الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشر الاغتراب عن السّيد حافظ في قصصه القصيرة.

ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث

(Yasser Gaber Elgammal)

2024 / 6 / 27
الادب والفن


يمثل الاغتراب حالة نفسية ناتجة عن عوامل متعددة تجمعت وتضافرت حول الإنسان حيال الواقع من حوله، ونظرته للكون والمجتمع، وسواء كان هذا الاغتراب زماني أو مكاني أو نفسي أو اجتماعي أو وطني فإننا أمام ذات مثقلة بالهموم والآلام الَّتي أدت إلى تلك الحالة، فالاغتراب حالة نفسية في الأصل تؤدي إلى موقف حيال الكون والحياة في نهاية الأمر.
يقول: كارل ماركس Karl Marx) ( موضحًا معنى الاغتراب " أن المرء يصبح غريبًا عن نشاطه وأعماله، وعن إنسانيته كلها، فليس الأمر خطأ أو نسيانًا، بل هو فقدان للذات، والاغتراب عنده ليس واحدًا بل صور متعددة" ( )
وفي مجموعة السّيد حافظ القصصية نلحظ أن مؤشرات الاغتراب تتخذ منحى تصاعديًا على امتداد المجموعة، فالاغتراب فيها مكاني، وزماني، ونفسي، واجتماعي، ويمكن لنا أن نصفه أن منه ما يتعلق بالذات أو المضمون.
فالسيد حافظ الَّذي عايش أجيال متعدة من مثقفي العروبة، وكان مجالًا لهم، استطاع من خلال مجموعته القصصية أن يشير للاغتراب بكافة صوره، فمن ذلك قوله: "استيقظت في الصّباح شربت القهوة أمسكت القلم ثم نظرت حولي أمسكت الصّحف الصّباحية وجدتها باللغة العبرية لم أصدق عيني فتحت التلفزيون.
نايل سات وعرب سات وجدت كل القنوات تتحدث عبري من المحيط للخليج.
رفعت سماعة الهاتف وجدت الهاتف يقول شالوم يتحدث عبري قلت: لا، أرفض!!
ذهبت للمكتبة الخاصة بي وجدت كل الكتب عبرية!! فتحت النافذة كي أصرخ: أين أنا؟! وجدت كل لافتات الشّوارع مكتوبة بالعبري !! قلت سأكتب رسالة إلى الله.. وجدتُني أكتبُ بالعبري قلت أنا عربي!!
قالوا: ربما نمت سنين عددًا؛ العرب انتهوا!!
قلتُ: كم نمت؟!
قالوا: ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا والله أعلم!!
بَكيْت.. نَزَلَتْ دموعي على الأرض تكتب كنت عربيًا.." ( )
هذه الغربة الَّتي نرصدها في هذه القصَّة تنهض على مسارات متعددة، منها ما يتصل بالذات، وما يتصل بالوطن، والأمة، فالسيد حافظ يشعر بمرارة الغربة في وطنه الَّذي نشأ فيه، وقام بين جنباته، وغربة كبرى هي غربة الأمة ككل، وذوابانها في مسارات العدو، إنها حالة من التلاشي وذوبان الفوارق تفوح من بنيان هذه القصَّة، هذا كله ناتج عن " إنّ التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السّياسية الهائلة أفرزت تغيرات إبداعية تعبر عن التحولات النفسية المرتحلة من الاستقرار إلى القلق والإحباط واللا جدوى، وهو ما جعل الأثر الفن يبدو ظاهرًا في تحطيم الشّكل التقليدي للسرد بحسب فرجنيا وولف Virginia) Woolf (
إنّ المأساة الحقيقة في العيش بين أحضان الوطن- الأم- ورغم ذلك تشعر أنك بين يدى زوجة الأب - فتلامسك وخزات الغربة سواء كانت ذاتية أم اجتماعية أم نفسية أم هجرة خارج إطار الزمان والمكان رغم أنك تقيم فيه، والأشد من ذلك غربة الوطن ذاته، فلم يعد المبدع غريبًا فقط، بل تطور الأمر إلى غربة الوطن نفسه، وغيابه في متاهات المجهول، الوطن المخطوف الَّذي كنا نحلم به إذا به يتلاشى على أعتاب اللا موجود، أسس السّيد حافظ لهذا المعنى في قصة " غضب الرب" حيثُ يقول: " استيقظت في الصّباح وجدتُني على سريرٍ في الخلاء قلت أين الوطن والشوارع، أين الشّجر والناس؟!! فردَّ الجبل قائلا غَضَبَ الربُّ عليهم فأطْبَقَ عليهم السّماء والأرض فأختفى الجميع!! قال قلبي كيف أحيا بلا عشق أو هوى؟ فبكى!!" ( )
هل هذا ناتج عن سكان هذا الوطن وخذلانهم لوطنهم الَّذي يأوي هؤلاء القوم أم ترى هذا راجع اللصوص الذين اغتالوا هذا الوطن في الظّلام، وكشفوا سوءته في العراء أما م الجميع، وهو لا يجد من يستر عورته بعدما طعن أبناءه في سويداء القلب، وتسلط اللصوص عليه في وضح النهار.
إن مؤشر الاغتراب في مجموعة السّيد حافظ يبرهن لنا بصورة مباشرة على متوالية من الإخفاقات في المشروع العربي الأم الجامع للأمة، "يصل بعضها براهن الزمن العربي الَّذي تتأكل فيه حياة المجتمع من الداخل نتيجة غياب أو تغييب مشروع مجتمع ديموقراطي شامل ومتجذر في حياة المجتمع بكامله بصفة عامة، وفي حياة الأوساط الثقافية والأدبية والسياسية والاجتماعية النخبوية، بصفة خاصة، ويتصل بعضها الآخر باتساع مساحة افتقاد الكرامة الإنسانية على المستوى الأفقي وتغذية الشّعور الاجتماعي والجمعي العام بافتقاد الهدف وتلاشي المعنى وتشظى الهوية على المستوى الرأسي نتيجة حسابات استراتيجية محلية وإقليمية وعالمية خاطئة التقدير، إن لم يكن مردودها في الاتجاه المعاكس تماما، مما أدى بالضرورة إلى أن يكون منطق الانهزام الحضاري الداخلي، قبل الهزائم السّياسية والعسكرية والاقتصادية المتلاحقة، هو الَّذي يتحكم في وتيرة الحياة الإنسانية للفرد والمجتمع على حد سواء." ( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى