الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخطبوط الاستيطاني يلتهم أراضي الضفة الغربية ويهدد البدو الفلسطينيين في وجودهم

خميس بن محمد عرفاوي
(Arfaoui Khemais)

2024 / 6 / 25
القضية الفلسطينية


بعد عمليّة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2024 تركّز العدوان الصهيوني على قطاع غزة بينما واصل الاحتلال اعتداءاته في عدة اتّجاهات. فهو كيان يتغذّى بوفود جديدة من المستوطنين يأتون من مختلف أصقاع العالم بحثا عن "جودة الحياة". وتمثّل الأرض الفلسطينيّة أهم الغنائم التّي لا يشبع الكيان من التهامها لتحقيق مشروعه في السيطرة على كامل فلسطين على طريق بناء "إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات.
سنتعرّض في هذه المحاولة لمعاناة قسم من سكان فلسطين العرب وهم البدو الذين لا تكاد تذكر وسائل الإعلام أخبارهم ربما لتشتّتهم ولأنّ الاحتلال يعتدي عليهم غالبا فرادى. وتطرح هذه المعاناة إشكاليّة الأرض باعتبارها محور الصراع في فلسطين. فالأرض هي بالنسبة إلى الفلسطينيين المكوّن الرئيسي لهويّتهم. فهي قضيّة وجود من عدمه وفي المقابل تمثّل الأرض بالنسبة إلى المشروع الصهيوني شرط نجاحه والمقوّم الأساسي لبناء المجتمع الصهيوني.
وقد اهتدى بعض النشطاء في المدّة الأخيرة إلى تأسيس منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو وهي بالأساس حقوق الأرض والإسكان والتعليم والصحة والحريّات الأساسية كما جاء في بيان أهداف المنظمة. ومن بين الطرق التّي تنتهجها في هذا السبيل التدخل القانوني والدعم القانوني والسعي إلى التأثير على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية للتعامل بفعاليّة مع قضايا حقوق البدو . وأنشأت المنظمة صفحة في شبكة التواصل الاجتماعي تنشر فيها أخبار الانتهاكات اليوميّة التّي يتعرّض لها البدو. وقد اعتمدنا في هذا النص على المعطيات الواردة فيها إلى جانب ما توفرّه وثائق وزارة الخارجية والمغتربين (الفلسطينيّة) وبعض المراجع التّي اهتمت بالقضيّة.
وإنّنا سنحاول التطرّق إلى واقع فلسطين الحالي وسنعرّف بالبدو الفلسطينيين وأخيرا سنذكر بعض الانتهاكات التّي يتعرّض لها هذا القسم من السكان.

I. واقع فلسطين الحالي

تمرّ فلسطين بوضع غاية في التعقيد يتلخّص في توسّع الاستعمار الصهيوني وانحسار الأراضي غير الخاضعة لإدارة الكيان الصهيوني.
وقبل أن نتعرض للوضع الحالي، يجدر بنا أن نلقي نظرة خاطفة على تطوّر خريطة فلسطين منذ النكبة سنة 1947. فقد أصدرت الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة قرارا يقضي بتقسيم فلسطين ومنحت الصهاينة، وهي التّي لا تملك الحقّ في التصرّف في أراضي الغير، 55% من أرض فلسطين. غير أنّ هذه النسبة سترتفع إلى 78% إثر الحرب العربيّة الإسرائيليّة التّي انتصر فيها الكيان الصهيوني وانتهت بعقد الهدنة سنة 1949 وأطلق على الحد الفاصل بين الضفة الغربيّة والكيان الصهيوني تسمية الخط الأخضر. وتزامنت هذه الأحداث مع المجازر في حقّ الفلسطينيين وحملات اغتصاب الأراضي والتهجير أي في كلمة التطهير العرقي. وإن ألحقت أراضي الضفة الغربيّة بما في ذلك الجزء الشرقي من مدينة القدس بالأردن، فقد وضعت غزّة تحت تصرّف الإدارة المصريّة.
والتهم الكيان الصهيوني قطاع غزة والضفة الغربيّة إثر نكسة 1967 وتواصل مسلسل بناء المستوطنات والتهجير في ما يعرف بالأرض المحتلّة. فلقد انتشرت المستوطنات بالمئات في جميع أرجاء الضفة الغربيّة وبنيت آلاف الوحدات السكنيّة.
وإثر اتّفاقيات "أوسلو" التي عقدت بين عامي 1993 و1995 بين منظمة التحرير الفلسطينيّة ودولة الكيان الصهيوني نقلت السلطة المدنيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.
إلاّ أنّ الكيان الصهيوني لم ينسحب بالكامل من أراضي قطاع غزة إلاّ في 15 أوت 2005 وأبقى على حصارها برًا وبحرًا وجوًا. وبالنسبة إلى الضفة الغربيّة (دون القدس) فإنّها كما قال أحدهم "كيان إداري للسلطة الفلسطينيّة" يهيمن عليه الاحتلال ولقد تم تقسيمها أساسا إلى 3 مناطق هي:
- المنطقة «أ» التي لا تتجاوز مساحتها أكثر من 18% من مساحة الضفة الغربيّة، وتشرف عليها السلطة الفلسطينيّة أمنيّا وإداريّا، والمنطقة «ب» تمتدّ على نفس المسافة وتتولى السلطة الفلسطينيّة إدارة الشؤون المدنيّة فحسب بينما يسيطر الكيان على الأمن، والمنطقة «ج» تمثل 60% من مساحة الضفة الغربيّة. احتفظ الكيان الصهيوني بالسيطرة الكاملة عليها وتشمل معظم مناطق الضفة غير المأهولة وموارد المياه وغور الأردن والمنطقة الحدوديّة والمستوطنات والطرق الموصلة بينها، إضافة إلى بعض التجمعات الفلسطينيّة الصغيرة القريبة من القدس والمستوطنات.
وبقيت مناطق أخرى تمثل 4% من مساحة الضفة الغربيّة سيطر عليها الكيان الصهيوني. يضاف إليها ما قضمه من أراضي كلّ من الجدار العازل أو جدار الفصل العنصري الذي شرع في بنائه سنة 2003 والحواجز ونقاط التفتيش التّي تعد بالمئات.
كلّ ما سبق أدّى إلى تمزيق التواصل الإقليمي للمجتمع الفلسطيني وجعل حياة سكان الأراضي المحتلّة وخاصة الضفة الغربيّة لا تطاق حيث سلب المزيد من الماء والأرض وإخلاء العشرات من القرى وتدمير الآلاف من أنابيب الريّ وإتلاف مئات الآلاف من أشجار الزيتون.
فما هو نصيب البدو الفلسطينيين من هذا العدوان؟

II. البدو الفلسطينيون

تعتبر ظاهرة البدو في فلسطين ظاهرة لافتة للنظر. فرغم نموّ الرأسماليّة وهو نموّ محدود في القطاع الذي ينشط فيه العرب الفلسطينيون سواء في المدينة أو في الريف وذلك منذ عهد الانتداب البريطاني فإنّ هذا القطاع يغلب عليه النشاط الزراعي وقسم كبير من سكانه هم من الفلاحين البدو.
لقد سكنت القبائل البدويّة أرض كنعان منذ القدم واختلط بها البدو القادمون من شبه الجزيرة العربيّة وشبه جزيرة سيناء. يعيش البدوي على الرعي بشكل أساسي، متنقلا من مكان إلى آخر بحثا عن المرعى والكلإ وعن الماء والعيون رافضا تعاطي الزراعة. وحافظ على نسبه وعلى عاداته وتقاليده التّي توارثها عبر العصور. ومن عاداته في مجال السكن أنّ بيته تتمثّل في الخشّة وهي بيت من القشّ والخيش وكذلك الخيمة التّي تتكوّن من عدّة أقسام: المحرم مخصّص للنساء والشق مكان الضيافة والمطبخ. وجرت العادة أن تتولّى المرأة صناعة الخيمة من صوف الأغنام ووبر الجمال. وللبدو عادات في اللباس فملابس الرجال هي الثوب أو الجلبيّة والعباءة والعقدة (غطاء رأسي) والوطا وهو النعل أو البلغة وملابس المرأة هي الثوب وهو الرداء الخارجي والخلق وهو الرداء الداخلي والحزام والسروال والبرقع غطاء الرأس وتتزيّن البدويّة بالحلّي وخاصّة بالخرز الملوّن. وحافظ البدو على نظام الأسرة التقليدي الذي يحتلّ فيه الرجل مكان الصدارة "أمره نافذ ورضاؤه واجب وكلامه مطاع" (بشرى داوود، ص 54). بينما المرأة "في العرف البدوي تابعة للرجل أو ضمن متاعه في كلّ أطوار حياتها" (نفسه، ص 56). ويتم الزواج بدوره حسب العادات. فالعريس هو من يختار العروس ويكون ذلك لجمالها ولأصلها وعادة ما تكون الفتاة من العشيرة. ويتم الاتفاق بين الأبوين ولا دخل فيه للعروسين. فالزواج زواج بين أسرتين.
وللعشيرة مجلس يلتقي فيه الرجال في خيمة الشيخ وتحديدا في الشق الذي ذكرناه سابقا تدار فيه الأحاديث وتتداول الأخبار الخ. ومن عادات البدو إشعال النار أمام الشق لطهي القهوة ولإرشاد الضيف أو المسافر أثناء الليل. ولهم أيضا قضاء خاص بهم يتولاّه شيوخ عالمون بالعرف والتقاليد القبليّة لكلّ منهم مجال اختصاص كالقاضي الملم الذي يجتمع عنده الخصوم في المرّة الأولى وقضاة الكبار للصلح بين الخصوم وأهل الديار وهم قضاة الأرض والقصّاصون المختصون في قضايا القتل وأعمال العنف الخ. ويشتمل القضاء على درجات ثلاث ويستند فيه القاضي على العرف وهو مجموع القواعد المتوارثة. ومن هذه القواعد قاعدة العين بالعين والثأر في قضايا القتل.
ولكن تغيّرت أوضاع البدو أثناء الاستعمار البريطاني. فقد سعت بريطانيا إلى تحديد إقامة القبائل البدويّة ومنع البدو من الغزو وأرغمتهم على تعاطي الزراعة. فانقسموا تبعا لذلك إلى مجموعات تفضل الإبقاء على النمط البدوي التقليدي والعيش في تجمعات قبليّة وأُخرى أكثر حداثة تسكن القرى والمدن. وبطبيعة الحال أصبح البدوي المستقر يتعاطى الزراعة ويسكن بيتا من الحجر. وتغيّرت عاداته في المأكل والملبس كما تطوّرت منظومته القانونيّة بالمزج بين العرف والقانون الوضعي.
وينقسم البدو في فلسطين إلى الفئات التاليّة حسب أصولهم ومناطق إقامتهم أو تنقلّهم:
- بدو الشمال (منطقة الجليل) وهم في الأصل عرب قدموا من الحجاز والعراق.
- بدو المثلث والضفة الغربيّة وهم يسكنون وسط فلسطين تعود جذور بعضهم إلى الضفة الغربيّة والبعض الآخر إلى الحجاز ومنطقة سيناء .
- عرب التعامرة في محافظة بيت لحم تقع في جنوب الضفة الغربيّة وجزء منهم بالأغوار.
- عرب ابن عبيد (العبيديّة) بين جبل القدس والبحر الميت.
- عرب الكعابنة ينتشرون بالغور والزويديين بالخليل.
- بدو الجهالين ينتشرون بالأغوار شرق القدس وجنوب الخليل.
- عرب السواحرة ينتشرون بقرى شرق القدس.
- بعض عائلات عشائر العزازمة من بئر السبع ينتشرون شرق الخليل.
- بدو الشاسو في جنوب فلسطين. وهم قبائل بدويّة كنعانيّة سكنوا الصحراء وتحديدا في بئر السبع و قطاع غزة.
بعض هذه التجمعات البدويّة تعيش في القرى البدويّة داخل أراضي 1948 مثل النقب وأغلبها غير معترف بها أي ليس لديها مكانة قانونيّة ولا تتمتّع بأدنى الخدمات التّي توفّرها الأجهزة الرسميّة. وهؤلاء البدو هم الأكثر فقرا في الأراضي المذكورة.

III. البدو الفلسطينيون في مواجهة الانتهاكات اليوميّة

لم يسلم البدو في أيّ مكان من فلسطين التاريخيّة من الاضطهاد بما فيها الأراضي المغتصبة سنة 1948 مثل صحراء النقب. وسنتعرّض في هذه الفقرة لمعاناة البدو المتواصلة في هذه المنطقة ثمّ إلى معاناة بدو الضفة الغربيّة بعد عمليّة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023.
رغم أنّ البدو في صحراء النقب أحرزوا على الجنسيّة الإسرائيليّة إلاّ أنّ سلطات الكيان الصهيوني لا تعاملهم كمواطنين وتحرمهم من أبسط مستلزمات الحياة من بنية تحتيّة ومرافق كالماء والكهرباء، وترفض الاعتراف ب38 قرية بدويّة يسكنها أكثر من 90 ألفًا ولم تعترف بملكيتهم ل 13 مليون دونم. وهي تحرمهم من رخص البناء وتتعلّل بانعدامها لتنفيذ عمليات الهدم والتجريف. فهي تسعى إلى طردهم ومصادرة أراضيهم ليحلّ بها مستوطنون. ومع ذلك تسعى إلى تجنيد الشبان البدو وتغريهم بالامتيازات، لتدارك تناقص عدد الذين لا يريدون الالتحاق بجيش الاحتلال والتهرّب من الخدمة العسكريّة.
فإذا كان هذا حال مناطق 48 فما هو حال بقيّة الأراضي وتحديدا الضفة الغربيّة؟ تتركّز فيها التجمعات البدويّة في مناطق شرق رام الله والقدس وفي الأغوار وجنوب الخليل وهي المناطق المصنفة "ج"، التّي تحدثنا عنها سابقا. يذكر أمير داوود مدير دائرة التوثيق والنشر في "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" إنّ عدد البدو في الضفة يقدر بنحو 37 ألفا، في حين يبلغ عدد التجمعات الفلسطينيّة في المنطقة المصنّفة "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيليّة الكاملة 507 تجمّع يقيم فيها 270 ألف مواطن، بمن فيهم البدو.
في هذه المناطق ما انفكّت سلطات الاحتلال تسلّط على التجمعات البدويّة كافة أنواع الترهيب مثل الاعتداءات الجسديّة ونصب الكمائن ليلًا وهدم المنشآت والمساكن وتجريف الأراضي، إضافة إلى الترحيل القسري والاستيلاء على الممتلكات وإقامة المستوطنات ومنع الرعاة من استغلال المراعي المتوفرة وفرض غرامات ماليّة باهظة. وهي لا توفّر لهم أيّ نوع من الخدمات والمرافق وتمنعهم من البناء.
ودون العودة في الزمن كثيرا إلى الوراء نشير إلى أنّه في عام 2022 وحده صادقت سلطات الاحتلال على نحو 83 مخططا استيطانيا، لبناء أكثر من 22 ألف وحدة استيطانيّة في جميع أنحاء الضفة الغربيّة بما فيها القدس.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 صعّد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربيّة، كما صعّد الجيش عملياته مخلّفا مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وفق وزارة الصحة الفلسطينيّة. وقد أحصي ما يقارب 28 تجمعًا بدويًا في الضفة الغربيّة يتكوّن من 276 عائلة تم تهجير سكانها ليقع توزيعهم في مناطق محدّدة جغرافيًا لا تناسب نمط وثقافة الحياة البدويّة ولا تتوفّر بها ظروف عيش كافية فضلا عن فقر المراعي وقلّة المياه.
فحسب بعض المصادر التي اعتمدناها تصاعدت أعمال التطهير العرقي هذه عقب السابع من أكتوبر 2023. ويأتي هذا التصعيد في ظل عمليّة تسليح واسعة النطاق للمستوطنين قام بها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير .
.ويتعرّض بدو الضفة الغربيّة لانتهاكات يوميّة ولأعمال ترهيب من نوع سرقة أغنامهم وماشيتهم وحفر قبور موتاهم وتعليق دمى ملطخة بالدماء على إحدى المدارس ومضايقة التجمعات البدويّة وبناء الخيام بجوارها لإجبارهم على الرحيل ومن ذلك أيضا محاولات القتل التّي يتعرضون لها وإطلاق مواشي المستوطنين في مراعيهم ومداهمة الجنود لمنازلهم وتحطيم مدارسهم. وفي هذا الصدد يقول حسن مليحات المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو إن منظمته سجّلت منذ بداية 2023 نحو 500 اعتداء على التجمعات البدويّة نفذتها عصابات المستوطنين مدعومة من قبل دولة الاحتلال لدفع البدو إلى الرحيل القسري. ورصدت إحدى المنظمات الفلسطينيّة المهتمة بالبدو ما يقارب 460 انتهاكا خلال المدة المنقضية من سنة 2024.
ومن المشاكل التّي يعاني منها البدو وتسعى بعض المنظمات الفلسطينيّة إلى لفت أنظار العالم إليها مشكلة ندرة الماء في التجمعات البدويّة. ويعود سبب نقص المياه إلى استحواذ المستوطنين على الآبار وموارد المياه وتلويثها. وبديهي أنّ قلّة المياه وتلوّثها سيؤثّران على البشر وعلى الحيوان والنبات وسيجبر السكان على قطع مسافات طويلة للحصول على المياه اللازمة. ويتسبّب ذلك في انتشار الأمراض الذي ينضاف إلى معاناتهم اليوميّة.
وتسعى المنظمات الفلسطينيّة المشار إليها إلى تسليط اأتضواء على انعكاسات الأوضاع التّي تمرّ بها التجمعات البدويّة في الضفة الغربيّة على الأطفال وتلخّصها في عدم تكافؤ الفرص بينهم وبين الأطفال الآخرين في الضفة الغربيّة. فالتعليم يمثّل أحد أهم مجالات عدم التكافؤ بين المجموعتين من الأطفال. فالأطفال البدويون يعانون من الصعوبة في الوصول إلى المدارس بسبب قلة المدارس المتاحة في مناطقهم وضعف البنية التحتيّة التعليميّة. وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأطفال البدويين الذين يتركون التعليم مبكرًا وبالتالي تفشي الأميّة. وتمثّل الصحة مجالا هاما آخر في عدم التكافؤ بين الأطفال إذ يعيش الأطفال في التجمعات البدويّة ظروفًا صحيّة صعبة، حيث لا تتوفّر الخدمات الصحيّة الأساسيّة. وهذا ما يؤدي إلى انتشار الأمراض وتفاقم الأوضاع الصحيّة للأطفال والعائلات في تلك المناطق. وثالث مجال هو الفقر المعمّم الناتج أحيانا عن البطالة القسريّة فهو يؤثر على جودة حياة الأطفال ويقلّل من فرصهم للتطوّر والنجاح في المستقبل.
ويكمن عدم التكافؤ بين الأطفال أيضا في مجال الحقوق الاجتماعيّة والثقافيّة المنتهكة بالنسبة إلى الأطفال في التجمعات البدويّة بما في ذلك حقهم في اللعب والتعبير عن ثقافتهم الخاصة.

الخاتمة

معاناة البدو الفلسطينيين لا تنتهي بل تتفاقم باستمرار. معاناة هي من الأهميّة الّتي لا يضاهيها إلاّ صبرهم وصمودهم. فهم متشبثون بالأرض واللاجئون منهم متشبثون بالعودة. تراهم يكدّون باستمرار وينظرون إلى المستقبل ويعيدون بناء ما حطمه الصهاينة بلا كلل مثل سكان عرب الرماضينة وهي إحدى قرى محافظة الخليل الذين تعاونوا لبناء مدرسة ابتدائيّة من الطين والقش رغم ظروف الحصار التّي تخضع لها القريّة والخوف من منع هيئة التدريس من اجتياز بوابة عسكريّة محكمة الإغلاق وبتصاريح خاصة وتفتيش. إنّهم حرّاس الأرض.
تقول إحدى الفلسطينيات: "نغرس في أبنائنا الصغار ألا ينسوا هذه الأرض حتى لو مت أنا وأبوهم، وأن يتمسكوا بأرضهم، وأن يعيشوا عليها ويموتوا عليها، حتى لا يحقق المحتلون أهدافهم". ويقول أحد المراسلين الصحفيين: "ورغم كل المعاناة يبقى بدو فلسطين متمسكين أيضا بعاداتهم وتقاليدهم، وفي ظل معاناتهم اليوميّة يظل للفرح مكان مهم في حياتهم".
تحلّ علينا الذكرى الثامنة والأربعون ليوم الأرض وبعد أن انقضت ستّة أشهر على عمليّة طوفان الأقصى لتظهر لنا جبهة المقاومة جبهات أقوى من ذي قبل ولتصبح الهويّة الفلسطينيّة هويّة عالميّة والكوفيّة الفلسطينيّة يتلحّف بها أحرار العالم. أليس الصبح بقريب؟
(مارس 2024)


المصادر والمراجع:

موقع وزارة الخارجيّة والمغتربين (دولة فلسطين)
صفحة منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو
اللجنة القطريّة للدفاع عن الأراضي العربيّة في فلسطين، الكتاب الأسود عن يوم الأرض 30 آذار 1976، دار الجليل للنشر، عمان، 1985.
داوود، بشرى، البدو في فلسطين "عبسان"، دمشق، 1992.
الزواري، رضا، "الأرض ... في القضيّة الفلسطينيّة"، أطروحات، العدد 3، جانفي- فيفري 1984، ص 29- 34.
سلامة، بلال عوض، في معنى الأرض استعادة الذات الفلسطينيّة، بيروت، 2021.
صفوان، مهدي أسعد، الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلّة أبعاد ومآلات، بيروت، 2016.
المحجوبي، علي، جذور الاستعمار الصهيوني بفلسطين، تونس، سراس للنشر، 1999.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ