الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء الرابع

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2006 / 12 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نظرا لما للحركة التي يقودها الفلاحون الفقراء بأوزيوة من أهمية في الصراع الطبقي ، بين الطبقات البورجوازية و الكومبرادور و الملاكين العقاريين و المافيا المخزنية ، و بين الطبقات الشعبية من طبقة عاملة زراعية و فلاحين فقراء و صغار و كادحين ، إرتأيت تقديمة دراسة مستفيضة حول منطقة سوس التي تعتبر فيه تارودانت مركزا حضاريا هاما ، تأسس عبر التاريخ الطويل للإنسان بالمنطقة ، و هي اليوم تعيش تهميشا ممنهجا نتيجة السياسات التبعية للرأسمال المركزي ، إستمرارا لما تم تخطيطه خلال مرحلة الإستعمار المباشر لطمس تاريخ المدينة و تحويلها إلى مرتع للعاملات الزراعيات ، اللواتي يتم استغلالهن بالضيعات الفلاحية و معاملة التلفيف التي أقامها المعمرون الجدد على أراضي الفلاحين الفقراء بسوس.

التشكيلة الإجتماعية بسوس خلال مرحلة الإستقلال الشكلي :

لم يستطع النطام الحاكم بالمغرب قبل الأستعمار المباشر بسط سيطرته على منطقة سوس التي تشكل فيها مدينة تارودانت مركز المقاومة الدائمة ، إنطلاقا من الصراع الدائم بين الدولة السعدية و الدولة العلوية ، الشيء الذي جعل المدينة خارج السيطرة المباشرة للدولة المركزية التي لم تستطع إخضاع المدينة إلا بعد تحالف الإقطاع و الإستعمار ، و رأينا كيف تم حصارها و تهميشها بعد سيطرة المستعمر على السهل بشكل مباشر و على الجبال بتعاون مع الإقطاع و تحويل مدينة أكادير إلى مركز للإدارة الإستعمارية بسوس ، و سنرى كيف عرفت المدينة تهميشا مكثفا بعد الإستقلال الشكلي بجعلها مقاطعة تابعة لإقليم أكادير بعد فصل تالوين و المناطق التابعة لها و إلحاقها بإقليم ورزازات .
إن استمرار السياسة التبعية للإستعمار المباشر من طرف النظام الحاكم بالمغرب خلال مرحلة الإستقلال الشكلي قد حول المدينة إلى مرتع للطبقة العاملة الزراعية ، و خاصة الأطفال بالورشات الحرفية و المرأة التي دفعتها الفقر إلى ولوج سوق الشغل بالضيعات الفلاحية و معامل التلفيف ، التي ورثها المعمرون الجدد عن الإستعمار الفرنسي و التي أقامها الملاكون العقاريون الكبار بسوس ، و هكذا نشأت بالمدينة طبقة عاملة زراعية تتكون أساسا من المرأة المنحدرة من الإحياء الشعبية بالمدية و الدواوير الفقيرة بالإقليم و من النساء المنحدرات من الأحياء الشعبية بالمدن المغربية كمراكش و الصويرة و آسفي و قلعة السراغنة و الدار البيضاء و ورزازات ... اللواتي يقمن بالأحياء الشعبية بتارودانت و أولاد تايمة و أولاد برحيل و سبت الكردان و أيت إيعزا و الدواوير الفقيرة بأحمر و الخنافيف و الكفيفات و أخيرا في أولوز ، و اللواتي يكدحن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في ظروف تنعدم فيها أبسط قوانين الشغل التي رغم ما تلحقه من حيف بالعاملات و العمال بالمجال الزراعيين ، حيث انعدام تطبيق الحد الأدنى للأجور و التسجيل بصندوق الضمان الإجتماعي و جل العاملات موسميات أو مياومات .
و كان للعقلية ما قبل الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار الذين خلفوا الرأسماليين الفرنسيين بالضيعات و المعامل أثر كبير في ضياع حقوق الطبقة العاملة ، و التي اكتسبتها الطبقة العاملة بعد النضال المرير من أجل كسر قيود المستعمر التي حرمتهم من الحقوق النقابية منذ الثلاثينات من القرن 20 ، و ذلك بعد تأسيس فروع الإتحاد المغربي للشغل من طرف المناضلين العماليين الذين انتزعوا الحق في التنظيم النقابي أولا ثم الدفاع عن الحقوق العمالية ثانيا ، و كان لانخراط الطبقة العاملة بسوس في النضال السياسي عبر مقاومة المستعمر و تأسيس الإتحاد المغربي للشغل و الإنشقاق عن حزب الإستقلال و تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، أثر كبير في إدماج تارودانت من جديد في المسرح السياسي من فجر الإستقلال الشكلي إلى منتصف الستينات من القرن 20 .
إلا أن ذلك لم يطل طويلا حيث بدأ حصار المدينة بعد زلزال أكادير و تصفية جيش التحرير الذي يشكل فيه مناضلو تارودانت العمود الفقري خاصة في مجموعة شيخ العرب و عمر دهكون ، و كان للقمع الشرس للنظام الحاكم منذ التصويت ضد الإستفتاء في 1962 و التصويت لصالح المعارضة في انتخابات 1963 ، مرورا بحركة مجموعة شيخ العرب بالدار البيضاء في سنة 1964 التي انخرظ فيها المناضلون السوسيون ، و دورهم الفعال في انتفاضة الدار البيضاء سنة 1965 و حركة مارس 1973 التي قادها عمر دهكون ، و هكذا أصبح للإتجاه الراديكالي المعارض السائد بسوس بصفة عامة و بالمدينة بصفة خاصة أثر كبير في تعرضها للتهميش المكثف من طرف النظام الحاكم بالمغرب.
و هكذا تشكلت مجموعة من الظواهر السلبية بالمدينة التي تم إخضاعها بقوة القمع و التي حولتها إلى مرتع للفساد الإداري و المالي ، من خلال أسلوب السلطة الفاسد الذي يسعى إلى إدلال الإنسان الروداني من أجل الوصول إلى السيطرة على الموارد الإقتصادية الفلاحية ، لفسح المجال أمام الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار لمزيد من الإستغلال المكثف للطبقة العاملة و خاصة المرأة العاملة ، و في 18 دجنبر 1981 تم إحداث إقليم تارودانت الذي يضم من جديد تالوين و المناطق التابعة لها مع إبقاء قطاع الفلاحة بتالوين تابعا لإقليم ورزازات إلى اليوم ، و بعد عقدين من الزمن من التهميش المكثف بدأ الشوط الثاني من بسط السيطرة المخزنية بشكل مباشر عبر السلطة المباشرة بعمالة تارودانت ، التي تسهر على الضبط الإجتماعي المباشر من خلال تشكيل لوبي يتمثل في أعوان السلطة و المافيا المخزنية و الملاكين العقاريين و الكومبرادور كطبقة مسيطرة على خيرات حوض سوس .
و أصبحت الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء هدفا لتبييض ما تم نهبه من المال و الملك العام و ما تم ترويجه في المخدرات و الكحول و السلع المهربة ، و كانت قضية " الحاج ثابت " و " البولونجي " في بداية التسعينات من القرن 20 خير دليل على ذلك ، لما لهما من علاقة بعامل تارودانت و مدير ديوانه و بعض رؤساء الجماعات و ذوي النفوذ بالدولة آنذاك ، و هكذا نشأت طبقة بورجوازية كومبرادورية تستمد قوتها من النفوذ داخل البرلمان و الجماعات المحلية تحت حماية السلطة المركزية للنظام الحاكم بالمغرب ، و تم ابتلاع الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء و تدمير الفرشة المائية و غابة أركان بالسهل و نهب المال العام و الملك العام ، عبر الفساد بالجماعات المحلية و إنشاء السدود خاصة سدي أولوز و المختار السوسي على حساب ممتلكات الفلاحين الفقراء و تفقير الشرائح العريضة من الجماهير الشعبية بالإقليم .
و تحويل مدينة تارودانت إلى مرتع للفساد بجميع أشكاله لطمس دورها التاريخي و الحضاري و الثقافي ، و تخريب معالمها التاريخية و تشجيع البناء العشوائي على حساب العرائس و الجنان داخل السور ، و أصبحت المدينة داخل السور عبارة عن تجمعات سكنية عشوائية إستفاد منها المضاؤبون العقاريون ، إضافة إلى ما تعيشه الأحياء الشعبية القديمة من تهميش جعل جل بناياتها مهددة بالسقوط كما هو الشأن بالنسبة لسورها ، و نشأت بالأحياء الشعبية ظواهر اجتماعية خطيرة تتمثل أساسا في الدعارة و الأطفال المتخلى عنهم و ترويج المخدرات و الكحول المصنعة محليا و استغلال الأطفال في الورشات الحرفية خارج قوانين الشغل ، كما بدأت ظاهرة السياحة الجنسية التي تستهدف الأطفال الذكور من طرف الأجانب الذين يبتاعون الرياضات القديمة و يحولونها إلى مآوي لاستقبال رواد السياحة الجنسية .
وكان لسياسة التهميش الممنهج التي أقامها النظام الحاكم بهذه المدينة أقر كبير في فسح المجال أمام التهميش المكثف للبوادي ، و خاصة في المناطق النائية بالجبال التي يسكنها الإمازيغ بالإطلس الصغير و الكبير حيث انعدام التجهيزات الأساسية من كهرباء و ماء صالح للشرب و مستشفيات و مدارس ، فبالرغم من تأسيس المدارس الأولى منذ بداية الخمسينات بالمراكز التي أسسها الإستعمار المباشر إلا أن الأمية قد انتشرت بشكل فظيع خاصة في صفوف النساء بالبوادي ، و ذلك راجع إلى السياسة التعليمية الطبقية التي تجاهلت الخصوصيات المحلية بسوس و المرتكزة أساسا على الأمازيغية ، كما أن الحق في الصحة قد عرف انتهاكا خطيرا حيث انعدام التغطية الصحية خاصة بالبوادي التي تتهدد فيها حياة الطفل و المرأة ، أما بالنسبة للماء الصالح للشرب فباستثناء بحض المراكز التي أقامها المستعمر فإن حل البوادي تبقى دون هذه المادة الحيوية خاصة في جبال الأطلس الصغير الغربية ، أما الكهرباء فعلى الرغم من بداية ما يسمى ببرنامج كهربة القرى منذ بداية التسعينات من القرن 20 ، فأن جل البوادي لم تصلها الخطوط الوطنية بل أكثر من ذلك بتم تنفيذ ما يسمى بالبرنامج الخاص ، و الذي يستهدف استنزاف امكانيات الفلاحين الفقراء بتحميلهم ما لا طاقة لهم به ، بعد تملص النظام الحاكم من مسؤولياته خاصة في سد المختار السوسي الذي يعرف حركة الفلاحين الفقراء ضد 30 سنة من سياسة التهميش.
أمام السياسة الطبقية للنظام الحاكم نشأت حركة المجتمع المدني منذ أواسط التسعينات من القرن 20 بجل البوادي بتارودانت ، و كان الهدف من تأسيس جمعيات المجتمع المدني هو النهوض بالتنمية بالدواوير المهمشة بعد تملص النظام الحاكم من مسؤولياته ، و كان لضخامة الحاجيات المطروحة على جدول أعمال هذه الجمعيات التنموية أثر كبير في تحويل مسار هذه التنظيمات الذاتية للفلاحين الفقراء ، فبعد عجزها عن تحقيق أهذافها أصبحت في موقع المطالبة بالحقوق التي غالبا ما يكون رؤساء الجماعات و السلطات المحلية هم المسؤولون المباشرون عن معاناتهم ، و كان لتجربة الفلاحين الفقراء بسدي أولوز و المختار السوسي دور هام في إبراز التناقضات الطبقية بين رؤساء الجماعات و السلطات بتارودانت و بين المجتمع المدني بأوزيوة ، هذه التناقضات التي بدأت تكتسي طابعا دوليا بعد التضامن الذي حظي به ملف الفلاحين الفقراء من طرف النقابات بفرنسا و إسبانيا و بعد الجمعيات المناضلة ، و كان للمطالب الأساسية المطروحة و التي تهم جميع الفلاحين الفقراء بسوس ثقل كبير في أهمية الملف ، و هي بالأساس الحق في الأرض و الماء و أركان و تنمية الثقافة و اللغة الأمازيغية.
تارودانت في : 13 دجنبر 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا


.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة




.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا


.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار




.. اللغة والشعرعند هايدجر - د. دعاء خليل علي.