الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلامة -المتبصر-‏

إبراهيم رمزي

2024 / 6 / 25
الادب والفن


قامة ربعة، جسم دحدح، يسير مباعدا بين رجليه ليخفف من احتكاك فخذيه، لا تفارق الابتسامة وجهه المستدير ككرة قدم مهترئة ‏محشوة بالخرق.‏
إذا سئل عمن يكون؟، يجيب مصدِّراً تعريفه ب: "العلّامة ...." وستدفعك الدهشة التي أصابتك لتعاود تدقيق النظر في وِزْرَته ‏البيضاء التي توهمك بخروجه للتو من مختبر علمي تفتقده المنطقة. ولكن الوزرة تبدو مهترئة بفعل الزمن، وكثرة الغسل، لأنها ‏‏"أداة" الشغل الفريدة التي يملك. تقترب من مستوى النظافة لولا بعض البقع التي ترصّعها هنا وهناك، وخاصة قرب الجيوب.‏
التفت إلى مخاطِبٍ له ونهَره بشدة، لأنه ناداه باسمه مجردا. وذكّره "بوجوب احترام اللقب".‏
لم أجرؤ بعد هذه "الغضبة" على سؤاله عن مجال نبوغه واستحقاقه لوصف لا يتطابق مع المظهر.‏
ابتعدت والحيرة ترافقني، وعشرات الأسئلة تطاردني. اقتعدت كرسيا بمقهى شعبي. قال زبون للنادل: " ... بشرط أن تحضره من ‏عند العلامة".‏
ولم يغب النادل طويلا حتى عاد ووضع أمام الزبون براد شاي وخبزا وطبق بيصارة يتصاعد بخاره، يرصعه زيت زيتون ونثار ‏كمون. بعد انتهاء الزبون من التهام طعامه بلذة وعشق .. قلت له:‏
هنيئا .. اعذرني إن كنت فضوليا، سمعتك تذكر لقب "العلامة" فهل من توضيح.‏
قال الزبون: في كل مجال، فوق كل ذي علم به عليم، وكل مَن تخصص في مجال معين، تغيب عنه مجالات أخرى، قد يمتلك ‏شجاعة الإقرار بجهله ببعضَها ـ فقط ـ باعتبارها ـ بالنسبة إليه ـ ترفا أو مضيعة للوقت. وكم من مجال معرفي غير معروف إلا ‏عند من يشتغل به، بينما الأغيار جاهلون له. وهذا يدعي أنه أيضا صاحب اختصاص في معرفة "أسرار" البيصارة، من حبة ‏الفول حتى تقديم الطبق. ولا أحد يجاريه في الإلمام بتفاصيل هذا المجال. ‏
وقبل أن يسترسل في حديثه، مر بقربهم "العلامة" يقود شحاذا أعمى نحو "مطعمه" ليطعمه من بيصارته. مازحه الزبون .. فبدا ‏كأن جسده سيرقص من كلامه السريع المتلاحق المحفوظ الموزون .. يتدفق من "موسوعته" فيض حديث عن مزايا البيصارة ‏تبعا لأنواع الفول وأصنافه، ومناطق زراعته المختلفة، ومعالجته قبل الطبخ أو بعده، والتوابل المرفقة به، ... ‏
وختم: ليس لدي متسع من الوقت، وإلا حدثتك عمن أكلوا بيصارتي من كبار الشخصيات، من نقابيبن وسياسيين وفنانين ‏ورياضيين ...، منهم الذين ما زالوا أوفياء لي، ومنهم من بدلتهم "الظروف" فجحدوا ماضيهم وتنكروا له، كأنه وصمة عار في ‏‏"سيرتهم النضالية". وهناك زبناء وزبونات لا أعرفهم، يأتيني سواقهم في سياراتهم الفارهة، يطلبون بيصارتي. فأملأ أوانيهم.‏
شاكشه فتى كان يمرّ بقربه في هذه اللحظات: عمّا قريب ستصدرها إلى سكان القطب الشمالي معلبة جاهزة. ثم أطلق رجليه للريح.‏
أتبعه حفنة تراب لما لم يجد حجرا قرب رجليه ليقذفه به. أزبد وأرغي وهو يكيل له شتائم "مهذَّبة". وضع يده في يد الأعمى ‏وانطلق معه، وهو يتوعّد كل ساخر من قَدْر "العلامة" وقِدْر بيصارته، بالحساب العسير، وسوء المصير، وعذاب السعير. ‏والأعمى يؤمّن على ما يقول.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح