الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل ستتغير سياسات الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة وصعود أقصى اليمين؟
عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة
(Abdul-hamid Fajr Salloum)
2024 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية
مفاجئٌ كانت لقادة أوروبا نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت مؤخّرا. لن نعيد الحديث عن هذه الانتخابات التي قيل عنها الكثير في أوروبا وخارج أوروبا، والتي صعد فيها اليمين المتطرف بما لم يكن متوقعا وشكّل مفاجئة للأوروبيين ونُخبهم السياسية والحزبية. والسؤال الأهم هل ستتغير سياسات الاتحاد الأوروبي بعد هذه الانتخابات؟.
قبل ذلك لِنلقي لمحة سريعة عن مفهوم اليمين واليسار في عِلم السياسة.
مفهوم "اليمين" و "اليسار" هو مصطلح سياسي قديم يعود لزمن الثورة الفرنسية عام 1789، إذ كان اليمينيون، أنصار المَلَكية يجلسون في الجمعية العامة(البرلمان الفرنسي) في الجهة اليُمنى، بينما يجلس اليساريون، أنصار الثورة في الجهة اليسرى. كانت حينها الجمعية العامة ثلاث طبقات: طبقة النبلاء، وطبقة رجال الدين، وطبقة أصحاب المهن والحرفيين والعمال، وكانوا يُسمَّون "التقدميين"..
مفهوم اليسار ارتبط بالدفاع عن حقوق العمال والطبقات الفقيرة والوسطى لِجِهةِ المساواة بين الأفراد، والتضامن الاجتماعي، والتكافؤ الثقافي والتعليمي، والتوزيع العادل للثروة، الخ..
تفرّع عن اليمين مع الزمن، ما يُعرَف بيمين الوسط ويسار الوسط، إلى أن شهِدنا صعود اليمين المتطرف، أو أقصى اليمين، أو اليمين المتشدِّد.
وذات الأمر ينطبق على اليسار، فهناك اليسار الاشتراكي، ويسار الوسط، واليسار المتطرف وهو الشيوعية.
صعود اليمين المتطرف منذ سنوات عديدة يبدو أنه عدوى، في أوروبا، وفي إسرائيل، وفي الهند(حزب بهاراتيا جاناتا) الذي ينتمي له الهندوسي القومي المتطرف "ناريندا مودي" رئيس الوزراء، الذي كان ممنوعا من دخول الولايات المتحدة في وقتٍ ما بسبب تطرفه الشديد ضد المسلمين، وممارسات أعضاء وأنصار حزبهِ العدوانية والعنصرية ضد المسلمين وضد المسيحيين وكنائسهم. وهذا سيكون موضوع مقال مستقل.
**
في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة صعد اليمين الأوروبي المتطرف بِما لم يكُن متوقّعا. في فرنسا (التجمع الوطني) الذي كان يُدعى سابقا"الجبهة الوطنية" تفوّق على حزب ماكرون، وفي ألمانيا(حزب البديل لأجل ألمانيا) تفوّق على حزب شولتز، وفي إيطاليا (إخوة إيطاليا)تفوّق على الجميع، وفي النمسا (حزب الحرية) وفي اسبانيا(الحزب الشعبي) وفي بولونيا والمجر وسلوفاكيا واليونان وهولندا.. الخ.
وتراجع اليمين المتطرف في دول الشمال الاسكندنافية، وغيرها أيضا.
صعود اليمين المتطرِّف بهذا الشكل كان كما الزلزال في أوروبا، حيث سارع الرئيس الفرنسي "ماكرون" إلى حل الجمعية الوطنية والإعلان عن انتخابات برلمانية جديدة في آخر حزيران 2024 بعد أن شعر أن شعبية حزبهِ قد اهتزّت.
فلماذا صعد هذا اليمين المتطرِّف في هذا الزمن؟.
عوامل كثيرة ساهمت في ذلك، منها:
ــ شعور أنصار اليمين الأوروبي، أن كل شيء في حياة الأوروبيين بات روتينيا، كما في الدولة والمجتمع، وبحاجةٍ لأن يلقوا حجَرا في بركةِ الماء الراكدة لتحريكه، فكان هذا الحجَر هو اليمين المتطرِّف. لاسيما أن طبيعة المواطن الأوروبي لا يحبُّ الروتين، ويهوى التجديد دوما في السياسة كما في الصناعة.
ــ شعور أنصار اليمين الأوروبي أن الأحزاب الأوروبية التقليدية باتت عبئا على دولها ومجتمعاتها، وغير موفقّة في كثير من سياساتها.
ــ تركيز أنصار اليمين الأوروبي على السياسات الداخلية للاتحاد، بدل السياسات الخارجية، والاهتمام بالبرامج الاجتماعية والصحية والتعليمية والمعيشية والخَدمية والاقتصادية والضريبية وفرص العمل.
ــ نجحت هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة في تصوير الإسلام أنه دين (عُنف وتطرُّف وإرهاب)وهذا ما خلق خوفا من الإسلام لدى المواطن الأوروبي وطفَت على السطح ظاهرة (الإسلاموفوبيا) وظهرت حركات معادية للإسلام كما حركة(باكس أوروبا) المعادية بشدّة للإسلام، وحصلت أعمال عنف بين بعض أعضائها وبعض المسلمين.
ــ فشل سياسات الأحزاب الأوروبية التقليدية في التصدي لظاهرة النزوح والهجرة غير الشرعية، واللجوء من الدول الإسلامية وغيرها إلى أوروبا، وما يترتبُّ عليها من ميزانيات تُصرفُ على اللاجئين والتي تُثقِل كاهل أوروبا لاسيما في ظلِّ زيادة التضخم والأزمات الأخرى، لاسيما بعد الأعمال الإرهابية التي شهدتها العديد من الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة، وهذا ما عزّز من مخاوف المواطن الأوروبي من الإسلام والمسلمين.
هؤلاء المتطرفون لديهم شعورا أن كل مسلم هو مشروع إرهابي، وينتقدون جدا الإسلام.
ولا أنسى في عام 1992 وخلال التحضيرات في جنيف للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد لاحقا في فيينا، حينما ألقى ممثل إحدى المنظمات غير الحكومية بيانا قال فيه حرفيا (الإسلام كله خرقٌ لحقوق الإنسان). وقد تصدّى له فقط سفير إيران ووزّع بيانا يشرح فيه حقوق الإنسان في الإسلام، ومِن وجهة نظر الشرع الإسلامي، التي من الصعب أن يقتنع بها العقل الغربي والثقافة الغربية، والذين يطالبون هؤلاء المهاجرين واللاجئين بالاندماج الكامل بالمجتمعات الغربية وقوانينها وثقافتها ومفاهيمها، حتى الشاذ منها كما المثلية الجنسية والتحوُّل الجنسي، أو العودة إلى بلدانهم.
وقد عزّز من الإسلاموفوبيا في الغرب ممارسات بعض المسلمين، كما قيام بعضهم بمظاهرةٍ في مدينة هامبورغ في شمال ألمانيا مطالبين بتطبيق الشريعة والخلافة.
ــ العديد من هذا اليمين المتطرف يخالف مواقف حكوماته من الحرب في أوكرانيا.
ــ كل ذلك ساهم في دفعِ الناخب الأوروبي لدعمِ أقصى اليمين، وصعود التيارات اليمينية المتطرفة لمواجهة التيارات الإسلامية المتطرفة، وما يعتبرونه غزوا لبلدانهم من المهاجرين واللاجئين المسلمين.
**
اليمين الأوروبي متضامن جدا مع إسرائيل، وطالما أكد رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوربان، وجيرت فيلدرز زعيم حزب اليمين المتطرف في هولندا، أن خيارهم الحاسم هو النظر بإيجابية لإسرائيل لكونها جزءا من الحركة الشعبوية الوطنية في الغرب. فهم يرون أن ثقافة الإسرائيليين هي جزءا من ثقافة الغرب، لاسيما نمط الحُكم والمساواة بين الجنسين، وفصل الدين عن الدولة، ويعتبرونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط رغم كل ما ارتكبته من مجازر بحق أهل غزة وأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها، وتدمير كل بنيتها التحتية.
بل بعض أحزاب اليمين المتطرف، كما حزب التجمع الوطني الفرنسي، وحزب البديل من أجل ألمانيا، قد أنشأت فروعا يهودية لها، كما التجمع الوطني اليهودي الذي تأسس عام 2016، وحزب اليهود البديل لأجل ألمانيا الذي تأسس عام 2018 وذلك للدفاع عن الجاليات اليهودية في أوروبا والتصدي لمعاداة السامية، والدفاع عن إسرائيل.
فِيما أحزاب اليسار التي كانت تاريخيا تدعم إسرائيل، كانت متخبِّطة في مواقفها، ومنقسمة حول الموقف من حماس ومما يجري في غزّة.
القاسم المشترك الأساس بين اليمين الأوروبي المتطرف وبين الصهيونية الإسرائيلية هو (كراهية الإسلام).
ولعلّ الكثير يتذكرون تصريح رئيس إسرائيل شيمون بيريز بُعيد تفكك الإتحاد السوفييتي وانهيار الأنظمة الشيوعية حينما قال: العدو الحالي للغرب بات الإسلام.
وقد شهِدنا بعد عشر سنوات من تفكك الإتحاد السوفييتي ومنظومته الشرقية، كيف حصلت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 في نيويورك وضربِ بُرجَي التجارة العالمي، واتهام تنظيم القاعدة المتطرف، الذي صنعتهُ أمريكا بذاتها، بهذه العملية التي ترتّب عليها احتلال بلدين إسلاميين، أفغانستان والعراق.
**
ولكن عموما هل ستتغير سياسات الاتحاد الأوروبي بعد هذه الانتخابات، على الصعيدين الأوروبي والعالمي؟.. هنا بيت القصيد..
الجواب الأصح بتقديري هو كلّا لن تتغير لأن اليمين الأوروبي المتطرف ازداد عدد أعضائه في البرلمان الأوروبي، وأصبح أكثر تأثيرا ولكن ليس لدرجة المقدرة على تغيير السياسات وصنعِ القرارات أو حتى تعطيلها. فقد حصلت أحزاب الديمقراطية الاشتراكية، والديمقراطية المسيحية، والليبرالية، على 406 مقعد من أصل 720، وهذه غالبية كبيرة تكفي لاتخاذ أي قرار، فضلا عن أحزاب اليسار الأوروبي، وأحزاب الخُضر، وحزب الشعب الأوروبي.
فتلك الغالبية كافية لانتخاب رئيس للبرلمان، وللمفوضية الأوروبية، والتي ستكون مجدّدا (أورسولا فون دير لاين) لِخمس سنوات جديدة بعد أن يرشحها المجلس الأوروبي، ورسمِ السياسات الأوروبية.
بل بدأت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي تراجع نفسها، وتُعدِّل من مواقفها، ومسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي كان يطرحها بعض أقصى اليمين (كما مارين لو بِّين، وغيرها) حلّ محلها لغة الاعتدال، والعمل للتغيير من داخل الاتحاد، وليس بالخروج منه كما فعلت بريطانيا في البريكست.. وزعيم أقصى اليمين في هولندا خِيرت فيلدرز، الذي كان يهاجم عموم المسلمين، بدأ يتحدث فقط عن المتطرفين المسلمين.
والسياسات ستبقى ذاتها في قضايا الأمن والدفاع والمناخ، ومن الصين وروسيا وأوكرانيا، والشؤون الدولية، وقضايا التجارة العالمية، وكافة القضايا المُتّفق عليها سابقا..
ولكن رغم هذا فنتائج هذه الانتخابات كانت جرس إنذار لأوروبا ونُخبها الحزبية والسياسية، وهذه سوف تُصغي أكثر لأصوات اليمين المتطرف في قضايا الهجرة والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية والشؤون الداخلية، وغيرها من القضايا التي يلعب عليها اليمين المتطرف، وسوف تتعاضد تلك النُخب أكثر لسدِّ الطريق أمام استمرار صعود اليمين المتطرف.
وأما بخصوص إسرائيل، فاليمين المتطرف الذي تضامن مع إسرائيل بعد عملية السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) هو ذاته من انتقد لاحقا أفعال وجرائم إسرائيل في غزة، وطالب بوقف إطلاق النار، ولا يمكنه أن يعطيها كارت بلانش، لأن جرائمها فاقت كل تصوُّر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الجزائر: استعراض للقوة في الذكرى السبعين لحرب الاستقلال؟ • ف
.. تونس: مناورات عسكرية بالتعاون مع القيادة الأمريكية في إفريقي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: هل بإمكانك التصويت إن كنت مها
.. ردود الفعل في الجزائر على نيل كمال داود جائزة غونكور الفرنسي
.. trending news video 149