الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة - بن لادن

محمد المهدي السقال

2006 / 12 / 15
الادب والفن


قصة قصيرة
لعنة " بن لادن "

ـ أولا , لماذا اجتمع القوم عندكم في" الخيمة " ؟ أنا لا تهمني تفاصيل وقوع الحادثة ؟
فغر فاه , فامتدت إلى شاربه شذرات أشبه بالزبد على وجه موجة تحمل نفايات البحر الراكد , بينما كان الكرسي المتحرك يتلولب يمنة ويسرة بمؤخرة السيد " القايد " ,
هل أجابه أحد على أسئلته الممطرة بغل دفين ؟
كنت منشغلا بحركته الطفولية وهو يترنح فوق الكرسي بتجاوب غريب , متناغما مع اهتزازت جسده , بل ذهب الخيال بالظنون أبعد مدى حول رجولته , رغم التجاعيد المبكرة تحت جفنيه .
علق بذهني السؤال عن سبب الاجتماع , لأن الناس في قريتي , لم يحتاجوا من قبل إلى ترخيص , كي يعودوا بعضهم البعض ,
وكأنه استعاد أنفاسه من رحلة تيه , عاد إلى نفس السؤال , لكن هذه المرة , بابتسامة تشي بالارتياح من شيء ما ,
لم يكن لأحدنا غير الجواب الذي رد به العم " سالم " ,
تدخل شيخ القيادة , بالصوت الجهوري والدفع باليد , متجها بقامته المربوعة نحو أبي :
ـ ألا تسمع ؟ سعادة القايد يسألك .
ـ لم يتبق شيء لم تقله الجماعة على لسان العم "سالم " ,
كل ما هناك , أن الأحباب تجمعوا فرحاً بشرائنا للصحن الرقمي ,
والحق أقول لك , تبًّا لهذا الولد العاق , كم نصحته بالتراجع عن فكرته ,
أنا كنت أسمع أ سيدي , أنه يفضح الرجل أمام زوجته , لكنني لم أتصور أن يفضحنا أمام المخزن ,
انتفض السيد " القايد " غير متمالك نفسه , دون أن تتزحزح مؤخرته كثيرا , رأيت أسنانه البيضاء يتوسطها سن ذهبي ,
ـ ألا تعرفون أن التجمعات ممنوعة ؟
ألقى عليَّ نظرة مشبوهة بزاوية حادة , افتعلتُ احتراما بطأطـأة رأسي , لا أدري هل تابع النظر إليَّ , بينما كان أبي يحاول الجواب , صوته متقطع يعكس هيبة الموقف بين يدي السيد القايد ,
ـ لكنه أصر على شرائه , , لم نتفرج بالأمس سوى على مسرحية مضحكة , الحقيقة , كدتنا نموت من الضحك الزعيم البهلوان
ـ ثم ؟
ـ تركت الأحباب أمام الشاشة , وذهبت إلى الحظيرة أطمئن على الشياه , كنت قد نسيت مدها بالعشب ,
ـ ثم ماذا ؟
ـ بعد ذلك , انسحبت إلى مرقدي المجاور , الحقيقة ,
أنا يا سيدي توجهت إلى فراشي عسى الجمع ينفض , كانت الساعة متأخرة ,
ـ هل سمعت خطاب القاعدة ؟
ـ أية قاعدة أسيدي ؟
حملق في شيخه المقدم ,
هل كان يريد التأكد من خبر حمله إليه , وجده منحني الرأس, لكن سرعان ما انطلق لسانه كأنه فك من عقاله , ثم أشار إليَّ ,
ـ هذا هو الابن الذي حدثتك عنه ,
وتحول السؤال إلى الاستفسار عن السبب في إدخال هذه الآفة إلى القرية , وهي التي مازالت تفتقر إلى أبسط شروط التمدن, لا قنوات مياه , لا قنوات صرف الخروج , ولا حتى كهرباء ,
كان مكتب السيد القائد مضيئا بمصابيح توزعت أركانه الأربعة , بينما لا يعرف السكان المحيطون به لونا للضوء بغير الشمس والقمر , أو فتائل الشمع المجلوب نهاية كل أسبوع من السوق الموسمي المجاور , حين فكرت في شراء بطارية مستعملة من سوق الخردة , لتغذية هذا التلفاز اللعين بطاقة تشغيله , كان الهم الأول مرتبطا بكيفية شحنه كل ثلاثة أيام , والقرية تبعد عن أقرب طريق رئيسة بعشر كيلومترات,
فاجأني السيد القائد بسؤال لم أعهده سوى في المسلسلات البوليسية ,
ـ وفيم كنتم تتحدثون بعد خطبة " بن لادن " ؟
تبادل أعمامي و أخوالي نظرات حادة , لم يكن لأحدهم علم مسبق بشخصية الرجل , غط أبي في نومه قبل انتهاء المسرحية , وتفرق الناس مباشرة بعد التسلي بحركات " عادل إمام " دون فهم كل ما أراد قوله , انبسطوا وضحكوا عليه , ثم رحل كل إلى حال سبيله , وحدي بقيت أمام الشاشة , كنت أنتظر التقرير الرياضي للقناة , حين قطعوا البرنامج , لنقل خطاب الزعيم ,
ـ زعيم عادل إمام ؟
ـ لا , زعيم القاعدة .
ـ إذن أنت تعرفه ؟
ـ نعم أسيدي .
ـ وماذا تعرف عنه ؟
تذكرت مصير الذين عرفوه أو تعرفوا عليه , وحضرت أمامي " غوانتانامو "
ـ ما هو معروف عنه , ضرب أميريكا في عقر دارها وفي وضح النهار .
ـ تبدو معجبا به ؟
لم ينتظر جوابا , ثم عقب سائل:
ـ كنت وحدك مع " بن لادن " ؟
تسمعت همس السيد القايد يسأل شيخه المخبر, عما إذا كنتُ قد وصلتُ إلى القرية بلحية ,
من سوء حظي , كنت قد حلقت ذقني ذلك الصباح , بعد أسبوعين من الإهمال , وصدق الشيخ المخبر بالإخبار عن الحال , فقد سبب انشغالي بالتفكير في شراء الصحن الرقمي, تأخري عن التخلص من لحيتي المشؤومة ,
قبضت أول أجري بعد ثمانية أشهر ,
أسرعت إلى " سوق سبتة " , وفي ذهني شيء واحد , أفرح أمي وأبي بهذه الشاشة العجيبة , كنت أحلم بإخراج أسرتي من سماع الإذاعة الوطنية الوحيدة عبر ذلك الجهاز البالي , لم أقل شيئا من ذلك للسيد القايد , فحين سأل عن سر اجتماع الأهل عندنا الليلة الماضية , لم يكن في ذهني أدنى جواب , الآن أستطيع الجواب ,
لكن علي أن أنتظر يومين , قبل التحاقه بعمله , وحيدا في هذه الزنزانة بقبو مكتبه المحترم .

******
محمد المهدي السقال
المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس