الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق المؤلف بين النظرية والتطبيق

هاني جرجس عياد

2024 / 6 / 29
حقوق الانسان


حق المؤلف يتناول ناحية معنوية بحتة تخول للمؤلف وحده حق تقرير نشر مصنفه على الجمهور، ونسبته إلى نفسه، وسحبه من التداول، وإلزام الغير باحترام مصنفه فلا يجوز للغير أن يغير فيه بالإضافة أو الحذف. كما أن حق المؤلف يتناول أيضا ناحية مالية إذا ما قرر المؤلف نشر مصنفه مما يجعل هذا الحق يدخل في ذمته المالية، ومن ثمة يجوز اقتضاء الحق منه إذا كان المؤلف شخصا أثقل كاهله بالديون. فالطبيعة الخاصة للحق المعنوي للمؤلف باعتبارها ثمار تفكير الإنسان ومهبط سره ومرآة شخصيته، أخرجته من دائرة التنفيذ عليه.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن حق المداعاة بشأن تلك الحقوق لا يحتاج الى أي معاملة شكلية فحماية حقوق المؤلف والإجراءات القضائية المتعلقة بتثبيت هذه الحقوق لا تخضع لأي معاملة إيداع مسبقة عملا باتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية عام 1886، التي استندت على مبدأ الحماية التلقائية، وتعني أن المصنفات تحمى بشكل تلقائي بمجرد تأليفها ولا تتوقف هذه الحماية على أي تسجيل أو إيداع أو أي إجراء شكلي آخر. ولكن في بلاد مثل مصر يمكنك تسجيل أعمالك لكي تحصل على مستند رسمي يشمل اليوم ومحتوى العمل لكي تثبت ملكيتك بسهولة.
وإذا كان النشر الإلكتروني للمصنفات قد حقق مزايا للمؤلفين من تسهيل نشر مصنفاتهم وانخفاض تكلفة ذلك، ووصولها بسرعة إلى الجمهور في مختلف بقاع العالم مما يسهل عملية تسويقها، إلا أنه من ناحية أخرى قد يكون عائقا في وجه الإبداع الفكري نظرا لما يواجه المؤلف من صعوبات بالغة بخصوص حماية حقه، نظرا لما تتعرض له هذه المصنفات من اعتداءات، فضلا عن صعوبات لجوئه إلى التقاضي نظرا لتعدد القوانين واختلافها مما يثير فكرة تنازع القوانين والاختصاص.
والواقع أن هذه الصعوبات تظل قائمة لأن الأساليب التكنولوجية التي ابتدعها أصحاب الحقوق لحماية مصنفاتهم لم تصمد طويلا، إذ سرعان ما أفضى التقدم العلمي إلى ظهور تدابير تكنولوجية مضادة تبطل مفعول الأولى وتمكنهم من الحصول على هذه المصنفات دون أي مقابل لأصحاب الحقوق.
وفي مصر، يمكن إنفاذ حقوق الملكية الفكرية إما من خلال الإجراءات التحفظية أو من خلال الملاحقة المدنية و/ أو الجنائية. وتتمتع النيابة العامة بالحق المتأصل في رفع دعاوي جنائية بالإضافة إلى الحق في إعادة النظر في الأحكام المتعلقة بجرائم الملكية الفكرية، والشروع بالطعن في حال وجود أخطاء في تطبيق القانون أو تفسيره. وصاحب حق الملكية الفكرية، باعتباره مطالبا بحق مدني، هو الوحيد الذي يحق له أن يبدأ بالإجراءات الجنائية من خلال الادعاء المباشر. ويسمح أيضا بمصادرة المصنفات المزعومة، والمعدات المستخدمة في إنتاجها كإجراء تحفظي من خلال الأوامر الزجرية.
ويتمثل المصدر الرئيسي لنظم الملكية الفكرية القانونية في القانون رقم 82 لسنة 2002، وهو قانون شامل للملكية الفكرية. فقد وسع هذا القانون أنواع الحماية ، وقوى نظام الملكية الفكرية في مصر بما يعكس أحكام اتفاق تريبس عام 1994 ويستفيد من مرونته في تحقيق توازن بين حقوق المبدعين والمصلحة العامة. ومصر هي أيضا طرف في عدة معاهدات تتعلق بالملكية الفكرية تديرها الويبو.
إن المشكلة الرئيسية فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية في مصر ليست في انعدام النصوص القانونية الموضوعية التي تعترف وتقر هذه الحقوق، وإنما في تطبيق هذه القوانين وإنفاذ هذه الحقوق لمصلحة أصحابها من قبل الأجهزة المختصة, على رأسها الجهاز القضائي.
وأود أن الفت الانتباه إلى إن سرعة التطور المذهلة في أوعية استيعاب المعلومات، وإيذان الكتاب الورقي بالرحيل إلى الأقراص الممغنطة لتسلمه بدورها إلى الإنترنت، واستخدام الوسائل المتعددة في النشر، واختراق المعلومات لكافة الحدود والقيود عبر الفضاء، وإلغاء المسافات والأبعاد عبر وسائل الاتصال، وعولمة الثقافات والإبداع الإنساني عبر حوار الحضارات، كل أولئك يشكل تحديا كبيرا للمشرع الوطني، ولا يترك له فرصة للتريث في متابعة جديد هذه التطورات، وتحديث تشريعاتها بشكل مواكب.
هذا على صعيد القانون، أما على صعيد الثقافة، وأعني بها مجموعة الأفكار والعادات التي توجه سلوك الأفراد وتحكم تصرفاتهم وممارساتهم في المجتمع، فالأمر يختلف، إذ إن الحقوق المترتبة على التأليف والنشر، ما تزال غائبة عن وعي المجتمع مستباحة في ثقافته، لا تشغل الحيز الكافي لحمايتها في ضميره، حتى إنه يخترقها من دون شعور بذنب أو إحساس بخطر يهدد مستقبله الثقافي.
وبالتالي فإن لم تدعم قوانين الحماية بوعي اجتماعي عميق، ترسخه في ضمير المجتمع منظومة فقهية تربوية إعلامية متضافرة، فإن هذه القوانين ستظل حبرا على ورق، وستضل قرصنة الأفكار في تفاقم وازدياد، وستزداد معاناتنا من عوز الإبداع وإغلاق أبواب الاجتهاد، ومن الجمود والتخلف، وعقم العقول عن استيلاد الأفكار وإنتاجها. إن القضية تحتاج إلى الكثير من الجدية المجتمعية للتصدي لهذه الأزمة.
وقد قال أحد المعلقين: "إن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية تفقد مصر قواها الناعمة، خاصة أنها أصبحت تتسيد مشهد إنتاج وتصدير الكتاب المزور. وأشار إلى أن انتهاك حقوق الملكية الفكرية فيما يخص النسخ الورقية، يصل إلى تزوير أربعة نسخ مقابل كل نسخة أصلية، وأن القرصنة الإلكترونية أكبر بكثير. وطالب بضرورة دعم الدولة لقطاع النشر، وإدراجه كصناعة ضمن الصناعات المصرية الكبرى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م