الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتصار حماس السياسي من منظور معادلات السيطرة الإقليمية الأمريكية.

نزار فجر بعريني .

2024 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أوّلا،
أبرز الاستنتاجات التي توصّلت إليها قراءتنا حول طبيعة انتصار حماس في أجزاء الدراسة السابقة حول تقرير " الفورين افيرز" :
١ الهدف المركزي لقيادة حماس السياسية في هجوم طوفان الأقصى هو امتلاك "ورقة رهائن" قويّة إلى درجة تضطر الحكومة الإسرائيلية والولايات المتّحدة ( وقد تضمّنت قائمة الرهائن رعايا أمريكان وأجانب) إجراء مفاوضات سياسية مع قيادة حماس، تتضمّن في الإجراءات والنتيجة الاعتراف بحماس كمفاوض فلسطيني رئيسي، وعودة قيادتها السياسية بقوّة إلى رقعة " اللعبة السياسية" الأمريكية الإسرائيلية الإقليمية، المتواصلة بوتائر متسارعة منذ مطلع ٢٠٢٠في سياق إجراءات وخطوات التطبيع الإقليمي الأمريكي و "التسوية السياسية الفلسطينية"، والتي همّشت دورها لصالح السلطة الفلسطينية الشرعية .
٢ خيبة أمل القيادة الحمساوية بفاعلية ورقة الرهائن، وبتحقق الآمال المعقودة على الانجازات الاوليّة لهجوم طوفان الأقصى، عندما كشفت طبيعة ردود أفعال القيادتين العسكرية والسياسية الإسرائيلية، التي لم تظهر فقط عدم وضع "تحرير المخطوفين" على أولوية الأهداف السياسية للإجراءات اللاحقة ، بل السعي الحثيث لتجيير ورقة الرهائن نفسها ، إضافة إلى نتائج "انتصارات" هجوم طوفان الأقصى الأخرى ، من أجل شن حرب شاملة ضدّ الشعب الفلسطيني، تتضمّن في السياق والنتيجة تدمير شروط التسوية السياسية الفلسطينية التي راهنت عليها القيادة الحمساوية للصعود فلسطينيّا وإقليميّا، وإلحاق هزيمة عسكرية شاملة بقوى المقاومة الإسلامية، وتفكيك كتائب حماس العسكرية !
٣ مع تقدّم آليات التدمير الإسرائيلية المُمنهجة لكلّ مقوّمات الحياة الإنسانية الفلسطينية، و شروط التسوية السياسية، في ظل موازين قوى تميل بشكل كاسح على جميع مستويات الحرب لصالح جيش الاحتلال الغازي، وعجز سياسات الهدن الأمريكية والضغوط العالمية عن التوصّل إلى وقف مسار الحرب الإسرائيلية، أصبحت القيادة السياسية والعسكرية الحمساوية أمام مأزق الوجود، وبات مصيرها العسكري والسياسي ، ناهيكم عن سلطتها على غزة، رهنا بطبيعة خطط وسياسات الولايات المتّحدة.
٤ رغم توفّر جميع شروط إلحاق هزيمة شاملة، عسكرية وسياسية، بقيادة حماس السياسية والعسكرية (تستطيع إدارة بايدن، عندما تتوفّر المصلحة والإرادة، بقرار سياسي قطع شبكة الخيوط الإقليمية التي ما تزال "تعوّم" قيادة حماس السياسة، خاصة "القَطَرية"، وتغضّ النظر عن استمرار الهجوم الإسرائيلي على "رفح" لتدمير آخر مواقع حماس العسكرية)، تبيّن المفاوضات السياسية التي تقودها واشنطن، خاصّة خطّة بايدن الأخيرة، تحت مبررات "تحرير المخطوفين" و "حماية المدنيين الفلسطينين " و السعي لتحقيق أهداف "حل الدولتين"، حرصا أمريكيّا متزايدا على استمرار وجود قيادة حماس السياسة على رقعة اللعبة السياسية الأمريكية ، وتعزيزه، ( وهذا ما تؤكّده أهداف تقرير " الفورين افيرز " وما وصل إليه من استنتاجات حول "انتصارات حماس")،بينما لم تحصل السلطة الفلسطينية مقابل ما أصاب مؤسساتها ومناطق سيطرتها من إنهاك على جميع الصُعد، سوى دعم أمريكي لوجستي، لم يتجاوز المساعدة في" تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية" ، دون تمكينها شروط العمل السياسي والميداني. كلّ هذا يدفع القارىء السياسي الموضوعي إلى التساؤل حول طبيعة المصالح والسياسات الأمريكي التي تفسّر حرص سياسات الولايات المتّحدة على إنقاذ قيادة حماس السياسة وما تبقّى من كتائب محاصرة داخل أنفاق رفح، والعمل على إعادة تأهيل سلطتها على قطاع غزة.
موضوعيا، وفي جهود واشنطن السياسية والدبلوماسية لوضع حد لهذه الحرب، النتيجة الأبرز هي بقاء سلطة حماس في نهاية المطاف، كما تبيّن إجراءات وخطوات ومراحل خطّة الهدنة الأمريكية التي طرحها الرئيس بايدن في نهاية أيّار، وأكّد موافقة نتنياهو عليها ،وقد أضاف إليها ردّ حماس بعض التفاصيل حول فتح المعابر، وكانت مطالبة حماس بضمانات دولية للتنفيذ هي التأكيد على موافقة الحركة على أهدافها الرئيسية ، التي لابدّ أن تشكّل لها فرصة نجاة !
ولا غرابة في تقاطع المصالح و السياسات بين واشنطن و قوى الإسلام السياسي، طالما أنّ الهدف المشترك على الصعيد الإقليمي، هو تقويض صيرورات التغيير الديمقراطي وتفشيل مقوّمات الدولة الوطنية، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، منع قيام حل الدولتين الذي أرست اتفاقيات أوسلو أسسه، وتشكّل مؤسسات السلطة الفلسطينية قاعدته الفلسطينية، ورمز شرعيته الوطنية، وبات في ظل الخلل الشامل في موازين قوى الصراع، خاصة على الصعيد الحربي، لصالح جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، الطريق الموضوعي الممكن والوحيد لتجسيد الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني السياسية !!
ثانيا ،
مما لاشّك فيه أنّ شبكة مصالح وسياسات السيطرة الأمريكية، وما توفّره من أسباب حماية، وهي القوّة العظمى الوحيدة القادرة على ذلك، هو العامل الرئيسي الذي يفسّر بقاء حماس سياسيا، وهي التي استمدّت سابقا عوامل الحماية والتمكين من الولايات المتّحدة، بشكل غير مباشر، عبر إسناد قطر والنظام الإيراني، وبشكل مباشر اليوم، عبر سياسات واشنطن وشركائها في "الوسط " الإسرائيلي! (١)
التساؤلات الرئيسية :
كيف نفهم تقاطع المصالح بين سياسات الولايات المتّحدة وحماس؟ أين تلتقي مع " نتن ياهو" ووزراء " الوسط " وأين تتناقض مع سياسات قوى اليمين المهيمنة على الحكومة؟ وما هي طبيعة المخارج الممكنة، في هذا الصراع السياسي حول طبيعة التسوية، ومآلاتها، التي يشكّل فيها نتنياهو "بيضة القبان" في النزاع بين اليمين وسياسات الولايات المتّحدة؟
أحاول القيام بذلك من خلال كشف طبيعة نظرية التضليل " الأمريكية، التي يساهم في ترويج أفكارها تقرير "الفورين افيرز":
تُبنى "نظرية التضليل" الأمريكية على أرضية التناقض في سياسات واشنطن بين الأهداف المُعلنة من جهة ، وبين آليات التنفيذ الواقعية، من جهة ثانية ، التي تعمل على تحقيق أهداف السياسات الحقيقية، المغيّبة في الدعاية.
كيف ؟
تاريخيّا ، على صعيد الأهداف المُعلنة في السياسات ، تروّج الإدارات عبر شبكة وسائلها الضخمة المتنوعة لصناعة "الدعاية" لأهداف مشروعة من وجهة نظر مصالح الشعوب و "القانون الدولي"، بينما تستخدم في التنفيذ آليات تؤدّي في الممارسة إلى تحقيق أهداف متناقضة مع المُعلن، لكنّها تتوافق مع حقيقة مصالح وسياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية المُغيّبة في الدعاية! صعوبة كشف آلية التضليل، أو اكتشافها بعد فوات الأوان، يُعرّض الغالبية على مستوى الرأي العام الشعبي والنخبوي و "الحكومي"، إلى درجة عالية الاحتراف من التضليل، وقد لا يدرك طبيعتها أصحاب القضايا العادلة، حتى بعد فوات الأوان، كما يتّضح في انفصال تعبيرات الوعي السياسي النخبوي المعارض عن حقائق الصراع المستمر على سوريا منذ ربيع ٢٠١١!
في مواجهة عواقب هجوم طوفان الأقصى، سعت وسائل صناعة الدعاية الأمريكية التي رسمت خطوطها العامة تصريحات كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بدءا من الرئيس نفسه، وليس انتهاء بمندوبة واشنطن إلى مجلس الأمن، لتغطية التناقض السياسي والعملي بين الأهداف المُعلنة من جهة، وبين آليات تحقيقها ، من جهة ثانية ؛ وهي أكثر أشكال التضليل مهارة، وقدرة على خداع الرأي العام على جميع المستويات .
من حيث الهدف المُعلن، المشروع ، تُعلن جهارا نهارا، وعلى مسمع الجميع، أنّها تسعى إلى تنفيذ خارطة طريق "اليوم التالي"، المرتبطة "بحل الدولتين"، و تبدأ بخطوة الاعتراف بضرورات إنهاء سلطة حماس على القطاع، وتتضمّن إجراءات إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية من خلال "حكومة وحدة وطنية"، وما تتضمّنه من رفض سياسات الحرب الإسرائيلية، خاصة التهجيير وإعادة الإحتلال، وتعمل على تحشيد أوسع دعم إقليمي وعالمي.
من حيث آليات التنفيذ، تشكّل جميع الخطوات والإجراءات والجهود التي تقودها واشنطن عمليا خارطة طريق تقويض مرتكزات تسوية "حل الدولتين" التي يأتي في أهمّها توحيد الجغرافيا السياسية الفلسطينية ( سلطة وطنية، وجغرافيا موحّدة)، وذلك من خلال "خارطة طريق" مضادّة، يتمحور هدفها الرئيسي حول حماية مرتكزات سلطة حماس الأساسية، السياسية والعسكرية، وإعادة تأهيلها ، لما تشكّله موضوعيا وسياسيا من عائق، يمنع توحيد الجغرافيا والسلطة الوطنية الفلسطينية، ودون أن تقدّم خطوات دعم فعّالة للسلطة الشرعية الفلسطينية، التي تترنّح تحت ضربات المستوطنين، وتواجه سياسات تقويض مستمرّة منذ ١٩٩٥، وقد بلغت أوجها في سياقات الحرب على غزة .
تُعلن خارطة طريق "حل الدولتين" وتمارس آليات تقويض شروطه الفلسطينية الجوهرية ، عبر دفع الصراع على خارطة طريق مناقضة، تحمي أخطر أدوات تقويض شروط حل الدولتين – سلطة حماس على غزة ، وما نتج عنها من تقسيم الجغرافيا والديموغرافيا الوطنية الفلسطينية...ويشكّله من عقبة كأداء أمام تقدّم خطوات وإجراءات حل الدولتين!
في الواقع، ترتبط من حيث النتيجة جميع تمظهرات الصراع التي برزت منذ اليوم الأوّل بين سياسات رؤية بايدن" لليوم التالي" وبين سياسات واهداف حرب نتنياهو حول إمكانيات بقاء دور سياسي لحماس في نهاية الحرب.
من حيث المُعلن،ربط بايدن استعداده للوقوف في وجه نتنياهو بأهداف تجنّب غزو رفح، منعا لوقوع كارثة إنسانية. من حيث النتيجة، نجاح جهود وقف إطلاق النار وتجنّب غزو رفح يؤدّي بالدرجة الأولى إلى عدم تدمير ما بات مركز التحشيد العسكري الوحيد وملجأ الأمان الأخير لقيادات ومقاتلي " جيش حماس؛ وهي البقية التي لأغنى عنها لإعادة تأهيل سلطة حماس على غزة ،وتجديد قواعد الاشتباك التي كانت قائمة بين جيش الاحتلال وقوات المقاومة ، والتي شكّلت منذ ٢٠٠٧ الذريعة الأمريكية والإسرائيلية لاستمرار جهود تدمير شروط قيام دولة فلسطينية موحّدة.
في نفس السياق ، جعل بايدن لاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية مشروطا بتجاوب إسرائيل مع جهود وقف قتل عمال الإغاثة، و إغراق القطاع بالمساعدات؛ وهي التي ستؤدّي بسبب الحاجة العملية لمؤسسات الإدارة القائمة لتنظيم توزيعها، إلى الاستعادة العملية لآليات الإدارة الحمساوية المدنية تحت قيادة رمزية لمؤسسات الإغاثة العالمية – تماما كما حصل في آليات توزيع الإغاثة الإنسانية خلال مراحل الخَيار العسكري في سوريا!
لايغيّر من واقعية تلك الاستنتاجات تجاهل نتنياهو لخطوط بايدن الحمراء والوردية، وقد اوصل مضي الإدارة الأمريكية قدماً في بيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلى إسرائيل بقيمة 18 مليار دولار ، بعض المحليين إلى الاستنتاج ليس فقط بعدم وجود عواقب لتجاهل بايدن، بل وأنّ سياسة بايدن في غزة ساعدت نتنياهو على البقاء في السلطة، دون أن تنجح حتى الآن في" تعزيز المصالح الأمنية لإسرائيل على المدى الطويل"(٢)- المرتبطة موضوعيّا ببقاء لعبة الاشتباك السابقة ، كأبرز عوامل تفشيل مسار حل الدولتين!
--------------------------------
(١)- الأسباب المُعلنة لاستقالة رئيس الأركان والوزير بلا حقيبة، الأسبوع الماضي ، وقد شكّل سلوكهما تهديدا جدّيا لاستمرار حكومة الحرب اليمينية الصهيونية، ودعما مباشرا لخطط واشنطن الساعية لإنهاء الحرب، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر الماضي. وهنا تتكشّف طبيعة "النزاع السياسي" بين إدارة بايدن واليمين الإسرائيلي العنصري:
أسلوب تقويض شروط تسوية أوسلو، وما نتج عنه على صعيد بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية:
الولايات المتّحدة تفهم القضية بمنظور سياسي، استراتيجي، وترى في سلطة حماس على غزة، العامل الرئيسي في منع قيام حل الدولتين، لما يشكّله من أسفين في جسد الجغرافيا والديموغرافيا الوطنية الفلسطينية، وعداء لمؤسسات السلطة نفسها، وبالتالي عامل تمزيق داخلي لوحدة الجغرافيا السياسية والديمغرافيا الفلسطينية!
بخلاف هذه الرؤية السياسية ، يرى اليمين الصراع مع حماس ومع السلطة من منظور ديني متطرف، وصهيوني سياسي، ويسعى لتقويض سلطتيهما، وإعادة احتلال القطاع والضفة.
(٢)-
في شهر مارس، سُئل بايدن عمّا إذا كانت دعواته لإسرائيل بعدم غزو مدينة رفح جنوب قطاع غزة تمثل "خطًا أحمر"، مما يعني أن الغزو سيؤدي إلى عواقب وخيمة. وقال بايدن: “إنه خط أحمر، لكنني لن أغادر إسرائيل أبداً”.
وفي شهر مايو/أيار، بدا أن بايدن قد وضع مرة أخرى خطاً أحمر. وقال لشبكة CNN: "إذا دخلوا رفح، فلن أقوم بتزويدهم بالأسلحة المستخدمة ضد المدن".
في الفترة التي تلت تلك المكالمة الهاتفية الصارمة في أبريل/نيسان، سمح بايدن مرة أخرى لنتنياهو بتجاهل خطوطه الحمر.... إسرائيل تغزو رفح عمليا ، وانخفضت إمدادات الغذاء ، وقُتل ما لا يقل عن 15 من عمال الإغاثة في غزة، وزادت عليها مقتل العشرات في جرائم متعمّدة، كإشعال النار في مخيم رفح!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرسم على جدران الشاحنات في باكستان | عالم السرعة


.. موريتانيا: تنافس حاد بين روسيا والصين والغرب | الأخبار




.. حرب غزة.. صياغة جديدة لاتفاق الهدنة | #ملف_اليوم


.. كيف يؤثر ارتفاع الحرارة على البنية التحتية لشركات الكهرباء؟




.. ارتدادات المناظرة الرئاسية الأميركية الأولى لا تزال تنعكس سل