الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَاصِرِ

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2024 / 6 / 27
الادب والفن


تَتَمَظْهَرُ إِشْكَاليَّاتُ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَاصِرِ فِي التَّحَدِّيَاتِ المُتَعَدِّدَةِ الَّتِي تَتَشَابَكُ فِيهَا العَوَامِلُ الثَّقَافِيَّةُ وَالتَّارِيخِيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ. فَخِطَابُنَا النَّقْدِيُّ يَقِفُ عِنْدَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، مُحَاوِلًا التَّوْفِيقَ بَيْنَ التُّرَاثِ النَّقْدِيِّ العَرِيقِ وَالضَّرُورَاتِ المُعَاصِرَةِ الَّتِي تَفْرِضُهَا العَوْلَمَةُ وَالانْفِتَاحُ الثَّقَافِيُّ.
يُمْكِنُ النَّظَرُ إِلَى هَذِهِ الإِشْكَاليَّاتِ مِنْ زَاوِيَتَيْنِ رَئِيسِيَّتَيْنِ: أَزْمَةُ الهُوِيَّةِ وَأَزْمَةُ المَنْهَجِ.
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَزْمَةِ الهُوِيَّةِ، نَجِدُ أَنَّ الخِطَابَ النَّقْدِيَّ العَرَبِيَّ المُعَاصِرَ يَتَأَرْجَحُ بَيْنَ مُحَاوَلَاتِ العَوْدَةِ إِلَى الجُذُورِ وَالتَّقَالِيدِ النَّقْدِيَّةِ العَرَبِيَّةِ الأَصِيلَةِ وَبَيْنَ الانْفِتَاحِ عَلَى المَنَاهِجِ وَالنَّظَرِيَّاتِ النَّقْدِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ. هَذِهِ الثُّنَائِيَّةُ تُخْلِقُ تَوَتُّرًا دَاخِلِيًّا ضَاغِطًا، لِذَلِكَ سَعَى النُّقَّادُ إِلَى إِيجَادِ تَوَازُنٍ بَيْنَ الحِفَاظِ عَلَى الهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ وَالانْخِراطِ في الْحِوَارَاتِ النَّقْدِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ. هٰذَا التَّوَتُّرُ يَعْكِسُ الصِّرَاعَ الْأَعْمَقَ الَّذِي يُوَاجِهُهُ الْمُثَقَّفُ الْعَرَبِيُّ فِي مُحَاوَلَتِهِ لِلْتَمَسُّكِ بِجُذُورِهِ الثَّقَافِيَّةِ وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ رَغْبَتِهِ بِالتَّفَاعُلِ مَعَ الْعَوْلَمَةِ الْفِكْرِيَّةِ.
أَمَّا أَزْمَةُ الْمَنْهَجِ، فَتَتَمَثَّلُ فِي التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي يُوَاجِهُهَا النَّقْدُ الْعَرَبِيُّ فِي تَبَنِّي الْمَنَاهِجِ النَّقْدِيَّةِ الْحَدِيثَةِ وَتَكْيِيفِهَا. النَّظَرِيَّاتُ النَّقْدِيَّةُ الْغَرْبِيَّةُ، مِثْلُ التَّفْكِيكِيَّةِ، وَالنَّقْدِ النِّسْوِيِّ، تُقَدِّمُ أَدَوَاتٍ وَمَفَاهِيمَ جَدِيدَةً لِتَحْلِيلِ النُّصُوصِ، لَكِنَّ تَطْبِيقَهَا فِي السِّيَاقِ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ دَائِمًا سَهْلًا أَوْ سَلِسًا. يَكْمُنُ التَّحَدِّي فِي تَكْيِيفِ هٰذِهِ الْمَنَاهِجِ مَعَ الْخُصُوصِيَّاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ لِلنُّصُوصِ الْعَرَبِيَّةِ، دُونَ الْوُقُوعِ فِي فَخِّ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى أَوْ الِانْبِهَارِ غَيْرِ النَّقْدِيِّ. هٰذِهِ الْإِشْكَالِيَّةُ تُظْهِرُ الْحَاجَةَ إِلَى تطويرِ مناهجَ نقديةٍ محليةٍ تَستفيدُ من الإنجازاتِ النقديةِ العالميةِ، ولكنها تَنبثِقُ من السياقِ الثقافيِّ العربيِّ وتَستجيبُ لتحدياتهِ الخاصةِ.
إضافةً إلى ذلك، نجدُ أنَّ الخطابَ النقديَّ العربيَّ يُعاني من محدوديةِ الحوارِ والتفاعلِ بينَ النقادِ أنفسِهم، وبينهم وبينَ الجمهور. هناكَ نَقصٌ في النقاشاتِ النقديةِ الجادَّةِ والمثمرةِ، والتي يمكنُ أن تُسهمَ في تطويرِ النظريةِ النقديةِ العربيةِ وتعميقِها. هذا النقصُ يَعودُ جزئيًا إلى تَشتُّتِ الجهودِ النقديةِ وعدمِ وجودِ منصاتٍ كافيةٍ للتواصلِ والتفاعلِ. كما أنَّ القطيعةَ بين الأكاديميةِ والمجالِ النقديِّ العامِّ تزيدُ من تعقيدِ هذهِ المشكلةِ، حيثُ يبقى النقدُ الأكاديميُّ معزولاً عن السياقِ الثقافيِّ الأوسعِ وغيرَ قادرٍ على إحداثِ تأثيرٍ حقيقيٍّ
يمكنُ القولُ إنَّ إشكالياتِ الخطابِ النقديِّ العربيِّ المعاصرِ تَعكسُ أزمةً أعمقَ، تَتعلَّقُ بتحدياتِ التحديثِ الثقافيِّ والفكريِّ. النقدُ الأدبيُّ، بوصفِهِ مرآةً للمجتمعِ والثقافةِ، يواجهُ التحدياتِ نفسها التي تواجِهُها المجتمعاتُ العربيةُ في سعيِها للتّوفيقِ بينَ التراثِ والتحديثِ، بين الهويةِ والانفتاحِ، وبينَ الأصالةِ والمعاصرةِ. هذهِ التحدياتُ تتطلَّبُ رؤيةً نقديةً شموليةً تَتجاوزُ الثنائياتِ التقليديةَ وتبحثُ عن حلولٍ إبداعيةٍ ومبتكرةٍ.
في النهايةِ، يبقى الأملُ في قدرةِ الخطابِ النقديِّ العربيِّ على تجاوزِ هذهِ الإشكالياتِ من خلالِ تبنِّي مقارباتٍ نقديةٍ متعددةِ الأبعادِ، تفتحُ آفاقًا جديدةً للحوارِ والتفاعلِ، وتُعزِّزُ من قدرةِ النقدِ العربيِّ على التأثيرِ والإسهامِ في الحواراتِ الثقافيةِ العالميةِ. هٰذهِ المهمةُ ليست سهلةً، لكنها ضروريةٌ لتحقيقِ نهضةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ حقيقيةٍ.
وأخيرًا يمكن التَّخلُّصُ إلى:
التجاذبِ بين الاتجاهينِ النقديَّين:
الاتجاهُ التقليديُّ: ينتمي إلى تراثِ الأمَّةِ ويَشملُ النظريةَ النقديةَ التي أَسَّسَها النُّقَّادُ العربُ القُدامى. يُروِّجُ لإمكانيةِ إعادةِ قراءةِ التراثِ وبناءِ نظريةٍ نقديةٍ معاصرةٍ تَستفيدُ من الحداثةِ النظريةِ والمنهجيةِ.
الاتجاهُ الحداثيُّ: يَعتبِرُ القطيعةَ مع التراثِ ويَستلهِمُ المُعطَياتِ النظريةَ والمنهجيةَ الغربيةَ. يَستَخدِمُ آليَّاتِها المنهجيةَ في قراءةِ الأدبِ العربيِّ، مما أَثَّرَ على الإشكالياتِ الفكريةِ والفنيةِ في خِطابِ الحداثةِ العربيةِ.
تحدياتِ التحديثِ الثقافيِّ والفكريِّ:
النقدُ الأدبيُّ يُواجِهُ تحدياتٍ في التوفيقِ بين التراثِ والتحديثِ، وبين الهويةِ والانفتاحِ، وبين الأصالةِ والمعاصرةِ.
يتطلَّبُ تجاوزُ هذه التحدياتِ رؤيةً نقديةً شموليةً تَبحثُ عن حلولٍ إبداعيةٍ ومُبتَكَرَةٍ.
الأملُ والمهمةُ المستقبليّةُ:
يبقى الأملُ في قُدرةِ الخِطابِ النقديِّ العربيِّ على تجاوزِ هذه الإشكالياتِ من خلالِ تَبَنِّي مقارباتٍ نقديةٍ متعددةِ الأبعادِ.
هٰذه المهمةُ ليست سهلةً، لكنّها ضروريةٌ لتحقيقِ نَهضةٍ ثقافيّةٍ وفكريّةٍ حقيقيّةٍ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى