الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوليان اسانج كشف عن حقيقة الديمقراطية البرجوازية وحدود حرية الصحافة والإعلام فيها

بن حلمي حاليم

2024 / 6 / 26
الصحافة والاعلام


خلقت التطورات السريعة في مجال وسائل التواصل الشبكية وضعا عالميا مختلفا عما كان سابقا، حصل هذا تقريبا منذ أن استطاع قسم واسع من سكان العالم استعمالها، والحصول على وسائلها والارتباط معها، وهذه المسألة التي تستفيد منها الدول الصناعية الكبرى الرأسمالية ، والشركات العالمية متعدد الجنسيات، صناعة وتجارة وخدمات وأرباح.
لكن بالوقت نفسه أصبحت المعلومات متاحة لمن يبحث عنها، بفضل مجموعة من المواطنين/ات الذين واللواتي يكشفون عما تريد الدول إخفائه عن شعوبها، ويتم تداوله بسرعة في لحظة واحدة بين سكان الكرة الأرضية، هذه القضية جعلت الرأسمالية والامبريالية والأنظمة الاستبدادية والرجعية والليبرالية والديمقراطية البرجوازية أمام حقيقة فرضتها التطورات الصناعية العالمية.
إنها وسائل تواصل اجتماعي نافعة ومضرة، ايجابية وسلبية للرأسماليين والامبرياليين، ولكنهم جميعا لا يستعطون خنق وإيقاف هذه المسألة، فقد استعملوا تشريعات قانونية وزجرية وخلق عقوبات مختلفة، ضد المواطنين/ات، لكن الأزمات المتنوعة والكثيرة والمتشابكة للنظام الرأسمالي زادت عمقت أزمة الديمقراطية البورجوازية والتمثلية النيابية والاستفتاء، والعرائض الجامعة للتوقيعات، ووضعت كل تشريعاتها وقوانينها أمام الباب المغلق الآن في ظل العولمة الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية.
كيف تعاملت هذه الديمقراطية البرجوازية مع وضع [ ويكي ليكس] قانونيا ؟ لقد وجدت صحافة البحث والتحقيق والاستقصاء، والنشر مواد تصل إلى ملايين الملفات المتنوعة حول مختلف القضايا، منشورة امام الجميع، عن ماذا ستبحث بعد هذه الأشكال من الكشف؟ الم تقتصر عليها الطريق، وتحميها من جبروت الديمقراطية البورجوازية؟
يرى جوليان اسانج [ ويكي ليكس] بأنه وسيط يحمي المبلغين/ات عن كل المخالفات، من الكشف عن هوياتهم/ن ومتابعتهم/ن والانتقام منهم، لان التسريب وإخراج المعلومة حسب رؤيته، وإيصالها إلى الصحافة الورقية او الالكترونية/ مواقع على شبكة الانترنت تخلق مشاكل لكلا الطرفين المبلغ والصحفي.
ولذلك فإنهم/ن يستعطون أن يسربوا كل ما يشاءون إلى [ويكي ليكس]، وهذه الأخيرة تنقل تسريباتهم/ن إلى الصحافة، وان المتعاملين مع [ويكي ليكس] موجدين/ات في العالم، وبالإمكان الوصول إليها عبر اتصال [ويب] غير الخاضع للرقابة.
فقد وضعت مجموعة [ويكي ليكس] مقرها في دولة السويد، نظرا للقوانين الموجودة فيها، والتي تحمي سرية مصادر العلاقات الصحفية، وان المجموعة " لا تطلب المعلومات" لكن جوليان اسانج طلب التعاون من القراصنة (الهاكرز) والباحثين/ات من خلال مؤتمر نظم في ماليزيا سنة 2009.
فقد فتحت وزارة العدل بالولايات المتحدة الأمريكية تحقيقا جنائيا ضد مجموعة [ويكي ليكس] ومؤسسها جوليان اسانج، في قضية نشر التسريبات الدبلوماسية الأمريكية، وأكد النائب العام ايرك هولدر :" ان التحقيقات الجناية جارية..." وذكرت صحيفة بوست واشنطن : " ان الإدارة الامريكية تدرس الاتهامات بموجب فقرة التجسس..." وهذه العملية وصفت من طرف بعض المدعيين العامين المتقاعدين والسابقين بأنها" عسيرة" بسبب حماية للصحافة.
وفي حالات سابقة قررت المحكمة العليا بأن دستور الولايات المتحدة الأمريكية يحمي إعادة نشر معلومات تم الحصول عليها بطرق غير" شرعية" بشرط أن الناشرين/ات، أنفسهم/ن لم يخالفوا القوانين بالحصول عليها. وينظر المدعون الاتحاديون الامريكيون بمتابعة قضائية ضد جوليان اسانج بتهمة الاتجار في ممتلكات مسروقة للحكومة.
المشكل الذي حصل هو أن البرقيات الدبلوماسية تعد [ممتلكات فكرية] وليست مادية، وهذا المسلك واجه عدة صعوبات وأبواب موصدة، من أهمها مكان المحاكمة الذي يتطلب تسليم جوليان اسانج للولايات المتحدة الأمريكية من اجل تطبيق عليه الحكم فوق أراضيها. هذا العملية خلقت للديمقراطية البرجوازية عدة مصاعب، لان الأمر يتطلب تسليم جوليان اسانج إلى دولة السويد أولا.
لكن محاميه أكد: أن الكفاح والمقاومة قائمان من اجل عدم تسليمه إلى السويد، لان ذلك يؤدي إلى تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن استراليا وحكومتها ومؤسساتها لم يستطيعوا إثبات خروق قانونية من طرف[ويكي ليكس] المتعلقة بالقوانين الجارية في استراليا.
هذه السلسلة الطويلة للدول الرأسمالية والامبريالية وقوانينها وتشريعاتها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ضد مواطن شاب استرالي صحفي وناشط ومبرمج، أسس موقع أطلق عليه [ويكي ليكس] وترأس هيئة تحريره، وهي منظمة دولية غير ربحية، تعمل بنشر تقارير ووثائق الإعلام الخاصة والسرية، وتجتهد بكل الأساليب الممكنة والمتاحة للحصول عليها من مصادر صحفية وتسريبات اخبارية مجهولة؛ هذه المسالة خلق مشكل لليبرالية في قضية شرعيتها وقانونيتها.
ففي سنة 2006 انطلقت أشغالها على موقع باسم منظمة [سين شاين] الصحفية، وادعت أن لديها بيانات لأزيد من 1.2 مليون وثيقة خلال سنة من تأسيسها وظهورها،من طرف مجموعات من المنسقين الصينيين والصحفيين والرياضيين والتقنيين يشتغلون لدى عدة شركات في العالم من : الولايات المتحدة الأمريكية، وتايوان، وأوروبا، واستراليا، وجنوب إفريقيا.
وفي ربيع 2010 أنزلت [ويكي ليكس] على موقع يسمى [ كولاترال موردر] مشهد لشريط مصور(فيديو) عن ضربة الطائرة تعود لسنة 2007 والتي قتلت فيها قوات الولايات المتحدة الأمريكية أثناء احتلالها مجموعة من المواطنين المدنيين العراقيين والصحفيين. ثم سربت في صيف السنة نفسها يوميات الحرب الأفغانية ضمت أزيد من 76900 وثيقة حول غزو أفغانستان واحتلالها، ثم سربت في تشرين الأول/اكتوبر2010 مجموعة مكونة من 400000 وثيقة أطلق عليها سجلات حرب العراق، تم ذلك بتنسيق مع المؤسسات الإعلامية التجارية ، ثم سربت برقيات الدبلوماسية الخارجية الأمريكية.(1)
هذه المعلومات لا تريد الامبريالية بكل أصنافها أن تصل إلى شعوب العالم، وبذلك أرادت القضاء على هذا الأسلوب الصحفي في البحث عن المعلومات من طرف مواطنين من شعوب العالم، ونشرها للعلن بكل حرية، وبذلك تناقضت الليبرالية والبرجوازية في أسسها، ومع ما تدعيه حول الحقوق والحريات، وكشفوا عن حدود ديمقراطيتهم/ن، حول حرية التعبير والنشر.
حصلت [ويكي ليكس] على العديد من الجوائز الصحفية والحقوقية العالمية، لأنها قدمت عمل مهم للباحثين/ات عن الحقائق كما حصلت فعلا ، بدل التزييف والتزوير والتشويه والأضاليل والأكاذيب التي تنشرها الصحف الرسمية والإعلام الخاضع لأجهزة وزاراتي الداخلية والخارجية والمخابرات، والدول الاستبدادية التابعة للامبريالية لا تريد شعوبها أن تعرف الحقائق وتطلع عليها، وهنا التقاء الاثنين مع الأنظمة الاستبدادية و تلك التي تدعي بأنها ليبرالية وديمقراطية برجوازية، بينما هي تحكمها الديكتاتورية الرأسمالية، وتتابع من ينشر جرائمها للعلن.
وبذلك نسجت شبكة من اجل إلقاء القبض على جوليان اسانج وتدمير [ويكي ليكس]، وصدر بحقه أمر الاعتقال الأوروبي استجابة لطلب تقدمت به الشرطة السويدية بدعوة الاستماع إليه في تحقيق متعلق " بتهمة الاعتداء الجنسي" وهو فخ، وسياسية تشويهية متعلقة بالجنس توظفها كل الدول الاستبدادية ضد المعارضين/ات لها، ولا احد له عقل يصدقها في مثل هده الحالات.
واستمرت سلسلة المتابعة إلى يوم 11 نيسان/ ابريل 2019 الذي اعتقلت فيه الشرطة البريطانية جوليان اسانج من داخل السفارة الإكوادورية في بريطانيا، حصل ذلك بتنسيق مع سفير الإكوادور الذي سمح لهم بهتك حرمة سيادة بلده.
وكان اسانج فضل اللجوء لسفارة الإكوادور في لندن في 19 حزيران /يونيو2012 بدل العودة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. حصل هذا لما كان رئيس الاكوادور رافائيل كوريا الذي توعد بالتوسط بين السويد وبريطانيا، ودراسة طلب الصحفي الاستقصائي جوليان اسانج.
لقد ظلت الدول الرأسمالية والامبريالية تصفي جسديا الصحفيين/ات، ففي سنتي 2021 و2022 تم مقتل نحو ستة وثمانون صحفيا [86 صحفيا]، وهذا يبين حجم الجرائم المرتكبة ضد من يبحث لإيصال المعلومة الصحيحة للمواطنين/ات.(2)
أخر ما استطاعت الديمقراطية البرجوازية الوصول إليه في قضية الحق بنشر المعلومة، وأي معلومة يسمح لها أن تصل للشعوب؟ وبعد سلسلة طويلة جدا، عجيبة وغريبة منذ 2006 إلى 2010 ثم إلى 2024 اقر جوليان اسانج مؤسس موقع [ويكي ليكس] أمام محكمة في جزيرة سايبان الأمريكية بارتكابه ذنبا على أساس تهمة التأمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها.
بهذه الصيغة أرادت العدالة الامبريالية أن تضع حد لقضية شائكة ومعقدة، وقد حصل هذا باتفاق بين جوليان اسانج والقضاء الأمريكي، مما سيسمح له بالخروج من هذه الوضعية التي خلقتها الصحافة الحرة للديمقراطية البرجوازية، وبذلك استعادا حريته بهذه الصيغة، إنها مساومة بين صحفي استقصائي شجاع وقوى كبرى عالمية وامبريالية، لكن ما هي مساومات غدا وبعد غدا والأيام والشهور والسنين القادمة، إن المعركة من اجل نشر الحقائق لم تنتهي ولن تنتهي.
هكذا سيخرج جوليان اسانج من محكمة سايبان الواقعة بجزر ماريانا الشمالية بالمحيط الهادئ، والعودة إلى وطنه وبلده استراليا والى أهله وأصدقائه بعد مدة طوية ومعارك من الليبرالية المزعومة فقد كشفها للعالم واكتشف حدودها ودخل وطنه برأس مرفوعة وبسالة نادرة في عهد النيوليبرالية وصحافة الاسترزاق.
لقد ألحت العدالة البرجوازية الرأسمالية على جعله مذنبا بالقوة، وفرض عليه ذلك، أي القرار بالذنب مقابل الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وشهرين، أي معادل المدة التي قضاها مسجونا في بريطانيا في سجن بيلمارش تحت حراسة مشددة، لكنه فعلا كافح من اجل عدم تسليمه للولايات المتحدة، وحقق غايته، وفتح الطريق للعمل الصحفي الحقيقي الذي يناسب هذا القرن(3).

(1)https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3

(2)https://news.un.org/ar/story/2023/01/1117547

(3)https://www.bbc.com/arabic/articles/cyjj47xx721o








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين ووسائل الإعلام الحكومية الروسية يسخرون من أداء بايدن و


.. الانتخابات الفرنسية.. الطريق إلى البرلمان | #الظهيرة




.. إيران أمام خيارين متعاكسين لمواجهة عاصفة ترامب المقبلة


.. الناخبون في موريتانيا يدلون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة | #




.. بعد قصف خيامهم.. عائلات نازحة تضطر للنزوح مجددا من منطقة الم