الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توطين -الذكاء الاصطناعي- في إطار -النظام الوطني للابتكار- (مفاتيح للنقاش

محمد عبد الشفيع عيسى

2024 / 6 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يتركز اهتمامنا الأساسي في مجال دراسات التكنولوجيا ،هذه الأيام، من زاوية "الاقتصاد السياسي" على كل حال، في موضوع "الابتكار".
و حين نقول "الابتكار" فنحن نقصد ، إلى حدّ كبير، التساوق مع التغير الجذري في وجهة النظر المنهجية خلال نصف القرن الأخير على الأقل. فقد كان الأمر في هذا المجال يقتصر على ما قدمته "الأمم المتحدة" في الخمسينات ثم الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، بإبراز دور "العلم والتكنولوجيا" في التنمية، وهو أمر عقدت من أجله حلقات ومؤتمرات عدة، سرعان ما لحق بها الوطن العربي آنذاك، مما تجلّى فيما ُسُمّي "كاستعرب". وكان مركز الاهتمام آنذاك – مع الانتقال إلى السبعينات والثمانينات- ما يسمّى "القدرة العلمية –التكنولوجية" بمقوماتها البشرية (الخبرات المجسدة) والعينية (الآلات والمعدات) و "الناعمة" أو " الجوانب الفكرية للملكية الصناعية والمعرفية (خاصة براءات الاختراع و تراخيص نقل التكنولوجيا). وظهر ذلك جليا في فكر منظم عن تكنولوجيات بازغة ثم ناضجة و (متكهلة) تباعا وسراعا وخاصة التكنولوجيا النووية و الفضائية و الحيوية وحتى "السيراميكية". ثم تطور علم وعمل في مجال "الشرائح الدقيقة" (ميكرو شيبس) –في الثمانينات والتسعينات- تطبع عليها المعلومات في "دوائر متكاملة" Integrated Circuits . وصارت هذه نواة للأجهزة الإلكترونية الدقيقة التي هي عصب التطور الرقمي المتسارع في كل المجالات والقطاعات الطليعية.
مع إطلالة التسعينات أخذ يبرز عالم جديد يقال له "عالم الابتكار" ، وحل الحديث عن القدرة الابتكارية" محل الحديث المجرد عن القدرة العلمية والتكنولوجية. و مع الابتكار كان من الطبيعي أن يولد حديث متجدد متوسع عن زرع الابتكار في البيئة الوطنية-المجتمعية ، عبر بناء "منظومة وطنية للابتكارات " أو "نظام وطني للابتكار" باختصار National System of Innovation.
ولما أفل الحديث القديم عن "العلم والتكنولوجيا" و عن القدرة العلمية والتكنولوجية"، أخذ يطل مع الألفية الجديدة- بعد عام 2000- فكر جديد لعالم جديد يقوم على ما أسموه "الثورة الصناعية الرابعة" بل و ربما "الخامسة" على أعمدة من "الأتمتة" الكاملة و "الرقمنة" و "البيانات الضخمة أو الكبيرة".
ومن التطلع لاستخدام البيانات كأُسّ للمعلومات، و أساس للمعرفة، تضخم التطلع إلى تطوير نظم كاملة للذكاء الاصطناعي"، الذي يسعى إلى محاكاة الذكاء البشري، وربما التفوق عليه أيضا. وهنا بدأت المخاوف و تعاظم القلق من جراء الخشية من تطور الذكاء غير البشري، بل و إفلاته من رقابة البشر رويدا رويدا، بعيدا عن الأخلاقيات الملزمة Ethicsوبحيث يحل الأوتوماتون" محل الإنسان، ويصير الذكاء "غير البشري" بديلا لعالم " الأنسنة" المأمول".
من هنا جاء اهتمام قلِق بضرورة التحكم في مسيرة الذكاء غير المنضبط، لكي يكون منضبطا بحق. ولكيْ يكون منضبطا فهذا يعني، في المثل الأعلى"، جعل "الذكائية" خاضعة للوطنية، إن صح التعبير. وبذلك يتم السعي إلى جعل الذكاء الاصطناعي وطنيا، بالمعنى العلمي، باعتباره الذراع "العملي" للنظام الوطني للابتكار. و هذا حديث يطول ثم يطول. ولكن هنا يبرز مصطلح "توطين" الذكاء الاصطناعي"، فكيف يكون، وما معناه في الأصل؟..
الحق عندنا أن كلمة " توطين " في السياق المحدد لما أشرنا إليه توّا، لها معنيان :
1- معنى زرع النشاط الخاص بالذكاء الاصطناعي في داخل الوطن، أى ما يقابل كلمة Localization ، فهو هنا متعلق "بالحيز" أو "المكان"، بدلالته الجغرافية .
2- معنى آخر للتوطين، ينصرف إلى ضرورة أخذ الخصائص الوطنية والقومية فى عين الاعتبار الأول، حين إدراج نشاط (أو أنشطة) الذكاء الاصطناعي، فى البيئة المحلية ، البيئة المصرية-العربية بالتحديد. أى أنه هنا قد يقابل كلمة Nationalization التى استخدمت للمقابل العربى "تأميم" فى أوقات سابقة.
وقد ارتأينا أن نعبر عن هذين المعنيين بكلمة واحدة فى المقابل باللغة الانجليزية للتوطين وهى Indiginalisation.
أما عبارة "النظام الوطنى للابتكار" فهى مكونة من ثلاث كلمات :
1- النظام System أى النسق المتكامل المكون من عناصر متعددة بينها انسجام Homogeneity وبالتالى بتحقق قدر معقول من الترابط Linkage (التفاعل المتبادل interaction) فيما بينها داخل بوتقة واحدة.
2- أما كلمة "الوطنى" فإن لها مدلولا ينصرف إلى جانبين :
- الجانب الأول أن "النظام" المشار إليه، "متموضع" Localized فى حيز جغرافى-اقتصادى-سياسى معين، هو فى هذه الحالة فى مصر العربية.
- الجانب الثانى أنه "وطنى" بمعنى أنه مطبوع بطابع السمات الوطنية بامتياز، فهو هنا نظام متعلق بالوطن، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً أيضا.
3- أما الكلمة الثالثة "الابتكار: فإنها منذ (جوزيف شومبيتر) الذى دبّج كتابه عن "الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية" فى ثلاثينات القرن المنصرم، فتنصرف بصورة عامة إلى : الابتكار المتعلق بالمنتجات، أى ابتداع سلعة أو خدمة جديدة product-innovation ثم الابتكار المتعلق بالعمليات الإنتاجية process-innovation أى طريقة إنتاج المنتج ذاته.
و يمكن أن نضيف بعدا " ثالثاً " للفظة الابتكار" – غير المنتجات والعمليات – هو الابتكار المتصل بهما معاً فى وحدة منسجمة بالمعنى "الجدلى" dialectical القائم على كل من الترابط العضوى linkage، والتفاعل المتبادل interaction. أى أن الابتكار هنا تعبير لفظى آخر عن "التأصيل" وهو ما نعبر عنه بالمقابل indiginalisation كما سبق ذكره.

لمحة عن المتطلبات والمحاذير المتعلقة ببناء النظام الابتكاري "الوطني"
1- متطلبات تموضع "النظام" فى البيئة الوطنية – العربية المصرية. والمتطلبات هنا تنصرف إلى ما يعبر عنه عادة بالشروط الأولية prerequisites أى ما يجب أخذه فى الاعتبار، قبل، وعند، بناء أركان النظام ثم غرسه فى الواقع المحلى-الوطنى والقومي الأعمّ .
هذه الشروط الأولية منها ما هو بشرى، وما هو فيزيقى–عينى، وما هو تنظيمى أو مؤسسى. ولكل منهما معان قد نعرج عليها لاحقا.

2- أما المحاذير، فهى المخاطر أو التهديدات المحتملة التى يمكن أن تنجم- فى ظروف معينة- من وراء بناء أركان النظام، وتفعيله عضوياً وتبادلياً .
أهم هذه المحاذير ما يتصل بضرورة "توجيه" حركة النظام نحو تحقيق الهدف المجتمعى المتعلق برفع مستوى الإشباع المادى والروحى للحاجات الأساسية للأغلبية الاجتماعية.
ويتصل هذا البعد اتصالاً وثيقاً بكل من "أخلاقيات" لذكاء الاصطناعى، من جهة أولى، وذلك من حيث الوسائل. أما من حيث الغايات، في الجهة الثانية، فإن الأمر يتعلق بما يمكن أن نطلق عليه "الأَنسنة" humanization كترجمة للأخلاقيات المذكورة. ويندمج البُعدان: الأخلاقى، الخاص بالوسائل، و"الأنسنى" الخاص بالغايات، فى دالة مركبة من العنصرين، بحيث يتوجه النظام، معنى ومبنى، إلى الرفاه الاجتماعى للأغلبية الاجتماعية الغالبة أى ما قد يقال له Vast Majority.
وعلى الضد من ذلك، ينبغي ألا يكون النظام الابتكاري موجهاً نحو خدمة آلة الحرب والتسلح والعنف، أو خدمة الأقلية الثرية المعمِّقة لعدم المساواة الاجتماعية Social unevenness .
... بذلك نكون قد ألممنا بأطراف المقولة المتضمنة فى الموضوع ذي الثلاث شُعب :
(النظام الوطنى للابتكار، و توطين الذكاء الاصطناعي: متطلباته ومحاذيره) .
فماذا بعد ؟
يمكن القول إن النظام الابتكاري الوطني و ذراعه العملي المفترض – منظومة الذكاء الاصطناعي "الموطّنة"، يقومان على قدمين : قدم مغروسة في الأرض، و قدم أخرى متطلعة إلى السماء. فأما القدم المغروسة في الأرض فتتصل بما أشرنا إليه آنفا عن ضرورة التوجه نحو إشباع "الحاجات الأساسية" للناس، للأغلبية الاجتماعية الواسعة (نحو 80% من المجتمع). وقد قيل إنها خمس احتياجات تقابلها قطاعات معينة في هيكل الناتج المحلي الإجمالي: 1-المأكل والمشرب (ويتصل ذلك بقطاعات الأغذية والمشروبات ) و 2-الملبس ( ويتصل بصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة) 3-المسكن الملائم (ويتصل بقطاع المباني والإنشاءات). 4- التعليم. 5- الصحة والرعاية الأولية والدواء والصيدلانيات والتطبيب. وكها مشروطة بتلبية الحاجة الكلية القاعدية للشعور بالأمان.
وأما القدم المتطلعة إلى السماء فهي تلك التي تقوم على "التعميق الصناعي والتكنولوجي"، انطلاقا من تصنيع الآلات والمعدات و وسائل النقل.-
ويتم ذلك عبر شراكات جديدة متجددة، متوسعة و متنوعة ، في عالمنا المتوتر القلق، بدء من المحيط العربي الخالص، فالإفريقي العام، ثم الإفريقي-الآسيوي –اللاتيني. ويليها انخراط نشط خلاق في دورة التطور الابتكاري العالمي، على أساس من الأخلاق و "الأَنسنة" الحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل