الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءتي.. لوائل السواح في انقسامه روحه!

ابراهيم زورو

2024 / 6 / 24
الادب والفن


في البدء كانت السعلة وهي في طريقها، تنخر الجسد ثم تؤثر على العقول اليافعة بشكل جميل...
في البدء يسأل وائل خلسة، ولن ترى وائل وائلاً بعد السعلة...
قبلها كان وائل أديباً وبعدها أصبح سياسياً...
كم نحن بحاجة إلى تلك السعلة لأن وطننا يرعف دماً...
خارج النص على علاقة مع انقسام الروح:
اليسار السوري والعربي من خلاله ليسوا أصلاء بمعنى أغلبهم إن لم نقل كلهم أتوا من مشارب مختلفة، القوميون أو أنصاف القوميين ومن يشبههم، من البرجوازيين الصغار والقريب من هذا المقاس أو من الأحزاب الشيوعية التقليدية التي نسيت أو تناست قضية المبدأ ربما نهائياً، أو من الأميين الذين لا يفقهون معنى أن تكون علمانياً أو ما إلى ذلك. وأغلبهم كما يتطرق الكتاب انقسام الروح الذين انتموا إلى الماركسية من أجل القومية رغم أن الشيوعية لا تعترف بالقضايا القومية، لهذا السبب النظام وبكل سهولة ويسر يستطيع اسكاتهم لو أعلن الحرب على إسرائيل إعلامياً –كما كان يفعل- فتلك الاحزاب سوف تجمد كل شعاراتها، إذاً النظام يحدد شكل الصراع القومي. ورغم أن اليسار يعرف جيداً بأن النظام آخر همه هو القومية، والدليل الآخر على قومية اليسار السوري، هو أنهم أصبحوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينين أنفسهم، هو والنظام قد تقاسموا هذه الكعكة تماماً، بحيث حلوا محلهم، دون أن يكون لهم فائدة على الفلسطينيين، وكذلك هذا التباكي على 6 حزيران، وإصابتهم بالصدمة، وهذا دليل أنهم بعيدين عن استخدام العقل الجدلي ولم يتأثروا به لحظة واحدة، كل ذي عقل سيرى ويؤكد على حتمية النصر لصالح إسرائيل وحلفائها، ودليل الثاني لو اصابتهم الصدمة لما وقفوا وندبوا حظهم بدون فعل او ردة فعل، لأن اسرائيل ليست وحدها في الساحة وإنما معها جميع القوى الامبريالية العالمية. كل من يقف بجانب فلسطين عليه أن يقف أوتوماتيكياً مع الحقوق المشروعه للشعب الكوردي وبقية المكونات الأخرى، هذه الاصالة لم يتأثروا بها أبداً، لو تأثروا قليلاً بالاصالة الثورية والثقافية كانوا عليهم أن يحللوا واقعهم، على مبدأ هيغلي كل ما هو واقعي هو حقيقي!، بل وضعوا القضية الكوردية في برنامجهم من أجل الدعاية السياسية، وقد مننوا على الأحزاب الكوردية (رغم أن موقفي واضحاً تجاه تلك الاحزاب، وجودها وغيابها سيان) وتهجموا عليهم بناء على ضوء هذا الشعار الفضفاض، وللأمانة التاريخية الأحزاب الشيوعية التقليدية لم تتاجر بالقضية الكوردية. ربما هذا عائد من خوفها الشديد من النظام السوري، وللأمانة التاريخية أيضاً كاد حزب العمل الشيوعي أن يدفع ثمن ذلك جراء هذا الموقف من القضية الكوردية، ربما لم يحسبوا حساباً أن قانون العقوبات في سوريا يجيز باعدام كل من يقتطع جزء من أراضي سورية ولو كانت مزحة ثقيلة أو خفيفة لا يغير من شكل القضية شيئاً! أعتقد على اليسار أن يحمل قليلاً من القيم الأخلاقية لأي موضوع مطروح، كي يظهر اختلافه عن القوى البرجوازية الأخرى، ونرى في الجانب الآخر رياض ترك يتفق مع الإخوان المسلمين ضد نظام الحكم، وبذلك لا يختلف الإخوان عن الشيوعيين والأسرة الاشتراكية حول مفهوم القومية، ونعلم جميعاً أن أساس إنشقاق رياض عن بكداش سببه قومي لا أكثر، كيف بنا أن نفهم هذه المعادلة حول موضوع القومية العربية؟!. وهذا دليل واضح على أنهم ليسوا أصلاء! فمن الطبيعي وهم بهذه السذاجة أن يصدقوا شعار طريق اللارأسمالية الذي اقترحه الحزب الشيوعي السوفياتي عبر ميخائيل سوسلوف عام 1964. أعتقد هذه النظرية أو هذا الشعار ما هو إلا ضربة في صميم النظرية الماركسية حول التناقض الرئيسي والثانوي، ضمن نطاق هذا الشعار استفادت حكومات تلك الدول كونها صارت تلعب على الحبلين الرأسمالي والاشتراكي، وكذلك أثقل كاهل الأحزاب الشيوعية في تلك البلدان حول دفاعهم عن تلك الطغمة الفاشية. اعتقد أن الاتحاد السوفياتي قد خسر اقتصادياً ليربح دعائياً أن الأنظمة العربية بكل أميتها وضباطها ورؤوسائها استطاعوا أن يستغلوا تلك النظرية لمصالحهم الشخصية وفي هذه الحالة استفادوا أكثر مما استفادت الاتحاد السوفياتي، فقد أمسى شعاراً لا قيمة له. (أتذكر حافظ الاسد عندما كان يلقي خطابه يقول في نهاية خطابه تحية إلى الدول الاشتراكية وعلى رأسها اتحاد السوفياتي الصديق، كان الشيوعيون يتبجحون بذلك).
فهل لنا أن نصدق بعد هذا الشعار أن الأسرة الاشتراكية هي مع الشعوب والامبرالية العالمية هي ضد القضايا القومية، أعتقد أن القضايا القومية هي قضية المبدأ أن تكون! وفقط الكينونة هي التي تؤدي بنا إلى الطريق الصحيح، وبعد سنوات طوال مما ذهب إليه انقسام الروح، كثيرة هي الأشياء التي باتت واضحة لا يقبل الجدال والنقاش.
بداية، علينا أن نعرّف ما هو اليسار أو اليسارية بشكل أولي ومبسط، حتى يكون بإمكاننا أن نمضي في توصيف حالة ما، ولكن اليسار حسب الاعتقاد الشائع هو النظرة العلمية والاعتراف بالواقع كما هو، والعمل على اجتثاث الظلم ورفع المستوى المعيشي، العمل على إنهاء التمييز بين البشر، وبمعنى اقتصادي هو توزيع الثروة بشكل عادل. لو حاولنا أن نطبق هذا التعريف البسيط على اليسار السوري وربما العربي أيضاً، نراهم خارج السرب يغردون، في حين كان بإمكانهم أن يؤسسوا لحزب قومي بهولاء الشباب الذين كانوا على درجة كبيرة من الثقافة القومية وليست اليسارية، الثقافة القومية يكون الإنسان نفسه، ربما لا يستدعي الاخلاق المرافق، بينما ثقافة اليسار مبني على الواقع واستخدام العقل في أصعب حالاته، وخاصة إذا استثنينا اللغة الايديولوجية كي يظهر الاخلاق بأبهى صوره. والواقع المصاغ حسب أدبياتهم تناسب لائءؤالقومية أكثر مما يناسب الواقع فيها قوميات شتى! فمدينة مثل حلب، نرى فيها العديد من القوميات والإثنيات، وكذلك الأديان، فتاريخها معروف للجميع!. وعلى مستوى المدن فبعضها من لون واحد، وكذلك التفاوت بين السنة والشيعة أكثر من كل الخلافات القومية! وكل هذه القيم غابت عن عيون الحلقات ومن ثم الرابطة!.
ترى تجميع الروح في انقسام الروح:
حزب العمل الشيوعي، بات وحيداً في مواجهة النظام، لأنه لم يستطع أن يحلل طبيعة النظام وسياسته الداخلية والخارجية، على ضوء المعسكرين! الذي باتت اللغة الأيديولوجية هي المحك في تلك الأثناء، ولم يستطع أن يكون قريباً من هموم شعبه ومآسيهم اليومية، وأيضاً لم يستطع أن يحلل طبيعة الأحزاب السورية على عواهنها، بعد ذلك خرج ليكون ضد الجميع، وهذا الأمر قرّبه من سياسة النظام، من حيث أن الحزب يدور حول نفسه، لا وجوه جديده تنضم، وكذلك محاربتهم ضد من ينتقدهم! وكذلك، انتفى شكل النقد داخل الحزب نفسه، لهذا من مصلحة الكل السوري أن يتخلص من النظام ومن ثم هذا الحزب!. وقد ورد في متن الكتاب انقسام الروح حول منبت مشترك بين النظام واليسار السوري.
ومن جهة أخرى نرى بأن اليسار السوري بات كأنه فرد يساري، بقي له ثقافته وله نظرياته وله شجونه، وله وسطه، وله مواقفه، ويعددون أخطاء الآخرين بينما لا أخطاء لهم، اليسار السوري مثل دوامة النهرية لمن يدخل في مجالهم يغرقونه في لجتهم، بدون أي رحمة أو ضمير، وكذلك قراءآتهم تنفرد أن تكون لهم، على مدار الصفحات الأولى من إنقسام الروح نستشف دوامة اليسار السوري، تصوروا ينظرون إلى إسرائيل بدون معادلة دولية، كأنها دولة ليست متواجدة في وسط لها كل مقومات النجاح من حيث الامان والدفاع عنها، واليوم تتأكد هذه النظرية أو هذه الرؤية فيما يتعلق بحرب غزة فلسطين، كيف العالم تضامنت مع اسرائيل رغم الأخير لا يلزمها أي شيء، وتحركت الاساطيل الاستراتيجية والتكتيكية، ومنهم من قال يتمنى أن يكون صهيوني ومنهم من قال امن اسرائيل هو من ضمن أوليات أمننا القومي. والهدف من وجودهم، بعد سنوات طوال من معرفتي بالسياسة الدولية أن إسرائيل زرعت هنا، ليس لإضعاف العرب! وليس لأكل خيراتهم، بل لأن حظ الشعب الفلسطيني هكذا تجلى في هذه المعادلة، لأن العرب ليسوا على قد المقام ومن تجاوز وجودهم لا يعتبرونها مشكلة، ولم يدر في خلد أحد أن الأردن كانت تسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سيطرة المصريين، وأحتلتهما إسرائيل في حرب 1967! ورغم ذلك يعتبرون الأنظمة العربية وطنية؟! هذا ليس اليسار الذي نعرفه؟ من الممكن أن نكتب تاريخ اليسار السوري بحوادثه وهذا سيكون تسلسل تاريخي، بل إذا أردنا أن نؤرخ علينا أن نسلط سيف النقد البتار على رقبة الموضوع، ونرى هل سيصمد أم لا؟ كي يكون عبرة لمن يريد أن يتعظ من مستقبل القادم إن كان يهمهم هذا النقد ويكون لهم هذه الفكرة منارة لهم يوماً ما؟ طالما التاريخ العربي هو بشكل تسلسلي فلا قيمة للفكر إذاً.
بعد عقود من الزمن، يتضح أن فكرة أحمد جمول هي صحيحة كان عليهم أن يعودوا ليظهروا من جديد بغير هذه الظروف، حتى التاريخ الذي أرسى دعائمه بآهات وعذابات جيل كامل لا يدخل في باب التاريخ، ولو حاولنا أن نخطو إلى الأمام ونقول أن التاريخ قد تجاوز اليسار الجديد كونهم ظهروا كعاصفة ثلجية وانتهت بأرضها.
كثيراً ما يتساءل المرء، لماذا انقسام الروح! في صفحاته الأولى يتملكك الاندهاش! لما هذا العنوان، عليك، أن تصبر على وائل السواح، فهو لم يأت من الفراغ ليدشن فكراً خيالياً جامحاً، وبعدما أن تصبر وأنت مجبر على ذلك!، ستكتشف خيوط اللعبة كلها، هنا، استوعبت العنوان جيداً، ولكن هناك حيرة أخرى تسكنك ولن تجد لها جوابا شافياً، كيف بشاب في مقتبل العمر قائد،صغير وخجول أن يستفسر عن سبب سعلة الجار الذي فتح له القبو بدون نفس يذكر! ولا يعرف عنه شيئاً يذكر! لا أعتقد بأن أحد يملك الجرأة على التفكير بسؤال غريب كهذا، السعلة تأخذ حياة المريض خلسة، وكذلك هي لشد الانتباه لإشباع غريزة ومثاله هذه امرأة قحباء وذاك رجل قحب، أي الرجل الذي يسعل من الكهولة؟ (حسب مختار الصحاح) أكان أحمد جمول قحباً أم كان مريضاً؟ ومرضه لم يكن أكثر، من مرض اليسار، ومرض الجسد، بكل الأحوال أنت مضطر أن تتعاطف مع وائل الإنسان أولاً ومن ثم مع أحمد جمول ثانياً. السعلة هي التي قسمت الروح إلى ألف شظيه لتفجر الروح إن أصابت واحدة منها، فكيف لو كل الشظايا تصيبه!.
لا أحد يستطيع أن يتصور أن وائل السواح وهو يمسك بتلابيب جميع من مرّوا به، عندما تسير معه، فأنت ترى سلمية مختصرها احمد جمول، وكذلك بسنادا مختصرها فاتح، ترى العراق هذه مرة ليست على وزن البيات كما هو الدارج في سلم الموسيقي، بل العراق التي تشتم عنك وعن الذين لا صوت لهم ومختصرها، مظفر النواب، وكذلك ترى كل سوريا ومختصرها وائل السواح الذي ابدع بتدخين ناعورة، ليسعل مثل صديقه جمول، بل يحرق مراهقته الجسدية بتلك العلبة قصيرة، ثخينة سيجائرها، ككهل بدون لباس داخلي، ينقط منها التبغ! رغم حرصك على اعتناء بها، انها تقحب من كهولتها، فهي اي ناعورة تمثل جيل القديم من الدخان سوريا الوطني، فهي تكون على مقاس جيوب السوريين، فكان وائل يعيد لها اعتبارها الجميل.
عذراً من وائل، لما دخلنا فرع فلسطين! قالوا لنا هناك الحمراء طويلة بكمية قليلة، بينما ناعورة متوفرة بكثرة، عبد السلام عثمان، اشترى ربما خمسة كروزات ناعورة، ضحكنا ملياً، فتوجه لنا عابساً وقال: لو تطلبوا مني غداً فلن امنحكم سيجارة واحدة، بعد اقل من يومين رجوناه منكسي الرؤوس، إن يمدنا لو نفس واحدة.
أي طفل جميل يسكن قلب وائل السواح في تلك الفترة! فوائل سيبقى طفلاً بريئاً ولم يبرح نفسه، لجهة الحنان، الاحترام، المحبة. ذكرني بموقف جاك دريدا عن نفسه بقوله "أنا لا أنا، فذات دريدا تسكنها ذوات كثيره، تختلف عنه وتتغاير عنه..." يقيناً وائل السواح هكذا، ولكن على طريقة وائل، فهو مزيج من كل من مروا به، أخذ منهم ما يلزمه وترك الباقي على سفرة وجودهم، وهو بدوره يوزع علينا زبدة تلك العلاقات، وكذلك ذّكرني بكتابات نيتشه! هذا الفيلسوف الذي كتب وأبدع في الفكر الفلسفي الجامد بلغة أدبيه نوستالوجية، لم يفعلها غيره، بينما وائل حوّل الفكر السياسي القاسي ولكل كلمة أو مصطلح ألف صديق وعدو، إلى لغة أدبيه مليئة بالحنان والاحترام، نريد أن نكون معه وهو سجين في عالم الزنازين لدكتاتور لا يرأف حتى بعائلته، كيف يلوي عنق اللغة ليحكي عن حملات الاعتقالات، وكيف يجعلك تبكي وانت مع وائل سبعة عشر عاماً، عاش مع رجل مريض والسل من الأمراض المعديه ولكن الظلم الذي في صوت جمول، جعل وائل يخرج عن طوره. ترى ماذا كان ينقص وائل حينها؟.
أول ما تعرفت على وائل، لقد قلت للكثيرين من أصدقائي أن صوت وائل شكله هو قريب من أمير البزق السوري الكوردي سعيد يوسف، لما له تأثير على نفسه وعلى المحيطين به، وهو شيخ حنون لمجموعه 16 والذي حذرنا منهم في اليوم التالي من اعتقالنا، كان يرتدي "برنس" برجوازي صغير وبصوت جميل وكلماته تخرج طازجة واضحة الحدود، تدخل على مسمعك إن أردت أو لم ترد، ويستمع إليك بكل ود، ولا يقاطعك أبداً، ويشعرك بوجودك وهو أمر مهم، إذاً أصدقاء الأمس عملاء اليوم! تباً، للغة الأيديولوجية التي تنتهك قوانين الأمس وتساهم بتخريب بنية الأسرة والمجتمع، هذه اللغة هي الأكثر فتكاً بالإنسان من القنبلة النووية!. هكذا تباينت العقول بين رفاق الأمس ليبدو عملاء اليوم! للأسف طبعاً، والشيء الذي لا يمكن للمرء أن يتجازوه، هو العقل وأركانه؟! أين جدلية العقل؟ أين اليسار هل مجاله فقط الحقل السياسي، دون الحالة الاجتماعية!. أين حرية الرأي؟ لحزب يحاول تأسيس الوعي على ضد من نظام الحكم؟ هنا تتفق الأحزاب المحظورة مع النظام، إن لم تكن معنا، فأنت ضدنا.
أي حقد هذا الذي تزرعها الإيديولوجيا في نفوس البشر! أي صبغة تلك التي بحوزتها، تنقلب الأسامي! يتحول الجنس! يصبح الآخر كومة نفايات! ارم عليها كل شتائمك أو أي نفاية لديك! أو كأننا أصبحنا نتشارك مع النظام بمواصفاته الكثيرة، كيف لك أن تعبىء نفوس أصدقاء بحقد لا مثيل له؟ على أساس أن المثقف لديه تفكير وعقل معبأ بالفلسفة ليس لديه الوقت كي يسمع خزعبلات؟!.

وائل أثناء علاقتنا به أو بمجموعة 16، حيث لم يتطرق أحد منهم إلى سلوك رفاقه؟ سلباً أم ايجاباً ولما يسردوا قصصاً حدثت معهم في تدمر ولم نلمس عندهم أي حقد أو موجه أو ما شابه اتجاههم، كالذي لمسناه عند الشباب المتشددين الحزبيين، فقد تعلم أغلبنا منهم أشياء كثيرة كنا نفتقد لها، نصار يحيى هادىء رزين بالكاد يتكلم، تخجل منه، أحمد زرق إنسان حركي وشفاف، لؤي حسين حنون بمشاغبته!، حسام علوش دائم الإبتسامة صديق للعقل، أحمد دريوسي شيخ كثير الفتاوى كي يسامحك، أبو فريد كامل عباس ديمقراطي جميل. عماد نداف لا يهدأ له بال فهو يحلم بالثقافة والأدب، صاحب مجلة الرؤى التي كانت تصدر في السجن!.

وائل السواح، يأخذك معه كنزهة والد الفيلسوف الوجودي سرن كيركجارد، رغماً عنك على متن كتابه انقسام الروح، فهو يوجهنا ببوصلته الجميلة، كأننا نعيش معه ثانية بثانية، نبكي معه خلسة! ونضحك معه جهاراً، نحزن بشكل فردي ونفرح بشكل جماعي. هي صفة القائد، هذه الصفة قليلون من يحملها. وائل الوعاء السوري يحمل الجيد ويطرد ما دونه، إنه يعتني بك كأنك طفله، ابنه، أو شيئاً تخصه ولأنك سوري تكون عبئاً على وائل، وكذلك الآخرين أقصد مجموعة 16، باعتقادي بعد سنوات طوال نكتشف بأن وجهة نظره كانت صائبة إلى حد كبير. ويظهر هنا تأثير أحمد جمول عليه، رغم أن وائل قد تأخر كثيراً عما فعله جمول.
اليوم لما أقرأ وائل السواح فإني أتلمس جميع من مروا بحياته، قيادات فلسطينية، لبنانية وسورية، سواء في سوريا أو لبنان، وكذلك الأدباء والشعراء، المشاغبين والمشاكسين منهم والعقلانيين، كلهم ساهموا ببناء وائل ولكن الجميع لم يسمح لهم وائل بأن يخرجوه عن خط العقل والاحترام. لهذا السبب هو انقسام الروح.
والسؤال الذي يطرح على وائل السواح، السياسة قسمت روحك كما هو جلي وواضح، ولكن ما يحزنني لم تلم روحك في صرة الأدب والثقافة كروائي أو قاص سوري! لتضعه أمامنا كي نستلذ بك أديباً حقيقياً، ولكني حقاً تألمت وتضامنت معك في الواقع كما في أنقسام الروح. فمن يقرأ سيرة وائل في انقسام الروح لم يبق نفسه! لأنه سيشارك وائل بهذا الانقسام، كم نحن أغنياء بأمثالك صديقي الجميل.
لو أن وائل السواح، اقتدى بالشاعر ارثر رامبو، من حيث الوقت فقط، فهو ترك الشعر وعمره ربما سبعة عشر عاماً، خطى وائل أولى خطواته في عالم السياسة، في حين وائل لو ترك السياسية عندما مات رامبو وهو بعمر 34 عاماً، صورتين من حضارتين مختلفتين، فرنسا وسوريا، طفلا يلعب بالسياسة كأحدى المواضيع التي تفتك بالروح وتجعله جزر وارخبيلات، بينما الأدب له علاقات هادئه تساهم في سمو الروح وارتقائه! ففي مجموعته لماذا قتل يوسف النجار، لست أدري متى شاهد النور هذا العمل، قبل السعلة أو بعدها، بكل أحوال هو بحث في بنى التي تساهم في تحرير الروح من الأساطير العالقة بنفسية إنسان الشرقي، وهو يؤدي بك إلى السجن أيضاً. وائل فخ لو أنت سرت معه واتبعت شكله البريء! وتركت جواه له، أما لو تقرأ علاقاته ووسطة، نفسك مبني على أرض سليمة! تدرك وائل جيداً، لو تركنا كل شيء جانباً، الخجل، الثقافة، السياسة، فقط ابحث عن علاقات وائل فتراه رجلاً جدلياً رصيناً، هو لوحده محيطاً سطحه لوحة يصرخ بك إن أدخل، فلو دخلت فلن تخرج! بقول واحد، وائل سيقدم لك ما تريده أنت، في السياسة، الأدب، الاقتصاد، الفلسفة، الموسيقا، ما يعلق في قراءتي من انقسام الروح، تكرار نفسه يحدث مع وائل، كيف به أن يغامر لأن يذهب إلى بيت راهب وهو لا يعرف أن كان مرغوباً به أو لا؟ هذه الحركة تعادل بالقيمة ذاتها، عندما تسأل عن سعلة أحمد جمول.
على العموم لن تستطيع-حسب وجهة نظري- أن تلم بأطراف انقسام الروح كلها، فترة عصيبة، مغامرات سياسية، جدالات وتحليلات سياسية، فلسفية، رفض الواقع القائم، الحب ضمن هذه المعطيات. كل الشكر والتقدير للقائمين على هذه التجربة. فقبل أن تقترب من وائل اقرأ هذا الكتاب جيداً، لأنه يكشف نفسه ويساعد الآخرين على معرفته حسب علاقاته مع الجميع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح