الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة الباندورا .

صباح حزمي الزهيري .

2024 / 6 / 25
الادب والفن


مقامة الباندورا :

كيف نشأت الأسطورة ؟ لقد نشأت الأسطورة في البداية نوعًا من محاولة تفسير الظواهر الغريبة التي وقف الإنسان القديم عاجزًا عن تفسيرها, والأسطورة في اللغة العربية مشتقة من الجذر سطّر, ولها في اللغة الكثير من المعاني منها ما يكتبه الإنسان, ومنها الأباطيل والأكاذيب التي يُقال للواحدة منها أسطورة والجمع أساطير, وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى كما في قوله تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) .

تحكي أسطورة سارق النار ان آلهة الاوليمب اليونانية حينما غضبت غضبا شديدا على برومثيوس النقيّ السريرة بعدما وهب خدماته الجليلة الى الأرض وسرق النار من الآلهة ليمنحها عطايا سخية الى البشر , دبّروا له مكيدة غادرة لا يمكن الخلاص منها بسهولةٍ , فبعثوا المرأة الحسناء الماكرة باندورا , وهي تحمل خُزانة فيها كل شرور وصفات السوء والمكر ( نفاق وكذب وخيانة وفرقة وانحلال أخلاقي وجبن وقتل ولصوصية مما لايحصى من السفالات العائمة بيننا الان ) لنشرها طولا وعرضا في الأرض لتخريبها وبثّ الأوبئة والخلق السيئ في كل ربوعها بعد ان نجحت الغانية السافلة باندورا في استمالة شقيق برومثيوس الضعيف أمام النساء الغنجات, فانتشر الهول الوسخ والعاهات الأخلاقية الرثّة وأخذت أحابيل النفاق والكذب والادّعاءات البطولية الكاذبة والوعود المضللة تتسع كالنار في الهشيم , فالناس غير الناس والأخلاق غير الأخلاق والنخب التي سادت لم تعد ترى سوى منافعها وملء جيوبها وليذهب الملأ المبتلي بالأسقام والمجاعة والعنف والكراهة والحقد وكل ما هو مرعب إلى الجحيم .

شيء واحد بقي في خزانة باندورا لم تشأ ان تُخرجه , الا وهو روح الأمل وقد أحكمت إغلاقه وبقي مدفونا في الصندوق بعد ان أفرغت منه كل ما هو سيء وشرير ومرعب ومدنّس ووسخ وبثّته في كلّ الأرجاء ليعمّ ربوعنا , وكأن هذه الأسطورة صارت واقعا معاشا تماما وان زمان المعجزات والغرائبية نراها هنا بأمّ أعيننا في بلادي بكل صورها البذيئة في عراق النبل والطهر وأننا في أمسّ الحاجة الآن لشعبٍ وقادة شرفاء وبُناة وأبناء بررة ونجباء يشمّرون عن سواعدهم لإنقاذنا من هول الشرور العائمة فينا , فمن سيطلع منا ليبعث تلك الروح وبشرى الأمل ويلمّ كل أنقاض الشرور الشائعة فينا ويحرقها فناءً تاما ؟؟
هل كُتب علينا نحن الشعب المبتلي بالرزايا ان نلملم المخلفات من مخزيات وقذارات صندوق باندورا الهائلة , ومن اين لنا كل هذه السواعد والعقول والمطهّرات لنعيد الى هذه الارض طهرها السابق ونبلها الرائح وخيراتها الماحقة وكلٌ يبكي على ليلاه وجيبه وطائفته وقبيلته وعِرقهِ وقوميتهِ وانبعاث تلك ( الانا ) بشكل مخيف ومرعب في الضمائر وغياب ( النحنُ ) في وقتنا الحاضر السيئ المسلك والمُهلك ؟

تختلف التفسيرات لنهاية الأسطورة , إذ يعتقد بعضهم أن ألأله زيوس لم يرد أن يقسو في عقابه على الإنسان , وأرسل له الأمل كي يكون أداة ليتغلّب فيها على الشرور والمصائب, فحتى في أشد اللحظات صعوبة, يكون الأمل حافزاً للبشر على الكفاح والاستمرار, ويرى آخرون أن الأمل ما هو إلا وسيلة أخرى من زيوس لخداع البشرية والانتقام منها, لأن ما يمنحه من دفء واطمئنان, لا يعدو كونه وهماً, لا ينفع أمام قسوة الحياة وعدميتها, وكما قال الفيلسوف نيتشه في تحليله للأسطورة فإنّ ((الأمل هو الأسوأ بين كلّ الشرور لأنه يطيل من عذاب الإنسان)) .

تحوّل صندوق باندورا مع الوقت إلى مصدر إلهام للأدب والفن, وباتت العبارة بحد ذاتها استعارة ترمز إلى سيل المفاجآت غير السارة التي تأتينا من المجهول, مثل قول محمود درويش في قصيدته "تموز والأفعى": تموزُ مرّ على خرائبنا وأيقظ شهوة الأفعى القمح يحصد مرة أخرى ويعطش للندى.. المرعى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف