الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية 213

آرام كربيت

2024 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عندما أبدأ في قراءة كتاب ما ينتابي حذر شديد، هيبة الكتاب يخيفني. أتركه جانبًا إلى أن أملك الشجاعة للبدء فيه.
الكتب عوالم مفتوحة على احتمالات كثيرة، على حيوات الناس وأنفاسهم، نوازعهم، أحلامهم وأمالهم، إلى الكلمات المدونة في دفتيه، سهولته أو صعوبته، القدرة على فهمه أو العجز عن ذلك.
يحبطني الكتاب في البداية، لأنني التمس منه عدة احتمالات قبل الدخول في أرضه البكر.
وعندما أغوص في لبه وأسبح فيه أو تتكشف لي أبعاده، عمقه، تياره ومراميه ابدأ في قراته ونقده، كل سطر هو نقد وقراءة، متعة وفرح أو حزن وغبن، فهم أو الجهل في تفكيكه.
وكل كتاب جديد هو امرأة جديدة، يحتاج إلى معرفة أبعاده وما يختزنه من أبعاد فلسفية أو أدبية أو سياسية أو عوالم أخرى.
ويقطن في الكتاب الحياة، الأسلوب أو الابعاد السلوكية أو الجمالية أو الفكرية.
والأسلوب وطريقة العرض هو الطريق الأبسط إلى انشكاف حقيقته.
في يدي رواية اسمها، اعترافات قناعة، للكاتب الياباني يوكيو ميشيما الذي انتحر في العام 1970.
منذ البدايات تشير الرواية إلى أنها ذات بعد ثالث.

أفضل مكان للصحفي هو نظام التفاهة، فيه انتعش واستطال، لما لا، وهو كائن لا ثقافي، بل سطحي، مجرد ملقن، لا لون له، لا رائحة ولا صوت، ويردد كل شيء كالببغاء.
خلال الحرب الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة على روسيا عبر المسرح أو المنصة العامة، أوكرانيا، اشتغل الصحفي على طول مساحة الأرض وعرضها على تسطيح كل شيء، سواءًا كان خبيرًا استراتيجيًا أو عسكريًا.
عمل هذا الصحفي على تدوير السخافات، الكلام المكرر، وكأن آلاف الأقنية هي قناة واحدة.
لا فائدة ترجى من هؤلاء المجترين، لا ثقافة أو معرفة أو فهم.
أكثر من أربعمائة يوم حرب، لم يستطع المشاهد أن يعرف من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه.
ولماذا عملت الولايات المتحدة ولا زالت تعمل على قطع الطاقة، الغاز والنفط عن أوروبا، ولماذا تشجع على استمرار الحرب، ولماذا تحاول تدمير اوروبا، ولماذا الحاكم الأوروبي متواطأ مع الولايات المتحدة على حساب البعد الوطني لدولته.
هناك كلام كثير يتداول، بيد أنه ثرثرة، حشو، كلام لا يقدم ولا يؤخر ولا يفيد.
وأخر إنسان في العالم لا يعرف ماذا يحدث له ولوطنه، وغائب عن مصيره ومصير وطنه هو الإنسان الأوروبي الذي بدأ يخسر كل شيء، بعد أن تأكل راتبه إلى النصف، وبدأ يرى أن لقمة خبزه تذهب منه، تذهب إلى جيوب اللصوص وقطاع الطرق في المراكز العليا من الدول والشركات العسكرية والاقتصاد المتوحش.


أقصى نضالاتنا كعرب أضحى الحصول على إقامة في دولة أوروبية. هذا هو المنى، وهذا ما يروجه الإعلام السوري.
المثقفين السوريين حصلوا على الإقامات في وقت مبكر من الأزمة، واليوم يملأون فراغهم الروحي على مختلف الصعد، كتعويض عن الخصاء والهزيمة. نسينا سوريا والنظام والمعارضة المتواطئة التي باعت الحمل وما عليه بالرخيص الرخيص والتهينا بهذا الموضوع.
أصبح لدينا منظمات حقوق إنسان تجارية كالجراد الداشر، ملأوا أوروبا على طول مساحة أراضيها، محامين، سماسرة، تجار، كتابة، كتاب للبيع بالجملة والمفرق يشترون أو يبيعون أنفسهم وغيرهم.
وأصبح لدى الكثير منهم مواقع ألكترونية أو جرائد أو أقنية تلفزيونية بالمال الأوروبي، بالتسول، وترى المظاهرات، واحتلال الساحات في العواصم الاوروبية، بالبكاء والحزن الكاذب على المحرومين من حقوق اللجوء.
سبحان الله، كيف تحول صراعنا من إساقط النظام، والتسليح إلى نسيان كل شيء، إلى أن أصبح أقصى همنا هو الحصول على اللجوء والمتاجرة بهذا الهم.
الأقنية لا تعري المعارضة، هذا مقصود ومدروس، ليضيع حقنا كسوريين في بازارات النصب والكذب والاحتيال.
انتهت مشاكلنا الوطنية والإنسانية، كالفقر والجوع والذل والخراب، ولم نسلط الضوء على سبب هزيمة الثورة وخيانة المثقف، وتفاهته، وتسلقه، عم نركض وراء الدول لتخفف علينا قسوة الحرمان من اللجوء.
وينط لنا واحد خبير، الذي لم يفارق النظام إلا مكرهًا:
لا يجور ابدًا منع اللاجئ من الحصول على الإقامة، هذه الدول تخون نفسها، تخون قضية حقوق الإنسان، تخون موقفها وانتماءها إلى منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
عفاركم عليك يا شاطر، على أساس القرار 181 للأمم المتحدة نفذ بحذافيره، والفلسطينيين عادوا إلى ديارهم معززين مكرمين، وأخذوا كامل حقوقهم.
لم يتخرج من نظام الأسد، من قنه القذر، إلا إعلاميين سيئين.
ملاحظة:
مع احترامي لكل السوريين اللاجئين المهددين بالطرد، قلبي معكم، لكنكم أصبحتم سوق للبازار، للبيع والشراء، أصبحتم مكانًا لتسلق الكثير من المعاقين النفسيين على سلم الشهرة والمكاسب والمجد الرخيص.

لا اعتقد أن الديمقراطية ستصمد في ظل نظام التفاهة.
المسألة ليست ذاتوية بحتة، فالديمقراطية تتحرك في فضاء له شروطه الموضوعية والذاتية.
فالديمقراطية في الفترة الليبرالية الأولى تختلف في العمق والسطح عن الليبرالية المتوحشة اليوم، والتغول الاقتصادي والسياسي.
وهؤلاء المتوحشين أصبحوا في موقع القرار السياسي والاقتصادي على مستوى العالم كله بسهولة ويسر.
إنهم يحكمون عالمنا اليوم بجشعهم ونهمهم وركضهم الحثيث وراء الثروة والمال والقوة.
تحولت حياة البشر إلى لا جدوى، إلى اللامعنى، في الأدب الفن، في السينما والمسرح والغناء والموسيقا
كن تافهًا وستكسب وتكبر وستحتل مواقع مهمة في هذا العالم السياسي التافه.
إذا كنت جديًا سيسخر منك الناس، بل ستتحول إلى مهزلة.
مكمن الخلل هو في الإنتاج، برزت الطفيلية، قوى طفويلية مسكت بالدفة، نبتت كالفطر، نبات لا جذر له في العمل، ولا ملمس أو مرجع إنتاجي له، كأمازون وكوكل والفيس بوك وتويتر وتيك توك، وغيرهم. هذا تيار عام جارف يأخذ معه كل شيء
ترتسم على عالمنا الحالي حالة الانفصال بين الواقع والفرد، أصبح العمل مجرد شيء لا يمكن القبض عليه، أنه نافل.
ماتت السياسة، الأحزاب، الدولة في طريقها إلى التبخر.
الخصخصة أصبحت كالجراد الذي يأكل الأخضر، آلة تقص الحياة لمصلحة تصحير الحياة والطبيعة.
ومات العام لمصلحة الخاص.
أننا في زمن ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل الألعوبة الكاذبة، وأصبح عالمنا نتاج مدرسته، مدرسة التغول الليبرالي المتوحش، لمصلحة الطبقة التافهة، طبقة ايلون ماسك وبيل غيتس وجيف بيزوس.
هل ستصمد الحياة، قبل أن نقول، هل ستصمد الديمقراطية، الدولة؟

أغلب الذين جاؤوا إلى أوروبا لديهم حصانة ذاتية ضد التغيير.
ذاك القادم، مطرز بدقة شديدة، نقشة نقشة على فستان من آلهة وأنبياء، ووهم وخواء وجهل.
عقله ليس له.
تستطيع أن تراه على بعد مليار كيلو متر، في ملمحه، في وجهه وثيابه ورأسه وشعره، وفي فمه ولسانه وأسنانه.
كأنه نسخة واحدة عن الأخر، في السلوك والتصرف.
أول نزوله من الطائرة يبصق عليها ثم يتابع حياته بذاك القرف والخواء.
بذاك التلون والتردد.
إنه أعزل.

الطفل يكذب وله أسراره ولا يمنحها للأخرين.
وهو شديد التماسك الداخلي، ويتعامل مع الموضوع الخارجي كأنه موجود قبل الوجود، ويذوب فيه، ويحاول الاستفادة القصوى منه.
الذات والموضوع لديه حالة طبيعية.

عن المدن الباردة.
المدينة مات، أنها باردة، الجماد يأكل قلبها وأحشاءها وروحها.
انظر إلى هذه الكائنات الخرافية الكبيرة الواقفة في أماكنها بثبات منقطع النظير.
الناس يمشون ذهابًا وإيابًا وسط هذه الجثث الميتة بتلقائية وحيادية ودون إكتراث.
أما أنا فأنني أبقى مشوشًا شاردًا اتنفس بصعوبة، أتابع خمود هذه الأخيلة الباردة ككائن غريب جاء إلى هذا المكان الغريب، كغريب.
اشعر باللانتماء إلى المكان، بغربة غريبة، بان ما يحيط بي هو مجرد أصنام ولدوا مع هذا العصر، عصر الأصنام النائمة في أحضان المدن والرجال والنساء والأطفال.
بنى ميتة لا حياة فيها ولا روح. جمال باهر دون حياة، كفاكهة عفنة مات ماءها ورمادها.
أغرق في هذه المتاهة.
لا أعرف بالدقة متى ولد في قلبي هذا الانفصال بين الذات والموضوع، بين الأنا وهذا الآخر؟ ولماذا هذا النفور الذي يعتريني من الأبنية والشوارع والمحلات.
في هذه المدينة المريضة تبنى الجسور وتهدم. وتتخذ قرارات الموت والحرب والدمار. وعلى ضفافها يسكن الشجن والحزن والابتسامات المزيفة المنحسرة والمهزومة.
لماذا تبدو هذه المدن من الخارج جميلة وقميئة أيضًا.
أية غربة هذه الغربة؟

هناك تعبئة ثقافية مستمرة في عالمنا المريض، تريد ابقاء القوى المسيطرة مستمرًا، بل تعمل ليلا نهارًا على إعادة إنتاج ما هو قائم.
وهذه الثقافة ليست حيادية أو بريئة، فيها مصالح هذه القوى القابضة على الدولة والمجتمع، تريد للواقع أن يتأرجح في مكانه، أن يستمر في الدوران حول ذاته دون الخروج إلى منه إلى عالم الضوء والحرية.
ليس من مهمام القوى المسيطرة في الداخل والخارج الانفتاح على الثقافة الأخرى، ثقافة القوى المسيطر عليها، أنها تريد للتاريخ ان يبقى تاريخها، أن يوقف عجلاته عند مصالحها الضيقة.
التاريخ سيستمر في تدوير عجلاته، سيصعد إلى الأعلى، وسيحمل ثقافته معه مهما طال الزمن.
يكفي أن يرى المرء ترامب أو بوتين أو بشار أو الخامئني أو بلولتون أو بايدن حتى يحتقر وجوده على هذه الأرض.

في سجن عدرا، كان لدينا باحة صغيرة طولها ثمانية عشرة مترًا وعرضها أثنتا عشرة مترًا صالحة للحركة، مبلطة بلاط الأرصفة والمدارس، سمح لنا أن نلعب عليها كرة القدم، ثلاثة لأعبين مقابل ثلاثة، وعوارض من الأسمنت ليكونا مرمى لنا عرضه متر.
أحد الأيام خرجت من الباحة سعيدًا، أغني لنفسي وأدندن، وأمشي مختالًا بنفسي.
في المساء اقترب مني المرحوم رضا حداد، القارئ النهم لعلم النفس، ربما لم يترك كتابًا بهذا الجانب لم يقرأه، سألني:
ـ هل تحب المغنية أصالة نصري؟ قلت له:
ـ لا. بحياتي كلها لم أحبها ولم أحب صوتها ولا أغانيها، قال:
ـ هل تذكر صباح هذا اليوم ماذا كنت تغني عندما خرجت من الباحة، قلت:
ـ إطلاقًا لا أذكر أي شيء.
ـ هل فزت بالمباراة هذا الصباح، قلت
ـ طبعًا فزت بالمباراة.
ـ ألم تغن لأصالة أغنية؟
ـ لا. قلت لك أنا لا أحب أغانيها.
ـ كنت تغني أغنية، يقولون ما يقولون، طبعًا غيرانين مني، أنا الأصدق.
ـ لا أذكر على الأطلاق أني غنيت هذه الأغنية.
ضحك بعمق، وعينه لم تفارق عيني.
ـ عرفت أنك لا تذكر أنك غنيت هذه الأغنية، وأنك لا تسمع لأصالة، لهذا سألتك. إنه العقل الباطن يا صديقي، الإيماء أو الإيحاء هو السبب. إنه تركيب وتحليل من تراكيب العقل وتحليله، إنه يؤدي وظائفه وعمله من دون وعي من صاحبه، إن العقل يستدعي رغباته من خارج صاحبه. إنه الناظم الأمين لحركة الواقع وما يحدث من بواعث ورغبات في داخله.
في كرة القدم لم يكن لدي صديق حتى لو كنت أنا ذاتي، كلهم مشروع أعداء إلى أن أفوز.
بعد المباراة، أما فرح كامل أو حزن كامل حتى لو كان الملعب صغيرًا

لإن عالمنا متوحش. ومسكون بالعبودية والاستلاب والإذلاء.
ولإننا عجزة، لا نستطيع قتل الوحش أو إلغاءه من دواخلنا، لهذا نحتاج إلى فاعل من خارجنا، يفعل حياتنا، يعمل على تهذيب أو ترويض أو تهدئة خاطر هذا الوحش قبل أن يبطش ويدمر كل جميل وخلاق ومبدع.
أكثر الطرق نجاعة في ترويضه هو الفن والموسيقا.


حاول العالم الإسلامي دخول الحداثة منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، رغبة منه في اللحاق بالدول المتطور، وتمثل روحها، أو هضمها والاندماج فيها.
ودرج في ذلك النشاطات الاجتماعية والسياسية، ومحاولة الاستخدام الخلاق للسياسة لتمكين الذات من الاستفادة من ما يدور حوله في كل المجالات.
كان هناك روح. روح خلاقة، روح تريد الخروج من أسر الماضي وقيوده، وإيجاد روح جديدة تكون مفتاح لدخول عالم الحرية والازدهار. عالم منفتح على قيم العصر وأفكاره وممارساته.
عالم السياسات المفتوحة على الدولة والمجتمع، وبناء اقتصاد حديث فاعل وحيوي. ودولة حديثة تعتمد على دستور حديث ونافذ، وفصل للسلطات، وبرلمان منتخب، يفتح الأفاق على الحياة المدنية، تكون مقدمة للحرية والاستقلال وممارسة السياسة الحصيفة.
منذ منتصف القرن العشرين وما بعده، حدث نكوص وتراجع على كل المستويات. اشتغل الإسلام السياسي على تدمير هذه المنجزات والعودة إلى السلف الصالح، بقيمه وأفكاره وممارساته. وطلاق تام مع العصر ورفض أفكاره، ودولته الديمقراطية العلمانية وممارساته السياسية.
اليوم، العالم الإسلامي عاد إلى الصحراء القاحلة، حائرًا، مشتتًا، مكسورًا لا يعرف ماذا يفعل. لقد جرب الحداثة من خارجها دون فهمها أو هضمها، كما جرب العودة إلى الماضي. كلا التجربتين فاشلتين.
البدايات تكون من الفكر، بيد أن السؤال: من أي فكر نبدأ؟

هناك دول مشاركة في الصراع في سوريا بشكل مباشر أومستتر, تركيا, ايران, السعودية, أوروبا, قطر, روسيا, الولايات المتحدة. وكل دولة لها حساباتها, بيد أن الأخيرة تسعى إلى خلق توتر دائم, محاولات إعادة رسم المنطقة وفق رؤيتها الجديدة بعد انتهاء الحرب الباردة. أي القبض على كل مفاصل السياسة العالمية من خلال التحكم بالشرق الاوسط لمدة مائة عام أو أقل أو أكثر. إنهاء أي ثورة أو من يفكر بفك القيد عنها. وربما هذه الاحداث ستستمر وتأخذ معها دول كثيرة في المستقبل. حرب امريكا الغير مباشر, واعتقد أنها خطة اوباما, ان يكون الصراع بيني, بدلا من التدخل العسكري من قبلهم, في البلد الواحد والشعب الواحد في آسيا وافريقيا واوروبا في المستقبل.
إذا بقيت امريكا متسيدة العالم سيذهب العالم القديم كله تحت أقدام امريكا.

برأي, ما زلنا نحلل السياسة العالمية المعاصرة بأدوات, ومفاهيم الحرب الباردة, ننسى أو نتناسى أن العلاقات الدولية أخذت منحى أخر.
لم يعد هناك حصانة لحياة الناس المهمشين والمشردين في البلدان الصغيرة, ولا قيمة للحدود التي رسمت فيما مضى من الزمن.
يعمل الخارج على تفعيل الصراعات وتأجيجها, واستثمار الازمات لإعادة إنتاجها, بقوى مأجورة, وبوسائل أكثر تدميرا.

الإسلام دين، وعندما يقدم هذا على أنه طائفة، فهذه مصيبة المصايب. الإسلام في سوريا يقدر عدده ب 90 بالمئة من السكان، فهذا كارثة أن نقول عنه طائفة.
أنا انقد الإسلام وسأنقده، وسأضع أصبعه في عينه من يوقف نقده، لأن نقده ضروري جدًا، لأنه فاعل سياسي في مجتمعنا، إذا صلح الإسلام صلح بقية ابناء المجتمع.
نحن لسنا أقلية، نحن سوريين، وندعو إلى بناء منظومة وطنية فيها دستور يشمل المجتمع كله.
من حقنا أن ننقد، ونعري ونحكي الحقيقة، لأن الأخونجية بلعوا الإسلام، لدرجة لم نعد نميز الإسلام من اخونجية حسن البنا أو سيد قطب أو الظواهري. الدين فكر، فيه الغث وفيه الزوان، كتبه ناس عبر التاريخ، ما كان يصح قبل ألف سنة، لا يصح اليوم، يحتاج إلى قراءة من منظور الواقع.
عصرنا يجب ان يبقى عصر الحريات والبحث عن بدائل أقل سوءا من السابق. شو الفائدة السياسية من نقد المسيحية أو غيرها في سوريا، ماذا يهمني، ماذا سيقدم لي من فكر عملياتي يصب في خانة السياسة؟

يسكن الكاتب القلق والألم والتمزق الذاتي، إنه نرجسي، مازوخي مسكون بالشهوة الغائبة أو اللذة المفتقدة.
لديه دوافع غريبة ورغبات ملحة، مجهولة المصدر، وشديدة التوتر لاقتحام المجهول، ذلك المجهول المجهول.
إنه كالرسام أو المغني أو الراقص أو الاوبرالي أو الفنان أو الممثل، يحتاج إلى العيون الشهوانية التي ترغب في أكله ورفع مقامه
يحتاج إلى نظراتهم، وهم يشتهونه، ليتحول إلى ايقونة أو مزهرية مسترخية على طاولات طعامهم، وأسرة نومهم وأماكن جلوسهم.
وإن يكون شغلهم الشاغل.
إنه في صراع حثيث لاقتحام الما وراء الحجاب، ولهاثه الدائم يصل إلى عنان السماء من أجل تأكيد ذاته وفكرته ووجوده وخلوده وذله ودونيته وأنانيته أو نرجسيته.
يتعرض للقهر الذاتي يوميًا، وعلى مدار الساعة، للألم والتعب وهو يرصد الكلمات التي تنبهق من ذاته، وهي في حالة انفصال عنه، بعد أن تتحول إلى رموز وإشارات مستقلة عنه.
ينتابه حزن شديد عندما تستقل عنه، مثل مولود جديد يبكي ألمًا، لأنه لم يقبض على ديمومة البقاء في الرحم الأمن.
إنه المازوخي الذي يتلذذ في ذله أثناء بناء نصه، ويتحول إلى سادي بعد لحظات، عندما ينتهي منه، بعد أن يوجعه بضربات قاصمة منه.

واحد كردي كان مقيمًا في الدرباسية، بيد أنه لم يكن يتقن اللغة العربية اطلاقًا.
رأه رجال الجمارك فأرادوا إيقافه، وتفتيشه، وكان المطر يهطل بغزارة شديدة، عندما رأهم أخذ مسافة منهم، ووقف ينظر إليهم في وسط الوحل، لا السيارة تستطيع أن تذهب إليه، وهو لم يرغب في الذهاب إليهم. وقف على تلك المسافة، صرخوا عليه:
ـ تعال لهون ولاك؟
رد عليهم بلغته المكسرة دون معرفة في مضمون كلامهم:
ـ مو تعال لهون ولك.
قالوا له:
ولك تعال لهون ولك.
رد عليهم
ـ ولاك مو تعال لهون ولاك.

يسود المجتمعات في هذه الأيام حالة ضياع وتشتت وتشابه لصالح نمطية اقتصادية, ونزعة استهلاكية هائلة تكرس قيم جديدة, وتشكل صور جديدة عن الحياة قائم على قوانين السوق, وشروط السوق التي جعلت حياة البشر في العالم, شبه منفصلة عن المفاهيم التي كانت سائدة مدة طويلة من الزمن. وأضحت المفاهيم المتداولة كالقومية والوطنية والنضال والمقاومة وقيم الخير, وقيم الحرية والمساواة من مخلفات الماضي أو أصبحت عيباً أو شُبهة يعيب عليها قائلها.
كتبت في مقالات سابقة, أن العالم يعيش في ظل نقلات مفهومية عميقة على المستوى الكوني نتيجة انجراف المجتمعات الإنسانية إلى ظروف غامضة, مزقت كياناتها من الداخل, ودخلت في أزمة:
أزمة هوية وجامع اجتماعي. واضحت مفاهيم المقاومة والنهوض والثورة والتغيير وبناء الكيانات السياسية المعاصرة من منظور إنساني شبه منحسرة من التداول.
فالهوية العارية الغير مسلحة بفكر وبعد معرفي يعكس واقع فعلي على الأرض, واقع تفاعلي, حراكي, ناهض سيكون مآله الفشل. فعلاقة الهوية بهذا العصر, عصر العولمة معقد للغاية. إننا في عصر التجدد المستمر والدائم للراسمالية وآلياتها والنظرة اللاتاريخية لحقل الصراع الدائر على الصعيد الكوني ما بين الشعوب المتخلفة والفقيرة والضعيفة والشعوب المتقدمة والغنية والقوية على كل الصعد. وإشكالية العلاقة ما بين الداخل والخارج, وحالة النكوص الثقافي, والارتداد الفكري الذي نعيشه من حيث طغيان الماضي وثقله على وعينا ولا وعينا, وعقلنا, وعودة الدين بكل جبروته دون أن يكون هناك بادرة نحو فهم معاصر له مما يدفع النزعات اللاعقلانية إلى واقعنا وتعطيل دور العقل وفاعليته في حياتنا.
إن مجتمعنا العربي يعيش حالة انزياح حضاري ينحو نحو السبات الطويل. وحالة انهزامية دخلت في لا وعيه السيكولوجي فرغت من داخله أية رغبة في التحرر والخروج من حالة الاحباط المزمنة التي سيطرت على أعماقه, وفي لاوعيه وتكوينه النفسي والروحي بعد الجرح العميق والهزيمة السوداء التي وقعت في الأيام الستة من العام 1967 التي صدمتنا وعرتنا أمام أنفسنا, وأمام التاريخ والعالم. وكشفت موقعنا وموقفنا من الحضارة المعاصرة, ومقدار البؤس والخواء الذي نعيشه. كما كشفت هشاشة بنيتنا المعرفية والفكرية وقدراتنا كدول وشعوب وامكاناتنا الفعلية ومقدار استعدادنا العقلي والنفسي لتقبل الهزيمة, والركون لها, والخضوع لشروطها, مما أنتج انظمة تتناغم مع واقع الهزيمة وشروط هيمنة ثقافتها في لا وعينا التي غدت نفسياً ترفض أي شكل من أشكال التغيير كخوف من المجهول. وحالة مصالحة مع واقع الانكسار وما زاد الطين بلة, مساهمة الثقافة والفلسفة والفكر الغربي دوراً كبيراً في انزياح المفاهيم والمصطلاحات وما تختزنه من قيم إنسانية عالية وحالة حضارية رفيعة المستوى, كمفهوم التحرر والاستقلال والمقاومة الوطنية المشروعة لصالح الهوية الثقافية الكونية الغامضة والغريبة والغير خاضعة للدرس والتمحيص او الركون إليها والاطمئنان لسيرها, مما دفع المثقف العربي إلى النكوص والارتداد والتقهقر كبديل عن اشغال اعمال الفكر والعقل في البحث عن الاسباب العميقة لما آلت إليه ظروف بلادنا وتخلفها.
لقد تخلى المثقفون العرب عن مهامهم مع صعود العولمة وهيمنة الفكر الغربي واستسلموا للعوائق الذاتية التي حكمت المجتمع العربي تاريخيا او من خلال الهيمنة الغربية واستعمارها لبلادنا وارتضوا بالاخفاقات المعرفية والمصيرية التي تعرضت لها مجتمعاتنا داخلياً وخارجياً وقبولهم بالامر الواقع كأنه قدر لا فكاك له. وما شجع ذلك هو الانهيار المفهومي الذي ساد العالم وانهيار المعايير على المستوى المحلي والكوني, مع مقابل اسوأ شائناً, الفكر الماضوي او التمركز على ذات مغلقة, منغلقة على نفسها, غير مبدعة, ترى الماضي هو الخلاص, هو الذات الكاملة المتكاملة دون العمل على النهوض أو غير قادر على إنجاز أي مشروع له علاقة بعالمنا وحاضرنا, كما يعتمد على فلسفة غير عقلانية او نقدية قادرة على نقد الذات من منطلق معرفي او البحث عن اسباب التأخر العربي الذي نحن عليه, او مواجهة الآخر على المستوى المعرفي او العلاقة ما بين الاصالة واشكالية الهوية المعاصرة وشروطها ووقعها علينا وعلى دولنا.
الانخراط في هذا العصر مشروع متكامل, معرفي وعقلاني وحضاري وإنساني. هو هوية, تحتاج إلى شغل, وإشغال العقل والبحث, عقل ديمقراطي, حر منفتح على الذات والآخر دون تعصب أو تخندق أو تقوقع على النفس أو التمركز على الخصوصية كشرط اولي, ومحاولة إعادة بناء فضاء مفهومي معرفي حديث للهوية, حداثي داخل ثورة المعرفة التي دخلت صلب العالم كظاهرة حضارية لها تاريخيتها وشروطها واستمرارية عملها في بناء هوية نقدية معاصرة ووضعها في مكانها الحقيقي كرافعة للخروج من حالة الخنوع والاستعباد ورافعة للاستقلال التاريخي. ووضعه في سياق إنساني يكون نواة لفضاء إنساني شامل. علينا مقاربة الهوية حداثاوياً, وأخذ البعد المفهومي في علاقتها العالمية, ونقد خصوصيتها حتى لا تكون معزولة عند بعدها المعرفي, وإدخالها في بعد مفهومي عالمي في ظل الشروط الراهنة لعالم منتج لمفهوم يتناسق طرداً مع ما يحدث في العالم من انفتاح وتداخل بحيث تكون الهوية جزء من مشروع حضاري شامل ينخرط فيها كل الناس المهمشين على الصعيد العالمي.
فالهوية يجب ان لا تكون معزولة عن قضايا المهمشين في العالم, انما عليها ان تربط مصائر هؤلاء البشر بها. وتكون رافعة لهم في مواجهة التغول العولمي. أي يجب ان يكون لها بعد اجتماعي, تنحو نحو العدالة الاجتماعية والسياسية وتفتح افاق لحياة إنسانية. نهوض اجتماعي للمجتمعات وادخال قيم الخير والحرية في اعماقها بدل الارتداد الذي يسود العالم.
مشروع إنساني, هوية عالمية, مساحتها العالم على وسع, فضاء حر, مسلح بفكر معرفي ينحو نحو تجدير هذه القيم في روح البشر بدل حالة اليأس والتخبط والضياع الذي هم عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير