الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات من الموصل طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 6 / 28
الادب والفن


حكايات من الموصل







طلال حسن





القمر
ــــــــــــــــــ
أفاقت الجدة العجوز ، في غرفتها الصغيرة المتصدعة ، وكانت كلّ ما تبقى لها من البيت ، الذي دمرته الحرب ، وفتحت عينيها المتعبتين ، وإذا القمر يطل عليها من شق في أحد جدران الغرفة .
وتذكرت حفيدتها ، التي تعيش الآن مع أمها وأبيها في أحد المخيمات ، وابتسمت وعيناها تبتلان بالدموع ، وخيل لها أن حفيدتها الصغيرة تنظر الآن إلى هذا القمر ، ومن يدري ، لعلها تتذكرها الآن ، فقد كانت تحبها كثيراً، ربا أكثر من حبها لأمها ـ ابنتها .

الليل
ـــــــــــــــــ
عندما فتح عينيه ، نظرت إليه أمه ، وقالت له : بنيّ ، ابقَ نائماً .
فتطلع إلى السماء ، عبر النافذة الصغيرة ، وقال محتجاً : لكن الشمس أشرقت في السماء ، يا أمي .
فردتْ عليه أمه قائلة : الشمس أشرقت في السماء فقط ، وغابت عن مدينتنا ، التي خيم عليها الليل .


قطعة جبن
ــــــــــــــــــــــــــ
من حصته ، أخذ أحمد كسرة خبز ، وقطعة من الجبن ، وتسلل بين الأنقاض ، ورشاشته في يده ، ودخل بيتها الذي هدمه صاروخ .
كانت متمددة ، هيكل عظمي تلفه أسمال متربة ، ونظر إلى عينيها ، اللتين تشبهان عيني جدته ، وقال لها : أيتها الجدة ، خذي ، جئتكِ ببعض الطعام .
ونظرت بعينيها الغائمتين ، إلى رشاشته ، وملابسه السوداء ، ولحيته الكثة ، وقالت بصوت واهن : أنتم .. قتلتم .. زوجي العجوز .
وانحنى عليها ، وقال : أنتِ جائعة ، يا جدتي ، خذي الطعام ، وكلي .
وأشاحت عنه بعينيها الغائمتين ، وقالت بصوتها الواهن : لن آكل ، والآخرون جياع .






الجنة
ــــــــــــــــــــ
كادت الأم أن تغفو ، رغم الجوع والظلام والبرد الشديد ، عندما سمعت طفلتها الصغيرة تتمتم بصوت واهن : ماما ..
وضمت الأم طفلتها إلى صدرها ، وهي تشعر بجسدها الصغير الجاف ، تتسرب منه حرارته ، وردت عليها قائلة : نعم حبيبتي .
ونظرت الطفلة إلى أمها ، بعينين تكادان تنطفئان ، وقالت متسائلة : هل في الجنة خبز ؟
وغرق قلب الأم بالدموع ، وهزت رأسها ، وقالت : نعم حبيبتي ، الخبز هناك كثير جداً .
وأغلقت الطفلة عينيها ، وهي تتمتم بصوت منطفىء : فلأذهب إلى الجنة إذن ، يا ماما .


أسومة
ــــــــــــــــــــ
رفضت أسومة ، ربما لسنيها الثمانين ، أن تغادر بيتها ، في محلة خزرج ، وتذهب مع ابنها أحمد وعائلته ، إلى منطقة آمنة خارج المدينة ، وهي ترى كجارتها العجوز فطومة ، أن من يترك داره يقل مقداره .
وحين انتهى الاقتتال في المدينة ، ولحق بالجانب القديم منها دمار شامل ، فوجىء أحمد بالخراب الذي لحق بحيهم ، ووقف أمام دارهم ، الذي غدا كومة من الحجارة ، أين أمه ؟ أين أسومة ؟
وجاءه صوت يعرفه جيداً : بنيّ ..
والتفت ، إنها هي جارتهم فطومة ، وأسرع إليها ، وقال : أخبريني ، أين أمي .
وابتسمت فطومة كعادتها ، وقالت : رأيتها تخرج مع مجموعة من العوائل ، ومعهم أطفال وشيوخ ، والقتال كان ما يزال مستمراً .
وهزّ رأسه ، وقال كمن يحدث نفسه : أعرف أين أجد أمي أسومة ، إنها حيث يحتاجها الآخرون ، هذا إذا لم تكن قد قتلت .

القطة
ـــــــــــــــــــــ
خرجتْ من البيت ، بعد أن أغلقت باب الغرفة على قطتها ، فهي تخشى أن تصعد إلى السطح ، بحثاً عما تأكله ، فيراها قناص ، ويرديها قتيلة .
وعند مدخل الزقاق ، وقع نظرها على شابين ملتحيين ، يرتديان الليل ، ومع كلّ منهما رشاشة ، ورأت أحدهما يقضم رغيف خبز ، فاقتربت منه ، وقالت بنبرة متوسلة : لله ، لديّ يتيمة .
وحدق فيها المسلح صامتاً ، وهو يلوك لقمته ، وضحك المسلح الثاني ، وقال : لا تصدقها ، إنها امرأة عجوز ، من أين لها يتيمة ؟
وابتسم المسلح الأول ، وقال لها : أقسمي أن لكِ يتيمة ، وسأعطيك نصف الرغيف .
وحدقت العجوز فيه مترددة ، ثم قالت : والله ، لديّ يتيمة ، وهي جائعة جداً .
وأخذت العجوز نصف الرغيف ، وطارت به إلى البيت ، وقدمته لقطتها ، وهي تقول : كلي ، يا يتيمتي ، كلي لعلكِ تشبعين .

الطير الأخير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن تقدم به العمر ، وغدا وحيداً في البيت ، اقتنى طائرين ، ذكراً وأنثى ، وعندما اشتد القتال داخل المدينة ، واشتد معه الحصار ، وشحت المواد الغذائية إلى درجة كبيرة ، كان يقتطع من طعامه ، ويقدمه للطائرين ، حتى نفد الطعام في بيته تماماً .
ماتت الأنثى يوم أمس ، لا عجب ، فأنثاه ـ زوجته ماتت قبله هي الأخرى ، وتركته وحيداً ، خاصة أنهما لم ينجبا في حياتهما أي طفل .
وخمد الذكر في القفص ، من يدري ، قد يموت قريباً هو الآخر ، ورغم تعلقه بهذا الطير ، إلا أنه فتح له باب القفص ، وأطلقه قائلاً : اذهب ، وعش حياتك ، يا صاحبي .
وحلق الذكر قريباً من أسطح الدور ، وحام مرات حوله فوق السطح ، وهو يتابعه بعينين جامدتين ، ثم اتجه مبتعداً عن أنقاض البيوت ، التي خربها الاقتتال ، وقبل أن ينزل من السطح ، سمع اطلاقة من مكان قريب ، وانتفض قلبه ، لابدّ أنه الذكر ، وعاد إلى السطح ، وبحث عن الذكر ، لكنه لم يعثر له على أثر .


شقاء
ــــــــــــــــــــ
منذ أيام ، وهي تتسلل من خرابة إلى خرابة ، متسترة بعتمة الليل ، هي والجنين الذي في بطنها ، والقنابل والصواريخ وأزيز الرصاص ، لا يكاد يتوقف .
وتوقفت هي ، هذه الليلة ، مع حماتها العجوز ، بعد أن فقدت زوجها ، قبل أيام ، برصاصة قناص قلما يخطىء ضحيته ، جاء من وراء البحار .
توقفت لا لأنها وجدت سرداباً قديماً آمناً ، في إحدى الخرابات ، وإنما لأن جنينها " العاقل " اختار أن يفد هذه الليلة إلى العالم .
ووفد الجنين ، وكان كما تمناه أبوه الراحل ، ذكرا جميلاً ، فأخذته الحماة العجوز بين يديه ، ونظرت إلى وجهه الجميل ، وقالت : لنسمه على اسم جده .. محمود .
فتمتمت الأم بصوت واهن ، قبل أن تغمض عينيها ، وتنطفىء : لا .. ليكن اسمه .. شقاء .

بدرية
ـــــــــــــــــ
الجمال رزق ، وأي رزق ، هذا ما كانت تقوله جدتي دائماً ، وأعترف .. أنا لست قمراً ، وأبوها نفسه لا علاقة له بالقمر ، وأما طفلتنا ، وهذا رزق ، جاءت كالقمر ، وعلى هذا أسميناها .. بدرية .
وكقمر السماء ، راحت بدرية تكبر يوماً بعد يوم ، وكبر معها جسمها وجمالها وألقها ، شيء واحد لم يكبر فيها ، ويبدو أنه لن يكبر ، صارت بدراً ، لكن عقلها ظلّ يراوح في المحاق .
ومع وقوع المدينة في الظلام ، وحلّ في أرجائها رجال الظلام ، وشعّ نورها أكثر وأكثر ، فصاحوا بي شيباً وشباباً ، ولأسباب شتى متعارضة : حجبيها .
حجبتها ، لففتها بغمامات قاتمة كالدخان ، لكنها ظلت بدراً ، يشع نوراً باهراً ، وسط الغمام ، وذات يوم ، جاءتنا امرأة منهم ، وقالت لي : الأمير يريدها .
شهقتُ ، هذا ما كنت أتوقعه وأخافه ، فقلتُ لها : لكنها .. طفلة .. طفلة صغيرة .. لا تعي .
وكشرت المرأة ، وقالت : جسمها .. قمر .
رفضتُ ، توعدتني المرأة ، إنه الأمير ، وذات ليلة ، أردت أن أهرب بها من الظلام ، لكن رصاصهم انهمر علينا كالمطر ، لم أمت ، لكني متّ حين علمت أن قمري اختفتْ ، وبحثتُ عنها في كلّ مكان ، دون جدوى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نظرة الغرب للثقافة السعودية تغيرت في السنوات الأخيرة


.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و




.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك