الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
دعوى قضائية دولية ضد الحكومة الامريكية لتعمدها ارتكاب جريمة قتل المدنيين العراقيين بطريق تلويث العراق بالمواد الاشعاعية السامة - 13
سعد السعيدي
2024 / 6 / 27الارهاب, الحرب والسلام
منذ اكثر من ثلاثين عاما ومنذ اول حرب خاضها الامريكيون ضد العراق لجأ هؤلاء وبشكل ممنهج الى استخدام اسلحة اليورانيوم المنضب من خلال القصف الجوي خصوصا. وكان الهدف هو تحقيق نصر استراتيجي سريع مستغلين انعدام وجود اسلحة مشابهة رادعة لدى العراق. لقد تعرضت معظم محافظات العراق بالقصف بذخائر اليورانيوم المنضب. هذا القصف الذي تسبب بتلوث هائل للبيئة وظهور اصابات بالسرطان نتيجة لذلك بين الافراد من مختلف الاعمار. وقد تسببت هذه الممارسات الاجرامية في انتشار التلوث الاشعاعي بشكل متزايد في العراق.
قبل الدخول في الموضوع لابد لنا من الاشارة الى المصدر الذي اعتمدنا عليه في معلومات المقالة. هذا المصدر هو كتاب أ. د. كاظم المقدادي المقيم في السويد المعنون التلوث الاشعاعي في العراق - الجزء الاول، الصادر العام 2014. وهو كتاب كان قد استغرق المؤلف سنينا وهو يجمع مادته معتمدا على مصادر كثيرة لمعلوماته عراقية واجنبية. لقد استقينا من الكتاب فقط اسباب التلوث الاشعاعي ونتائجه وتركنا باقي الامور مثل تنظيف بعض الاماكن من آثار هذا التلوث والاسئلة والتعليقات التي وردت فيه. ولم نذكر كذلك كل المحافظات التي تعرضت للقصف باليورانيوم وذلك بسبب كم المعلومات الكبير الذي يحتويه الكتاب وايضا لضيق الوقت. ولمن يريد الاطلاع على هذه المعلومات قراءة كامل الكتاب لمعرفة ما تعرض له العراق من تلوث اشعاعي بسبب سياسات النظام السابق والحالي. إذ يحتوي على فهرست مفصل (انظر اسفل المقالة).
خلال حرب العام 2003 جرى قصف مقرات الجيش العراقي السابق باليورانيوم المنضب. فقد حذر ماجد محمود مدير بيئة واسط من المخاطر التي ستتعرض لها العوائل التي تتخذ من مقرات الجيش وبالذات معسكرات الحرس الجمهوري المنحل مسكنا لها في المحافظة. ودعاها الى مغادرة هذه المواقع بسبب وجود اشعاعات نووية فيها جراء تعرضها للقصف الامريكي بشكل مكثف. للاسف لم يتابع مؤلف الكتاب مصير باقي معسكرات الجيش السابق في باقي البلد إن كانت قد قصفت كلها ام لا باسلحة اليورانيوم وفيما إذا قد جرى تنظيفها واعادة تأهيلها واستخدامها ام لا.
وفي خلال حربي 1991 و 2003 جرى قصف المنشآت النووية العراقية مرة اخرى لكن هذه المرة من قبل طيران التحالف. وتتكون هذه المنشآت من مواقع تنتشر في وسط وجنوب وغرب العراق. يذكر الكتاب فقط تلك الموجودة في محافظة بغداد مما تعرض للقصف الجوي.
بيد إن التعرض للمواقع النووية العراقية لم يبدأ خلال الحروب الامريكية على العراق، بل قبلها. نورد هذه المعلومة لحق العراقيين بمعرفتها. فقد دمرت اسرائيل مفاعل تموز النووي الواقع في مجمع التويثة على طريق الكوت جنوب بغداد في غارة جوية في حزيران العام 1981 اثناء انشغال العراق بحربه مع ايران. وقد تكتم النظام السابق على القصف ونتائجه وتأثيراته على البيئة والانسان، ولم يسمح بالبحث والتقصي بهذا الشأن. إذ كانت المنشآت النووية العراقية سرا من ابلغ اسرار الدولة ولم يكتب عنها احد. ومن كان يلمح اليها مجرد تلميح يحكم عليه بالاعدام من قبل الاجهزة القمعية لذلك النظام. وهذا بينما تلك المنشآت كانت مكشوفة للغرب واسرائيل. ومجمع التويثة كان يعد مركز البرنامج النووي العراقي الذي انشيء لغرض رفع القدرات العسكرية للنظام السابق بانتاج سلاح نووي. ولم تكن متوفرة لدى النظام آنذاك اجهزة لرصد التلوث الاشعاعي ودرجة خطورته. وإن وجدت فنتائج رصدها ليست للاطلاع العام. وقد ادى قصف المفاعل الى تسرب الاشعاعات منه الى المناطق المحيطة. إذ سجلت تقارير لجمعية حقوق الانسان العراقية حصول اصابات بسرطان الدم وصلت الى مناطق المدائن والعزيزية والكوت بالاضافة الى بغداد. وعلى الرغم من صدور قرار صادر من مجلس الامن برقم (487) العام 1981 ينص على حق العراق في الحصول على التعويضات عن الهجوم الاسرائيلي على مفاعل تموز النووي، لم يتحرك احد من المسؤولين سواء من النظام السابق او الحالي للمطالبة بالتعويضات من الجاني.
اما خلال العمليات العسكرية لحرب العام 1991 فقد جرى قصف التويثة مجددا حيث دمر موقعا فيها يدعى لاما. وكان يضم وقتها العديد من المختبرات التي كانت تتعامل مع المواد المشعة. وقد سبب تدميره تلوثا اشعاعيا خطيرا للبيئة المحيطة وللمواطنين الساكنين في المنطقة. وقد اعترف النظام السابق العام 1998 في ورقة عرضت في المؤتمر السنوي لوكالة الطاقة الذرية في فيينا بتسرب كميات كبيرة من المواد المشعة نتيجة لتدمير المفاعلات النووية بالقصف الجوي خلال حرب الكويت. وإن القصف قد عرض المناطق السكنية سواء في بغداد او المدن الاخرى الى تلوث واسع النطاق.
في مدينة بغداد نفسها فقد جرى خلال حرب العام 2003 قصف مبنى وزارة التخطيط كما يتذكر كل من تابع وقائعها في الاعلام بذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب (هذه المعلومة غير مذكورة في الكتاب/ س.س). وادى ذلك الى تلوث حيطان المبنى الخارجية بالاشعاع. ولا نعلم إن كان التلوث قد طال داخل المبنى ايضا. إلا انه قد جرى تنظيفه من هذا التلوث لاحقا حسب الاخبار وقتها وعاد للعمل كموقع لتلك الوزارة. بيد اننا لا نعرف إن كان قد جرى تنظيفه بالكامل الى درجة الصفر تلوث ام انه قد جرى فقط تقليل مستوى الاشعاع وهو ما يجب ان يجيبنا عليه وزير العلوم والتكنولوجيا وقتها. إذ تهمنا كثيرا صحة مواطني وموظفي بلدنا ولا يسعدنا تعرضهم لاية امراض مما يمكن تجنبها. اما مباني البدالات الهاتفية فهذه وكما اكدت وزارة الاتصالات قد تعرضت في نفس الحرب الاخيرة للقصف باسلحة اليورانيوم المنضب. ونتائج هذا القصف لا تزال تعيق اعادة تأهيلها، مشيرة الى ان الكثير من هذه الابنية ما زالت تبعث اشعاعات اليورانيوم المنضب. وقد اوضح محمد علاوي وزير الاتصالات عن تعرض اكثر من 200 مبنى عائد للوزارة لضربات قوية. واوضح الوزير بان ملاكات الوزارة قد بدأت باعادة بناء واعمار بناها التحتية. ولم يوضح الكتاب عن الوزير إن كان قد جرى قبل بدء اعادة الاعمار تنظيف تلك المباني من آثار التلوث الاشعاعي الى درجة الصفر ام لا. وفيما بعد كشفت تقارير حكومية قديمة رفعت الى جهات عدة بينها محافظة بغداد، حول المواقع الملوثة بالاشعاعات نتيجة القصف الصاروخي ابان حرب 2003 إن موقعي بدالة العلوية والمطعم التركي هما الاشد تأثرا بهذا النوع من التلوث.
محافظة ذي قار هي إحدى المحافظات الجنوبية التي تعرضت للقصف اثناء الحرب الاخيرة وابتلت بالنتيجة بمخلفاتها المشعة. فقد عثر فريق متخصص العام 2005 على عدد من الآليات العسكرية والدبابات المدمرة والملوثة اشعاعيا نتيجة تعرضها للقصف اثناء تلك الحرب. واشار مصدر في دائرة البيئة الى ان هذا الفريق قد كشف ان التلوث منتشر على مساحة عدة كيومترات في المنطقة التي عثر فيها على تلك الآليات المدمرة. وقام الفريق البحثي بنقل بعض تلك الآليات الملوثة من المناطق السكنية وسط مدينة الناصرية الى منطقة الطمر الصحي خارج المدينة ووضع علامات تحذيرية عليها لمنع المواطنين من الاقتراب منها. وعلى الرغم من قيام دائرة بيئة ذي قار بالتخلص من المخلفات الحربية الملوثة باليورانيوم المنضب عبر نقلها الى المحجر الوقتي الذي اعد لها في منطقة صليبيات الصحراوي وعمليات قشط التربة الملوثة من الموقع الملوث. إلا ان المسح الجوي الذي اجراه فريق الكشف عن الآثار المشعة للمخلفات العسكرية التابع لمنظمة حماية البيئة بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية فرع العراق اظهر مع ذلك وجود اكثر من 20 موقع ملوث باليورانيوم في الناصرية. ويعتقد مؤلف الكتاب بان مدينة الناصرية هي من اكثر مناطق الجنوب تلوثا بالاشعاعات لكثرة الآليات العسكرية المدمرة ولقربها من مخازن الخميسية الضخمة التي ضربتها قوات التحالف العام 1991 وتركتها مدمرة تتبعثر في ارجائها مئات الاطنان من اليورانيوم المنضب على شكل اعتدة وحاويات وسبائك مباحة للسلب والنهب والتدمير العشوائي. والخميسية هي موقع صحراوي شاسع يقع شمال الناصرية من جهة البصرة حيث تلعب الريح الصحراوية المستمرة دورا قاتلا في نقل التلوث، وصارت كل الاراضي الرملية وكثبانها ملوثة باشعاع اليورانيوم المنضب حتى اللحظة.
في ميسان اثبتت مسوحات اشعاعية اجرتها فرق تابعة لمركز الوقاية من الاشعاع تلوثا كبيرا في ثلاث مواقع تعرضت للقصف خلال حرب العام 2003. وقد توصلت فرق معالجة الاجسام الغريبة التابعة لمديرية الدفاع المدني في ميسان الى نتائج خطيرة من خلال فحصها عينات من اجزاء وقطع الدبابات والمدرعات المتروكة والمكدسة على حدود مدينة العمارة وداخل الاحياء السكنية كاشفة احتواء تلك الآليات على مادة اليورانيوم المنضب. بسبب هذه والطمر العشوائي غير العلمي للمخلفات الملوثة في العمارة انتشرت حالات الاصابة بالامراض السرطانية المختلفة في المحافظة مما اكدته بعض المصادر الطبية.
من بين اكثر المناطق العراقية تضررا بالتلوث الاشعاعي جراء حروب النظام السابق واستخدام القوات الامريكية لقذائف اليورانيوم المنضب في تدمير الاهداف العراقية هي محافظة البصرة. يوجد في البصرة اكثر من مئة موقع ملوث باليورانيوم حسب الباحث البيئي الفيزيائي خاجاك وارتانيان الذي يعمل في جامعة البصرة والعضو في مجلس السرطان، حيث رسم خريطة لها وحذر من مغبة بقاء مخلفات الحرب المضروبة باليورانيوم قريبة من السكان. واكد الباحث بان اكثر المواقع نشاطا اشعاعيا هي تلك التي تقع في منطقة العوجة التابعة لقضاء ابي الخصيب. وتكثر في بعض المناطق الصحراوية الواقعة غرب المدينة اكوام من الآليات العسكرية المدمرة والاسلحة الثقيلة التي تحولت الى اجزاء متناثرة بفعل تعرضها الى القصف خلال الحروب السابقة، حيث يمكن ملاحظة عبارات على البعض منها تحذر من الاقتراب منها لتلوثها باليورانيوم. وحتى مع هذه التحذيرات فإن بقاء هذه الآليات الملوثة مكشوفة في الهواء قد يؤدي الى انتشار الاصابات بالامراض السرطانية.
ويورد المقدادي في كتابه بان ذخيرة اليورانيوم المنضب قد استعملت من قبل جميع القوات الامريكية العام 1991. إذ اطلق الجيش الامريكي والقوة الجوية والبحرية الامريكية جميعا في تلك الحرب حوالي 300 طن من اليورانيوم المنضب. وخلال حرب 2003 استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ذخيرة حربية من اليورانيوم المنضب لضرب مدى واسع من الاهداف. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات كافية عن الكميات الحقيقية المستخدمة او المواقع التي تلوثت، إلا انه يظهر إن ما بين الف الى الفي طن متري قد استخدمت لضرب الدبابات والعجلات المدرعة والمباني ومناطق مأهولة بالسكان.
وقد نبه العالم أساف دوراكوفيتش الى ان الكميات الكبيرة من اليورانيوم المنضب التي تركت في العراق سيكون لها حتما انعكاسات بيئية على ارض العراق. وبفعل حركة الرياح ونعومة غبار الصحراء فإن آثاره ستنتقل الى مئات الاميال لتشمل البلدان المجاورة كالكويت والسعودية وقطر.
وقد اورد الكتاب افادة الباحث والاكاديمي عمر المنصوري الذي قال بان وجود عناصر التلوث الاشعاعي في التربة والنباتات بتركيزات متباينة قد ساعد على ظهور حالات تحصل لاول مرة في العراق، منها التشوهات الخلقية للاطفال حديثي الولادة والاجهاض والعقم والامراض السرطانية وبالاخص سرطانات الدم والثدي والغدد اللمفاوية. وهو ما اكده ايضا الخبير البيئي د. علي حنوش مضيفا بان لهذا التلوث الاشعاعي تأثير بعيد المدى على سلة الغذاء.
إن ما عرضناه اعلاه هو غيض من فيض مما ورد في كتاب الدكتور المقدادي حول التلوث الاشعاعي في العراق. إن تعريض المدنيين للموت باسلحة دمار شامل مثل هذه التي استخدمتها قوات التحالف، مع تسببها اللاحق بآلاف الاصابات بالامراض المزمنة للافراد من جميع الاعمار، والتي تمتد تأثيراتها الى ملايين السنين لاحقا هي جرائم حرب كاملة التوصيف.
استنادا الى كل ما تقدم وعلى النتائج التي افضى اليها هذا التدمير المتعمد للعراق وسكانه يتوجب اطلاق دعوى قضائية دولية ضد الحكومة الامريكية لتعمدها هي وقوات التحالف الغربي الاخرى التي كانت تعمل بامرتها، القيام بارتكاب جريمة تلويث بيئة العراق من ارض وماء وهواء حتى اجيال لاحقة بالمواد الاشعاعية السامة التي تتسبب بقتل المدنيين العراقيين. وهذا مع معرفتها المسبقة بنتائج مثل هذه الاعمال. وهذه تعتبر جرائم قتل بنية مبيتة او متعمدة. وهو ما يشكل جريمة حرب مكتملة الاركان في القانون الدولي. كذلك فإن قصف المفاعلات النووية مع نتائجه على البيئة والمدنيين هو ايضا جريمة حرب. ولابد من إلزام الامريكيين في الدعوى على تسليم مرتكبي هذه الجرائم الى القضاء الدولي غير الزامهم بدفع التعويضات المالية عن هذه الجرائم المتعمدة والواضحة.
مصدر المقالة :
كتاب التلوث الاشعاعي في العراق بين الحقائق والتضليل الجزء الاول، للاستاذ الدكتور كاظم المقدادي، الطبعة الاولى عام 2014. صادر عن دار فيشون ميديا في السويد. وهو متوفر بنسخ ورقية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر