الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشك الوجودي في الفضاء البرجوازي والحاضرية الوجودية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 6 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الشك الوجودي هو مسألة أساسية في الفكر الفلسفي الحاضري الوجودي، حيث يتساءل الإنسان عن حقيقة وجوده وماهيته,الحاضريون الوجوديون يركزون على التجربة المعاشة للإنسان والانغماس في الواقع ، بدلاً من النظر إلى الإنسان ككائن مجرد, الحاضرية، هي فكرة مركزية في الفكر الوجودي ايضا تشير إلى طريقة وجود الإنسان في العالم آنيا, لان الإنسان ليس مجرد شيء موجود بل هو كائن حاضر في عالمه ووعيه به, هذا الوعي والحضور في العالم هو جوهر الوجود الإنساني, في الحاضرية الوجودية، مسالة الحصول عن إجابات نهائية أمرًا مستحيلًا, لكن البحث عن المعنى هو امر ملح، لأن الوجود الإنساني هو وجود مفتوح وغير مكتمل, الإنسان دائم التغيّر والتحوّل، ولا يمكن إطلاق أحكام نهائية عليه, يمكن للفلسفة الحاضرية الوجودية أن تساعد في إيجاد معنى للحياة، على الرغم من عدم وجود إجابات نهائية, هذا يكمن في طريقة التفكير والعيش التي تقترحها ,اذ تؤكد على أن الإنسان حر في اختياراته وأفعاله، وهذا يعني أن عليه المسؤولية في خلق معنى لحياته, و العيش بأصالة، بمعنى أن نختار بأنفسنا كيف نعيش بدلاً من الخضوع لقوالب جاهزة, هذا يساعد في إعطاء الحياة معنى شخصي, وحالة القلق والحيرة التي يعيشها الإنسان يمكن تقبلها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الوجود الإنساني, هذا يساعد على التعامل مع هذه الحالات بطريقة إيجابية, وذلك بالتركيز على الحاضر والواقع المعاش بدلاً من الهروب إلى الماضي أو المستقبل, ويساعد على العيش بشكل أكثر حيوية وانغماسًا. الحاضرية الوجودية تعترف بأن الوجود قد يبدو عبثيًا وفارغًا في بعض الأحيان، لكن بدلاً من النكوص أمام هذا الواقع، تحث الحاضرية الوجودية على قبوله والتعامل معه بطريقة إيجابية، لكن قبول العبث والفراغ في الحياة دون السعي نحو الحرية والمسؤولية الشخصية لن يكون كافياً لتطوير الوعي الوجودي المتوازن، الحاضرية الوجودية تطرح أسئلة وجودية عميقة للغاية تساعد في مواجهة العبث والفراغ بشكل أكثر فاعلية، ويمكن للإنسان تحقيق الحرية والمسؤولية الشخصية رغم قيود الوجود,اذ ان هناك عدة جوانب رئيسية:
الاعتراف بقيود الوجود
الحاضرية الوجودية تؤكد على أن الإنسان مطلق الحرية لكن محكوم بالحرية، بل هناك قيود موضوعية على حريته تتمثل في الموت، والعالم المادي، والواقع الاجتماعي. الإنسان "محكوم بالحرية" ويجب عليه أن يتقبّل هذه القيود بدلاً من إنكارها.
الاختيار والالتزام
على الرغم من هذه القيود، إلا أن الإنسان لا يُسلب حريته تماماً. فالحرية تكمن في قدرته على الاختيار والالتزام بما يختاره. فالإنسان "محكوم بالحرية" وعليه أن يتحمل مسؤولية اختياراته.
تحقيق الذات
الحاضرية الوجودية ترى أن الحرية والمسؤولية تتحققان من خلال الحركة نحو تحقيق الذات. فالإنسان ليس جوهراً ثابتاً، بل هو "مشروع" ينشئه من خلال اختياراته وأفعاله، وبذلك يصنع حريته ويتحمّل مسؤوليتها.
الالتزام الأخلاقي
الحرية الوجودية ليست مطلقة أو عبثية، بل مقترنة بالالتزام الأخلاقي. فعلى الإنسان أن يختار بشكل مسؤول ويلتزم بالقيم الأخلاقية التي تؤكد على احترام الآخرين وتحقيق الخير.
مفهوم "الشك الوجودي في الفضاء البرجوازي" يشير إلى تساؤلات حول الواقع والهوية في السياق الاجتماعي الذي تهيمن عليه البورجوازية. "الفضاء البورجوازي" هو مفهوم مرتبط بالنظرية النقدية في الفلسفة والنقد الاجتماعي. يشير هذا الى المفاهيم والبنى والممارسات التي تخدم المصالح البرجوازية وتؤكد الوضع القائم. هذه التساؤلات تعكس محاولات للتحرر من القيود والأطر المفروضة من قبل النظام الاجتماعي البرجوازي والتفكير بشكل أكثر استقلالية وأصيل حول الذات والواقع. وتبرز أهمية البحث في هذه المسائل الوجودية كوسيلة لفهم ونقد البنى الاجتماعية المهيمنة.
يمكن تجاوز العبثية الوجودية من خلال الشك في الفضاء البرجوازي والعيش في الموقف الوجودي النشط، المقصود هو تحول الفرد من مجرد استقبال وقبول العبث والصدفة الوجودية إلى الانخراط بشكل إيجابي في إعادة تشكيل حياته بنفسه بمقياس انساني بحت، بدلاً من الشعور بانه الضحية أو الانفصال يتبنى الفرد دور المتفاعل والخلاق.
هذا لا يعني "إعادة الخلق من جديد" بمعنى إلغاء الواقع الحالي، ولكن بالأحرى إعادة تعريف المعنى والقيم والأهداف بطريقة شخصية وذاتية، هناك نوع من إعادة البناء والتشكيل للحياة بما يتناسب مع تجربة الفرد الوجودية الفريدة، بعبارة أخرى، بدلاً من الاستسلام للعبث والصدفة لأنها من الصفات الأساسية للفضاء البرجوازي، يقوم الفرد بخلق معنى ومغزى من خلال اختياراته وأفعاله وطريقة تفكيره. هذا يمنحه شعورًا بالعاملية والسيطرة على مسار حياته، بدلاً من الشعور بالاستسلام، فالموقف الوجودي النشط هو عملية مستمرة من إعادة التشكيل والتفسير والابتكار الذاتي، بدلاً من انتظار التعليمات أو التفسير الجاهز، هذا يتطلب شجاعة وإرادة وانخراطًا داخليًا عميقًا، والشك في الفضاء البرجوازي من خلال الوجود الحاضري النشط.
أما "الوجود الحاضري النشط"، فهو مفهوم فلسفي يشير إلى طريقة للوجود في العالم تتميز بالانخراط والتفاعل النشط بدلاً من مجرد الوجود السلبي أو الاستهلاكي. هذا الوجود الحاضري النشط قد يُنظر إليه على أنه وسيلة لتحدي وتفكيك الفضاءات البرجوازية من خلال الممارسة والنشاط. بناءً على ذلك، فإن الشك في الفضاء البرجوازي من خلال الوجود الحاضري النشط يعني استخدام الممارسة والنشاط الفعال كوسيلة لتفكيك وتحدي البنى والممارسات التي تخدم المصالح البرجوازية في الوضع الراهن. إنه محاولة لخلق فضاءات بديلة ومقاومة للهيمنة البرجوازية. وهي إنشاء بديل للفضاء البرجوازي من خلال "الحاضرية الوجودية" للفئات الاجتماعية المهمشة.
الفئات الاجتماعية المهمشة هي تلك المجموعات التي يتم إقصاؤها أو تهميشها في الفضاء البرجوازي، مثل العمال، الفقراء، الأقليات العرقية والدينية، النساء، الشباب، وغيرهم. هذه الفئات تتمتع بواقع اجتماعي وثقافي مختلف عن النخبة البرجوازية. تستطيع الفئات المهمشة خلق "فضاءات بديلة" تتحدى الفضاء البرجوازي وتمثل رؤية مختلفة للمجتمع والحياة. وهذا يتطلب نضالاً مستمراً وتضامناً بين مختلف القطاعات المهمشة لبناء بديل شامل وفعال حيث يحمل الفضاء البرجوازي العديد من الآثار السلبية من الناحية الفلسفية، منها:
الفردانية والأنانية
الفضاء البرجوازي يُعزِّز قيم الفردانية المفرطة والأنانية الذاتية على حساب التضامن الاجتماعي والمسؤولية الجماعية. الفرد البرجوازي منغلق على ذاته ويسعى لتعظيم مصالحه الشخصية دون اعتبار للآخرين.
الاغتراب والتشيؤ
البرجوازية تُحوِّل العلاقات الإنسانية والمجتمعية إلى علاقات بضاعيه وتسلع الناس والعمل. هذا يؤدي إلى اغتراب الفرد عن ذاته وعن مجتمعه وعن العمل الذي يقوم به.
التغريب والاستلاب الثقافي
الفضاء البرجوازي يفرض ثقافة وأنماط حياة معينة ينظر إليها على أنها "طبيعية" بينما يهمش وينفي الثقافات والممارسات البديلة. وهذا يؤدي إلى استلاب الهوية الثقافية للفئات المهمشة.
الانقسام الطبقي والتمييز
البرجوازية تُرسِّخ التفاوتات الطبقية وانقسام المجتمع إلى طبقات متباينة في القوة والنفوذ والموارد. وهذا يخلق تمييزاً وتهميشاً منظومياً للفئات الشعبية والمحرومة.
سيطرة المصالح البرجوازية
الفضاء البرجوازي يُخضِع المجتمع والدولة لمصالح الطبقة البرجوازية وعلى حساب مصالح الطبقات الشعبية والعامة. وهذا يحول الدولة والسياسة إلى أداة لخدمة المصالح البرجوازية.
إن تجاوز هذه الآثار السلبية يتطلب نضالاً فلسفياً وعملياً لبناء بديل للفضاء البرجوازي يقوم على قيم التحرر والعدالة والتضامن، يعتبر الفضاء الفلسفي الحاضري الوجودي بديلا مهما ومناقضا للفضاء البرجوازي ويساعد في إعادة انتاج مفهومه الانساني فلسفيا. هذا المفهوم يُعيد إنتاج الوجود الإنساني بطريقة جذرية من خلال المفهوم القيمي والفلسفي للمعنى من خلال الحاضرية الوجودية بالطرق التالية:
تأكيد الحضور والوعي الذاتي
الفضاء الحاضري الوجودي يُركِّز على وعي الإنسان بوجوده الحاضر والفعلي، بدلاً من الانشغال بالمصالح الشخصية والمادية للفرد البرجوازي. هذا يُعزِّز الشعور بالتواجد والمسؤولية الذاتية.
الانفتاح على الآخر والتعايش
بدلاً من الفردانية والأنانية البرجوازية، الفضاء الحاضري الوجودي يُؤكِّد على الانفتاح على الآخر والتعايش معه. هذا يُشجع على التواصل الحقيقي والتضامن الاجتماعي.
تحرير الإنسان من القيود والاستلاب
هذا المفهوم الفلسفي يُحرِّر الإنسان من الاستلاب الثقافي والاغتراب المجتمعي الناجم عن الفضاء البرجوازي. وبذلك يُمكِّنه من تحقيق ذاته وبناء هويته بحرية.
التركيز على الحياة والوجود
بدلاً من الانشغال المفرط بالمصالح المادية والملكية، الفضاء الحاضري الوجودي ينصبّ على الاهتمام بالحياة والوجود الإنساني نفسه، وكيفية إدراك الحقيقة والقيم الأساسية للوجود.
تبني القيم الإنسانية الأصيلة
هذا المفهوم الفلسفي يُعيد إنتاج القيم الإنسانية الأصيلة كالحرية والعدالة والتضامن والتحرر، بما يُمكِّن بناء مجتمع أكثر إنسانية وعدالة.
هناك عدة تحديات رئيسية قد تواجه تبني المفهوم الفلسفي للفضاء الحاضري الوجودي:
التغلغل العميق للثقافة البرجوازية
الثقافة البرجوازية التي تركز على المصالح الفردية والمادية قد تكون راسخة بعمق في المجتمعات، مما يجعل تغيير هذه الثقافة السائدة تحدياً كبيراً
المقاومة من قبل مراكز القوى البرجوازية
الجهات المستفيدة من النظام البرجوازي، كالطبقات الحاكمة والمؤسسات الرأسمالية والمؤسسات الدينية السلطوية، قد تقاوم بشدة أي محاولات لتبني فضاء وجودي بديل، حماية لمصالحها.
صعوبة التحول الثقافي والنفسي للأفراد
تطبيق مفهوم الفضاء الحاضري الوجودي يتطلب تحولاً كبيراً في ثقافة وتفكير الأفراد، وهذا قد يكون صعباً وبطيئاً في المدى القصير.
الافتقار إلى البنية التحتية والمؤسسات الداعمة
تبني هذا المفهوم الفلسفي بشكل فعال يتطلب وجود بنية تحتية وأطر مؤسسية داعمة، وهذا قد لا يتوفر في كثير من المجتمعات.
تعارضه مع النظم السياسية والاقتصادية الاستبدادية القائمة
قد يتعارض المفهوم الفلسفي للفضاء الحاضري الوجودي مع النظم السياسية والاقتصادية البرجوازية السائدة، مما قد يُشكِّل عقبة إضافية أمام تطبيقه.
رغم هذه التحديات، إلا أن تبني هذا المفهوم الفلسفي البديل قد يكون ضرورياً لإحداث تحول جذري في الوعي والحياة الإنسانية. ويتطلب ذلك جهوداً مُنسَّقة على مستويات مختلفة لتذليل هذه العقبات. ان تطبيق هذه الاستراتيجيات المتكاملة سيكون له دور حاسم في رفع مستوى الوعي الطبقي والنقدي لدى الجماهير الشعبية وتمكينها من المشاركة الفاعلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي