الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاحظ بدر ... وسيبقى المفتاح في جيبي

شوقية عروق منصور

2024 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الجاحظ بدر.. وسيبقى المفتاح في جيبي
لا أذكر متى اشترى أبي لوحة " الطفل الباكي" أو من أين اشتراها ، ولكن أذكر أن والدتي علقتها في منتصف جدار غرفة الاستقبال ، وعندما كنت أتأمل تفاصيل وجه الطفل خاصة عينيه وأرى ذلك البريق المكسور الممزوج بالدموع أشعر أن هذا الطفل يعيش في معاناة، ثم اكتشف أن الصورة منتشرة وقد أصبحت مع الأيام أيقونة الفن الصادق الذي يعني بعذاب وشقاء وبراءة الأطفال وعرفت أيضاً أن اسم الفنان الإيطالي الذي رسمها (برونو أماديو ) .
لماذا قفزت لوحة " الطفل الباكي " إلى مخيلتي عندما رأيت حملقة " بدر دحلان " ذلك الأسير الفلسطيني الغزي الذي ظهر على الشاشات الفضائية والصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي جاحظ العينين يتلفت بخوف يمينه ويساره بعد الأيام الصعبة التي عاشها أسيراً في أحد السجون الإسرائيلية ، وقيل الكثير عن ذلك الجحوظ وطمرنا أنفسنا في رمال التساؤل والمقارنة بين معاملة الأسرى اليهود والأسرى الفلسطينيين، والبعض منا جعل من تلك العيون اختصاراً لما يعانيه الأسرى الفلسطينيين في السجون، والبعض قام بتبديل الوجه في لوحة " الصرخة " للرسام النرويجي للفنان " إدوارد مونش" بوجه " بدر دحلان " كأن تلك الصرخة التي مثلت الانسان العصري أمام الخوف والرعب هي فعلاً " عيون بدر دحلان" .
مع العلم أن هناك عشرات الوجوه الغزية والعيون والصراخات والدموع واللطمات تستحق أن تسجل وتُرسم في لوحات عالمية .
تعددت العصور ولكن هناك عصراً سيضاف بعنوان " عصر غزة " لأن الحكايات والأيام والوجوه والرمال والخيام والاشلاء وبقايا ضحكات الأطفال وملابس النساء المتشبثة بحجارة البيوت وعهر المساعدات الملقاة من الطائرات من باب رفع العتب والشواطئ الشاهدة على الهروب من لعنة الحر والعرق - أصبح هذا الهروب يثير حفيظة رجال الاعلام الذين تحول البحر بالنسبة لهم إلى عالم من الرفاهية - .
والمناطيد التي أصبحت الحلم لتحويلها إلى خيام وملابس وطوابير الجوع والعطش وفتات الخطابات وغيرها من الكلمات التي تؤجج النار في الصمت الذي أصبح كالطعام البايت و دخل الثلاجات ويخرجونه ليسخن في نار الرؤساء والمسؤولين ثم يعيدونه إلى الثلاجات.
يحق أن نطلق على " بدر دحلان " الجاحظ الفلسطيني ، وسيتنازل الجاحظ " أبو عثمان بن بحري الكناني المعروف بالجاحظ الذي عاش في العصر العباسي عن لقبه إكراماً لعيون الفلسطيني " بدر دحلان " وسنجد احد الفنانين يرسم الذعر والرعب في عيون " البدر " لتلعق مستقبلاً في البيوت .
تدمر البيت وبقي المفتاح
وقفت الفتاة الصغيرة على أنقاض بيتها تبكي بصمت ثم قالت للمراسل الصحفي الذي يقوم بتصوير البيت الذي دخل قائمة الدمار " ممكن عمو تقيم المفتاح ..!! "
الباب الخشبي تحت الأنقاض بين ركام الحجارة والغبار، هناك من يتساءل لقد تحطم كل شيء و لم يعد البيت صالحاً للسكن ، ولكن تلك الفتاة رأت في المفتاح جسراً للعودة وبقاء المفتاح بحوزتها يترك رائحة البيت وصهيل الضحكات والحياة في تلك القطعة الحديدية الصغيرة . وكان تصميمها على أخذ المفتاح اصراراً على فكرتها بالعودة والشعور أن بيتهم ما زال قائماً .
أخذ المراسل الصحفي يشد ويشد حتى ينزع المفتاح من الثقب المتشبث به ، ثم حاولت الفتاة أن تنزعه والغريب أنها نجحت في إخراجه ووضعته في جيبها وسارت بين أكوام الجدران التي تحولت إلى بقايا حياة .
الكتابة على الجسد بالحبر الأسود
لا أظن أن هناك شعباً يقرأ مصيره اليومي المتوحش والدموي ويتصرف بأسلوب الوداع الصامت المتوج بالحكمة والابجدية الحارسة وعدم الضياع .
في لحظات عشق تمسك الأم الغزية بالحياة وتتحدى الصواريخ والقنابل حيث تقوم بكتابة اسم الأبن أو البنت واسم الأب والأم وفصيلة دمه على الأجساد ، لأن في حالة الموت والدفن تحت الأنقاض تكون العناوين معروفة وثابتة ، بدلاً من ثرثرة التفتيش والبقاء تحت رحمة العناوين الفارغة، وأيضاً تقوم الأم بالكتابة على ذراعها أنها فلانة زوجة فلان وأم فلان وفلان والعنوان .
في غزة حكايات كثيرة لا ولن تنتهي، تنام هذه الحكايات على أذرع الصمت والجوع والعطش والقلق والصواريخ وانتظار الآتي ، ولكن غداً بعد أن تنتهي الحرب ستخرج القصص والروايات وسنكتشف أننا عشنا عصراً جديداً عرفنا ملامحه بعد أن خلعت أقنعته و تم فيه تعرية الإنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي