الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية وسياسية واجتماعية ـ 214 ـ

آرام كربيت

2024 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


كان لدينا في السجن أصدقاء كثر، الله يذكرهم بالخير والمحبة الطاهرة.
كانوا يعتقدون أنهم طهوريون جدًا، أنقياء جدًا، ثوريون جدًا، طبعة مميزة وخاصة، لم ينتج التاريخ بنقاءهم الثوري.
كانوا يظنون أنهم سيغيرون العالم كله، التاريخ كله، وأنهم خدام الثورة العمالية العالمية والفلاحين على مستوى العالم كله، لا يحتاجون إلا إلى الشرارة الثورية لتبدأ الثورة على مستوى العالم كله.
وبهذه الطهورية، سيخرجون من السجن إلى الثورة العالمية، والقبض على السلطة العالمية النقية من الشوائب والأمراض.
وبهذا العقل الكوني العابر للحدود والحواجز، كانوا يوزعون شهادت حسن سلوك على هذا أو ذاك، هذا معنا وذاك ضدنا. هذا ثوري وذاك أقل ثوري، هذا ممكن نجنده وذاك صعب نجنده.
وبهذا العقل القطيعي الجاهل المتخلف استمروا مستسلمين لأحلامهم الخلبية وأمراضهم النفسية والعقلية والجسدية.
لكنهم والحقيقة يجب أن تقال، كانوا سعداء ما دامت الثورة سعيدة ومستمرة.
جاء انهيار اليوتيوبيا الثورية، انهار الاتحاد السوفييتي المسكين، المسوس من الداخل، وتفكك وابتعد الخلان عنه، ولم يبق إلى جانبه أي صديق يسانده في محنته أو يدافع عنه.
وانهار ثوار السجن ووقعوا في حيص بيص، ولم يستطيعوا أن يهربوا من سواد وجوههم.
هؤلاء البسطاء المساكين لا زالوا بنفس العقلية القطيعية، ولا يزالون إلى اليوم يوزعون شهادات حسن سلوك، الذي مع بوتين سنضعه في جهنم والذي مع الولايات المتحدة الأوكرانية سنضعه في الجنة.
يا أطفال، أنا لست مع تفكيك روسيا ولا مع تفكيك الولايات المتحدة، ولست مع انهيار السلطة في أية دولة في العالم، وجود الديكتاتور أقل سوءًا من الحرب الأهلية.
الولايات المتحدة لديها مهمة واحدة، وضعتها لنفسها قبل قرنين من الزمن، أن تحول جميع دول العالم إلى لا دولة، إلى دول فاشلة، بما فيهم أوروبا.
إنها دولة إلهية، هكذا تعتقد، هذه ليست مزحة، أرسلها الله لنشر الحق والحرية والحب والأيمان التكنولوجي.
هؤلاء الأصدقاء الأعزاء يعتقدون أنهم يستطيعون شراءنا بالإعجاب الذي يطجوه على صفحتي.
يا لبؤسكم

ضرب ابو مصعب الأرض بقدميه بكل قوة، قال وهو يتنهد ويصرخ:
ـ والله راح تموتين غصبًا عنك وعن الذين خلفوك، قال ما تموت قال!
ابو مصعب أخونجي، من حزب أو تنظيم الأخوان المسلمين، كان مقيمًا معي في المهجع الثاني عشر في سجن عدرا بدمشق.
طبعًا، هذا المختل قضى ستة أعوام في سجن تدمر ثم تم تحويله إلى سجن عدرا.
في صراخه وتوتره كان يشير إلى المغنية اللبنانية جولية بطرس التي صدحت بصوتها العذب في العام 1985:
نرفض نحنا نموت قولولن رح نبقى ـ أرضك والبيوت والشعب الي عم يشقى
هو النا يا جنوب يا حبيبي يا جنوب.
فابو مصعب الغالي يعتبر هذه الاغنية اعتداء على الله ومقامه الرفيع، طبعًا قصر نظره ونظر أخوانه الأخونجية لا يعرف أو يعرفون ما الأخر، ويكرهون الجمال والحرية والحياة والحب.
إنهم مجرد عبيد.
ثم، اتمنى أن لا يأتي واحد فارغ لا يفقه رأسه من قدميه، يشرح لي أن الجنوب هو حسن نصر الله، أو أنني أدافع عن هذا الفلو.
ليس هذا غاية البوست أيها المواطنين الكرام.


ماذا لو طلب ترامب من انصاره النزول إلى الشوارع في العام 2021،
ماذا كان سيحل في الولايات المتحدة وقتها؟
كان ترامب يستطيع بسهولة قلب النظام الأمريكي رأسًا على عقب ويطيح بالدولة والقوى السياسية المسيطرة.
الدول في عصرنا لم تعد راسخة كما كانت سابقًا، خاصة أن الأيديولوجية ماتت، وأن الديمقراطية ليست بتلك القوة التي تستطيع الوقوف أمام الاضطرابات الاجتماعية العنيفة في حال وقوفها.
ما حدث البارحة في روسيا خطير جدًا، ومؤشر خطير إلى اهتزاز البنية السياسية والاجتماعية لروسيا.
ما أريد قوله أن الدول لم تعد محصنة، أنها تحتاج إلى إعادة إنتاج، إلى إعادة قراءة عميقة لما يحدث، وإلا الاضطراب والفوضى سيضرب عالمنا في مقتل.
عصرنا صعب للغاية وفيه تحولات هائلة.
ليس في حوزتنا مفاهيم تقرأ المستقبل، وما زالت الدول تمارس السياسة كما كان قبل أربعين سنة، بتلك الأساليب القميئة والمكررة.
الدولة المعاصرة لم يعد لديها القدرة على قراءة الواقع المتحول، المتسارع، الذي أخذ وعي الإنسان المعاصر يتغير كثيرًا، وأصبح يريد له حصة من الدخل الوطني والعالمي، يريد حياة أمنة ونظيفة له ولأولاده.
البارحة كانت روسيا في الطريق إلى الحرب، فهناك قوى جاهزة للانقضاض على الدولة، وربما كان سيتبعها قوى أخرى، وعالمنا متداخل بقوة.
على الدول أن يتوقفوا عن الكيل لبعضهم، أن تتوقف الحروب، الالتفاف إلى تحسين مصير الحياة كلها من البيئة والطبيعة إلى لقمة الخبز وسقف، وإلا حياتنا كلها مهددة بالدمار.
لم يعد كافيًا أن تشتغل الدولة لخدمة مجموعة قبيحة من القوى، هذا لن يستمر إلى الأبد.


في الستينات، كان هناك معلمان منتدبان إلى قرية الفوعة في أدلب ليعلما أطفالها.
أراد المختار أن يعزمهما على وليمة الهريسة في عاشوراء.
جلس المختار مع الضيوف وأهل القرية في المضافة بانتظار الطعام، استأذنهما أن يدخل حمود المنشد لينشد لهما مناقب الأمام الحسين.
بدأ حمود ينشد بصوته العذب، الشجي يصدح في الهواء، والجوقة تردد وراءه:
ـ يا ليتنا كنّا معك يا سيدي لفزنا فوزًا عظيما.
إلى هذه النقطة كل شيء تمام التمام.
انتبه المختار أن الملل حلّ على الضيفان، أشار إلى حمود أن يتوقف، ولأن حمود كان غبيًا مكتمل الغباء، أكمل الانشاد وتوقف في نهاية المقطع.
هذا المقطع كان يشير إلى النبال أو السهام التي أصابت مؤخرة حصان الحسين، فرددت الجوقة:
ـ يا ليتنا كنّا معك يا سيدي لفزنا فوزًا عظيما.
ذهب الإهداء إلى مؤخرة الحصان بدلًا من أن يتوقف في المكان الذي يشير إلى مناقب الحسين.
قال المختار:
ضيوفنا الأعزاء، مصيبتنا كبيرة جدًا باستشهاد الأمام الحسين عليه السلام، لكن مصيبتنا أكبر بالأخ حمود.

لم يعد هناك أمجاد أو أبطال أو فرسان أو دول وطنية نعتد بها، في عصر الحداثة والتنوير والحرية الزائفة.
كل الدول والأبطال والرؤوساء مجرد كومبارس، مطبلين، ومغنين، جوقة واحدة ذليلة خاضعة، ممتثلة لما هو خاف عن الأعين.
نحن كذاك الطفل الذي قال، أن الأمبرطور عاري، بيد أن الجموع لا ترى ولا تشاهد.
تصفق وتصفق، على خنوعها وخضوعها ووأمتثالها للعبودية، وضياع كينونتها.
لا نستطيع القبض على الواقع، لأنه عائم، بعيد عنّا، يرفرف فوقنا دون أن نراه أو نلمسه، أنه البنك الدولي، مردوخ، روتشيلد، بيزوس، بيل غيتس، روكفلر، شركة كوكل، الفيس بوك وتويتر، واليوتوب.
الحصار يأكلنا في كل مكان، يأخذنا إلى العماء الأعمى دون أن ندري أو نعرف.
سنتأكل رويدًا رويدًا، وسيتم لفضنا بقوة الآلة التي شيئتنا وحولتنا إلى مسخ


في الحي الذي أعيش فيه في السويد، هناك آلاف الشباب الصوماليين، في أعمار صغيرة، 18 إلى 30، يقضون أوقاتهم في الجلوس وطق الحنك وتضييع الوقت.
في الحقيقة أنهم مهذبين ويحبون مساعدة الأخرين
كنت اتمنى أن أرى أحدهم يقدم على إقامة حفلة موسيقية يدعونا فيها أن نحضرها، ونسمع الموسيقا الصومالية، او الاقدام على القاء محاضرة تعريف بالفن الصومالي أو التراث أو العادات والتقاليد.
لا أعرف اي شيء عن الإنسان الصومالي المعاصر رغم وجود عدد كبير منهم يتقن اللغة العربية، لو ان أحدهم عمل محاضرة عن عدد الجامعات في هذا البلد الساحلي، سبب الحرب الاهلية الطويلة، وسبب عدم وصوله إلى بر الأمان.
في العمل الإنسان يتقدم ويتطور.


بدير في رواية البشموري، شاب يافع مقيم في الدير، من رعايا الدير، أحب فتاة في مثل عمره قبل التحاقه بالدير، وكانا يلتقيان في الخفاء، بيد أنها انتحرت لأن والده أراد أن يزوجها بأخيه الأكبر دون أية معرفته بالعلاقة بين بدير والفتاة.
عندما يلتحق بدير بالدير، يبدأ العقل الباطن يتحرك في داخله، يرجمه، يذله، يلوم نفسه أنه ارتكب المعصية بحق الدين.
القهر يأكله، أنه أحب وانفرد بالحبيبة، يخرج الدين المسيحي من مكمن بدير كالشيطان من عبه ويرقص في مخه، يبدأ بالصلاة ولا ينتهي عل ربه عله يسامحه.
المسيحية غرزت في المسيحيين انكار الجسد، رغباته وضغطه على الإنسان، يدخل المرء في صراع لا هوادة فيه بين يريده جسده وما يريده مسيحه منه.
الاحساس بالخطيئة تبدأ في الرأس ولا تنتهي، ويبدأ بتأنيب الضمير وإذلال النفس لعيب صنعته الكنيسة ولبسته لمؤمنيها.
أشك بوجود إنسان مسيحي ليس مريضًا بعقدة الحرام بعد أن غرزوا في عقله ان الرب منعهم من الحب، ومن الوصال.
كلهم مرضى، العقل الباطن لديهم يأنبهم يوميًا أن داخلهم قذر وخاطئ وحرام.
الرواية تتحدث عن الفترة الأموية والعباسية، عن علاقة السلطة بالمجتمع، وتواطأ الكنسية مع السلطة لتأمين مصالحها.
كانت وما زالت الكنيسة صادقة مع السلطة فقط، تقبل بالخضوع تحت حجج كاذبة، وتحول اتباعها إلى مجرد عبيد مكسورين مهزومين.


كان البراغماتي أو الواقعي أو العملي أو الديوث ميكافيلي، يرى أن السلطة السياسية يمكنها أن تتولى تنظيم المجتمع المدني في أوقات التدهور والشدة.
خاصة عندما تكون البلاد ممزقة وضعيفة، والحياة مستحيلة، وفي بيئة سياسية مفتوحة على احتمالات كثيرة، كالنهب والسلب والقتال البيني أو الحرب البينية في المجتمع الواحد، وفي ظل انهيار اقتصادي كامل.
يبدو أن السلطة السياسية في القرون الوسطى، كانت متقدمة سياسيًا وأخلاقيًا في شكل وأسلوب ومضمون السلطة السياسية على الأنظمة العربية الحالية، ومنها سوريا.
لهذا لا يمكننا أن نتأمل الخير من الأنظمة العربية الاستبدادية، لأنها الجزء الرئيسي الفاعل في الكارثة الذي أصاب بلداننا.
ولا ننسى الفاعل الخارجي، المؤسس للخراب الممنهج.


لم تكتف الدولة التركية بنهب ليبيا، سرقة أربعين مليار دولار كل سنة، أنما تسعى بكل الوسائل للوصول إلى المخزون النفطي الليبي كله في الجفرة، لتحوله إلى وزارة الزراعة في تركيا بالتعاون مع الأخواني أو الاخونجية بقيادة السراج.
الليبيون كالسوريين، فقراء، وضعهم بائس، اليوم لا يتوفر لهم الخدامات كالخبز والحاجات الاساسية، والحرمان من العمل، حرمان الموظفين من رواتبهم، وحياتهم قاسية جدًا، يعيشونها في ظل المستبدين التركي والليبي.
اللعنة على هذا السراج الذي يسرق بلده ويضعه في خدمة التنظيم الدولي للأخوانجية، مقرهم الجديد في تركيا.
هناك تغطية عالمية على ممارسات الأخوان وتركيا. وتغطية على إنتاجهم التنظيمات الإرهابية المنتشرة في جميع أرجاء العالم وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة انطلاقًا من تركيا.
من الواضح ان هناك تعاون كبير بين المراكز الرأسمالية في العالم، وهذا التنظيم الإسلامي العالمي، من موقع الخادم للسيطرة على مقدرات العالم للقرن الواحد والعشرين.
لهذا نقول أن تركيا لها الدور الكبير في المعادلة السياسية الدولية، ووزير، في رقعة الشطرنج الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية
لم نعد نسمع كلمة حقوق الإنسان أو الحريات ولا تداول السلطة في الإعلام، وعلينا أن ندرك أن جميع هذه الحمولات التحت سياسة، كانت للتسويق السياسي المؤقت، سياسة استخدمتها الولايات المتحدة عندما استدعت الحاجة لرفعها في الوجوه والأعين دون العقول، ورمتها عندما لم يعد لها لزوم.


في البلدان الديمقراطية الحقيقية، تموت السياسة، يتحول البرلمان إلى هيئة اجتماعية منتخبة، تعالج القضايا الاجتماعية والقضايا التحت سياسة كالمجتمع المدني، وتوزيع الثروة والفوائض المالية ، وتحسين شروط الحياة والطبيعة والكائنات الأخرى.
ما زلنا على مسافة بعيدة جدًا عن الديمقراطية، للفاعل السياسي الفعال على المستويات المحلية والعالمية، ولوجود المصالح والغايات والصراعات العميقة بين الأفراد والجماعات والدول.
في الذاتوية العالية أو العلية، بوجود الأنا القاتلة، لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية.
والدولة الديمقراطية ليست فقط انتخابات، أو صناديق الاقتراع.
الديمقراطية هي الثقافة، الانتماء إلى الإنسان، إلى قيم الحق والخير والحرية والجمال والحب، إلى حماية الضعيف، وإلى تجفيف منابع الاستغلال والقهر والإرهاب.
كل شيء في الحياة يمكن تحقيقه عبر الثقافة، ثقافة الانتماء إلى الحقيقة.


الكثير من الدول الاستبدادية، ومنها الدول العربية والإسلامية، منتج حصري للإنسان المقهور، المكسور، الضعيف الذي يشعر بالخواء الداخلي، الفراغ النفسي والروحي.
يبحث عن خلاصه الفردي لدى سند ما، يرمم بها انكساره وهزيمته، خاصة بعد أن يكتشف أن ابوه البيولوجي مجرد كائن عاجز وضعيف ولا يقوى على حمايته.
تشتغل الآلة الإعلامية عليه، على تعبئته نفسيًا، تصنع له صنمًا كبيرًا، ضخمًا، كتعويض عن الخراب الداخلي الذي مني به على يد هذا الصنم ذاته.
يموت الأب البيولوجي، الهش الضعيف من ذاكرته، ويحل محله الأب السياسي، الزعيم القوي من خارج، يمنحه ذلك الإحساس المزيف بالقوة والأمان.
تلعب الآلة الثقافية على المقدس الطبيعي، الكتب الدينية المقدسة للإله الضخم، تستخرج منهم زبدة التفكير الكامن في العقل الباطن لهذا الكائن المشوه، تصنع له أبًا بديلًا، على صورة ذلك الإله العظيم، لتتطابق الصورة، الظل في العقل الباطن، مع الصورة في الواقع المجسد.
الأب السياسي، الأب البديل، او الزعيم يشعره بالأمان الكذاب ويمنحه الثقة الكاذبة بالنفس.
لقد تنبه علماء النفس لهذه الظاهرة المرضية للمجتمعات الدينية منذ زمن بعيد، للإنسان الذي يعبد ويسجد ويخضع للإله في السماء، فتستبدله بالإله السياسي على الأرض، لتشعر هذه المجتمعات أنها بالأمان القطيعي كبديل عن دولة المواطنة.
من الضروري أن يكون الزعيم شخصية كرايزمية، طويل القامة، وسيمًا، دائم الابتسامة، خارج، حنونًا، عطوفًا يمثل دور الإله القوي الجبار الذي لا ينسى أبناءه الصغار، قلبه عليهم ويتابع شؤونهم يضحي من أجلهم.
إن تقديس الظل، الأب السياسي، الله، ضرورة سياسية وبيولوجية ووجودية للبقاء البيولوجي للمجتمعات المتخلفة على قيد الحياة.

عمليًا، الذهنية التي حكمت سورية خلال نصف قرن تقريبًا لا يختلف في الشكل والمضمون عن داعش.
كلاهما ينهلان من النبع ذاته، الإرهاب المنظم دون مرجعية قانونية أو احترام للإنسان أو وجوده.
كلاهما، لا وجود لعقل الدولة في تجربتهما. الفارق بينهما في نوعية الثياب ونوعية القناع الذي يلبسه.
داعش تلبس ثيابًا موغلة في القدم، هذا إدعاء وقناع كاذب، وواجهة تمثيلية لإعطاء انطباع كاذب على انهم قادمون من التاريخ، بيد أنهم في الحقيقة خريجوا أرقى الجامعات والمعاهد العالمية. وعاشوا في كنف البلدان الغربية وشربوا من حضارتها، ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة بأرقى شكل.
هذا التمويه أو التورية التي تمارسها داعش بصورتين متناقضتين، أحدهما للواجهة وتسويق أنفسهم على أنهم مسلمين، والأخرى للممارسة العملية لتنفيذ أجندة دول كبيرة في المنطقة، لانتاج عالم جديدة على مقاس حرب ما بعد الحرب الباردة.
داعش ستستمر تحت اسماء أخرى، وبأسلوب أخر في منطقة أخر. كنّا بطالبان فالقاعدة والنصرة وداعش كلهم واحد بأسماء متعددة. لم يعد هناك حروب وطنية أو قومية أو تحت إدعاءات أخلاقية. الصراع أضحى بين مفهومين نظام دولي واحد يعمل لحماية أمنه ووجوده والأخر المجتمع للهيمنة عليه والسيطرة اذا استدعت الضرورة. النظام الدولي عم يلغي حقوق الإنسان التي كانت قائمة في الحرب الباردة والحريات والمجتمع المدني والأوطان والدولة كمفهوم. أننا نسير إلى لا هدف سوى التدمير الممنهج لكل ما كان سابقا ولا يوجد أي فكر اصلاحي على مستوى العالم. النظام السوري اكثر بربرية من داعش القديمة والقادمة. هذا رأي واتمسك فيه. يا ريت لو تابعت كيف كان يتم قتل المعارضين في السجون في الثمانيات خاصة تدمر، لعرفت هل هذا نظام أم مجموعة مجرمين. وهل تمت تصفية المعارضين كان أقل قسوة من داعش؟

حاول العالم الإسلامي دخول الحداثة منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، رغبة منه في اللحاق بالدول المتطور، وتمثل روحها، أو هضمها والاندماج فيها.
ودرج في ذلك النشاطات الاجتماعية والسياسية، ومحاولة الاستخدام الخلاق للسياسة لتمكين الذات من الاستفادة من ما يدور حوله في كل المجالات.
كان هناك روح. روح خلاقة، روح تريد الخروج من أسر الماضي وقيوده، وإيجاد روح جديدة تكون مفتاح لدخول عالم الحرية والازدهار. عالم منفتح على قيم العصر وأفكاره وممارساته.
عالم السياسات المفتوحة على الدولة والمجتمع، وبناء اقتصاد حديث فاعل وحيوي. ودولة حديثة تعتمد على دستور حديث ونافذ، وفصل للسلطات، وبرلمان منتخب، يفتح الأفاق على الحياة المدنية، تكون مقدمة للحرية والاستقلال وممارسة السياسة الحصيفة.
ربما كان هناك سذاجة في هذا الأمر، بيد أن الروح كانت مشتعلة
منذ منتصف القرن العشرين وما بعده، حدث نكوص وتراجع على كل المستويات. اشتغل الإسلام السياسي على تدمير هذه المنجزات والعودة إلى السلف الصالح، بقيمه وأفكاره وممارساته. وطلاق تام مع العصر ورفض أفكاره، ودولته الديمقراطية العلمانية وممارساته السياسية.
اليوم، العالم الإسلامي عاد إلى الصحراء القاحلة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، حائرًا، مشتتًا، مكسورًا لا يعرف ماذا يفعل.
لقد جرب الحداثة من خارجها دون فهمها أو هضمها، كما جرب العودة إلى الماضي. كلا التجربتين فاشلتين.
البدايات تكون من الفكر، بيد أن السؤال:
من أي فكر نبدأ؟

الرموز الدينية ليست حرية شخصية كما يعتقد الكثير. إنها رموز تدل على إيمان الشخص وموقفه من الحياة والوجود والزمان والمكان, له ثقافته وأسلوبه في المأكل والمشرب والملبس وفي رؤيته لنفسه وللاخر المختلف عنه.
ثم, هل هؤلاء الذين نقول عن سلوكهم على أنها حرية شخصية, هل هم أحرار في خياراتهم, ويحترمون الثقافات الأخرى المختلفة؟
هل الإنسان المستلب له عقل يفكر ويقرر؟
الدين منظومة ثقافية كاملة, في جوهرها رفض للعلمانية والديمقراطية وحق الأخر في الحرية والاختيار.
هما منظومتين مختلفتين, الدين والعلمانية, في حالة صدام جوهري أحدهما يجب أن يتسيد ويفرض شروطه.


الكثير من المؤمنين, في زمننا العربي المعاصر, تركوا الله جانبًا, ومضوا إلى أصنامهم, يعبدونهم, لاعتقادهم أن العبادة تحق لهم, بله انصرفوا عن الله بالكامل, إلى آلهة على مقاسهم.
الله, كان دعوا إلى الوحدة عبر التاريخ, وكل ديانات التوحيد كانت تدعو إلى الواحد في السماء, وإلى الوحدة على الأرض, سياسيا واجتماعيا.
إن تقسيم, الله, إلى آلهة سياسيًا, وكمان عبر التاريخ, جرت على البشر الحروب والكوارث والويلات.


ما دامت الحمولات الماضية تشدك إليها، كالقرابة والعشيرة والقومية والدين، فأنت أسير، مقيد، عاطفي، ما زلت تعيش في الماضي، لم تدخل العقلانية عتبة بيتك.
ففي البحث عن معالجة مشاكل عصرك، تضع اللبنة الحقيقية في المكان الحقيقي. فمشاكل العصر أضحت مشكلة الإنسان كله والطبيعة وبقية الكائنات.
من يحكم هذه العالم ويقوده هي مجموعة أصنام، كالدولة والحكومة والسلطة، وهذه متفارقة مع توجه البشر نحو تحقيق إرادة الحياة الكريمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة خاصة على فرانس24 حول نتائج الجولة الأولى من الانتخابات


.. فيضانات تضرب بلدة نواسكا الإيطالية وتتسبب بانهيارات ارضية




.. اتفاقية جنيف: لا يجوز استغلال وجود الأسير لجعل بعض المواقع أ


.. نتائج الانتخابات الأولية: فوز المرشح الغزواني في انتخابات ال




.. صورة لـ-بوتين مع قلب أحمر-.. تقطع خطاب زعيم حزب الإصلاح البر