الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تتسبب الفاشية الإسلامية ، في فوز الفاشية المسيحية .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من الإجراءات الأولية ل Marie Caroline le Pen ، ليس ترحيل الأجانب ، بل طردهم .
اسفرت الانتخابات الاوربية ، خاصة الفرنسية على صعود اليمين الشوفيني الوطني ، بفوزه بعدد المقاعد ، لم يكن يحلم بها في الانتخابات التشريعية او الانتخابات الرئاسية السابقة . ولعل السبب في هذا التحول الإيجابي ، خاصة بالنسبة لانتخابات البرلمان الأوربي ، حيث صارت قرارات المتخذة على مستوى الاتحاد ، هي قرارات الاتحاد الأوربي ، وليس بقرارات دول من دوله ، حيث أصبحت قرارات الاتحاد الأوربي ، وطبعا البرلمان الأوربي ، تحظى بالأولوية والاسبقية في التنزيل ، اذا كانت هناك قرارات حول نفس الموضوع ، بأشكال مختلفة على مستوى دولة من دوله .. أي الاسبقية في التنزيل قرارات الاتحاد ، على حساب قرارات الدول رغم انها قرارات اتخذت باسم السيادة ..
ان نتائج الانتخابات الأخيرة بالنسبة لفرنسا ، كان مؤشرا دالا ، على ان تحولا حصل وسط الطبقات الاجتماعية التي تُكوّن المجتمع الأوربي ، وهو تحول مصدره الحرص على القيم الفلسفية والحضارية للمجتمعات الاوربية ، خاصة عندما تجد نفسها ، ومن قلب موطنها تخضع لإملاءات طبقات طفيلية ، ذات طقوس دينية وعقائدية ، وذات مطالب تعجيزية ، خاصة عندما يكون أصلها ، يتم باسم الدين ( الإسلامي ) الذي اصبح منافسا ، بل متحديا للقيم الفلسفية الاوربية في طابعها اللائيكي .
فعندما يجد الاوربيون نفسهم يخضعون لإملاءات ( ثقافة ) مغايرة ، تدم الثقافة الاوربية ، وتدعو من قلب اوربة بالجهاد في حقها ، من اجل اسلمتها ، رغما عنها .. وامام انتشار واستفحال الازمة الاجتماعية والاقتصادية ، خاصة بعد مخلفات الوحش ( كرونا ) التي اثرت على كل الطبقات الاجتماعية الاوربية ، وانزلتها الى مستويات لم تصلها من قبل ، رغم ان مؤشر الازمة وسببها الرئيسي كان واضحا .. فان نتائج الانتخابات الأخيرة ، يجب الا تفاجئ أحدا ، لان ديمومة الازمة ، والمتسبب فيها واضح بشكل جلي . والخوف من الحاضر الذي اصبح فارضا نفسه بإلحاح ، ومن المستقبل الغامض ، طبعا سيؤثر في السلوك السياسي للشعوب الاوربية ، حتى ترجع المياه الى مجاريها ، طبعا بعد التغلب على مصدر الخطر الذي هو تهديد الفاشية الإسلامية ، والإسلام ، للثقافة الاوربية اللائيكية ، التي ترفض تدخل الكنيسة في الإدارة وفي الحكم . فكيف سيكون الامر ، والخطر المهدد للثقافة الاوربية ، هو الإسلام السياسي بكل الوانه ، حتى الحربائية .. فالأوربيون ملّوا من غزو شوارعهم ، وقطع طرقهم بالمصلين في الشارع ، ومن قلب هذا الشارع المحتل ، يرفعون دعوات القضاء على اللائيكية ، بل يدعون الى الجهاد حتى على الديانة الكاتوليكية والبروتستانية .. فهل يعقل وهل يتصور الدعوة ، ومن قلب الشارع الأوربي الى اسلمة الدولة الاوربية ، وهؤلاء وبوسائل حرامية شتى ، يستفيدون من عطاءات الدولة الاوربية ، وهم مع ذلك توفر لهم الحماية الجسدية والقانونية ، لان فريقا منهم هارب من بلده لأسباب إرهابية ، او نزاعات باسم الدين ، ومنهم من اصر على وجوده الاسلاموي ، لا قناعة بالدين ، بل لإظهار وجوده ، وإظهار تمايزه ، حيث بسبب أفكارهم الشاردة والمتطرفة ، يعيشون العزلة في مجتمعات ثقافتها لا تنتسب اليهم ، بل تشكل نقيضا لهم ، ولماضيهم ، ولحاضرهم ، ومستقبلهم المهدد بغزو ( الثقافة ) الاسلاموية ..
لقد بلغ الشعور بالخطر مداه ، حين حل الرئيس الفرنسي البرلمان ، وحين دعا الى انتخابات افرزت الصعود المنتظر لليمين الشوفيني الوطني . وحقا لا اتفق مع من يصف الجبهة اليمينية باليمين المتطرف ، ويصبغها بطلاء العنصرية ، والحال انهم يدافعون عن قيم الثقافة الاوربية التي أساسها اللائيكية .. فالصراع والمواجهة داخل المجتمعات الاوربية ، كانت واضحت ولا تزال بين ثقافة اوربية ، وبين ( ثقافة ) اخوانية تبطن التهديد لكل الدول الاوربية ، وتعلن جهارا انها تجاهد في سبيل الله ضد ما تصفهم ب " الكفار " . وانها في طريق اسلمة اوربة ، لإرجاعها الى ( دين الله ) الإسلام .
وبالرجوع الى مختلف المحطات في الصراع بين الثقافة الاوربية التي أساسها اللائيكية ، وبين ( ثقافة الإسلام ) التي أساسها تنزيل ( حكم الله ) ، فان الخطأ في وصول اوربة ، وخاصة فرنسا ، الى هذه الوضعية التي أصبحت تنذر بخطر يهدد كيان الدولة الاوربية ، هي الطبقة السياسية الاوربية ، وخاصة الفرنسية التي كانت تحرص على استعمال مشكل ضواحي المدن الكبيرة ك " باريس " ، مادة للتسويق السياسي الانتخابي ، مع اغفال الشعور بالخطر الذي بدأ منذ اكثر من ستين سنة مضت ، أي ان البداية كانت مع الستينات ، وبالأخص السبعينات والثمانينات .. لان عند حصول الاستحقاقات السياسية ، لم تكن الطبقة السياسية الاوربية خاصة الفرنسية ، تطرح مشاكل الهجرة ، وتنظيمها داخل المنظومة القانونية والثقافية الفرنسية ، مما يفرض التعامل معها كتهديد قادم للحضارة الفرنسية والأوروبية ، بل كانت توظفهم كرقم انتخابي ورقم بالبرلمان المحلي " الجمعية الوطنية " ، ومن ثم كان تعامل الطبقة السياسية الاوربية وخاصة الفرنسية ، تعامل انتهازي بسبب التوظيف الانتخابي لمشكل الهجرة ، في رسم قواعد السياسة الاوربية والفرنسية .. فمنذ الستينات وحتى وقت قريب ، لم تطرح قضية الهجرة للمعالجة ، وتحديد التعامل معها من زاوية ثقافية حضارية ، بل كانت توظف كأرقام تصب في صالح هذا الحزب او ذاك ، وبمجرد كشف نتائج الانتخابات ، حتى يرمى مشكل الهجرة ، ومشكل القيم الاوربية والحضارة الفرنسية في الهامش ، ما دام سكان ضواحي المدن الكبيرة ك " باريس " ، قد عادوا الى ممارساتهم الاعتيادية ، وابرزها العنف بكل اشكاله ، والتعاطي للممنوعات ، وهذه المشاكل تتعامل معها كل طبقات المجتمعات الاوربية ، وطبقات المجتمع الفرنسي ، بالقضاء بدعوى الديمقراطية ، لكنها اهملت خطر الظاهرة الذي يجتهد في اسلمت الدولة الاوربية ، وفي فرض اختيارات فاشية باسم الإسلام ، في دولة كاثوليكية او بروتستانتية . فما معنى منذ الستينات والى اليوم قبل الانتخابات الأخيرة ، لا تزال اوربة وخاصة فرنسا ، تتحدث عن الهجرة ، وتتحدث الاندماج L’intégration ، مع العلم ان السبب هنا ، هي الحكومات التي تشكلت بمسميات شتى ، وانزلت كل القوانين ، الا قانون الهجرة وقانون الادماج او الاندماج ، لا يزال معلقا ، ولا يزال التعامل معه يحصل بانتهازية جعلت طبقات المجتمع الفرنسي ، تعاني منه الآن ، حيث اصبح المشكل يشكل اكبر الاخطار التي تهدد اوربة الثقافة ، واوربة الحضارة ..
ومرة أخرى . هل من المعقول والصواب ، انه بعد سبعين سنة ، والساسة الفرنسيون يتحدثون عند الانتخابات ، او في اللقاءات الثقافية والإعلامية ، ولا يزالون ، عن الهجرة ، وعن الانخراط ، او الاندماج L’intégration ، دون ان يصلوا الى حل معادلتها التي ليست صعبة لو تم علاج المشكل في حينه .
بل كيف يمكن قبول ادماج ( ثقافة ) فاشية باسم الإسلام ، في مجتمع ثقافته مغايرة ، ومعارضة من حيث الشكل ، للثقافة الاوربية العلمانية .. فماذا يعني سكوت وتجاهل الطبقة السياسية الفرنسية والاوربية والفرنسية ، لدعوات الجهاد في اوربة ، لمحو الثقافة الاوربية ، والحضارة الاوربية كذلك .. ما معنى الدعوة لأسلمة اوربة والعالم ، والدعوة لبناء الدولة الإسلامية الاوربية والفرنسية .. وما معنى احتلال الشوارع الاوربية والفرنسية بالمصلين يقطعون المشي ، ويقطعون عبور المركبات .. بل انهم يفرضون اختياراتهم الفاشية الإسلامية باسم ( حلال ) ، في دولة اوربية وفرنسية ، تتعامل طبقتها السياسية والاجتماعية مع الخطر المهدد للثقافة الاوربية والفرنسية ، بالهروب الجبان من مواجهة الخطر ، بنفس قوة اشتغاله ..
الان فرنسا تعيش الازمة العامة الكبرى ، حتى على مستوى القيم . وقد شاهدنا كيف تعاملت السلطة مع أصحاب البدلات الخضراء عند خروجهم للتظاهر في كل فرنسا ، وشاهدنا كيف ان الرئيس Emanuel Macron تراجع عن برنامجه الانتخابي الذي خاض من اجله الانتخابات الرئاسية ، ويكون الرئيس قد خان الوعود التي قدمها في برنامجه الانتخابي ، للفرنسيين الذي صوتوا لصالحه . بل انه اصبح قادرا على استعمال العنف ضد من يطالبه بالالتزام بالبرنامج الانتخابي الرئاسي الذي صوت عليه جزء من الشعب الفرنسي ، وعلى أساسه اصبح الرئيس رئيس فرنسا العظمى ، التي لن تبقى عظيمة ، اذا لم تعالج المشكل كما تنبغي المعالجة ..
ان الاستمرار في الكلام الفارغ عن مشكل الهجرة والاندماج ، منذ سبعين سنة والى اليوم ، ومن دون معالجة الخطر ( الثقافي الفاشي ) للثقافة والحضارة اللائيكية ، لن يزيد فرنسا الاّ الهروب الى الامام ، وعوض بحث الموضوع من قلبه ومن صميمه ، سيكتفي الرئيس ومن معه بمعالجة ضفاف وحواشي المشكل ، الذي سيزداد قهرا للثقافة والحضارة الفرنسية ، وسيزيد ايلاما للشعب الفرنسي صاحب الثورات الكبرى والعظيمة في التاريخ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرسم على جدران الشاحنات في باكستان | عالم السرعة


.. موريتانيا: تنافس حاد بين روسيا والصين والغرب | الأخبار




.. حرب غزة.. صياغة جديدة لاتفاق الهدنة | #ملف_اليوم


.. كيف يؤثر ارتفاع الحرارة على البنية التحتية لشركات الكهرباء؟




.. ارتدادات المناظرة الرئاسية الأميركية الأولى لا تزال تنعكس سل