الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة، كما القراءة، فعل هداية!

شاهر أحمد نصر

2024 / 6 / 26
الادب والفن


"اقرأ"؛ أجمل جملة في كلمة، يحق للعرب أن يباهوا بها أمام العالم، إذ تلخص تجربة البشرية، وتسهم إسهاماً حضارياً راقياً في هدي البشرية، وبناء حاضرها، وغدها، ومستقبلها... مِن ثّم أتت الكتابة ضرورة ملازمة وحارسة لـ"اقرأ"؛ فالكتابة تحفظ اللغة، وتحفظ إنتاج البشرية الفكري، وميراثها الثقافي والعلمي؛ فضلاً عن إسهامها في تنظيم الأفكار، وتفاعل ملكات الإنسان وتطور موهبته، إنّها وسيلة مهمة لتوريث المعرفة من جيل إلى جيل...
الكتابة الإبداعية كالتنقيب عن الذهب؛ يصفي طالبه أطناناً من الطمي لكي يعثر على غرام من الذهب، أو درة نفيسة، والكاتب المبدع يعارك الحياة، ويقرأ ، ويقرأ، ويطلع على الثقافة البشرية، وعلى مختلف صنوف المعرفة حتى ينتقل إلى ساحة الكتابة التي لا تمنح نفسها إلا لمن عارك في سبيلها وأصبح يستحقها، إنّها هبة متميزة تُمنح لمن صقلت الحياة مشاعره، وسمت أحاسيسه، وصفا ذهنه عبر القراءة والتدريب ومعاركة الحياة، ولمن ظلّت محبّة العمل، والبحث عن الجمال والحرية والمحبّة نبراس حياته، ومن لازم تفكيره النقد، والشكّ، والموضوعية والتجرد عن الهوى منهجاً ناظماً لبحوثه، كي يبدع نصوصاً نسيجها بيان بديع فصيح متناسق عابق بقيم الخير والجمال والكرامة والحرية، وحبّ العمل وتخليد محبّة الأهل والإنسان والوطن...
أسمى لحظات الكتابة حينما يتفاعل عقل الكاتب المنفعل مع العقل الكلي الفاعل، وحينما يتفاعل الوعي باللاوعي القريب من الحلم، ولا سيّما الحلم بالجمال، والحرية، وسمو إنسانية الإنسان، والانتصار على الظلم، ومواجهة الموت بنشر المحبّة وعشق الحياة... فتصبح الكتابة إبداعاً في التواصل مع المتعالي، ولقد قبض أبو علي بن سينا على تلك اللحظة، ووصفها قائلاً:
"هبطت إليك من المحلّ الأرفع ورقاء ذات تعزّز وتمنّع
محجوبة عن كلّ مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع
...
وهي التي قطع الزمان طريقها حتى لقد غربت بعين المطلع
وكأنّها برق تألق بالحمى ثم انطوى فكأنّه لم يلمع
أنعم برد جواب ما أنا فاحص عنه فنار العلم ذات تشعشع".
من يصل إلى هذا المستوى من التواصل والكتابة يبدع نصوصاً تخلدها ذاكرة البشرية...
هناك عوامل كثيرة تزيد باستمرار من ضرورة الكتابة وأهميتها، منها، على سبيل المثال:
- يلجأ النّاس إلى الكتابة في ظروف وشؤون متنوعة، فيخلدون حبّهم لشعوبهم في ملاحم خالدة، ويخلد العاشق المبدع الصادق ملاحم الحبّ في نصوص خالدة... كما يخلد الباحث عن الحقيقة والخلود بحثه كتابة: فلمّا عاد جلجامش من رحلته نحت قصته على الصخر (أي كتبها) لتخلد ملحمته... فالعمل والكتابة أخلد من الإنسان... إنّ التجارب الإنسانية لا تنضب، والإنسان بطبيعته يصبو إلى تخليد تجاربه وذكراه، والكتابة أهم معين له في هذا السبيل، فالكتابة لا تشيخ ولا تنضب...
- الكتابة وسيلة لوضع برامج ومواثيق ودساتير تهدي البشرية سبل معالجة أزماتها... إنّها إحدى وسائل إنقاذ البشرية من الأخطار المحدقة بها... لمّا كانت البشرية تعيش في العقد الثالث من الألفية الثالثة أصعب مراحل تطورها، إذ تراكمت، في غفلة عن الوعي الإنساني السليم، في مختلف دول العالم، ولا سيّما، الدول العظمى، حالة اقتصادية سياسية عسكرية، وضعت سلطة المال، والعلم، والسلاح، والاقتصاد، والبيئة بيد فئة من الأنانيين المتغطرسين إلى حد الجنون؛ فراحوا يلهون ويلعبون بمصير العالم، ويثيرون الحروب، ويزعمون أنهم أبطال وطنيون، وما هم إلا تابعين لنزواتهم ومصالحهم الاقتصادية الأنانية... والبشرية تتفرج مغلولة الأيدي والألسن... هنا تبرز أهمية البحث والكتابة في سبل معالجة البشرية لهذه الأزمة، لتعرية مفتعليها، واجتراح الحلول الإنسانية التي ترفع من كرامة الإنسان... فتسهم الكتابة وتبادل الأفكار في هدي المفكرين إلى ابداع طريقة حكم جديدة تعالج هذه المشكلات، ومشكلات فقر الشعوب وأمراضها وتخلفها، وتسهم في التوزيع العادل للثروة والحفاظ على البيئة، طريقة حكم تنسجم مع متطلبات التطور والتقدم العلمي والتقني وتواصل الشعوب اللامحدود في عصر المعلوماتية - طريقة تستفيد من طرق وأساليب الحكم القديمة وتتجاوزها لابتكار آلية جديدة تعزز من قيم التسامح، والمحبّة، واحترام الآخر، وصون كرامة الإنسان وحريته وفتح الآفاق الرحبة لتطوره والسمو بإنسانيته...
العالم في حاجة إلى أفكار كبرى، وإلى مفكرين عظماء، والكتابة أهم وسائل تفاعل وتطور هذه الأفكار الهادفة للارتقاء بالحضارات البشرية والسمو بإنسانية الإنسان...
تفاصيل الحياة جديرة أن تكتب فالكتابة ضرورة إنسانية لا تشيخ...
حينما يريد طفل، أو شاب، أو كهل أن يعبّر عن حبّه لأمه، أو شعبه أو وطنه مسقط رأسه، في أسطر معدودات تغدو الكتابة طفلة لا تشيخ...
حينما يتوق شاعر أو روائي إلى رسم لوحة أم ترضع طفلها وتناغيه تحت شجرة زيتون وحمامات السلام تحلق حولهما تغدو الكتابة مرجاً أخضر لا يشيخ...
الكتابة فعل هداية إبداعي، والإبداع مزية إنسانية تتداولها الأجيال، فهيهات هيهات أن يشيخ الإبداع، أو أن تشيخ الكتابة...
طوبى لمن يمتلكُ بياناً جزلاً، وتفكيراً عقلانياً يعينه في فهم الحياة، ويدوّن أفكاره في لوح يفيد البشرية ويرتقي بإنسانية الإنسان...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح