الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عادل امام يصالح السنة والشيعة

صائب خليل

2006 / 12 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


"المصالحة" كلمة تثير الدهشة

لكم ان تختلفوا معي كما تشاؤون, رغم ان ذلك يسبب لي الألم طبعاً, لكني مازلت مقتنعاً بأن الخلاف بين الشيعة والسنة تافه وان يتحول ذلك الخلاف الى عنف وقتل, ليس إلا خرافة. لذلك فانا افتح فمي متعجباً كلما سمعت عن مشروع مصالحة بين الشيعة والسنة. تماما كما فتح الفنان الكبير والسياسي الصغير عادل امام (*) فمه مندهشا مذهولاً في بداية مسرحية "الواد سيد الشغال" حين دخلت عليه الممثلة الجميلة (نسيت اسمها.... الحقيقة لا اعرفه) وهي تصرخ بأعلى صوتها : "طلقني طلقني طلقني..." وكانت تتصوره مأذوناً جاء يطلقها من زوجها.

"المصالحة" التي يروج لها الإعلام الغربي خاصة, ( بشطريه الصريح والمتخفي بشكل اعلام عربي او كردي ..وسواء تواجد هذا الإعلام في الغرب فعلاً او العراق او السعودية او الأردن...) هي من هذا النوع المدهش في شكله, اما محتواه فهو مشروع لإعادة الصداميين الى الحكم, بقيادة صدام, او اقرب شخص الى صدام في المحتوى. لقد اثبتت اميركا مراراً وتكراراً انها تؤمن ان افضل تحقيق لمصلحتها لدى دول العالم الثالث يتم من خلال صدام وامثاله, وانها ان كانت تضرب صداماً هنا او هناك, فانها لم تكن تسعى لإزالته, بل تعديله وتشكيله ليناسب المهمة الجديدة المخصصة له.

الهزيمة لن تخفف بتغيير اسمها

فـ "المصالحة" مع الصدامية ليست إلا تلاعب بالألفاظ, أما صحيحه فهو"الإستسلام للدكتاتورية والجريمة والوحشية". وليس عجيباً ان تستسلم الشعوب لمجرميها بل ان هذا يحدث كثيراً, خاصة وان القوة العضمى التي انتجتها البشرية, قوة اجرامية الطابع. فيصعب على المرء ان يجد في الوقت الحالي مجرماً من الوزن الدولي ليس له علاقة ايجابية ودعم من قبل اميركا, او لم تكن له في السابق. اقول ليس امراً غير محتملاً ان يقرر الشعب العراقي الإستسلام لصدام القديم او صدام جديد, إذا ما تمكن من يريد للشعب هذا الإستسلام من إدامة ارهاب لاقبل للشعب بتحمله زمنا طويلاً. ولكن حتى في تلك اللحظة سيئة الحظ, يبقى مفيداً ان يدرك الشعب الحقيقة المرة, ويعلم انه انما يستسلم مضطراً, وان ليس في الأمر من "مصالحة" او زعل, وان ليس في تلك "المصالحة" ما يدعو الى الإبتهاج, بل الحزن العميق والقلق. هذه الحقيقة لاتخفى لحظة عن الصداميين, فهم لايخدعون بالكلمات التي يخترعونها, لكن الجميع قد يشارك في خداع الناس بها, حتى من يدّعون تمثيل الشعب, ليناموا مطمئنين الى ان استسلامهم كان انتصاراً.

عسليوا العيون حكموا العراق

أن تقديم اي تساهل او تسامح مع زمرة صدام على انه تنازل من اجل السنة انما هو خدعة وغش مفضوح ايضاً. لم يكن لصدام وحكمه الفاشي علاقة بالسنة, فهو لم يهدف يوماً الى الترويج لهذا المذهب او الدعوة لمبادئه او تحقيق الفتوح من اجل توسيع رقعة السنة ولم يكتب يوماً ما يدل على اية معرفة بالسنة بل لم اسمعه يوماً يتلفظ بهذه الكلمة, فما علاقة هذا الرجل بالسنة سوى انه ولد بالصدفة وحدها من عائلة سنية؟ لقد كان مؤشره الذي يقوده للحركة دائماً هو مصلحته الشخصية المريضة غير القابلة للإشباع او الإطمئنان. ان تصنيف صدام كسنّي ليس بافضل من تصنيفه باعتباره عسلي العينين, والإستنتاج بان السنة كانوا يحكمون ا لعراق في زمنه ليس باقل ضحالة من القول بان "عسليي العينين" كانت الاقلية التي تحكم العراق بواسطته, وان الوقت حان لكي يحكم العراق الأغلبية المضطهدة من ذوو العيون السود والزرق.

السنة ملّة سوية تريد الحياة الشريفة والسمعة الحسنة

ايها الإخوة من الشيعة وايها الإخوة من الأكراد..إن وافقتم على "مصالحة" تعيد البعث الصدامي الى السلطة, فلا تأتوا فيما بعد لتقولوا للسنة اننا فعلنا ذلك من اجلكم, انما فعلتم ذلك لإستسلامكم فليس لكم عندها على السنة من فضل. السنة ملة سوية مثلها مثلكم (اؤكد لكم ان ليس لنا "ذيل"), تأمل في وطن يسوده القانون والحق, وليس وطن يسوده متوحش سني او غير سني, فليس السنة مرضى بالسادية اوالمازوكية لكي يسعدوا بذلك. السنة تطالب اكثر من غيرها بمحاكمة المجرمين جميعاً بلا استثناء, بل وبشكل خاص من كان من السنة منهم او من احتسب عليها. فالسنة حريصة على تنظيف اسمها من تلك الأسماء التي يحاول البعض ربطها بها بلا فكاك, ولن تقدم الشكر لمن سيعرقل ذلك التنظيف, بل لمن سيساعدها في تحقيقه, لكنها تبقى مهمة السنة ان تقاوم المحاولات المستميتة لإلباسها تلك البدلة غير المشرفة.
لكي لا نورث ابناءنا جراحاً ازلية التقيح

إن كان الأمر امر مصالحة بين البعث الذي اجتثه صدام عام 79 (**) وبين الشعب العراقي فهو أمر غير مستحيل, لكنه عسير معقد وثقيل, ولذا فمن المؤكد انه يجب ان يبنى على اساس صحيح قوي وثابت. فمن اجل المصالحة وتهدئة المشاعر يجب ان يطمئن الشعب الى ان البعث لم يعد ذلك البعبع الذي كان يخاف وحشيته وقسوته, بل صار حزباً يأمل حمايته ويتطلع الى مساهمته في بناء عراق يعيش فيه المواطن كريماً سعيداً. وبالطبع يجب من اجل ذلك ان يعتذر البعثيون عما تسببوا للشعب به من الام وخسائر لم يصبهم بها الد اعدائهم طيلة تأريخهم الطويل, وان يتم محاكمة رؤوس البعث الصدامي بدعم واصرار من هؤلاء المتصالحين خاصة البعثيين منهم. فهم من يجب ان يكون اكثر حرصاً ان لايبقى ما يذكر الناس بذلك التأريخ الأسود, وبالطبع يفترض بالبعثيين تغيير اسم حزبهم الذي ارتبط بالجريمة ارتباطاً لا فكاك منه ان كانوا يأملون ان ينظر الناس اليهم بشكل ايجابي. فلكي يكون هناك مصالحة يجب ان تلتئم جراح الأمة, لا ان يمنع النظر الى تلك الجراح. ولكي يطمئن الناس الى ان "البعثيين الجدد" لايخططون للغدر بهم, وهو قلق مبرر تماماً, يجب ان يسعى هؤلاء الى العمل في الجانب المدني السلمي, وليس كما فعل بعثيوا علاوي, والذين ان منعتهم من التعيين كضباط امن فكأنك قطعت عنهم أوكسجين الحياة, فيهبّ المحتجون على هذا الظلم الفضيع الواقع على هؤلاء الأبرياء الذين "لم تثبت عليهم جريمة" (بعد)! البعثيون الذين ينوون العودة الى الحياة الطبيعية سيكونوا احرص الناس على اخماد مقالق الناس الموجهة ضدهم وضد ذاكرتهم من خلال اختيار ادوار لا تثير الشك, ومن خلال محاكمة من يجب ان يحاكم, ومن خلال تغيير اسم ووجه البعث الى شكل ديمقراطي حضاري, اي معاكس تماما للصورة التي تحملها رؤوس الناس عنه. أما من يهدد بتدمير العراق ان تم تنفيذ الحكم بصدام, او من يهدد بحرق بغداد ان تم استدعاء الشيخ ضاري للمساءلة فهو ابعد ما يكون عن ذلك, ومثل هؤلاء لاينوون العيش في بلد يحكم الشعب فيه نفسه بنفسه. فلا يمكن لحزب ان يهدف الى العيش مع الديمقراطية دون ان يهدف الى ان يكون محبوباً من الناس, اما من يسعى الى اخافتهم وادامة رعبهم منه, فلابد انه يبيت عودة للدكتاتورية.
لعل الكثير من البعثيين الذين ينوون العيش كمواطنين طبيعيين يتمنون اليوم لو ان تلك الجرائم تمحى من الذاكرة وتختفي من نفسها. لكنها امنيات واهمة. فالجراح لا تندمل بابعاد النظر عنها. ولاشيء ينظف الذاكرة من الجروح والآلام غير عدالة تأخذ مجراها وتصفي حساباتها.

مات الدكتاتور بينوشيت قبل ايام, فافلت من محاكمته, تاركاً جراحاً سيستحيل اندمالها في غالبية ابناء الشعب الشيلي. ان من يطمح الى افلات صدام من تنفيذ الحكم وتصفية حسابه, يبيت للشعب العراقي جرحاً نازفاً ازلياً ويثبت فيه شعور عارم بالإحباط وعدم الثقة بالعدالة والمستقبل.

لامصالحة بين الشيعة والسنة!

إذن "المصالحة" بمعناها الحقيقي: المصالحة بين الشعب العراقي ومعتذر اساء اليه اشد الإساءات. اما من يتحدث عن المصالحة بين الشيعة والسنة فانها مازالت تثير في نفسي الدهشة بل و الشك بالنوايا. واذا كان عادل امام قد اجاب الممثلة التي كانت تصرخ "طلقني طلقني طلقني..." بأن صاح بها بعفويته الرائعة : "مش اما نتجوز الأول؟" فليس لديّ للصارخين بيننا وبين الشيعة "المصالحة المصالحة المصالحة.." غير ان اقول: "مش أما نتخاصم الأول؟"



(*) للأسف وقف الفنان عادل امام موقفاً انتهازياً غير مشرف مؤيداً للحكم العائلي الأزلي لبلاده مصر.
(**) انظر: "البعث يدافع عن مجتثيه": http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=82602








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن الجمعية الوطنية الفرنسية؟ • فرانس 24


.. فلسطينيون يقيمون مصلى من القماش وسط الركام في جباليا




.. دمار كبير في أحياء غرب رفح جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غ


.. مصابون يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بعد قصف على مناطق ج




.. حريق ضخم اندلع في سانتا باربرا الأميركية .. والسلطات تخلي ال