، إلى جانب موقد تشتعل فيه نار ، تشيع الدفء في الكوخ ، وفي حضنه هرّه العجوز .
كان جحا الياباني وحده في الكوخ ، يتمتع بالدفء والأمان ، لكن ، في الخارج ، كان هناك لص فتيّ ، يراقبه من شقّ صغير في الباب .
وعلى عادته ، راح جحا يتحدث إلى هره العجوز ، ويودعه سره ، فهو ليس مجنوناً ، ليحدث غير هره العجوز ، ويودع لديه سره ، وأي سرّ .
وبصوت لا يكاد يُسمع ، قال جحا : اسمع أيها الهر العجوز ، اسمعني جيداً ، ولا تخبر أحداً ، ولا حتى زوجتك ، التي رحلت في شتاء العام الماضي ، ما سأقوله لك الآن ، فهو سرّ حياتي .
وصمت جحا الياباني ، ثم قال بصوت أشد خفوتاً : لؤلؤتي الغالية ، التي ورثتها عن جدي ، حرامي بغداد ، هذا ما تقوله جدتي ، سأضعها فب صندوق صغير ، وأدفنها في أرضية الكوخ ، وأغطيها بالبساط .
ورفع الهر العجوز رأسه محدقاً فيه ، فصمت لحظة ، ثم قال : لست أحمق ، يا هري العجوز ، لقد أوصيت اللؤلؤة ، أن تصير فأرة وتلوذ بالهرب ، إذا جاءها لص ، وأراد أن يأخذها .
ونام جحا الياباني مطمئناً تلك الليلة ، فلم يسمع حديثه إلى الهرّ العجوز ، سوى الهرّ العجوز ، فمن أين له أن يعرف ، أن اللص الفتيّ اللعين ، سمع ما قاله ، وهو يرتجف من البرد خارج باب الكوخ ؟




" 3 "
ـــــــــــــــــــ
عاد جحا الياباني من رحلته ، بعد بضعة أيام ، ودخل كوخه متلهفاً لرؤية لؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن جده " حرامي بغداد " .
واستقبله هره العجوز مرحباً : ميو .
وربت جحا الياباني على رأسه ، وقال : آه هري العزيز ، تعال نستخرج اللؤلؤة .
ورفع البساط على عجل ، وعلى عجل استخرج الصندوق من أرضية الكوخ ، ونفض عنه الغبار ، آه هنا تستقر لؤلؤته آمنة مطمئنة ، وقال لهره العجوز : انظر ، سأفتح الصندوق ، وسترى لؤلؤتي الغالية ، التي ورثتها عن جدي حرامي بغداد .
وفتح جحا الياباني الصندوق الصغير ، وبدل لؤلؤته الغالية ، رأى فأرة صغيرة ، ما إن رأته ، حتى قفزت هاربة من الصندوق .
وفغر فاه وتمتم مذهولاً : لؤلؤتي !
وتقادحت عينا الهر العجوز ، وتذكر أنه لم يتذوق فأرة منذ أشهر عديدة ، ومدّ جحا يديه نحو الفارة للامساك بها ، وقال : مهلاً يا لؤلؤتي ، أنا لستُ لصاً ، أنا جحا ، صاحبك جحا .
لكن الفأرة الصغيرة لم تلتفت إلى كلامه ، وانطلقت مذعورة ، وكادت تجتاز عتبة باب الكوخ ، لكن الهرّ العجوز ، كان لها بالمرصاد ، فوثب عليها ، وأمسكها بين أسنانه ، فصاح به جحا الياباني : تمهل ، يا هري ، لا تبلعها ، إنها لؤلؤتي .
لكن الهر العجوز ، على عادته ، لم يتمهل ، وابتلع الفأرة الصغيرة ، وغيبها في جوفه ، الذي لم تزينه فأرة منذ أشهر عديدة .
وتوقف جحا الياباني مذهولاً ، يكاد يبكي ، فلؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن جده حرامي بغداد ، ضاعت إلى الأبد ، ابتلعها هره العجوز الأرعن .
والتمعت عيناه ، حين أبرقت فكرة في رأسه ، فمدّ يديه ، وأخذ هره العجوز إلى صدره ، إن لؤلؤته الغالية في مكان أمين ، لن يصل إليها إي حرامي ، حتى لو كان من بغداد ، وتمتم فرحاً : آه ، يا لحمقي ، كيف لم أفكر في هذا منذ البداية ؟ 20 / 6 / 2016










الرجل القرش

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ صغرها ، أغرمت كالي بتناول المحار ، الذي كان أبوها ، صياد السمك الماهر ، يصطاده لها من شواطىء البحر .
وكبرت كالي ، وصاحبت أباها بين فترة وأخرى ، عند خروجه لصيد السمك في البحر ، ولم يكن يفوته أن يصطاد لها بعض المحار ، وهذا ما تعلمته منه ، وراحت تساعد أباها فيه .
وخرج أبوها وحده ، ذات يوم ، وتوغل في البحر ، حتى غاب قاربه عن الشاطئ ، وغابت الشمس ، في ذلك اليوم ، وعاد الصيادون بقواربهم من البحر ، لكن أباها لم يعد ، وسرعان ما عرفت بأنه لن يعود ، لقد فتك به أحد القروش .
لكن هذا لم يمنعها من الذهاب إلى الشاطئ ، واصطياد المحار ، فقد علمها أبوها صيد المحار ، وكذلك السباحة في البركة ، ذات المياه العذبة .
وقد انتبه الرجل القرش ، إلى الفتاة الفتية الجميلة ، كالي ، ذات البشرة البنية اللامعة ، وهي تتردد على البركة ، وتسبح فيها ، وكأنها سمكة نشيطة ، فراح يتردد هو الآخر على البركة .
وذات يوم ، أقبلت كالي على الحوض ، ووقفت كعادتها في أعلى الصخرة ، وقفزت برشاقة وخبرة إلى الماء ، ورآها الرجل القرش ، وهو عند مدخل الحوض المتصل بالبحر ، وتوقف مذهولاً .
لم يدخل الرجل القرش إلى الحوض ، بل دار حوله ، وعند الشاطئ ، تحول إلى شاب ، لا يقلّ وسامة عن كالي ، وبقي واقفاً هناك .
وخرجت كالي من الحوض ، واتجهت إلى الشاطئ ، لتصطاد بعض المحار ، وفوجئت بشاب غريب ، وسيم ، بادي القوة ، يقف على الرمال .
وتوقفت كالي مترددة ، ثم قالت : يبدو أنك .. غريب .
فقال الشاب : نعم ، لست من هنا .
وصمت لحظة ، ثم قال : أنت وحدك على هذا الشاطىء المنعزل ، ألا تخافين ؟
وهزت كالي رأسها ، ثم قالت : إنني أحب المحار ، وآت لاصطياده من هنا .وتقدم الشاب ، وخاض في المياه الرقراقة ، وهو يقول : تعالي ، سأساعدك في الصيد ، إذا سمحتِ .
لم تنطق كالي بكلمة ، لكنها سرعان ما راحت تصطاد المحار معه ، حتى تجمع عندها كمية كافية ، فتوقفت ، وقالت للشاب : هذا يكفي ، أشكرك .
وأخذت كالي المحار ، الذي جمعه لها الشاب ، ووقفت على الشاطئ ، فقال الشاب : تذكريني عندما تأكلين هذا المحار .
ابتسمت كالي ، وقد تورد خداها اللامعان ، لكنه لم ترد ، بل استدارت ، ومضت نحو القرية ، ولبث الشاب على الشاطئ ، ينظر إليها ، حتى غابت .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
في اليوم التالي ، ورغم شدة الريح ، قصدت كالي الحوض ، ووقفت متلفتة على الصخرة العالية ، ثم قفزت بخفة ورشاقة إلى الماء .
وحين أطلت برأسها من الماء ، فوجئت بالشاب يقف على حافة الحوض ، وعيناه الشابتان المحبتان ، تتطلعان بلهفة إليها .
وخرجت كولي من الحوض ، وقطرات الماء للتلألأ كاللؤلؤ على جسمها البنيّ اللامع ، فقال الشاب : الأمواج عالية اليوم ، يا كالي .
وابتسمت كالي ، وقالت : أنا سباحة ماهرة .
ونظرت إليه ، وقالت : أنت تعرف اسمي .
فقال الشاب : سمعت إحدى صديقاتك تناديكِ .
ثم سار أمامه باتجاه الشاطىء ، وهو يقول : تعالي نجمع بعض المحار .
ولحقت كالي به ، وسارت إلى جانبه صامتة ، وسرعان ما انهمكا في جمع المحار ، حتى توقف كالي ، وقالت :
هذا يكفي اليوم .
وخرج الشاب من الماء ، وقال : ربما لن يكفي ، لو أكلتُ معكِ .
ونظرت كالي إليه ، وهي تخرج من الماء ، وقالت : تعال إلى بيتنا ، وكل معي ، أمي سترحب بك .
ابتسم الشاب ، وقال : أشكرك .
ثم نظر إليها ، وقال بصوت هادئ : غداً نأكل معاً ، هنا على شاطئ البحر .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
على شاطئ البحر ، في اليوم التالي ، جلست كالي والشاب الغريب ، يلتهمان بشهية المحار ، الذي جمعاه معاً ، من جوف البحر ، حتى شبعا تماماً ، وضحكت كالي قائلة : لم ينتهِ المحار .
وضحك الشاب بدوره ، وقال : لقد شبعت .
ووقفت كالي ، وقالت : أنا أيضاً شبعت .
ونظرت إلى مياه الحوض العذبة الشفافة ، وقالت : لا أشهى من السباحة الآن .
وتقدمت كالي خطوات من الحوض ، وهي تقول : تعال نسبح معاً .
فردّ الشاب قائلاً : لا ، أنا متعب ، اسبحي أنت .
ولم تنتظر كالي ، أن ينتهي الشاب من كلامه ، فارتمت في الحوض ، وراحت تشق الماء العذب الشفاف ، وكأنها سمكة فتية نشيطة ، وهتف الشاب بها محذراً : كالي ، حذار من سمكة القرش .
وردت كالي ، دون أن تلتفت إليه : لا عليك ، لم أرَ سمكة قرش تدخل الحوض من قبل .
وقال الشاب ، وكأنه يحدث نفسه : رأيت سمكة قرش شرسة ، تحوم في الجوار ، قبل قليل .
ودارت كالي سابحة في الحوض ، وكأنها تستعرض مهارتها أمام الشاب ، وفجأة اختض الماء عند مدخل الحوض ، وهب الشاب ، وقلبه يخفق بشدة ، وصاح : كالي ، اخرجي ، إنه القرش .
وصرخت كالي مذعورة ، وسمكة القرش الشرسة ، تشق الماء بسرعة نحوها ، وقد كشرت عن أنيابها القاتلة ، وصاحت مستنجدة : النجدة .. النجدة .
وهبّ الشاب من مكانه ، وأمام أنظار كالي المصعوقة ، تحول إلى سمكة قرش ضخمة ، قطعت الطريق على سمكة القرش المهاجمة ، واشتبكت معها في معركة شرسة دامية .
وغاصت سمكتا القرش المشتبكتين إلى الأعماق ، ولم يطفُ منهما إلى سطح الماء ، غير بقع كثيرة وغزيرة وواسعة من الدماء القانية .
وهدأت مياه الحوض ، وعادت شفافة كما كانت من قبل ، ولمحت كالي ظلّ سمكة قرش ضخمة مدماة ، تصعد من الأعماق شيئاً فشيئاً ، أهي الشاب أم .. ؟
وظهرت سمكة القرش الضخمة ، فوق سطح الماء ، وقالت دون أن تنظر إلى كالي : اذهبي مطمئنة ، قتلت سمكة القرش .
وحدقت كالي في سمكة القرش الضخمة ، بعيني تغرقما الدموع ، وقالت : تعال معي .
فاستدارت سمكة القرش الضخمة ، وراحت تشق المياه ببطء نحو الفتحة المؤدية إلى البحر ، وهي تقول بصوت حزين : وداعاً .. يا كالي .

29 / 6 / 2016











الفتاة الغزالة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
خلال غياب الأمير ، الذي سيدوم على ما يبدو ، فترة ليست قصيرة ، فزوجته مريضة ، ولابد لها من علاج مستمر في المدينة ، اعتني الخدم بالقصر ، كما لو أن الأمير وزوجته موجودان فيه .
ولم يعكر صفو الخدم ، في ذلك القصر الكبير ، سوى الضجة التي كانت تتكرر ، بعد انصرافهم للنوم ، كارتطام بعض الابواب ، وخاصة باب المطبخ ، وجلبة الأواني والأباريق المختلفة .
ورغم أنني عامل في الاسطبل ، إلا أنني غالباً ما أسهر مع الخدم والخادمات في المطبخ ، أستمع إلى حكاياتهم عن السحر والأشباح ، وهذا ما كان يخيفني أحياناً ، ويجعلني فريسة للكوابيس .
وذات ليلة شتائية باردة ، جلست بين الخدم والخادمات ، أمام الموقد ، الذي كانت ألسنة النار تتعالى فيه ، أستمع إلى الحكايات المثيرة ، لكني سرعان ما غفوت ، ثم استغرقت في نوم عميق .
وعند منتصف الليل ، أفقت على وقع حوافر فوق بلاط المطبخ ، وفتحت عينيّ على سعتهما ، يا إلهي ، أهو حلم ؟ من يدري .
وفوجئت بغزالة فتية ، تسير نحو الموقد ، ودرتُ بعينيّ الخائفتين ، في أرجاء المطبخ ، كيف دخلت هذه الغزالة ، وباب المطبخ مغلق تماماً ؟ لابد أنني أحلم .
وأمام عينيّ الخائفتين ، المذهولتين ، تحولت الغزالة إلى فتاة شابة ، نحيلة ، رقيقة ، في ملامحها مسحة من الجمال الريفي البريء .
لم أتحرك من مكاني ، ولم تلتفت الفتاة ـ الغزالة إليّ ، وإنما جلست صامتة أمام الموقد ، الذي كانت النار مازالت مشتعلة فيه .
وقبيل الفجر ، نهضت الفتاة ، وعادت غزالة فتية كما كانت ، ومضت بخطى هادئة وثابتة إلى الخارج ، رغم أن باب المطبخ كان مغلقاً .
ونهضت من مكاني ، وتنفست الصعداء ، لم أكن أحلم إذن ، وما رأيته كان حقيقة وليس وهماً ، وبقيت مستيقظاً ، حتى دبت الحياة في القصر ، وانصرف الخدم والخادمات إلى أعمالهم المعهودة .




" 2 "
ــــــــــــــــــــ
لم أرو ما حدث لأحد ، وأبقيته سراً بيني وبين نفسي ، ربما لأتأكد بأن ما جرى ليلة أمس ، ليس مجرد حلم ، بل حقيقة واقعة .
وفي ليلة اليوم التالي ، جلست وسط الخدم والخادمات ، أمام الموقد ، الذي كانت تتعالى في جنباته ألسنة اللهب الدافئة ، أصغي إلى حكايات الأشباح ، التي لا تُملّ ، متظاهراً بالتعب والنعاس .
ومع تقدم الليل ، بدأ الخدم والخادمات يغادرون المطبخ ، منصرفين إلى مهاجعهم ، ولبثت في مكاني متظاهراً بالنوم ، وسمعت إحدى الخادمات تقول : سيمرض هذا الفتى ، إذا بقي هنا ، كما في الليلة الماضية .
وردّ أحد الخدم عليها قائلاً : لينم هنا ، فهذا أفضل من النوم في الاسطبل ، في هذه اللية الباردة .
وأغلق الباب ، وساد المطبخ صمت عميق ، يبدو أن الجميع قد غادروا إلى مهاجعهم ، ولم يبقَ أحد منهم ، لكني مع هذا لم أتحرك من مكاني ، أو أفتح عينيّ ، فلأبقَ هكذا وأنتظر .
لم أنتظر طويلاً ، فقد سمعت وقع أضلاف على أرضية المطبخ ، إنها هي .. الفتاة ـ الغزالة ، لا أحد يمشي هكذا غيرها .
وفتحتُ عينيّ ، نعم كانت الغزالة فعلاً ، وتوقفت وسط المطبخ ، وتحولت إلى فتاة ، كما في الليلة الماضية ، وسرعان ما جلست أمام الموقد .
ونهضت من مكاني ، ووضعت عدة قطع من الخشب في الموقد ، فارتفعت ألسنة اللهب ، وأشاعت الدفء في أرجاء المطبخ .
والتفتُ إلى الفتاة ـ الغزالة ، فنظرت إليّ ملياً ، ثم قالت بصوت مفعم بالحنين : أنت تذكرني بعامل شاب ، كان يعمل في اسطبل القصر .
وجلست إلى جانبها مبتسماً ، وقلت : أنا أيضاً أعمل في اسطبل القصر .
واستطردت الفتاة ـ الغزالة قائلة : لقد قدم لي مرة هدية جميلة ، ، لم أعرف أول الأمر ، من أين أتى بها ، فطرده الأمير ، ونفاه بعيداً ، وعلمت فيما بعد ، أنه مات في بلاد الغربة .
وقبيل الفجر ، نهضت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : الجو بارد جداً الليلة في الخارج .
وتحولت إلى غزالة ، ومضت إلى الخارج ، عبر الباب المغلق ، وهي تقول : إلى اللقاء .




" 3 "
ـــــــــــــــــــ
عند حوالي منتصف النهار ، والخدم والخادمات مشغولون بأعمالهم ، تسللت إلى غرفة سيدة القصر ، وأخذت منها خلسة ، ما ظننت أن الفتاة ـ الغزالة بحاجة إليه ، وخبأته في مكان أمين من المطبخ .
وجاء الليل ، وجلست مع الخدم والخادمات أمام الموقد ، أصغي إلى أحاديثهم عن الأشباح والساحرات ، وكالعادة تظاهرت بالنوم ، حتى نعسوا جميعاً ، ومضوا الواحد بعد الآخر إلى مهاجعهم .
ونهضت من مكاني ، وغذيت نار الموقد بعدة قطع من الخشب ، قبل أن تأتي الفتاة ـ الغزالة ، وفي الوقت المحدد ، حوالي منتصف الليل ، أقبلت الغزالة عبر الباب المقفل ، وتحولت إلى فتاة ، كما في المرتين السابقتين ، وقالت مبتسمة : طاب مساءك .
فأجبتها باشاً : طاب مساءك ، لقد غذيت النار ، قبل أن تأتي .
ومدت الفتاة يديها الباردتين أمام الموقد ، وقالت : حقاً ، إن النار فاكهة الشتاء .
ونظرت إليها ، وقلت : وخاصة عند حضوركِ .
وجلست الفتاة ـ الغزالة أمام الموقد ، وقالت : تعال اجلس إلى جانبي .
وجلستُ إلى جانبها ، فقالت : اليوم كنت طوال الوقت متشوقة إلى رؤياك .
وغمرني سيل من الفرح ، فنظرت إليها ، وقلت : وأنا كنت متشوقاً لمجيئك ورؤيتك .
ثم ملتُ عليه ، وقلتُ فيما يشبه الهمس : أحضرت لك مفاجأة ، ستسركِ .
وتساءلت الفتاة ـ الغزالة مبتسمة : مفاجأة ! ما هي ؟ أخبرني .
وأجبتها قائلاً : ليس الآن ، عندما يحين وقت مغادرتك ، ستدفئين رغم برودة الجو .
وانهمكنا في أحاديث شتى ، لا يبدو أنها يمكن أن تنتهي ، فالحديث معها ، مهما كان موضوعه ، مريح ، شيق ، لا يُمل .
وحوالي الفجر ، نهضت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : حان الوقت ، عليّ أن أذهب .
فاستمهلتها قائلاً : مهلاً ، المفاجأة .
وابتسمت الفتاة ـ الغزالة ، وقالت : آه كدتُ أنساها .
وأسرعت إلى المكان ، الذي خبأت فيه المفاجأة ، وأخرجتها بسرعة ، وأفردتها أمامها قائلاً : انظري ، البارحة قلت ، الجو بارد في الخارج ، هذا المعطف الفرو سيدفئك من البرد .
وعلى العكس مما توقعته ، لم تفرح الفتاة ـ الغزالة ، وإنما قطبت ، وقد علا الحزن محيّاها ، وقالت : هذا هو المعطف نفسه ، الذي قدمه لي عامل الاسطبل ، وكان السبب في طرده وهلاكه .
ثم استدارت نحو الباب ، وقد تحولت إلى غزالة ، ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : وداعاً .


27 / 6 / 2016

















آن الأوان

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
حضر مادوك مع خطيبته تيليري ، التي جاء بها ، قبيل المساء ، من قريتها البعيدة ، الواقعة في طرف الغابة ، حفل زواج صديقه .
وأثناء الحفل ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، ارتفعت ضجة غريبة في الخارج ، جعلت الجميع يتوقفون مذهولين ، وتناهى صوت ، ربما لم يسمعه غير مادوك ،يهمس كما العاصفة البعيدة : آن الأوان .
وتلاشى الصوت المنذر شيئاً فشيئاً ، وعاد المحتفلون إلى الاستغراق في حفلهم ، لكن مادوك ظل واجماً ، صامتاً ، مما أقلق خطيبته تيليري ، فسألته قائلة : ما الأمر ، يا عزيزي ؟
وحاول مادوك أن يبتسم ، وهو يردّ عليها قائلاً : لا شيء .. لا شيء .
لكن الأمر ، بالنسبة لمادوك ، لم يكن أبداً " لا شيء " ، وتراءت له ، تلك الفتاة الغريبة الشكل ، الصغيرة الحجم جداً ، بمعطفها الأحمر ، التي اعترضته في الغابة عصراً ، وهو في طريقه إلى خطيبته ، وخاطبته قائلة : مادوك ، لقد آن الأوان .
وحين فرغت من كلامها ، اختفت وكأنها لم تكن ، ولا يدري لماذا تذكر خطيبته تيليري ، لعل السبب هو ملامح تلك الفتاة الغريبة ، وربما صوتها ، وتلفت حوله ، لقد اختفت الفتاة ، يا للعجب .
وبعد منتصف الليل ، أوصل مادوك خطيبته تيليري إلى بيتها ، وعرضت عليه أن يبات ليلته عندهم ، فهي غير مطمئنة إلى عودته وحده إلى البيت ، عبر الغابة الموحشة الخطرة .
فقال مادوك : أشكرك ، أمي تنتظرني ، وستقلق عليّ جداً ، إذا لم أعد إلى البيت هذه الليلة .
وودع مادوك خطيبته تيليري ، على أن يزورها صباح اليوم التالي ، لتطمئن عليه ، خاصة وأنها لم تكن مرتاحة ، لما جرى في تلك الليلة .
لم يصل مادوك إلى البيت ، حيث تنتظره أمه على أحرّ من الجمر ، لا تلك الليلة ، ولا في الأيام التالية ، وجنّ جنون الأم ، أين اختفى مادوك ؟
وانتظرت تيليري ، على قلق ، أن يزورها مادوك صباح اليوم التالي ، لكنه لم يزرها لا صباحاً ، ولا في الأيام التالية ، وكادت أن تجن ، حين علمت بأنه لم يصل إلى البيت ، وأنه اختفى تماماً .
وأرسل أهل القرية رسلاً في كلّ الاتجاهات ، لعلهم يعثرون على أثر لمادوك ، وفتشوا التلال والوديان ، وحتى الأنهار ، لكن دون جدوى .
وقصدت أمه ناسكاً عجوزاً ، يقطن في كهف خارج القرية ، لعله يطمئنها على ابنها ، لكن الناسك بدل أن يطمئنها ، قال لها ما أدمى قلبها .
قال لها وكأنه يحكم عليها بالإعدام : عودي إلى بيتك ، ولا تبحثي عن ابنك مادوك ، لقد استحوذت عليه روح ملعونة ، ولا أحد يدري متى يمكن أن تطلق سراحه ، هذا إذا أطلقت سراحه في يوم من الأيام .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
ودّع مادوك خطيبته تيليري ، عند باب بيتها ، على أن يلتقي بها ، صباح اليوم التالي ، دون أن يدريا ، أن هذا اللقاء لن يتم مطلقاً .
ومرت شهور وشهور ، ولم يعد مادوك من غيبته ، ويئس الجميع من عودته ، حتى أمه ، عدا خطيبته تيليري ، التي لم تيأس ، ولم تفقد الايمان قط بأنه حيّ ، وبأنه سيعود في يوم من الأيام .
وفي كلّ صباح ، عند شروق الشمس ، كانت تقف على مرتفع ، تراقب الطريق ، لعلها تراه قادماً من بعيد ، لكن دون جدوى .
ولم تكن تيليري ، مخطئة في اعتقادها بأن خطيبها مادوك كان حياً ، لكنها لم تعرف ، ولن تعرف ، حتى النهاية ، ما جرى له بعدما ودعها تلك الليلة .
فبينما كان يسير في الغابة ، والقمر يسطع بدراً من بين الأشجار ، دون أن تغيب تيليري عن باله لحظة واحدة ، سمع صوت موسيقى عذبة ، تنبعث من كهف ، لم يلحظ وجوده في تلك المنطقة من قبل .
فتوقف ليستمع ، ويتمتع بتلك الموسيقى العذبة ، وإذا به يرى في باب الكهف ، تلك الفتاة الصغيرة جداً ، التي اعترضته صباحاً في الغابة ، والتي فيها بعض ملامح خطيبته تيليري ، تلوح له قائلة : تعال .
واستجاب مادوك لتلويحتها ، دون ارادة منه ، واقترب منها ، وقال : طاب مساءك .
وردت الفتاة عليه ، بصوت أشبه بصوت خطيبته تيليري : أهلاً ومرحباً .
وسارت أمامه داخل الكهف ، وهي تقول : أنت متعب ، تعال ارتح قليلاً .
ودخلا ما يشبه قاعة صغيرة ، جميلة ، مليئة بالأثاث الفاخرة ، وقالت : تفضل اجلس .
وجلس مادوك ، وتأمل الفتاة الصغيرة جداً ملياً ، ثم قال متردداً : أنت تشبهين خطيبتي تيليري ، ولو أنك صغيرة الحجم جداً .
وجلست الفتاة الصغيرة الحجم قبالته ، وقالت : إنني روح ، يا مادوك ..
وقال مادوك : أنت تعرفين اسمي .
واستطردت الفتاة الصغيرة الحجم قائلة : منذ فترة طويلة ، وأنا انتظرتُ شبيه جدك لأختطفه .
وابتسم مادوك ، وقال : هذا يعني أنني مُختطف الآن .
ولم تلتفت الفتاة الصغيرة الحجم إلى تعليقه ، وقالت : لقد أحببتُ جدك ذاك ، رغم أنني روح ، وقد لعنتني أمي ، وقالت إنني سأتعذب عقوداً طويلة ، إذا أصريت على حبه ، والزواج منه ، وهذا ما حدث .
وحدق مادوك فيها ، وقال : وما علاقتي أنا بما أقدم عليه جدي ذاك ؟
فردت الفتاة الصغيرة الحجم قائلة ، وهي تتأمل مادوك : أنت الوحيد ، من بين جميع أحفاده ، طوال هذه العقود ، الذي تشبهه تماماً .
ولاذت الفتاة الصغيرة الحجم بالصمت ، ثم قالت : واللعنة هي أن أذوب وأقصر كالشمعة ، عقداً بعد عقد ، حتى أجد حفيداً من أحفاده يشبهه ، فأختطفه .

" 3 "
ـــــــــــــــــــــ
أفاق مادوك ، بعد أن نام فترة ، لا يعرف بالضبط مداها ، وإذا الشمس تطل عليه دافئة ، ساطعة ، من بين أغصان الأشجر الكثيفة للغابة .
وهبّ من مكانه ، متعباً ، ثقيل الجسم ، وتلفت حوله مذهولاً ، فلم يجد أثراً لا للكهف ، ولا للفتاة الصغيرة الحجم ، التي تشبه خطيبته تيليري .
وتناهى إليه وقع حوافر ثقيلة ، والتفت نحو مصدر الصوت ، ورأى حطاباً عجوزاً ، يقود حماراً محملاً بما إحتطبه من أغصان الأشجار ، فأسرع إليه ، وحيّاه قائلاً : طاب صباحك ، يا عم .
وتوقف الحطاب العجوز ، وحدق فيه بعينيه العمشاوين ، وقال : طاب صباحك ، يا بنيّ .
وصمت لحظة ، دون أن يحول عينيه عنه ، ثم قال : يبدو أنك غريب عن هذه المنطقة .
فقال مادوك : لا يا عم ، أنا من قرية قريبة من هنا ، اسمها بانتاناس .
وبدت الدهشة على ملامح الحطاب العجوز ، وقال : أنا من هذه القرية ، وأعرف أهلها جميعاً ، ويعرفونني ، أنا لم أرك فيها من قبل .
وقال مادوك : أنا أيضاً لم أرك .
ولاذ الحطاب العجوز بالصمت ، فقال مادوك : أمي هي انغاراد ، والجميع يحبونها ويحترمونها و ..
وسحب الحطاب العجوز حماره ، ومضى مبتعداً ، وهو يقول : عفواً ، لم أسمع بك أو بأمك ، اذهب إلى القرية ، وتأكد مما تقوله ، لعلي مخطئ .
وبدل أن يتجه مادوك إلى القرية ، حيث أمه انغاراد وبيته ، ويتأكد مما قاله الحطاب العجوز ، قفل عائداً إلى بيت خطيبته تيليري .
وتباطأ في سيره متلفتاً ، وقد استبدت به الحيرة ، فالطرق ليست هي نفس الطرق ، التي سار عليها البارحة ، والأشجار ، حتى الأشجار بدت له مختلفة ، ماذا يجري ؟ هذا ما يريد أن يعرفه .
ومن بعيد ، لاح له بيت قديم ، متداعي ، يشبه بيت خطيبته تيليري ، لكنه ليس هو بالتأكيد ، مهما يكن ، فليطرق الباب ، ويتأكد .
وطرق الباب ، وانتظر ، فلم يأته ردّ ، وطرق ثانية ، ولم ينتظر هذه المرة كثيراً ، فقد تناهى إليه وقع أقدام ثقيلة ، بطيئة ، وجاءه صوت شائخ ، يكاد يشبه ـ ويا للعجب ـ صوت خطيبته تيليري : من ؟
وردّ مادوك : أنا .
وجاءه الصوت ثانية : من أنت ؟
فردّ قائلاً : أنا مادوك .
وسمع الصوت الشائخ يتمتم ، كأن صاحبته تحدث نفسها : مادوك !
وعلى الفور ، فتح الباب ، وأطل منه وجه شائخ ، يحمل بعض ملامح خطيبته تيليري ، فشهق مادوك مصدوماً : تيليري !
وحدقت المرأة الشائخة فيه ملياً ، ثم قالت : جدة جدتي ، كانت تيليري ، وحين ولدتُ قيل لي ، إنني أحمل بعض ملامحها .
وفغر مادوك فاه متمتماً : مستحيل .
وتابعت المرأة الشائخة قائلة : هذه حكاية قديمة ، قديمة جداً ، تتردد في العائلة ، قيل إن خطيب جدتي مادوك ، أوصل جدتي ذات ليلة إلى هنا ، وقفل عائداً إلى بيته في قرية بانتاناس ، لكنه لم يصل إلى بيته مطلقاً ، ولم يعثر له على أثر حتى الآن .
واستدار مادوك ببطء شديد ، ومضى مبتعداً ، في خطى مذهولة تائهة ، وهو يتمتم : أنا مادوك ، إلى أين أمضي ؟ إلى أين ؟

7 / 7 / 2016










السمكة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، فيومه كان طويلاً ، ومتعباً ، في معبد الاله مردوخ ، وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب .
وتوقف مستغرباً ، فمن يمكن أن يأتيه ، في مثل هذا الوقت من الليل ؟ وحين فتح الباب ، وقد رفع بيده القنديل ، رأى أمامه صياد السمك .
ومال الصياد عليه ، وقال : عفواً مولاي ، الوقت متأخر ، لكن الأمر هام .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، بشيء من الضيق ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقال الصياد : معجزة ، معجزة الهية ، يا مولاي .
والتمعت عينا الكاهن العجوز ، وهو يتمتم بصوت غير مسموع : معجزة !
فقال الصياد مؤكداً : نعم ، يا مولاي ، معجزة .
ودمدم الكاهن العجوز ، وكأنما يخاطب نفسه : آه ، المرتدون ، الويل لهم ، إنهم يشيعون أن زمن المعجزات قد ولى .
وصمت لحظة ، ثم قال : البارحة ، عند منتصف الليل ،
أثناء هبوب العاصفة الماطرة ، رأيت البرق يضيء بشعلته الوهاجة الشجرة المعمرة .
وكأنما الصياد كان ينتظر هذه الفرصة ، فمال على الكاهن العجوز ، وقال : المعجزة هنا ، يا مولاي ، ولكن ليس الشجرة المعمرة ، بل السمكة .
وتمتم الكاهن العجوز مذهولاً : السمكة !
فتابع الصياد كلامه قائلاً : مررت بالشجرة المعمرة ، مساء هذا اليوم ، وحانت مني نظرة إلى تجويفها الضخم ، المليء بمياه الأمطار ، فرأيتها ..
وفغر الكاهن العجوز فاه ، وقد اتسعت عيناه الكليلتين ، فقال الصياد : رأيت المعجزة ، سمكة صغيرة ملونة ، لم أرَ مثلها من قبل ، تدور سابحة في مياه تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، وتطلع إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، التي كانت تنتصب كالشبح ، تحت ضوء القمر ، وسط الحقل ، ثم قال : لابد أن أراها ، هذه المعجزة ، الآن .
واندفع الكاهن العجوز ، وسط الليل ، نحو الشجرة الضخمة المعمرة ، والقنديل في يده ، ولحق الصياد به مسرعاً ، وقال : الوقت متأخر ، يا مولاي ، دع هذا إلى صباح الغد .
واستمر الكاهن العجوز في اندفاعه ، وهو يقول : لن أستطيع أن أنام ، إذا لم أرَ المعجزة .
وتوقف الكاهن العجوز ، أمام فجوة الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد اتسعت عيناه المذهولتين ، وعلى ضوء القنديل رأى المعجزة ، رأى السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وتمتم خاشعاً : حقاً إنها معجزة ، آه الإله مردوخ قادر على كلّ شيء ، الويل للمرتدين .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
من كل مكان ، حيثما سمعوا بالمعجزة ، تقاطر الناس رجالاً ونساء وحتى أطفالاً ، لرؤية المعجزة ، والتبرك بها .
وما إن رأوا السمكة الصغيرة الملونة ، تدور سابحة في المياه المتجمعة في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة ، حتى تأكدوا أنها معجزة حقيقية ، أرسلها ـ كما قال الكاهن العجوز ـ الإله العظيم مردوخ .
ويوماً بعد يوم ، وتجربة بعد تجربة ، شاع بين الناس ، الذين زاروا السمكة ، كراماتها وقدرتها العجيبة على تلبية دعوات الناس ، مهما كان نوعها .
جاءت امرأة بطفلتها ، التي ولدت ضريرة ، وطلبت من السمكة راجية ، أن تفتح طفلتها عينيها ، اسوة بالأطفال الآخرين ، وترى العالم .
وفتحت الطفلة عينيها ، وتلفتت حولها مندهشة فرحة ، وصاحت : ماما ، إنني أرى .
ولأول مرة ، رأت الطفلة الأشجار والعصافير والسماء ، وكذلك رأت المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وفي اليوم التالي ، جاءت المرأة إلى الكاهن العجوز ، ومعها دجاجة مكتنزة ، قدمتها له ، وقالت له على استحياء : ارجوك ، اقبلها ، إنها هدية .
وأخذ الكاهن العجوز الدجاجة المكتنزة ، وقال : سأقبلها منكِ ، مادامت هدية .
وبعد أيام ، جاء شاب يحمل أمه العجوز ، التي أصيبت بالشلل ، وما إن رأت الأم السمكة ، حتى شعرت بالدماء تتدفق في عروقه ، فصاحت : بنيّ ، انزلني ، لقد شفيت .
وفي ذلك اليوم ، عاد الشاب فرحاً إلى القرية ، وكيف لا وأمه العجوز ، التي كانت مصابة بالشلل ، تسير إلى جانبه ، وكأنها عادت إلى أيام شبابها الأولى .
وفي اليوم التالي ، جاء الشاب ، وقدم للكاهن جدياً صغيراً ، فأخذه الكاهن العجوز ، حتى دون أن يشكره ، نعم فهو هدية .
وذات مرة ، جاءت شابة مع أمها ، ومالت على السمكة الصغيرة الملونة ، وهمست لها بصوت لا يكاد يُسمع : أريد طفلاً .
وانحنت الأم على السمكة الصغيرة الملونة ، وعيناها مغرورقتان بالدموع ، وقالت : ابنتي تزوجت منذ ثلاث سنوات ، ولم ترزق بطفل .
وأقسمت الأم ، فيما بعد ، أن السمكة الصغيرة الملونة ، توقفت لحظة ، وتطلعت إليها وإلى ابنتها الشابة ، وبعد عدة أشهر ، جاءت الأم ، ومعها خروف ، قدمته هدية للكاهن العجوز ، وهمست له فرحة : ألف شكر للسمكة المعجزة ، لقد حملت ابنتي .
وجاءت امرأة بطفل في حوالي العاشرة من عمره ، وعلى العكس من أقرانه ، لم ينطق بكلمة واحدة ، وما إن رأى السمكة الصغيرة الملونة ، حتى صاح منبهراً : ماما انظري ، سمكة صغيرة ملونة .
ورغم أن المرأة كانت أرملة فقيرة ، إلا أنها أهدت الكاهن العجوز بطة ، وقالت له : اقبلها ، يا مولاي ، فأنا لا أملك غيرها .
وقبل الكاهن العجوز البطة عابساً ، فهي على أية حال هدية ، هدية للسمك الصغيرة الملونة المعجزة ، والهدية لا ترد ، مهما كانت قيمتها .
ومع الأيام ، امتلأ بيت الكاهن العجوز بالهدايا ، ولم يعد يتسع لمزيد من الدجاج والبط والجديان والحملان ، فباع معظمها ، ونوه للزائرين ، أن أفضل هدية تقدم للمعجوة هي النقود .
وهكذا انهالت النقود على الكاهن العجوز ، كلّ هذا وصياد السمك ، يرى سمكته الصغيرة الملونة ، التي وضعها بنفسه في ماء التجويف ، تدرّ ذهباً على الكاهن العجوز ، فقرر أن يطالب بحقه .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، بعد يوم طويل متعب ، قضاه استعداداً للاحتفال بمرور سنة على ظهور المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب ، فتوقف متضايقاً ، ترى من يطرق الباب في هذا الوقت من الليل ؟ لابد أنه أحد زوار المعجزة .
وفتح الباب ، والقنديل في يده ، وفوجئ بصياد السمك يقف مبتسماً أمامه ، ترى ماذا يريد هذا الأحمق ؟ فقال متضايقاً : الوقت متأخر ، وأنا متعب .
فمال الصياد عليه ، وقد اختفت ابتسامته ، وقال : مولاي ، ليس لديّ ما أقتات به .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، وقال بجفاء : أنت صياد سمك ، وما زلتَ شاباً .
فقال الصياد بصوت متعب : إنني مريض ، يا مولاي ، ولم أعد أقوى على الصيد .
وتململ الكاهن العجوز متضايقاً ، وقال : غداً هو العيد الأول للمعجزة ، والناس جاءوا من كلّ مكان ، وهم يحيطون بها الآن ، والشموع مضاءة في أيديهم ، اذهب غداً إليها ، وستشفيك .
وحدق الصياد في الكاهن العجوز ، وقال : اعطني شيئاً مما أعطتك السمكة .
وبشيء من الغضب ، قال الكاهن العجوز : هذه أموال الإله مردوخ ، ومعجزته السمكة ، يا بنيّ ، ولا يجوز لأحد ، مهما كان ، أن يمد يده إليها .
وابتسم الصياد ، وقال : مولاي ، فيما يخص السمكة المعجزة ، أريد أن أصارحك .
وحدق الكاهن العجوز فيه صامتاً ، فقال الصياد : تلك السمكة الصغيرة الملونة ، يا مولاي ، أنا اصطدتها بنفسي من النهر ، ووضعتها في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، متطلعاً إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد أحاطت بها مئات الشموع المضاءة ، وقال : هذا التجديف ، الذي تنطق به ، لو سمعه هؤلاء المؤمنون لمزقوك ارباً .
جمد الصياد في مكانه مرعوباً ، لا يحير بكلمة واحدة ، فصفق الكاهن العجوز الباب في وجهه ، ومضى إلى الداخل ، وأوى إلى فراشه .
واختفى الصياد ، لا أحد يعرف أين ، ولا ماذا حلّ به ، وظلت السمكة المعجزة ، تدور سابحة في ميه التجويف ، في الشجرة الضخمة المعمرة ، ومريدوها وزوارها يزدادون يوماً بعد يوم .

26 / 7 / 2016

• ـ عن حكاية صينية قديمة .
















الساحر


" 1 "
ـــــــــــــــــــ
لسبب ما ، أراد جحا أن يتعلم السحر ، ربما ليغنيه عن العمل المتعب مع حماره " الحمار " ، ويمكنه من مجابهة زوجته الشرسة ، وايقافها عند حدها .
لكنه لم يعرف ، أين يتعلم السحر ، حتى إنه فكر أن يذهب إلى عمشة ، الساحرة العجوز ، التي تعيش في خيمتها وسط الصحراء ، مع عنزتها المجنونة .
وذات أمسية ، طُرق الباب ، يا للعنة ، أهذا وقته ؟ إنه وحده في البيت ، وقد قلى سمكة الشبوط ، ونثر فوقها البهارات التي يحبها ، ترى من القادم ؟
طُرق الباب ثانية ، فخبأ جحا سمكة الشبوط المقلية ، ثم فتح الباب ، وإذا هو وجهاً لوجه مع الساحر ، وحدق فيه ملياً ، إذا لم يكن هذا هو الساحر ، فكيف يكون الساحر إذن ؟
وتمتم جحا قائلاً : أهلاً ومرحباً بالساحر .
وفتح لساحر عينيه الكبيرتين ، المكحلتين ، على سعتهما ، وقال أهلاً بك .
وتنحى جحا قليلاً ، وقال : تفضل ، ادخل ، على الرحب والسعة .
ودخل الساحر بملابسه الغريبة ، ولحيته الكثة ، وقلائد الخرز الملونة حول عنقه ، وقبل أن يجلس ، قال : جحا ، أنا جائع .
كيف عرف اسمه ؟ لا عجب ، إنه ساحر ، ويبدو أنه ساحر عظم ، وعلى الفور ، أخرج جحا سمكة الشبوط المقلية ، ناسياً أنه يتضور جوعاً ، ووضعها أمام الساحر ، وقال : كلها، حلال عليك .
وانكبّ الساحر على السمكة ، يفترسها بتلذذ ، فمال جحا عليه ، وقال : أريد منك ، بعد أن تشبع طبعاً ، أن تعلمني ولو بضع عبارات من السحر .
وهمهم الساحر ، وهو مستمر على افتراس سمكة الشبوط : آه سمكة لذيذة .
وهنا حطّ غرابان فوق افريز الكوة الصغيرة للغرفة ، فتوقف الساحر عن افتراس السمكة ، وفحّ كما تفح الأفعى : هشبور .. خنشور ..
وانتفض جحا خائفاً ، فاستطرد الساحر فاحّاً كالأفعى : يا عدوا النور .
ومال الغرابان برأسيهما الأسحمين ، كأنهما ينصتان إلى ما يُقال ، فصاح الساحر : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وصاح الساحر بأعلى صوته : ها ..
فهبّ الغرابان من مكانيهما مذعورين ، ولاذا بالفرار ، فقال الساحر : ها هما يهربان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وهبّ الساحر من مكانه ، وقد أجهز على سمكة الشبوط المقلية ، وقبل أن يخرج ، ويصفق الباب وراءه ، صاح : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
طوال أيام ، راح جحا يردد كلمات الساحر ، التي حفظها عن ظهر قلب " هشبور .. خنشور .. يا عدو النور " حتى أن زوجته ، التي انتبهت إليه ، ظنت أنه أصيب بالجنون .
ولعل جحا ، أراد أن يختبر تأثير هذه الكلمات السحرية على الآخرين ، لكنه لم يختر لذلك لا ابنه جحيح ، ولا زوجته أم جحيح ، وإنما اختار حماره ، فهو مخلوق هادىء ، حكيم ، صبور ، طالما تفهمه ، في أصعب محنه مع زوجته الشرسة أم جحيح .
وعلى الفور تسلل إلى السرداب ، دون علم زوجته أم جحيح ، خشية أن تبطل بشراستها مفعول الكلمات السحرية ، وفي العتمة الشفافة ، رأى حماره يقف هادئاً ، صافناً ، مفكراً ، لابد أن يتأمل في حماقات البشر ، وكيف يمكن اصلاحها .
واقترب جحا منه ، وربت برفق على رأسه ، ثم قال محاكياً صوت الساحر : هشبور .. خنشور .. يا سارق النور .
والتفت الحمار إليه ، وقال : جحا ، إنني حمار ، اذهب وجرب هذه الكلمات مع غيري .
وتوقف جحا مفكراً ، ثم تراجع ، واتجه إلى الخارج ، لكنه سرعان ما جمد مصعوقاً ، لقد تكلم الحمار ، إنها كلمات سحرية مؤثرة حقاً ، أنطقت الحمار العجوز نفسه ، وعلى الفور ، انطلق خارج السرداب ، يبحث عن زوجته أم جحيح .
ورآها في غرفتها ، تتأمل وجهها في المرآة ، فاقترب منها ، وهمس لها قائلاً : هشبور ..
وأبعدت أم جحيح المرآة عنها ، وحدقت فيه قائلة : ماذا ؟ هشبور !
فتابع جحا قائلاً : خنشور .. يا سارق النور .
وتراجع جحا خائفاً ، إذ تقادحت عينا زوجته أم جحيح ، وهي تقترب منه ، وتقول ، وقد كشرت عن أنيابها ، وكأنها لبوة شرسة : جحا ، أيها المخبول ، أنت سرقت شبابي ، اغرب عني ، قبل أن أفترسك .
وفي لمح البصر ، غرب جحا عنها ، إن هذه الكلمات السحرية ، لم تؤثر إلا في الحمار وحده ، ترى ما السبب ؟
وفكر جحا لحظة ، لعل الساحر كذاب ، لقد أكل سمكة الشبوط المقلية ، ولم يقدم له سوى كلمات كاذبة ، ربما لا معنى لها ، وإلا ما معنى .. هشبور .. خنشور .. يا سارق النور ؟
وصمت لحظة ، لكن هيئته ، ملابسه الغريبة ، لحيته الكثة ، قلائد الخرز الملون حول رقبته ، وعيناه الواسعتان المكحلتان ، كلّ هذا يدل على أنه ساحر ، ساحر كبير ، إذن أين العلة ؟
ولمعت عينا جحا ، نعم ، لقد وجدها ، وجد العلة ، الظلام هو العلة ، لقد أثرت الكلمات السحرية في الحمار ، بسبب ظلام السرداب ، ولم تؤثر في زوجته أم جحيح ، لأن الغرفة ليست مظلمة ، آه لن يردد كلمات الساحر ، بعد الآن ، إلا في الظلام .

" 3 "
ـــــــــــــــــــــ
لم ينم جحا ، رغم أن الليل كاد ينتصف ، ليس لأنه يشعر بالخوف ، فقد ذهبت زوجته أم جحيح ، منذ المساء ، عند أختها ، وأخذت معها ابنها جحيح ، بل لأنه ، وربما بسبب الخوف ، راح يردد : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور " .
وفي الأثناء ، تسلل لصان إلى بيت جحا ، وتوقفا عند باب غرفته ، ينصتان إلى دمدمة غريبة ، غير مفهومة ، تقول : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وتبادل اللصان نظرات خائفة ، حائرة ، مترددة ، وقال الأول : هشبور .. وخنشور ؟
وقال الثاني : يا عدوا النور .
وقال الأول بصوت مرتعش : يبدو أنه عرفنا .
ونظر الثاني إليه ، وقال : إنني لست هشبور ولا خنشور ، وكذلك أنت .
فقال الأول بصوت خافت : أنت محق ، وإن كنا لا نحب النور كثيراً ، والآن لننصت .
ومالا نحو الباب ، وراحا ينصتان ، وسمعا جحا يدمدم قائلاً : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور ..
وتراجع اللصان خائفين ، والثاني يهمس خائفاً : لقد عرف بوجودنا هنا .
وقال الثاني ، وهو يتراجع خائفاً : الظلام كثيف جداً ، فكيف تسنى له ذلك ؟
وهنا صاح جحا بأعلى صوته : هشبور .. خنشور ..
وانتفض اللصان مرعوبين ، وصاح الأول : لقد أحاط بنا هشبور .. وخنشور .. و .. أهم جن ؟
وانطلق الثاني كالسهم عبر النافذة ، وهو يقول : فلنهرب وإلا وقعنا في أيديهم .
ولحقه الأول على عجل ، قافزاً عبر النافذة ، وسرعان ما ذابا في الظلام الحالك ، وساد الهدوء والصمت ، ولم تعد تسمع من الظلام نأمة واحدة .
وفتح جحا باب الغرفة ببطء ، وتردد ، وقد استبد به الخوف ، وحين رأى الغرفة مفتوحة ، قال بارتياح : آه لقد جاءا .
ودُفع الباب ، ودخل جحيح وأمه ، وتوقفت أم جحيح ، تحدق في جحا ، وقد اتسعت عيناه رعباً ، ثم قالت : يبدو أنك رأيت كابوساً .
وردّ جحا بصوت متحشرج : هشبور .. خنشور .. ونظرت الأم إلى جحيح ، فهزّ رأسه ، وقال : فلنأخذه غداً إلى السيد حامد ، ليخرج الجن منه .
وصاح جحا مرعوباً ، وهو يدخل الغرفة الأخرى ، ويصفق الباب وراءه : لا .. السيد لا .
فقالت الزوجة : إنني لا ألومه ، السيد سيفري جسمه بسياطه ، ولن يخرج الجن منه .
ومن الغرفة الأخرى ، ارتفع صوت جحا يصيح بصوت مجنون : هشبور .. خنشور .. يا سارقا النور .

× عن حكاية يابنية قديمة .

21 / 8 / 2016



طفل النبع

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
أوى الحطاب العجوز وزوجته ، إلى فراشيهما مبكرين ، فأنفاس الربيع العطرة ، الدافئة ، كما تقول الزوجة ، تثير النعاس ، وتدعو إلى النوم .
ولاحظ الحطاب العجوز ، وهو متمدد في فراشه ، أن زوجته ، على غير عادتها ، لم تنم ، رغم أن أنفاس الربيع ، كانت تملأ فضاء الكوخ ، فانقلب مواجهاً لها ، وقال : يبدو أن أنفاس الربيع ، لم تؤثر فيك .
وتنهدت الزوجة ، نعم ، إنها لم تنم ، وفكر الحطاب ، لابدّ أن هماً قديماً ، استيقظ في داخلها ، ومنعها من النوم ، فقال الحطاب العجوز : نامي .
وتنهدت الزوجة ثانية ، وقالت : جارتنا ، زوجة البقال ، قالت لي إنها حامل .
ولاذ الحطاب العجوز بالصمت لحظة ،ثم قال : إنها في حوالي الستين من العمر .
وقالت الزوجة : وزوجها تجاوز الستين .
فقال الحطاب العجوز : إنهما يستحقان كلّ خير .
ولاذت الزوجة بالصمت فترة ، ثم قالت بصوت تغرقه الدموع : طالما تمنيت ، هذه الفترة الطويلة ، أن يكون لي طفل يحمل ملامحك .
وسحب الحطاب العجوز الغطاء فوق وجهه ، وهو يقول : نامي ، يا عزيزتي ، نامي .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أيام ، خرجت زوجة الحطاب إلى الغابة ، مستغلة بقاء زوجها في الكوخ ذلك اليوم ، فقد تفتحت أزهار البابنج ، ولابد لها أن تجمع شيئاً منها ، وتجففها ، فهي تحتاجها وزوجها عند اصابتهما بالزكام ، وخاصة في فصل الشتاء البارد .
وعند شجرة الصنوبر الضخمة ، في أعماق الغابة ، حيث تكثر أزهار البابنج ، لاحظت زوجة الحطاب العجوز وجود نبع ، لم تلحظه من قبل ، يترقرق ماؤه مكوناً بركة صغيرة ، صافية ، كالمرآة .
وشعرت بالعطش ، بمجرد رؤيتها للماء الرقراق ، فانحنت على النبع ، وغرفت بكفيها الشائختين قليلاً من الماء ، ورفعته إلى شفتيها الظامئتين ، واحتسته جرعة بعد جرعة ، منتشية ، متلذذة ، وكأنها لا تحتسي ماء ، بل عسلاً خال من الشمع .
وعلى الفور ، أحست زوجة الحطاب العجوز بأنفاس الربيع العطرة ، الدافئة ، تهب في أعماقها ، التي أيبستها الشيخوخة ، وكما تتفتح الأزهار ، على أغصان شجرة التفاح ، في أول الربيع ، تفتحت في أعماقها مشاعر ، لم تعهدها منذ فترة طويلة .
وحانت منها نظرة إلى البركة الصغيرة ، الصافية كالمرآة ، وخفق قلبها بشدة ، فبدل وجهها الشائخ ، المليء بالتجاعيد ، رأت وجهاً شاباً ، مليئاً بالنظارة والحياة ، فتراجعت إلى الوراء مثارة ، ماذا يجري ؟ أحقيقة ما تراه أم .. ؟
واقتربت ببطء من البركة ، وقلبها مازال يخفق بشدة ، ورأت وجه الفتاة الشابة نفسه ، يطل عليها من الأعماق ، وتوقفت مفكرة ، ترى ماذا سيقول زوجها ، الحطاب العجوز ، حين يراها في هذه الهيئة ؟

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
دُفع باب الكوخ ، فالتفت الحطاب العجوز ، وفوجئ بفتاة شابة ، جميلة ، ترتدي ملابس عادية ، كأنها ملابس زوجته العجوز ، تقف ناظرة إليه ، وعلى وجهها تشرق ابتسامة ربيعية واسعة ، فقال بصوت متردد : أهلاً ومرحباً .
وضحكت الفتاة الشابة بمرح ، وقالت : يا للعجب ، يبدو أنك لم تعرفني .
وصمتت لحظة ، ثم قالت ، وهي مازالت تضحك : انظر إليّ ، انظر جيداً .
واتسعت عينا الحطاب العجوز ، وقد لمع في أعماقهما برق غريب ، وتمتم قائلاً : أنتِ .. !
فهزت رأسها ، وقالت : نعم ، أنا زوجتك .
وتمتم الحطاب مذهولاً ، وهو مازال يحدق فيها : لا .. لا .. هذا مستحيل .
واقتربت زوجته منه ، وأطبقت على كتفيه الضامرين بكفيها الشابين ، وقالت : سيكون لنت طفل هذه المرة ، وسيحمل ملامحك أنت .
فقال الحطاب العجوز : لا تكوني مجنونة ، لقد انتهى زمن المعجزات .
فقالت زوجته الشابة ، وهي تدفعه برفق نحو الباب : عند شجرة الصنوبر الضخمة ، في أعماق الغابة ، نبع صافٍ ، شربت منه ، فصرت ما أنا عليه .
ودفعته عبر الباب ، وأضافت قائلة : اذهب ، يا عزيزي ، واشرب منه ، وسترى .
ثم قال ، وهي تغلق باب الكوخ : سأنتظرك ، يا عزيزي ، لا تتأخر .
وعلى أحرّ من الجمر ، انتظرت الزوجة الشابة ، داخل الكوخ ، أن يعود زوجها من النبع ، شاباً كما كان ، في أيام زوجهما الأولى ، لكنه لم يعد ، رغم أن وقت العصر أوشك أن يحلّ .
ونفد صبر الزوجة الشابة ، مع حلول العصر ، فخرجت من الكوخ منفعلة ، وصفقت بابه بقوة ، ثم مضت مسرعة نحو أعماق الغابة .
وعند شجرة الصنوبر الضخمة ، قرب النبع ومائه الرقراق ، رأت طفلاً صغيراً ، يقف متأملاً صورته ، في أعماق البركة الصغيرة ، الصافية ، وقد أولاها ظهره ، ترى أين زوجها ، الحطاب العجوز ؟
وانتفض قلبها الشاب ، خوفاً وفرحاً ، حين التفت الطفل إليها ، ورأت في وجهه ، بشكل واضح تماماً ، ملامح زوجها ، الحطاب العجوز .
وما إن رآها الطفل ، حتى أسرع إليها فرحاً ، وقد فتح ذراعيه الطفلين ، فمدت يديها بلهفة إليه ، وضمته إلى صدرها الأمومي الشاب .
آه أخيراً ، ها هو الطفل الذي طالما تمنته زوجة الحطاب ، وهو يحمل الملامح التي أحبتها طول عمرها ، يقدمه هدية لها ، النبع بمياهه الرقراقة ، وبركته الصغيرة ، الصافية ، كالمرآة .


13 / 8 / 2016


لايلي النائمة

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
أفاقت الأميرة لايلي اليوم مبكرة ، كأن أحدهم هزها برفق ، وهمس لها : استيقظي ، يا لايلي .
واعتدلت في فراشها مندهشة ، ترى من أيقظها ؟ لعله الربيع ، مهما يكن ، فقد نهضت ومضت إلى حصانها ، دون أن تتناول فطورها ، وانطلقت به .
ولحقت بها أمها الملكة على عجل متسائلة : بنيتي لايلي ، إلى أين ؟
وردت لايلي ، دون أن تلتفت إليها : لا تقلقي ، يا ماما ، سأذهب إلى الغابة .
فقالت أمها الملكة : لكنكِ قلتِ البارحة ليلاً ، بأنك ستبقين في القصر .
لم تردّ الأميرة لايلي ، وواصلت الطريق ، طائرة على حصانها كالريح ، وتوقفت في وسط الغابة ، وراحت تتلفت يميناً ويساراً ، وكأنها تبحث عما دعاها إلى المجيء إلى الغابة .
وأرهفت سمعها ، إذ تناهى إليها وقع حوافر على الأرض المعشبة ، ومن بين الأشجار ، ظهر فارس شاب ، على حصان أبيض ، وتوقف أمامها ، وراح يتأملها ، ثم قال : لايلي .
واتسعت عينا لايلي دهشة ، وبدا لها ، في لمحة برق واحدة ، أنها عرفت سبب مجيئها إلى وسط الغابة ، ومع ذلك قالت : أنتَ تعرف اسمي .
فقال الفارس ، وهو مازال يتأملها : الإله بوذا جاءني في المنام ، وأخبرني باسمك ..
وتمتما لايلي مندهشة : الإله بوذا !
وتابع الفارس قائلاً : وقال لي ، بأنك ستنتظرينني هنا ، فجئتكِ من وراء سبع جبال عالية .
وابتسمت الأميرة لايلي ، والفرح يشع نجوماً في عينيها ، وصمت الفارس لحظة ، ترجل خلالها عن حصانه ، وفوجئت الأميرة لايلي ، وقال : جئتُ لآخذك إلى حياتي .
وعلى الفور ، أخذت الأميرة لايلي ، الأمير الشاب ، إلى القصر ، حيث طلب يدها من أبويها ، فقال الملك : هذا شرف لنا ، لكننا لا نعرف من أنت .
فقال الفارس الشاب : أنا أمير مملكة الفانالا ، التي تقع وراء الجبال السبع .
وشهقت الملكة الأم ، وقالت : مملكة الفانالا بعيدة جداً ، وهذا يعني إنني لن أرى لايلي ثانية .
ولاذ الملك بالصمت لحظة ، ثم قال : لايلي إبنتي الوحيدة ، ولا أريد الافتراق عنها .
ونظرت لايلي إلى أبيها الملك ، وقالت محتجة : أبي .. وقاطعه الملك ، وقال بحزم ، دون أن يلتفت إليها : لايلي ، اذهبي إلى غرفتكِ .
وذهبت لايلي إلى غرفتها ، ورقدت في فراشها تنتظر ، وما إن علمت بأن الفارس ، عاد من حيث أتى ، حتى أغمضت عينيها ، ونامت .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أن ذهب الأمير دينتال ، عائداً إلى مملكته في بلاد الفانالا ، أسرعت الملكة إلى غرفة الأميرة لايلي ، واستقبلتها المربية العجوز ، وقالت بصوت دامع : الأميرة لايلي نائمة .
وتطلعت الملكة الأم ، إلى ابنتها الأميرة لايلي ، ورأتها راقدة في فراشها ، مستغرقة في نوم عميق ، فقالت : لكن الليل مازال في أوله .
فقالت المربية العجوز : لقد نامت الأميرة ، حين علمت أن الأمير عاد من حيث أتى .
وعادت الملكة الأم إلى الملك ، وكان ما يزال في غرفة العرش ، وقالت له : ابنتنا لايلي نامت .
ونظر الملك إليها ، وقال مغالباً دهشته : لعلها متعبة ، دعيها ترتح .
وقالت الملكة الأم : نعم ، إنها بحاجة إلى الراحة ، فلتنم وترتاح .
وفي صباح اليوم التالي ، وعلى غير العادة ، لم تأتِ الأميرة لايلي إلى والديها الملك والملكة ، لتحييهما ، وتتبادل معهما المزاح والضحك .
ونهضت الملكة من فراشها ، ومضت إلى غرفة الأميرة لايلي ، دون أن تخبر الملك بوجهتها ، وما إن دفعت الباب برفق ، حتى أسرعت إليها المربية العجوز ، وقالت لها بصوت خافت حزين : الأميرة لايلي ، مازالت نائمة ، يا مولاتي .
ومدت الملكة الأم يدها ، ونحّت المربية العجوز عن طريقها ، واقتربت من سرير ابنتها الأميرة لايلي ، نعم ، الأميرة لايلي ، وكما رأتها البارحة ، مازالت مستغرقة في نوم عميق .
واقتربت المربية العجوز من الملكة ، وقالت لها بصوت خافت قلق : مولاتي ، إن الأميرة لايلي هكذا منذ البارحة ، إنني قلقة .
وتمتمت الملكة الأم بصوت تخنقه الدموع : يا ويلي ، يجب أن نفعل شيئاً .
وقفلت الملكة مسرعة إلى الملك ، وقالت له بصوت مضطرب : تعال وانظر ابنتنا لايلي ، إنها نائمة بشكل غريب ، منذ مساء البارحة .
وهرع الملك إلى غرفة الأميرة لايلي ، والملكة تركض وراءه قلقة ، وتوقف يحدق في الأميرة ، ثم قال : أخشى أن الأمر خطير ، فلنستدعي الطبيب .
وحضر الطبيب ، وحضر بعده أكثر من طبيب ، وأجروا فحوصات عديدة للأميرة لايلي ، وانتهوا إلى قرار واحد : إن الأميرة نائمة .
وقال الملك : هذا أمر غريب .
وتساءلت الملكة : متى تستيقظ ؟
فردّ الطبيب الخاص بالعائلة الملكة : بوذا وحده يعلم .
وصمت لحظة ، ثم قال : قد تستيقظ غداً ، أو بعد غد ، أو بع أسبوع ، أو بعد شهر ، أو ..
وصمت الطبيب ، ولم يضف كلمة أخرى ، نعم ، الأميرة لايلي نائمة ، ولم تستيقظ من نومها ، لا في اليوم التالي ، ولا في الأسبوع التالي ، ولا في الشهر التالي ، بل ولا في السنة التالية ، وها قد مرت حوالي سبع سنوات ، والأميرة لايلي نائمة .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
ذات يوم ، حوالي منتصف النهار ، دخل الحاجب على الملك والملكة ، وكانا في قاعة العرش ، وانحنى لهما ، وقال مخاطباً الملك : مولاي ، الأمير دينتال ، أمير مملكة بلاد الفانالا .
واتسعت عينا الملكة ، وتمتمت : دينتال !
وهب الملك من مكانه ، وقال منفعلاً : الأمير دينتال ؟ أين هو ؟
ورد الحاجب مضطرباً : بالباب ، يا مولاي .
وبدل أن يقول الملك للحاجب كالعادة " فليدخل " ، نحّاه عن طريقه ، وأسرع بخطاه الشائخة إلى الباب ، ووراءه أسرعت الملكة ، وإذا الأمير دينتال يقف بالباب ، نافد الصبر ، فحب به قائلاً : أهلاً ومرحباً بك ، أيها الأمير العزيز ال ..
وقاطعه الأمير دينتال متسائلاً : أين الأميرة لايلي ؟ لقد جاءني الإله بوذا ، وطلب مني أن آتي إليها .
ونظر الملك إلى زوجته محرجاً ، لا يدري ماذا يقول ، فقالت الملكة الأم : إنها نائمة ..
ونظر الأمير دينتال إلى الملك ، الذي قال : نعم ، إنها نائمة منذ أن غادرتنا .
فقال الأمير دينتال : خذاني إليها ، أريد أن أراها .
وسارت الملكة الأم ، متجهة إلى غرفة الأميرة لايلي ، وهي تقول : تفضل ، سآخذك إليها .
وسار الأمير دينتال وراءها ، وفي أثرهما سار الملك ، ودخلوا غرفة الأميرة لايلي ، فنهضت المربية العجوز مندهشة ، ووقفت جانباً .
وتوقفت الملكة أمام سرير الأميرة لايلي ، التي كانت مستغرقة في نوم عميق ، وقالت : ها هي الأميرة لايلي ، وهي نائمة منذ حوالي سبع سنوات .
وتقدم الأمير دينتال من الأميرة لايلي ، وانحنى عليها ، ثم قال بصوته الهادئ الدافئ : لايلي .
وعلى الفور ، تحركت رموش الأميرة لايلي ، وسرعان ما فتحت عينيها ، وما إن رأت الأمير دينتال ، حتى تساءلت فرحة : دينتال !
فردّ الأمير دينتال قائلاً : نعم ، دينتال .
واعتدلت الأميرة لايلي ، وقالت : كنتُ أظنّ أنك عدت إلى مملكتك ، في بلاد الفانالا .
فقال الأمير دينتال : لن أعود إلى مملكتي ، إلا وأنتِ معي ، يا لايلي .
ونظرت الأميرة لايلي إلى أبيها ، وقالت : بابا .
وهزّ الملك رأسه مغالباً دموعه ، ولم يتفوه بكلمة ، ونظرت لايلي إلى أمها ، وقالت : ماما .
فقالت الملكة الأم من بين دموعها : سأفرح لفرحك ، أينما كنتِ ، يا عزيزتي لايلي .

27 / 8 / 2016




الساحر جحا
وتيمورلنك

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ أشهر ، وجحا يبحث عن عمل ، يناسب " عبقريته " ، لكن دون جدوى ، وذات يوم ، ربما عند منتصف الليل ، وزوجته أم جحيح ، تغط في النوم إلى جانبه ، هبّ من رقاده صارخاً : وجدته .
وفزّت أم جحيح ، وراحت تخبط بيديها الثقيلتين يميناً ويساراً ، متسائلة : ماذا .. ماذا ؟
وردّ جحا : العمل ، وجدته .
وحدقت أم جحيح فيه ، رغم ظلام الغرفة ، وقالت : لن يصلح لك إلا عمل واحد ، يا ..
وقاطعها جحا صارخاً : لن أعمل حمالاً ، أنا جحا ، وليس حمالاً .
وصمت لحظة ، ثم قال : عمل سهل ، ومربح ، سأعمل ساحراً ، وستكوني مساعدتي .
وفتحت أم جحيح عينيها في الظلام ، وقد طار النوم منهما ، وسرعان ما أغلقت عينيها خائفة ، حين سمعت جحا يقول : سيكون لي شيطان يخدمني .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
أفاق جحا في صباح اليوم التالي ، ليس فقط على صياح ديك ملا قادر ، بل على مأمأة عنزة جارتهم العجوز عيوشة أيضاً .
وبحث ملا قادر عن ديكه ، لكنه لم يجد له أثراً ، وكيف يجد له أثراً ، والساحر جحا قال أمام العديد من الناس ، إن الثعلب قد اختطفه ؟
ودارت العجوز عيوشة في كلّ مكان ، باحثة عن عنزتها العزيزة ، لكن دون جدوى ، ترى أين اختفت العنزة ؟ هذا ما حير عيوشة ، وأحزنها .
وذات ليلة ، دُفع باب العجوز عيوشة ، ودخلت امرأة كأنها قطعة من الليل ، وخاطبت العجوز عيوشة قائلة : إذا أردتِ أن تعرفي مكان عنزتك ، اذهبي إلى الساحر العظيم جحا ، واسأليه .
ولم تتمالك العجوز عيوشة نفسها ، فتساءلت مستغربة ، ومستنكرة : جحا !
فردت قطعة الليل ، قبل أن تغادر الكوخ ، وتصفق الباب وراءها : لن تجدي عنزتك إذن .
ورغم ذلك ، أخذت عكازها ، وقصدت بيد جحا ، وطرقت باب بيته ، وسرعان ما أطلّ جحا ، وقال مغالباً فرحته : عيوشة ، أهلاً ومرحباً ، تفضلي .
فقالت العجوز عيوشة بصوتها الحاد : قيل لي إنك تعرف مكان عنزتي .
فردّ جحا قائلاً : نعم ، أعرف مكانها .
ورقت ملامح العجوز عيوشة ، وقالت : جحا ، سأموت إذا لم أعثر على عنزتي .
وحدق جحا في وجهها الشائخ ، كما يفعل السحرة المتمرسين عادة ، ثم قال : لا تخافي ، يا عيوشة ، ها هي عنزتك الرعناء ، ترعى العشب على ضوء القمر ، في بستان الشيخ صالح .
وفي فجر اليوم التالي ، ذهبت العجوز عيوشة إلى بستان الشيخ صالح ، ووجدت عنزتها العزيزة ، راقدة تحت إحدى اشجار البستان .
وشاع خبر عنزة العجوز عيوشة ، وكيف أنها ضاعت ، ولم تعثر لها على أثر ، حتى دلّ على مكانها ، الساحر العظيم جحا ، وانتشر الخبر من مكان إلى مكان ، حتى وصل إلى .. تيمورلنك .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
استدعى تيمورلنك جحا إلى قصره ، بعد عدة أيام ، ومثل جحا بين يديه منهاراً ، فقال له : جحا ، عرفت بقدراتك السحرية ، وأريدك في أمر هام .
واتسعت عينا جحا ، وقلبه يخفق بشدة ، وقال متأتئاً : مو .. مو ..لاي .
وتابع تيمورلنك قائلاً : فقدتُ خاتماً ثميناً ، أهداه لي جدي ، أريد أن تجده لي .
واشتدت تأتأة جحا ، وهو يقول مضطرباً ، مرعوباً : لكن .. مو.. مو .. ومو .. لاي ..
فقاطعه تيمورلك ثانية ، وقال مهدداً بصوت حاسم : أريد هذا الخاتم غداً وإلا ..
ولكي يضمن تيمورلنك استرجاع الخاتم ، في الموعد المحدد ، ولكي لا يفكر جحا في الهرب ، أمر بإيداعه في إحدى غرف القصر المنعزلة .
وعند منتصف تلك الليلة ، جاته جارية من جواري تيمورلنك ، وقال له متوسلة ، وهي تكاد تنهار : جحا ، استر عليّ وإلا هلكت .
وخمن جحا ما تريد الجارية أن تقوله ، فقال لها : قولي الحقيقة ، ولكِ الأمان .
فقالت الجارية ، وهي تتشبث بجحا ، ودموعها تغرق عينيها : أمي مريضة ، تكاد تموت ، وليس لدينا ما نعالجها به ، فسرقتُ الخاتم .
وتنفس جحا بشيء من الارتياح ، وقال لها : أين هو ، هذا الخاتم ؟
فردت الجارية قائلة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
وفي صباح اليوم التالي ، مثل جحا بين يدي تيمورلنك ، وكان مرتاحاً هذه المرة ، وقال : مولاي ، اطمئن ، لقد وجدنا خاتك الثمين .
وبدا الفرح على تيمورلنك ، وقال : أحسنت ، يا جحا ، سأجعلك ساحر القصر ، أين هو ؟
فقال جحا بنفس الروح المطمئنة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
ونظر تيمورلنك إلى وزيره ، فقال الوزير : في نهاية الحديقة ، يا مولاي ، هناك شجرتا رمان ، الأولى رمانها حلو ، والثانية رمانها حامض .
والتفت تيمورلنك إلى جحا ، وقال : تحت أي الشجرتين ، خاتمي ، يا جحا ؟
وأسقط في يد جحا ، ووقف حائراً مرتبكاً ، فالجارية لم تخبره بوجود شجرتي رمان ، فما العمل ؟ فقال متردداً : الحلو .. لا .. نعم .. نعم .. الحلو .
وحدق تيمورلنك فيه مهدداً ، وقال : إذا لم يجدوا الخاتم ، تحت شجرة الرمان الحلو ، كما تقول ، يا جحا ، سأجلدك خمسين جلدة .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
من سوء حظ جحا ، إنهم لم يجدوا خاتم تيمورلنك ، تحت شجرة الرمان الحلو ، وإنما وجدوه تحت شجرة الرمان الحامض .
وأحضر جحا ، ووقف منهاراً أمام تيمورلنك ، وقال : عفو مولاي ، الخطأ ليس خطئي .
وتساءل تيمورلنك غاضباً : خطأ من إذن ؟
فردّ جحا قائلاً : خطأ شيطاني .
واتسعت عينا تيمورلنك ، وتمتم : شيطانك !
فقال جحا : إنه غاضب مني ، هذا اللعين ، وأراد أن يعاقبني ، ف ..
وحدق فيه تيمورلنك ملياً ، ثم قال : لن أعاقبك ، يا جحا ، بل سأعاقب شيطانك .
ونظر جحا إلى تيمورلنك صامتاً ، مترقباً ، قلقاً ، فتابع تيمورلنك قائلاً : سأجلده ، سأجلد شيطانك ، وهو في داخلك ، خمسين جلدة .
وشهق جحا منهاراً ، فصاح تيمورلنك : أيها الجلاد ..
وانهار جحا ، راكعاً أمام تيمورلنك ، وقال : سأموت قبل الجلدة العاشرة ، لكن هذا لا يهمني ، يا مولاي ، فأنا أخاف عليك .
وحدق تيمورلنك في جحا متسائلاً ، فتابع جحا قائلاً : أخبرني شيطاني ، بأني سأعيش طويلاً ، وإذا متّ فسيموت سيدي تيمورلنك بعدي بثلاثة أيام .
وتراجع تيمورلنك ، وقلبه يخفق بشدة ، والتفت إلى وزيره ، وقال : فليخصص قصر كبير لجحا وعائلته ، يحيط به الحرس المدججون بالسلاح ليل نهار ، وليعين له طبيب خاص يعنى بصحته ، فأنا لا أريده أن يمرض ، و .. ويموت .
وانحنى الوزير لتيمورلنك ، وقال : أمر مولاي .


29 / 8 / 2016















فتاة البحيرة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ أن تفتحت عيونهم على الدنيا ، وهما معاً لا يفترقان ، فكوخ أهل جوين في القرية ، يقع قرب كوخ أهل تيلفريتش .
وحين بلغ جوين ، التاسعة من عمره ، راح يرعى بقرات أهله الثلاث ، ومعه راحت تيلفريتش ترعى بقرتي أهلها ، حين بلغت السابعة من العمر .
وكبرا معاً ، جوين وتيلفريتش ، وهما يرعيا أبقار أهلهما ، في المرعى المعشب ، قرب البحيرة ، حتى صارا شابين ممتلئين بالحيوية والعنفوان .
وكما كانا يتبادلان الطعام ، الذي كانا يأتيان به من أهلهما ، كلّ يوم ، كانا يتبادلان الحديث في شتى المواضيع ، وحتى عندما كانا يصمتان ، فإن مشاعرهما وعواطفهما المشتركة ، لم تكن لتصمت .
وذات يوم ، جاء جوين ببقراته الثلاث إلى المرعى ، قبل أن تأتي تيلفريتش ، وجلس ينتظرها بصبر نافد ، فوق مرتفع ، يطل على البحيرة ، فيومه لا يطيب ـ لا يدري لماذا ـ إلا إذا كانت تيلفريتش ترعى بقرتيها على مقربة من أبقاره الثلاث .
وحانت منه نظرة ، عن غير عمد ، إلى البحيرة ، وكانت هادئة ساكنة صافية كالمرآة ، وفجأة رأى فتاة شابة ، تبدو في عمر تيلفريتش ، تسرح شعرها الذهبي ، متخذة البحيرة الصافية مرآة لها .
وهنا وتناهى إليه صوت تيلفريتش ، تنادي من بعيد ، جوين .
وعلى الفور ، اختفت فتاة البحيرة ، وكأن الأعماق انشقت وابتلعتها ، ووصلت تيلفريتش إليه ، وقالت : ناديتك ، يا جوين ، ولم ترد ، ما الأمر ؟
لم يردّ جوين عليها ، فحدقت تيلفريتش فيه مستغربة ، وقالت : جوين ..
ونظر جوين إليها ، وقال : قبل أن تأتي ، رأيت فتاة في عمركِ ، تقف وسط البحيرة تسرح شعرها ، شعرها ذهبي كشعرك ، وعيناها زرقاوان .
وضحكت تيلفريتش ، وقالت : لعل هذه الفتاة ، ذات الشعر الذهبي ، والعينين الزرقاوين ، هي أنا ، أنا تيلفريتش ، ولا أحد غيري .
ولاذ جوين بالصمت ، فأطرقت تيلفريتش ، ولاذت بالصمت هي الأخرى .




" 2 "
ـــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ، قاد جوين بقراته الثلاث ، في وقت مبكر ، إلى المرعى ، وجلس فوق المرتفع ، المطل على البحيرة ، وراح ينتظر فتاة البحيرة ، لعلها تظهر قبل مجيء تيلفريتش .
وخفق قلبه بشدة ، وفرح ، حين ظهرت الفتاة ، ووقفت فوق سطح البحيرة ، وهذه المرة لم تنشغل بتسريح شعرها الذهبي ، وإنما رفعت عينيها الزرقاوين ، الصافيتين كسماء الصيف ، وراحت تتطلع إليه .
ونهض جوين ، وعيناه لا تفارقان عينيها ، وهبط ببطء من المرتفع ، وتوقف عند حافة البحيرة ، وقال بصوت رقيق : عمتِ صباحاً .
لم تردّ الفتاة تحيته ، هذا صحيح ، لكنه لاحظ ، رغم بعدها عنه ، أن ملامحه الرقيقة ، راحت تشفّ وتتألق ، فأشار إلى نفسه ، وقال : أنا جوين ، اسمي وين ، وأنتِ ، ما اسمكِ؟
وخيل لجوين ، أن الفتاة فتحت فمها ، ربما لتردّ عليه ، لكن ، في تلك اللحظة ، جاءه صوت تيلفرتيش تصيح من بعيد : جوين .
وعلى الفور ، اختفت فتاة البحبرة ، كأن ماء الأعماق انشقت وابتلعتها ، ووصلت تيلفرتيش إلى المرتفع ، وقالت : جوين ، ماذا تفعل عندك ؟
وردّ جوين بشيء من الحدة : هذه هي المرة الثانية .
ولاذت تيلفرتيش بالصمت محبطة ، فصعد جوين المنحدر ، وهو يقول : كنت أكلمها ، فتاة البحيرة ، وكادت تردّ عليّ ، حين ناديتني .
وتراجعت تيلفرتيش إلى الوراء ، وقالت : عفواً ، لن تكون هناك مرة ثالثة .
وانسحبت إلى بقرتيها ، صامتة حزينة ، وأخذتهما إلى طرف المرج ، وبقيت هناك معهما ، حتى عادت وحدها قبيل المساء إلى القرية .
واعترى جوين شعور بالحزن والندم ، ربما ظلم تيلفرتيش ، وهمّ أكثر من مرة ، أن ينهض من مكانه ، ويذهب إليها ، ويقدم لها شيئاً من الطعام ، كما يفعل كلّ يوم ، لكنه لم ينهض ، ولم يذهب إليها ، وإن داخله شعور بأنه سيندم على ذلك .
وقبيل المساء ، وبعد أن لاحظ أن تيلفرتيش قد عادت ببقرتيها إلى القرية ، نهض من مكانه ، وقاد بقراته الثلاث ، عائداً إلى القرية .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
أوى جوين إلى فراشه ، في وقت مبكر من الليل ، وأغمض عينيه ، لعله ينام ويرتاح ، ومرت ساعات وساعات ، لكنه لم ينم .
وبدل فتاة البحيرة ، ربما أرقته تلفرتيش ، لعلها غضبت منه ، لقد كلمها اليوم بشيء من الحدة ، وهذه أول مرة يحتد عليها ، ومن يدري ، فقد تأخذ بقرتيها غداً ، وترعى بهما بعيداً عنه .
وانقلب على جنبه ، لتفعل تلفرتيش ما تشاء ، إنها حرة ، واعتدل في فراشه ، وكان القمر يطل بدراً على القرية من بين الغيوم ، ونهض متسللاً من الكوخ ، وبدون ارادة منه ، قادته قدماه إلى المرعى ، ووقف فوق المرتفع ، المطل على البحيرة .
وبدل فتاة البحيرة ، ذات الشعر الذهبيّ ، والعينين الزرقاوين ، لاحت له تلفرتيش ، تقف فوق سطح الماء ، والقمر يطل عليها من بين الغيوم ، ماذا جرى ؟ وبهدوء استدار ، وقفل عائداً من حيث أتى .
وحين وصل القرية ، لم يتجه إلى كوخهم ، وإنما اتجه إلى كوخ تلفرتيش ، وتوقف أمام نافذتها ، ومدّ يده ، ونقر عليها برفق ثلاث نقرات .
وتناهى إليه وقع أقدام خفيفة ، ثم فُتحت النافذة ، وأطلت منها تلفرتيش ، وما إن رأته ، يقف تحت ضوء القمر ، حتى قالت مندهشة بصوت خافت : جوين .
ومال جوين عليها ، وهمس بصوت خافت : تلفرتيش ، جئتُ لأقول لكِ شيئاً .
وردت تلفرتيش بصوت خافت : جوين ، نحن في منتصف الليل .
واستطرد جوين قائلاً : غداً ، حين تأتين إلى المرعى ، لا تجلبي معك أي طعام .
وحدقت تلفرتيش فيه مندهشة ، فقال جوين : سأعدّ طعاماً بنفسي ، لي ولكِ .
وابتسمت تلفرتيش ، وقالت : أشكرك .
وهمت أن تغلق النافذة ، وهي تقول : اذهب الآن ، قبل أن يفيق أبواي .
ومدّ جوين يده ، وأمسك درفة النافذة ، وقال : لحظة ، يا تلفتيش ، لحظة .
وقالت تلفرتيش : نعم .
فتساءل جوين : هل تجيدين الطبخ ؟
ونظرت تلفرتيش إليه حائرة ، فتابع قائلاً : لا أرد للفتاة ، التي سأتزوجها ، أن لا تجيد الطبخ .
وندت حركة من داخل الكوخ ، فأغلقت تلفرتيش النافذة ، وهي تقول بصوت متهدج ، والفرحة تغرق عينيها بالدموع : اذهب ، لقد أفاق والداي .

31 / 8 / 2016






البجعة

" 1 "
ـــــــــــــــــــ
عاد جوستاف إلى البيت ، قبيل المساء منقبض الصدر ، لا يدري لماذا ، وقد ازداد انقباض صدره ، حين لم يرَ في البيت ، على غير العادة ، لا زوجته سيسيلا ، ولا ابنته الصغيرة آنّا .
ودخل على أمه ، في غرفتها ، وكانت متمددة كالعادة في فراشها ، فهي امرأة عجوز مريضة ، وقال متسائلاً : أين آنّا وسيسيلا ؟
واعتدلت الأم في فراشها متأوهة ، وقالت : أخبرتني سيسيلا ، بأنها ستذهب إلى البحيرة ، وقد أخذت مها الصغيرة آنّا .
ومع غروب الشمس ، أقبلت سيسيلا متجهمة ، ومعها الصغيرة آنّا ، وألقت نظرة سريعة إلى جوستاف ، وهو يقف في الفناء ، ثم دخلت غرفتها ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة .
وعقب العشاء ، وبعد أن أوت آنّا إلى فراشها ، رقد جوستاف في فراشه ، وإلى جانبه تمددت سيسيلا صامتة ، والقنديل يضيء غرفتهما الصغيرة .
ومن غير أن يلتفت إلى سيسيلا ، قال جوستاف بصوته الهادئ : منذ فترة طويلة ، لم تذهبي إلى الغابة والبحيرة .
وكما لو كانت تحدث نفسها ، قالت سيسيلا : صباح البارحة ، وصباح اليوم ، رأيتُ بجعتين تأتيان من بعيد ، وتحومان فوق الغابة والبحيرة .
واعتدل جوستاف في فراشه ، وقال : ابنتنا آنّا ستبلغ السابعة بعد أسابيع قليلة .
وأبعدت سيسيلا عينيها عن القنديل ، وقالت : آه ما أسرع مرور السنين .
وأغمضت عينيها ، ثم قالت : تصبح على خير .
وتمدد جوستاف في مكانه ، وردّ قائلاً بصوته الهادئ : تصبحين على خير .
لم ينم جوستاف ، وسرعان ما سمع سيسيلا تغط في النوم ، نعم ، لقد مرّت أكثر من سبع سنوات على زواجهما ، ولعله شعر مؤخراً بأنها بدأت تتآلف مع حياتها في البيت ، ولكن ها هي البجعتان ، اللتان جاءتا من حيث لا يدري ، تعيدان مخاوفه السابقة ، إلى ما كانت عليه من قبل .

" 2 "
ــــــــــــــــــــ
أفاق جوستاف في اليوم التالي ، وإذا سيسيلا قد أفاقت قبله ، وأراد أن يقول لها " صباح الخير " ، لكنها عاجلته بقولها : جوستاف ، خذني إلى البحيرة .
واعتدل جوستاف ، وقال : يبدو أنك رأيتِ البجعتين صباح اليوم أيضاً .
فقالت سيسيلا : نعم ، رأيتهما ، لكن في المنام ، وأشارتا لي أن تعالي .
ونهض جوستاف ، وقال : أخشى أنكِ لم تري البجعتين ، البارحة وقبل البارحة ، إلا في المنام أيضاً .
وبدل أن تردّ سيسيلا عليه ، قالت بنبرة رجاء : مهما يكن ، خذني إلى البحيرة .
ونظر جوستاف إليها ، وقال : لنفطر أولاً ، ثم نذهب إلى البحيرة ، أنا وأنتِ فقط .
وبعد أن تناولوا طعام الفطور ، أخذ جوستاف زوجته سيسلا إلى البحيرة في الغابة ، تاركاً ابنته آنّا مع جدتها العجوز في البيت .
وقبيل منتصف النهار ، وصلا البحيرة ، وتوقفت سيسيلا على الشاطئ ، تتلفت يمناً ويساراً ، ثم رفعت رأسها إلى الأعلى ، فتوقف جوستاف ، على مقربة منها ، وقال : لا أثر للبجعتين .
وهزت سيسيلا رأسها ، ثم طافت بعينيها فيما حولها ، وقالت : هنا كنّا نأتي ، أنا وأختاي ، فننزع ثيابنا الريش ، ونلهو في الماء ساعات وساعات .
وصمتت لحظات ، ثم قالت بصوت حزين : حتى كان يوم ، افتقدت فيه ثوبي الريش ، بعد أن لهونا ، ولم أعثر له على أثر ، واضطرت أختاي أن تمضيا ، وتتركاني وحيدة ، في هذا المكان .
واقترب جوستاف منها ، وقال : وجئت في الوقت المناسب ، ولففتكِ بقميصي ، وحملتكِ إلى البيت ، وها قد مرت أكثر من سبع سنوات .
وتنهدت سيسيلا متمتمة : آه .
ومدّ جوستاف يديه إليها ، وضمها إلى صدره ، وقال : آمل أنكِ كنت سعيدة ، ولو بعض الوقت ، خلال هذه السنين السبعة .
ورفعت سيسيلا عينيها إليه ، وقالت : بل كنتُ سعيدة ، أمك .. وصغيرتنا .. و ..
وصمتت سيسيلا ، فقال جوستاف : وأنا ؟
فردت سيسيلا ، وهي تنسل من بين ذراعيه : وأنت .
وسارت سيسيلا بضع خطوات ، وهي تقول ، كأنما تحدث نفسها : لو أعرف فقط ، كيف اختفى ثوبي الريش ، ومن أخفاه ، آه .

" 3 "
ــــــــــــــــــ
قبيل منتصف النهار ، في اليوم التالي ، فوجئت سيسيلا ، وهي تجلس في فناء البيت ، بجوستاف يتقدم منها ، ويضع أمامها الثوب المنسوج من الريش .
وحدقت سيسيلا في الثوب ، وقد اتسعت عيناها ، واعتراها الذهول ، وتمتمت : جوستاف !
فتراجع جوستاف قليلاً ، وقال : ثوبك .
ورفعت سيسيلا عينيها إليه ، وقالت : لم يخطر لي .. أن الثوب .. يمكن أن يكون .. عندك .
وصمتت سيسيلا ، ربما اختنقت بدموعها ، فقال جوستاف : من يحب يقدم على المستحيل .
وهزت سيسيلا رأسها ، وقالت : كلّ ظني ، أنني لن أرى هذا الثوب ثانية .
وقال جوستاف : حاولت أكثر من مرة ، أن أحرقه ، لأقطع عليك طريق الابتعاد عني ، لكني لم أستطع ، إنه ثوبك ، الذي جاء بكَ إليّ .
ونهضت سيسيلا ، وهي تحدق في الثوب ، ثم قالت : يبدو أنه لم يعد يلائمني ، لقد امتلأ جسمي بعض الشي ، عما كنت عليه قبل سبع سنوات .
ونظر جوستاف إليها ، وقال دون أن يبتسم : لم يتغير جسمك كثيراً ، خلال هذه المدة .
ولاذت سيسيلا بالصمت ، وهي مازالت تحدق في الثوب ، فقال جوستاف : جربيه ، هيا .
ومدت سيسيلا يديها في تردد ، وبشيء من الخوف فردت الثوب ، فقال جوستاف : جربيه ، يا سيسيلا ، وسترين أنه مازال يلائمكِ .
وبهدوء ، وتصميم ، راحت سيسيلا ترتدي الثوب ، حتى لبسته تماماً ، وفردت جناحيها مرفرفة ، وكأنها تجربهما ، وخفق قلب جوستاف ، وداخله شعور غامض بالخوف ، لكنه مع ذلك قال : انظري ، إنه مازال ملائماً لكِ .
وعلى حين غرة ، انتفضت سيسيلا ، وقد فردت جناحيها على سعتهما ، وانطلقت كالسهم إلى الأعلى ، وأسرع جوستان ، وقد مدّ يديه الملهوفتين ، محاولاً الامساك بها ، وهو يهتف ملتاعاً : سيسيلا .
لم تلتفت سيسيلا إليه ، وواصلت طريقها إلى الأعلى ، ثمّ مالت كما الطير ، وانطلقت نحو الغابة ، وسرعان ما غابت بين الأشجار .


× ـ عن حكاية سويدية .

5 / 9 / 2016








حورية البحر

" 1 "
ــــــــــــــــــ
حتى قبل أن يتزوجا ، تعاهد هانس وسيسيلا ، على الوفاء والاخلاص لبعضهما البعض ، مدى الحياة ، ومهما كانت الظروف .
وقالت سيكل وقتها : سأكون لك إلى الأبد .
وتساءل هانس مازحاً : حتى لو لم أكن موجوداً ؟
وردت سيكل بحماس : نعم ، حتى لو غبت لأي سبب من الأسباب .
وربما امعاناً في المزاح ، قال هانس : هذا ما تقوله حفيدة حواء دائماً .
وبحماس أشد ، قالت سيسيلا : بل قول وفعل ، بعكس حفدة آدم .
وبعد الزواج ، ازدادت سيكل قناعة في رأيها ، وطالما قالت لهانس ، بمناسبة أو غير مناسبة " أنت لي ، وأنا لك إلى الأبد " ، وكان ذلك يُفرح هانس ، ويزيد من تعلقه بها .
وتعكرت فرحة سيكل بعض الشي ، عندما قل لها هانس مرة ، بعد عودته من الصيد في البحر : سيكيل ، لقد رأيت اليوم .. حورية البحر .
وغالبت سيكيل عواطفها ، وردت قائلة : حورية البحر خرافة ، هذا ما تقوله جدتي .
ولاحظت سيكيل بشيء من التأثر ، أن عيني هانس غابتا في البعيد ، وهو يقول : لكني رأيتها ، رأيت حورية البحر ، يا سيكيل .
ولكي لا يُعكر هانس صفو سيكيل ، لم يذكر حورية البحر أمامها مرة أخرى ، حتى إنها فكرت أن تسأله عنها ، وعما إذا كان يراها في البحر ، عندما يخرج إلى الصيد ، لكنها لم تفعل ذلك .
والحقيقة أن هانس رأى حورية البح ثانية وثالثة و .. وحيته أكثر من مرة ، بل وحدثته عن نفسها ، وقالت له : إن أبي هو ملك البحار .
ورد هانس قائلاً : لابد أنكم تعيشون في الأعماق .
وقالت الحورية : نعم ، ولنا قصر كبير جداً ، يضاهي قصور الملوك عندكم على الأرض .
ولاذ هانس بالصمت ، فاقتربت حورية البحر منه ، وقالت : تعال ، وشاهد قصرنا .
فقال هانس : إنني متزوج .
ومالت حورية البحر عليه ، وقالت : تعال وسأسعدك أكثر مما تسعدك زوجتك .
لم يردّ هانس عليها ، فتراجعت الحورية سابحة إلى الوراء ، وهي تقول بصوت مغري : سآتي إليك يوماً ، وسآخذك إلى قصر الأعماق .

" 2 "
ــــــــــــــــــ
أوت سيكيل إلى فراشها ، في وقت مبكر من الليل ، وسرعان ما راحت تغط في نوم عميق ، وتمدد هانس إلى جانبها ، وحاول أن يغفو ، لعله ينال قسطاً من الراحة ، لكن دون جدوى .
وتراءت له حورية البحر ، تحوم حول قاربه وسط البحر ، وقطرات الماء تتلامع فوق وجهها ، تحت أشعة الشمس ، وقالت : سآتي ، وآخذك .
وانتبه إلى الباب ، يُدفع برفق ، والتفت ببطء ، وعيناه ترتعشان ، وعلى ضوء القنديل الخافت ، رأى ذراعاً تمتد نحوه ، والماء يقطر منها ، فاقترب من زوجته ، كأنه يحتمي بها من الذراع الممدودة .
وانسحبت الذراع ببطء ، وسمع الباب يُغلق ، دون أن يصدر عنه صوت ، إنها حورية البحر ، يبدو أنها جادة ، لكنه متزوج ، وهو يحب زوجته .
وتململت سيكيل ، فمد هانس ذراعيه واحتضنها ، وكأنه يخشى أن يفقدها ، أو يخرج من حياتها ، وسرى دفء في كيانه ، وسرعان ما استغرق في النوم .
وفي ليلة اليوم التالي ، وسيكيل مستغرقة في نوم عميق ، وقد تمدد هانس إلى جانبها ، وقلبه يخفق خوفاً ، من أن يتكرر ما حدث في الليلة السابقة .
وانتفض قلبه في صدره ، إذ سمع الباب يدفع برفق ، كما في الليلة السابقة ، وكما في الليلة السابقة ، امتدّ ذراع عبر فتحة الباب ، والماء يقطر منه ، وأشارت له إحدى أصابع كفها ، أن تعال .
وهذه المرة ، لم يقترب هانس من زوجته ، التي تغط إلى جانبه ، ولم يحتمي بها ، وإنما مدّ ذراعه إلى الذراع الممتدة ، وكالمسحور وضع أصابعه بين أصابعها ، التي كان يقطر منها الماء .
وعلى الفور ، شعر بالذراع الممتدة عبر الباب ، تسحبه برفق من الفراش ، وتأخذه إلى الخارج ، وشعر بها تسير به في الظلام ، حتى انتهى إلى البحر .
وفي اليوم التالي ، أفاقت سيكيل مبكرة ، ومدت ذراعها الدافئة ، إلى حيث ينام هانس ، وفتحت عينيها متكاسلة ، لم يكن هانس في مكانه ، وتذكرت أنه أخبرها البارحة ، بأنه لن يذهب اليوم إلى البحر للصيد ، فما الذي أيقظه ، وجعله يغادر فراشه ؟
وفكرت ، وهي تتقلب في فراشها الدافئ ، بأنه ربما خرج من الكوخ ، ليشاهد الشمس ، وهي تشرق من وراء الجبال البعيدة .
آه هانس ، إنه مازال يحمل مشاعر الشاب الفتيّ العاشق ، رغم مرور أكثر من سنة عل زواجهما ، لكن ها هي الشمس تشرق ، وترتفع ببطء في السماء ، دون أن يعود هانس إلى فراشه .
ونهضت سيكيل من فراشها ، وخرجت من الكوخ ، وراحت تتلفت يميناً ويساراً ، لكن دون جدوى ، ومرت الساعات والأيام وأسابيع والأشهر ، لكن لا أثر لهانس ، ترى أين مضى ؟

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
مرت أشهر عديدة ، وسيكيل تبحث عن هانس ، في كلّ مكان ، دون جدوى ، لكنها لم تصدق أنه سيغيب نهائياً ، وأنها لن تراه ثانية ، وتمنت لو يدفع الباب يوماً ، ويدخل عليها في غرفتها .
ودُفع باب البيت ، ذات مساء ،لكن الداخل لم يكن زوجها هانس ، وإنما جانر ، الذي هاجر بعيداً عنها ، قبل أكثر من سنتين ، وما إن رأته سيكيل حتى قالت مذهولة : جانر ! أهذا أنتَ ؟
واقترب جانر منها ، وقال بصوت حزين : طاب مساءكِ ، يا سيكيل .
وردت سيكيل قائلة : لكنك ، حين هاجرت بعيداً ، قلت بأنك لن تعود .
فقال جانر بنفس صوته الهادئ الحزين : هذا ما قلته ، بعد أن رفضتني ، وتزوجتِ من هانس ، وهو في الحقيقة ، كان يستحقك .
وصمت لحظة ، ثم قال : لكني تراجعتُ عما قلته ، عندما علمت بأنك في محنة شديدة ، بعد أن اختفى هانس من حياتكِ ، بهذه الصورة الغامضة .
وأطرقت سيكيل حزينة ، دامعة العينين ، فقال جانر : جئت لأساعدك في البحث عن هانس .
ورفعت سيكيل عينيها ، ومسحت منهما الدموع ، وقالت : أشكرك ، أنت انسان طيب ، يا جانر .
ومع عودة جانر ، عاد شيء من الأمل إلى سيكيل ، من يدري ، ربما تجد هانس ، أو تعثر على أثر له بمساعدة جانر ، فهو صياد مجرب ، وله خبراته الكبيرة ، وسيبذل قصارى جهده من أجلها .
ومرت أيام وأسابيع وأشهر ، ولم يجدا هانس ، أو يعثرا على أثر له في أي مكان ، ومع مرور الوقت ، ولقرب جانر من سيكيل ، عادت إليه عواطفه القديمة ، لقد أحبها ، ومازال يحبها ، وكان يتمنى أن تكون له ، لكنها صارت لهانس ، وها هو هانس قد اختفى ، ولم يعد له أثر في أي مكان .
حتى كانت ليلة ، وكانا يجلسان جنباً إلى جنب ، قرب موقد تشتعل فيه النيران ، نظر جانر إلى سيكيل طويلاً ، ثم قال بصوت هادئ : سيكيل .
ورفعت سيكيل عينيها الحزينتين إليه ، وقلبها يخفق متوجساً ، وتابع جانر قائلاً : الأيام تمر ، والإنسان يكبر ، نحن الآن مازلنا شباباً ، لكن غداً ..
ونهضت سيكيل غاضبة ، وقالت محذرة : جانر ..
ونهض جانر بدوره ، ومال على سيكيل ، وقال : أردتكِ وما زلتُ أريدك ، كان هانس في السابق موجوداً ، لكن الآن لم يعد له وجود .
وقالت سيكيل منفعلة : أنا لهانس ، وسأبقى لهانس إلى الأبد .
ثم مدت يدها ، وأشارت إلى الباب ، وصاحت بانفعال أشد : اذهب ، لا أريد أن أراك في بيتي .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
خلال هذه السنين الثلاث ، التي كانت فيها سيكيل تبحث عن زوجها ، في كلّ مكان دون جدوى ، كان زوجها هانس ، يعيش في قصر اللؤلؤ ، الذي بناه ملك البحار ، لابنته الأثيرة حورية البحر .
ورغم أن حورية البحر ، وفرت لهانس في قصر اللؤلؤ ، كلّ ما كان يتمناه ، وكادت تفقده بسحرها احساسه بالماضي ، إلا أن عالمه على الأرض ، كان يتراءى له أحياناً ، وبالأخص زوجته سيكيل .
وذات يوم ، وهانس وحورية البحر ،يجلسان أمام نافذة واسعة ، تطل على عالم أعماق البحر ، قالت حورية البحر : هذا العالم غاية في الجمال .
فقال هانس ، دون أن يلتفت إليها : مهما يكن ، فهو ليس أكثر جمالاً من عالم الأرض .
ونظرت حورية البحر إليه ، وقالت : اذهب غداً ، وزر قريتك وبيتك .
والتفت هانس إليها ، وكأن أحاسيسه بالماضي عادت إليه ، وتمتم : سيكيل .
ولاحت ابتسامة غامضة على شفتي حورية البحر ، وقالت : سترى زوجتك ، سيكيل .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : لكن ستعود إليّ .
في اليوم التالي ، بعد حلول الظلام ، أخذت حورية البحر هانس إلى الشاطئ ، وأشارت إلى أضواء تتغامز من بعيد ، وقالت : تلك قريتك ، التي غبت عنها ثلاث سنوات ، اذهب يا هانز .
وعلى ضوء القمر ، الذي كان يطل بدراً من السماء ، سار هانس حتى وصل القرية ، واتجه مباشرة إلى بيته ، وأمام باب البيت ، وفي فنائه ، فرأى عشرات القرويين ، نساء ورجالاً وأطفالاً ، يغنون فرحين ، وتلفت مذهولاً ، ترى ماذا يجري ؟
وانسل هانس إلى الفناء ، عبر القرويين اللاهين ، ولم ينتبه إليه أحد ، وفوجئ بزوجته سيكيل ، تقف وسط القرويات ، وتاج العرس والأكاليل تتوج رأسها ، وإلى جانبها ، وفي زينة كاملة ، يقف جانر .
وجمد هانس في مكانه ، يتأمل سيكيل ، دون أن تنتبه إليه ، وقد غمرها الفرح ، وهي تميل على جانر ، وتتبادل الحديث والضحك معه .
وأطرق هانس رأسه ، ثم انسل إلى الخارج عبر القرويين اللاهين ، دون أن يراه أحد ، واتجه ببطء نحو البحر ، حتى غاب في الظلام .

× ـ عن حكاية سويدية .

7 / 9 / 2016














آدزانومي

" 1 "
ـــــــــــــــــــــ
منذ أن تزوجت اويرهو ، بل وحتى قبل ذلك ، تمنت أن يكون لها ابنة ، لكن أمنيتها هذه لم تتحقق ، وبعد حوالي عشر سنوات توفي زوجها ، وبذلك إنتهى أملها أن يكون لها ابنة في حياتها .
وخلال هذه المدة الطويلة ، وكلما زارها الفرح ، وهو قلما يزورها ، وخاصة في الأعياد ، كانت تقول في نفسها " آه لو كانت لي ابنة ، لأسميتها آدزانومي ، ولشاركتني الأفراح هذه " .
وذات يوم ، خرجت اويرهو إلى الحقل ، لجمع بعض حبات البطاطا الحلوة ، وصادف أن اقتلعت مرة حبة بطاطا كبيرة ، ذات استقامة ، وشكل جميل ، فقالت : آه كم سأكون سعيدة ، لو أن حبة البطاطا هذه تتحول إلى ابنة صغيرة لي .
وتحركت حبة البطاطا الحلوة ، بين يدي اويرهو ، وقالت : سأكون ابنة لك ، إذا وعدتني .
فقالت اويرهو بحماس : أعدك بما تريدين ، فقط كوني ابنة لي .
فقالت حبة البطاطا : عديني بأن لا تعيرينني يوماً ، بأنني كنت حبة بطاطا .
فقالت اويرهو بلهفة شديدة : اطمئني ، أعدك بأنني لن أعيرك بهذا ، مهما كان السبب .
وعلى الفور ، وكما تمنت اويرهو ، تحولت حبة البطاطا الحلوة ، إلى فتاة صغيرة ، لها نفس المواصفات التي تمنتها دائماً ، بيضاء البشرة ، ذهبية الشعر ، وعيناها زرقاوان كسماء الصيف .
وفرحت اويرهو أشد الفرح بالطفلة الصغيرة ، وقالت لها : بنيتي ، سأسميكِ آدزانومي ، وهو الاسم الذي أردت أن أطلقه على الطفلة التي ستكون لي ، وها أنتِ لي .. يا آزدانومي .


" 2 "
ــــــــــــــــــ
كما تكبر فتيات الحكايات ، كبرت آدزانومي ، وصارت صبية ، تتألق حسناً وجمالاً ، وقد ازداد حسنها وجمالها تألقاً ، حين التقت بفتى في عمرها تقريباً ، أقبل من قرية تقع وراء الجبال البعيدة .
وقد رأته لأول مرة ، في سوق القرية ، وهي تبيع البطاطا الحلوة ، بدل اويرهو ، فتوقف على مقربة منها محدقاً فيها ، فرفعت عينيها الزرقاوين إليه ، وقالت : ألديّ بطاطا حلوة .
فابتسم الفتى ، وقال : اسمي كويكو .
وقالت آدزانومي : أتريد بطاطا ؟
فردّ كويكو قائلاً : أريدكِ أنتِ .
وابتسمت آدزانومي ، وقلبها يخفق فرحاً ، لكنها لم تردّ عليه ، فقال : قريتي وراء ذلك الجبل البعيد ، ولي كوخ يطل على النبع ، تعالي وشاركيني العيش فيه .
ونظرت آدزانومي إليه ، وقالت : لا أظن أن أمي توافق على طلبك .
وأطرقت رأسها ، ولاذت بالصمت ، وتمنت بينها وبين نفسها ، أن توافق أمها اويرهو ، فتذهب مع كويكو ، وتعيش معه في الكوخ المطل على النبع .
ومنذ ذلك اليوم ، وكويكو لا يكاد يفارق آدزانومي ، حتى تنتهي من بيع ما معها من بطاطا حلوة ، فتودعه ، وتعود وحدها إلى الكوخ .
وذات يوم ، سار كويكو معها في طريق العودة ، حتى لاح الكوخ من بعيد ، واويرهو تقف بالباب ، فتوقفت آدزانومي ، وقالت : تلك أمي ، وأخشى أن تكون قد رأتنا ، اذهب الآن .
وتوقف كويكو ، وقال : مهما يكن ، سأزوركم مساء اليوم ، وأطلب يدك منها .
فقالت آدزانومي بصوت خافت : لا ، دعني أفاتحها بالأمر أنا أولاً .
وتراجع كويكو بخطوات بطيئة ، وهو يقول : سأنتظرك غداً في السوق .
وواصلت آدزانومي طريقها ، حتى وصلت باب الكوخ ، حيث كانت تقف أمها ، وتابعت اويرهو كويكو حتى غاب ، فنظرت إلى آدزانومي ، وقالت : ذلك الشاب الغريب لا يُطمئن .
وتوقفت آدزانومي في مواجهة أمها ، وقالت : بالعكس ، إنه شاب طيب ، وهو يريدني زوجة له .
واربدّ وجه اويرهو ، وقالت بصوت يشي بانفعالها : يبدو إنه ليس من قريتنا .
وردت آدزانومي قائلة : إنه من قرية بعيدة ، تقع وراء الجبال ، وله فيها كوخ يطل على النبع .
وجنّ جنون اويرهو ، وصاحت : لن تكوني له ، إنه .. إنه شاب غريب .
ودفعت آدزانومي باب الكوخ ، ومضت إلى الداخل ، وهي تقول : إنه يريدني ، وأنا أريده أيضاً ، وسأذهب معه حيثما يذهب .
ولحقت اويرهو بها ، وقد طاش صوابها ، وقالت بصوت منفعل : لا يمكن ، أنتِ لي ، اقتلعتكِ من حقلي ، وكنتِ مجرد حبة بطاطا .
وصمتت اويرهو ، وقد أدركت أنها قالت ما لا يجب أن تقوله ، فاقتربت من آدزانومي ، وقالت : بنيتي ، أنا أحبكِ ، ولا أستطيع الحياة ، وأنتِ بعيدة عني .
وعندئذ استدارت آدزانومي ، ومضت عبر باب الكوخ ، دون أن تلتفت إلى اويرهو ، وسارت مبتعدة بخطى ثابتة ، حتى غابت في الظلام .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
انتظرت اويرهو ، على أمل أن تعود آدزانومي ، وتعتذر منها مرة أخرى ، لعلها تسامحها ، وتعود علاقتهما إلى مجراها الأول .
لقد أخطأت خطأ كبيراً ، خاصة وأنها وعدتها أن لا تعيرها ، لكن ماذا تفعل ، لقد جنّ جنونها ، حين علمت أنها ستبتعد عنها ، وتذهب مع كويكو إلى قريته ، وراء الجبال البعيدة .
وجاء المساء ، وحلّ الليل والظلام ، لكن آدزانومي لم تعد ، وخرجت اويرهو من الكوخ ، وبحثت عنها في الجوار ، ثم في أكواخ صديقاتها ، ثم في محيط القرية ، لكن دون أن تقع لها على أثر .
وفي اليوم التالي ، وطوال ساعات الصباح ، انتظر كويكو في السوق ، لتأتي آدزانومي كما اتفقا ، لكنها وعلى غير العادة لم تأتِ .
وحلّ منتصف النهار ، ولم تأتِ آدزانومي ، لابد أن أمراً خطيراً قد حدث ، وإلا لأتت في الموعد المحدد ، والتقت معه في السوق .
وبعد منتصف النهار ، لم يعد كويكو يحتمل الانتظار ، فترك السوق ، واتجه إلى كوخ آدزانومي ، وعلى مقربة من باب الكوخ ، رأى اويرهو مضطربة حائرة ، وما إن لمحته قادماً حتى أسرعت إليه ، وقالت : أين آدزانومي ؟ أخبرني .
وردّ كويكو قائلاً : هذا ما جئت لأعرفه ، لقد وعدتني أن تأتي اليوم إلى السوق ، لكنها لم تأتِ .
وأجهشت اويرهو بالبكاء ، وقالت من بين دموعها : لقد خرجت البارحة ، قبيل المساء ، من البيت غاضبة ، ولم تعد حتى الآن .
ونظر كويكو إليها ، وقال : قلتِ إنها خرجت غاضبة ، لماذا ؟
ورفعت عينيها الغارقتين بالدموع إليه ، وقالت بنبرة مذنبة : لقد وعدتها ، حين رأيتها لأول مرة ، أن لا أعيرها بأنها كانت حبة بطاطا ، لكن ..
وتمتم كويكو مذهولاً : حبة بطاطا !
وكفكفت اويرهو دموعها ، وقالت : لابد أنها ذهبت إلى الحقل ، الذي أخذتها منه .
وسارت في خطى واسعة ، متجهة إلى الحقل ، القريب من القرية ، وهي تقول : سأعتذر منها ، وستسامحني ، لابدّ أن تسامحني وإلا متّ .
وسار كويكو في أثرها ، دون أن يتفوه بكلمة ، حتى وصلا إلى الحقل ، وفجأة توقفت اويرهو ، وانحنت على الأرض ، ورفعت بيديها حبة بطاطا ، فيها ملامح آدزانومي ، فأجهشت في البكاء ، وهي تندب قائلة : بنيتي .. حبيبتي .. آدزانومي .. سآخذكَ معي إلى الكوخ .. وأبقيك إلى جانبي .. حتى النهاية .
وفوجئت اويرهو بكويكو ينقض عليها ، وينتزع حبة البطاطا منها ، ويضمها إلى صدره ، وهو يقول : لن أدعكِ تأخذينها ، لقد أخلفتِ وعدك لها ، وخنتها ، سآخذها معي ، لتبقى إلى جانبي ، في قريتي التي تقع وراء الجبال البعيدة .
واستدار كويكو ، وهو يضمّ إلى صدره حبة البطاطا ، التي تحمل ملامح آدزانومي ، وسار مبتعداً عن اويرهو ، حتى غاب عن الأنظار .

10 / 9 / 2016





صبية الغابة

" 1 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أن أعدت الأم طعام الافطار ، همت أن تذهب إلى ابنتها بيتي ، وتوقظها من النوم ، لكنها توقفت مبتسمة ، فقد تناهى إليها تغريد ابنتها وأقبلت بيتي على من الغرفة المجاورة ، فهزت رأسها ، وقالت : لقد أنجبت بلبلة بدل أن أنجب طفلة .
وأقبلت بيتي على أمها ، وأعوامها الأربعة عشر ، تطل بهجة من ملامحها ، وراحت تدور راقصة ، ومغردة ، حول أمها ، فرفعت الأم يديها إلى رأسها ، وقالت : كفى ، يا بلبلتي ، لقد دخت .
وفتحت بيتي النافذة على سعتها ، وقالت : ماما ، إنه الربيع ، دعيه يدخل بيتنا .
ومدت أمها يديها إليها ، وعانقتها بحرارة ، وقالت : بنيتي ، أنتِ الربيع .
وخلال تناولهما طعام الافطار ، تناهت إليهما من الخارج ، مأمأة العنزات الثلاث ، فقالت الأم : العنزات الثلاث يطالبننا بالطعام .
ونهضت بيتي ، وهي مازالت تلوك لقمتها ، وقالت : هذا حقها ، سآخذها اليوم إلى غابة البتولا ، العشب هناك كثير ، وسأجعلها تأكل حتى تشبع .
والتمع برق في عيني الأم ، أضاء أياماً كاد يغطيها ظلام الأيام ، وتنهدت متمتمة : البتولا .
ثم نهضت ، وأعطت بيتي سلة ، وضعت فيها أرغفة خبز ، ومغزل وخيوط من الكتان ، وقالت : بنيتي ، املئي السلة بالغزل .
ولأن بيتي ليس لها ملكة مغزل ، فقد لفّت خيوط الكتان حول رأسها ، ثم أخذت السلة من أمها ، وهرولت تغرد فرحة ، وهي تسير خلف عنزاتها الثلاث إلى غابة أشجار البتولا .

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
جلست بيتي تحت شجرة بتولا ، والعنزات الثلاث ترعى على مقربة منها ، وراحت تغزل الكتان ، وهي تغرد ، والغابة تردد صدى تغريدها .
وعند منتصف النهار ، توقفت بيتي عن النسج ، وجمعت بعض ثمار الفراولة ، وراحت تتناولها مع الخبز ، الذي أعطته لها أمها ، ثم نادت عنزاتها الثلاث ، وقدمت لكل واحدة منها قطعة من الخبز .
وعندما انتهت من غدائها ، هبت واقفة ، وانطلقت تغرد وترقص ، وأشعة الشمس تبتسم لها ، عبر الأوراق الخضراء لأشجار البتولا .
وفجأة توقفت بيتي مذهولة ، إذ رأت أمامها فتاة صغيرة في عمرها ، ذات جمال رائع ، ترتدي ملابس بيضاء ، وشعرها الذهبيّ ينساب على كتفيها ، وفوق رأسها اكليل من أزهار الغابة .
واقتربت الفتاة الغريبة من بيتي ، وابتسمت قائلة : رأيتك تغردين وترقصين ، يبدو أنكِ مثلي تحبين التغريد والرقص والفرح .
فهزت بيتي رأسها أن نعم ، فقالت الفتاة الغريبة : تعالي اذن نرقص ونغرد ونفرح معاً .
وعلى الفور ، وضعت الفتاة الغريبة يدها على خصر بيتي ، وراحت ترقص معها ، وهي تغرد ، وفي الأثناء صدحت موسيقى وتغريد رائعين ، ورفعت بيتي رأسها ، فرأت على الأغصان مجموعة من طيور الكروان والحسون والعنادل والقبرات .
وبعد حين ، توقفت الفتاة الغريبة ، ومعها توقفت الموسيقى ، وكما ظهرت الفتاة فجأة ، فجأة اختفت ، واختفت أيضاً جوقة الطيور المغردة .
وتلفتت بيتي حولها ، والشمس تميل إلى الغروب ، فرفعت مغزلها من على العشب ، ووضعته في السلة مع الكتان المغزول وغي المغزول ، ونادت عنزاتها الثلاث ، وقادتها عائدة بها إلى البيت .
آه لابد أن أمها ستؤنبها على تأخرها ، وكذلك لأنها لم تنتهِ من غزل الكتان ، كما اعتادت أن تفعل كلّ يوم ، وكلّ هذا بسبب الفتاة الغريبة ، وقررت أن لا تستمع إليها ، إذا رأتها مرة ثانية .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
مع غروب الشمس ، وراء الجبال البعيدة ، في ذلك اليوم ، وصلت بيتي إلى البيت ، حاملة سلتها ، وعنزاتها الثلاث تمشي متعبة أمامها ، وقد امتلأت ضروعها بالحليب .
ولمحت أمها تقف مقطبة بالباب ، ستؤنبها ، نعم ، وبشدة ، والحق معها ، فهي عادة تعود إلى البيت حوالي العصر ، وليس بعد غروب الشمس .
لكن الأم لم تُؤنبها ، وإنما أخذت العنزات الثلاث إلى الزريبة ، وحلبتها كما تفعل كلّ يوم ، ثم أعدت طعام العشاء ، وجلست مع بيتي تتناول الطعام ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة .
وبعد العشاء ، جلستا أمام الموقد ، ونظرت الأم إلى بيتي ، وقالت : أقلقتني اليوم ، لقد تأخرتِ .
ورفعت بيتي عينيها إليها ، وقالت : قد لا تصدقينني ، إذا قلتُ لك ، سبب تأخري .
وقالت الأم ، محاولة كتمان مشاعرها : سأصدقكِ ، يا بيتي ، أخبريني عن السبب .
ولاذت بيتي بالصمت ، فقالت الأم : إنني أصغي إليكِ ، يا بنيتي ، تكلمي .
وقالت بيتي : السبب هو فتاة في عمري . .
وحدقت الأم فيها متسائلة ، مستغربة ، فتابعت بيتي قائلة : ظهرت فجأة ، ترتدي ملابس بيضاء ، وعلى رأسها اكليل من أزهار الغابة ، فرقصت معي ، وأنستني الوقت ، ثم اختفت فجأة .
واتسعت عينا الأم ، ولمع فيهما برق غريب ، أضاء أياماً منسية من الماضي ، فنهضت من مكانها ، وقالت : أنتِ متعبة ، يا بنيتي ، اذهبي إلى فراشكِ .
ونهضت بيتي ، وتمددت في فراشها ، وقبل أن تغمض عينيها ، قالت لها أمها : ابقي غداً في البيت ، أنا سأرعى العنزات الثلاث .
وأوت الأم إلى فراشها هي الأخرى ، وقبل أن تستغرق في النوم ، تراءت لها فتاة صغيرة ، غريبة ، في عمر بيتي ، ترتدي ملابس بيضاء ، وتضع على رأسها ، اكاليل من أزهار الغابة .


" 4 "
ـــــــــــــــــــ
في وقت مبكر ، من صباح اليوم التالي ، وقبل الوقت الذي اعتادت بيتي ، الخروج فيه إلى المرعى ،
أخذت الأم العنزات الثلاث ، والسلة التي لم تضع فيها سوى أرغفة الخبز ، وانطلقت على جناح السرعة ، نحو غابة البتولا .
وطوال الطريق ، كانت أيام ربيعها المبكر ، تسير معها خطوة بخطوة ، وتسبقها أحياناً بشذاها ، وأغاريدها ، ورقصاتها المليئة بالحيوية والحياة .
وذات يوم ، من أيام ذلك الربيع ، ومثلما التقت بيتي بالفتاة الغريبة ، بملابسها البيضاء ، واكليل الأزهار على رأسها ، التقت هي الأخرى بالفتاة الغريبة نفسها ، وراقصتها حتى غروب الشمس .
وعندما عادت إلى البيت ، لم تكتفِ أمها بتأنيبها ، وإنما ضربتها بالمكنسة ، آه ما أطيب ضربات تلك المكنسة ، في ذلك الربيع البعيد .
وكما في الماضي ، جلست الأم تحت شجرة البتولا ، تنتظر الفتاة الغريبة ، نعم ، إنها ليست في عمر بيتي الآن ، لكن حنينها إلى ربيعها الأول ، جعلها بيتي أخرى ، تنتظر بلهفة ، تلك الفتاة الصغيرة الغريبة ، تحت شجرة البتولا .
ستأتي الفتاة الغريبة ، بملابسها البيضاء ، واكليل الزهر على رأسها ، فتضع يديها حول خصرها ، وترقص معها حتى غروب الشمس .
وأتى منتصف النهار ، وارتفعت الشمس فوق اشجار البتولا ، لكن الفتاة الغريبة لم تأتِ ، لا بأس ، لعلها تأتي بعد الظهر ، فالوقت مازال مبكراً ، وبينها وبين غروب الشمس ساعات كثيرة .
وتآكلت الساعات سريعاً ، ومالت الشمس للغروب ، دون أن تأتي الفتاة الغريبة ، فنهضت الأم من تحت شجرة البتولا ، ورفعت سلتها ، ثم نادت عنزاتها الثلاث ، وقفلت عائدة بهم إلى البيت .
ولاحت لها بيتي ، في أواخر أشعة الغروب ، تنترها بباب البيت ، وتراءى لها ربيعها الأول ، بيتي هي الربيع ، وسيبقى الربيع مادامت بيتي ربيعاً .
وبعد العشاء ، وهما جالستان قرب الموقد ، نظرت الأم إلى بيتي ، وقالت : بنيتي ، خذي العنزات الثلاث غداً إلى غابة البتولا ، وخذي معكِ السلة ، ولكن لا تضعي فيها سوى أرغفة من الخبز .

12 / 9 / 2016




الكذاب الأكبر


بعض الملوك ، في الحكايات ، يحبون القطط ، أو الكلاب ، أو الخيول ، أو الحروب ، أو الجواري ، لكن ملك حكايتنا هذه كان يحب الكذب .
ولحبه الشديد للكذب ، قرر هذا الملك ، أن يجري مسابقة لاختيار الكذاب الأكبر في مملكته ، ويقدم للفائز صندوقاً مليئاً بالذهب والجواهر واللؤلؤ ، أما الخاسر فينزل فيه أشدّ العقاب .
ورغم الطمع بالصندوق ، المليء بالذهب والجواهر واللؤلؤ ، إلا أن الخوف من العقاب الشديد ، جعل الناس جميعاً يترددون ، فلم يتقدم للمسابقة غير ثلاثة أشخاص فقط لا غير .
وفي اليوم المعين للسباق ، اتخذ الملك مجلسه في قاعة العرش ، وحوله جلست حاشيته ، ووقف بالقرب من الباب الحاجب ، وعدد من الحراس .
واعتدل الملك في جلسته على العرش ، وقال : والآن لنبدأ المسابقة ، ونختر الكذاب الأكبر .
وعلى الفور ، تقدم المتسابق الأول ، وانحنى للملك ، وقال : مولاي .
فحدق الملك فيه ، ثم قال : اكذب .
فقال المتسابق الأول : مولاي ، أفقت البارحة ، حوالي منتصف الليل ، وعصافير بطني تزقزق من الجوع ، ولأن زوجتي كانت نائمة ، ولم أشأ أن أوقظها لتعد لي
بعض الطعام ، ركبت حماري الطائر ، وذهبت إلى جزيرة واق واق ، وأكلت هناك سمكاً مشوياً ، ثم عدت إلى البيت ، فوجدت زوجتي ماتزال نائمة .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : هذا هراء ، إنني لا أرى فيما قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوه هو وحماره الطائر ، وانفوه إلى جزيرة واق واق .
وفيما أخذ الحراس المتسابق الأول إلى خارج القاعة ، تقدم المتسابق الثاني من الملك ، وانحنى له باجلال وتعظيم ، وقال : مولاي .
فنظر الملك إليه ، وقال : اكذب .
فقال المتسابق الثاني : مولاي ، عطشت عنزتي ، فأخذتها صباح اليوم إلى البحيرة ، وبشفطة واحدة شربت كلّ ما فيها من ماء ، ولم ترتوِ .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : أيها الأبله ، ليس فيما قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوا هذا الأبله ، وضعوه هو وعنزته في طوف ، وادفعوه وسط البحيرة ، لعله يتعلم شيئاً من الكذب .
وأخذ الحراس المتسابق الثاني إلى خارج القاعة ، فالتفت الملك إلى رجال حاشيته ، وقال : يا للأسف ، يبدو أن لا يوجد في مملكته كذاب واحد .
وهنا تقدم المتسابق الثالث ، وانحنى للملك بإجلال ، وقال : مولاي .
فنظر الملك إليه ، ثم قال : حسن ، اكذب .
وقال المتسابق الثالث بصوت مثير : عفو مولاي ، سأتكلم لكن لن تصدق كلامي ، وستقول لي على الفور ، أنت تكذب .
وقال الملك : هذا ما أتمناه ، تكلم .
فقال المتسابق الثالث بصوت هادئ : مولاي ، قبل أن ينتقل جلالة الملك والدكم ، إلى رحمة الله ، جاءه أبي في قاعة العرش هذه ، وأودع عنده جرة كبيرة مليئة بالليرات الذهبية .
ولم يتمالك الملك نفسه ، فهب من مكانه ، وصاح منفعلاً : أيها اللعين ، أنت تكذب .
ولاذ المتسابق الثالث بالصمت ، فقال الملك ، وهو يحاول أن يتمالك نفسه دون جدوى : أبوك اللعين ، ماذا كان يعمل ؟
فردّ المتسابق الثالث قائلاً بصوته الهادئ المثير : كان يعمل حمالاً ، يا مولاي .
وصاح الملك منفعلاً : حمال يملك جرة ..
وقال المتسابق الثالث : مليئة بالليرات الذهبية .
ومرة أخرى ، لم يتمالك الملك نفسه ، فصاح منفعلاً : أنت أكبر كذاب في ..
وصمت الملك ، وجلس مهزوماً على عرشه ، فتقدم المتسابق الثالث منه ، وقال : مولاي ، إذا كنتُ صادقاً ، فأعد لي الجرة المليئة بالليرات الذهبية ، التي أودعها أبي عند جلالة الملك والدكم ، أما إذا كنتُ أكبر كذاب ، فأعطني الجائزة .
وتناول الملك الصندوق ، ودفعه بشيء من الخشونة إلى المتسابق الثالث ، وقال : خذ جائزتك ، لكن لا تفتح الصندوق إلا في بيتك .
وأخذ المتسابق الثالث الصندوق ، وانحنى للملك ، وقال : أشكرك ، يا مولاي .
وأسرع المتسابق الثالث بالصندوق مبتعداً عن القصر ، وما إن دخل البيت ، حتى نادى زوجته فرحاً : تعالي ، لقد فزت بالصندوق ، وسأفتحه الآن .
وأمام عيني زوجته المترقبتين المتلهفتين ، فتح المتسابق الثالث الصندوق ، وإذا هو مليء .. بالحصى والحجارة والرمال .

13 / 9 / 2016




الفهرس
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحورية والصياد 2
2 ـ جنجل وجنيجل 4
3 ـ حكت لي أمي .. 6 4ـأبو داهي والدامية 10
5 ـ الثعلب الفراء 14
6 ـ فرط الرمان 17
7 ـ العوض على الله 20
8 ـ الحمامة البيضاء 22
9 ـ القدر 27
10 ـ تخريفات عجائز 33
11 ـ جحا الياباني 37
12 ـ الرجل القرش 41
13 ـ الفتاة ـ الغزالة 48
14 ـ آن الآوان 55
15 ـ السمكة 64
16 ـ الساحر 72
17 ـ طفل النبع 81
18 ـ لايلي النائمة 87
19 ـالساحر جحا وتيولنك 95
20 ـ فتاة البحيرة 103
21 ـ البجعة 110
22 ـ حورية البحر 117
23 ـ آدزانومي 127
24 ـ صبية الغابة 135
25 ـ الكذاب الأكبر 143








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?