الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آبي أحمد من جائزة نوبل للسلام إلى الحرب الأهلية: كيف خدع زعيم إثيوبيا العالم - 1-4

داليا سعدالدين
باحثة فى التاريخ

(Dahlia M. Saad El-din)

2024 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


نناقش فى هذا المقال بعضا من أسباب التناقضات بين الصورة العامة لآبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى؛ وسلوكه الحقيقى. فالمقال يتناول صعوده ثم ما حدث من تزعزع لمكانته الدولية، تلك التى تم تصديرها باعتبارها نبراسا لقادة القارة الأفريقية. فقد تم الترحيب به في البداية كمصلح ديمقراطى وقائد سلام، لكنه سرعان ما انزلق إلى الاستبداد وأشعل حربًا أهلية مدمرة.
عندما تولى آبي أحمد السلطة في إثيوبيا، كانت الآمال كبيرة في الداخل والخارج. تم الإشادة به كمُوحد ومصلح عظيم. ولكن بعد مرور عامين، اندلعت أعمال عنف رهيبة، مما أثار التساؤلات حول شخصيته الحقيقية. وكيف استطاع خدع العالم؟

بداية آبي أحمد في السلطة
تولى آبي أحمد السلطة في أبريل 2018، بعد سلسلة من الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التى عمت البلاد، خاصة فى إقليم أوروميا، والذى هو يعد الإقليم الأكبر فى إثيوبيا. وكان يُنظر إليه كرجل يحمل الأمل في مستقبل أفضل لإثيوبيا. كأول زعيم من الأورومو، أكبر المجموعات العرقية في البلاد، كان يُعتقد أنه سيوحد البلاد. وقد أبرم اتفاق سلام مع إريتريا في يوليو 2018، مما أدى إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام في 2019. كانت خطواته الأولى واعدة للغاية، حيث أطلق سراح الآلاف من السجناء السياسيين وسعى إلى إعادة جماعات المعارضة المحظورة إلى المشهد السياسي.
كما تم الترحيب بآبي أحمد في الغرب باعتباره مصلحًا ليبراليًا، وعقدت عليه آمال كثيرة وتوقعات عديدة. فقد كان يُعتقد أنه سيحمل إثيوبيا نحو الديمقراطية والتعددية بعد سنوات من الحكم الاستبدادي. خطواته الإصلاحية، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء والتوصل إلى اتفاق سلام مع إريتريا، عززت هذه الصورة. في حفل تسليم جائزة نوبل، تحدث آبي عن السلام باعتباره "مثال للجحيم بالنسبة لجميع المشاركين فيه". ولكن تلك الآمال والتوقعات لم تدم طويلاً.
غير أنه بعد عام واحد فقط من حصوله على جائزة نوبل، اندلعت الحرب في منطقة تيجراي شمال إثيوبيا. فقد كانت جبهة تحرير شعب تيجراي قد سيطرت على السياسة الإثيوبية لعقود، ومع وصول آبي إلى السلطة، بدأت الصراعات السلطوية تظهر على مسرح الحداث السياسية فى البلاد. تصاعدت التوترات بسرعة، ومع حلول نهاية 2020، اندلعت الحرب. أسفرت الحرب عن مقتل آلاف الأشخاص وتشريد الملايين. تم توجيه الاتهامات لأبي أحمد بقيادة حملة عسكرية وحشية، شملت اتهامات بالإبادة الجماعية. خاصة وأن الأوضاع الحالية فى مناطق التيجراي غير معروفة على وجه اليقين، نظرا للتعتيم الإعلامى فى داخل إثيوبيا، حيث تم استصدار القوانين التى تجرم أى نشر لما يحدث حاليا فى داخل الإقليم. ومن ناحية أخرى، فقد احتلت أخبار المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال الصهيونى عناوين الصحف والمواقع العالمية؛ الأمر الذى نراه خطوة هائلة وداعمة لمناصرة القضية الفلسطينية. غير أن التعتيم الإعلامى المتعمد على الوضاع فى مناطق شعب التيجراى فى إثيوبيا، هو فى حد ذاته مقلق على المستوى الإنسانى، ناهيك عن تأثيراته المستقبلية على الأوضاع فى منطقتى حوض النيل والقرن الأفريقي.
شخصية آبي أحمد الحقيقية:
بمرور الوقت، بدأت تتكشف صورة مختلفة لآبي أحمد. على الرغم من أنه لم يكن ديماجوجيًا استبداديًا تقليديًا، وكان لديه رؤية خاصة لإثيوبيا، ربما تفتقر إلى برنامج سياسي واضح أو أيديولوجية صارمة، حاول تجسيدها فى تنظيراته الأكاديمة والخطابية فيما يعرف بالميديمير – Medemer وهى كلمة أمهرية تعنى حرفيا التآزر. ومن ثم، فقد كان قادرًا على إقناع مجموعات مختلفة بأهداف متناقضة، مما أظهر جانبًا مخادعًا وغير أمين. فقد ربط مصيره بمصير الأمة، مؤمنًا بأنه لا غنى عنه. لقد استخدم مأخرا خطابًا يعج بالعنف ومعاديًا؛ ليس فقط للأجانب، بل ولكل من حاول أو يحاول معارضة سياساته. بمعنى أخر، لقد أصبح آبي أحمد يصرح بكون من ليس معه فهو ضده. من ناحية أخر، لم يكن آبي أحمد يهدف فقط إلى تقلد السلطة واستثاره بها، بل أيضًا إلى إعادة تشكيل إثيوبيا. وقد تجلى ذلك الأمر بوضوح فى معاركه ضد الجنرال تسادكان جبريتنساي؛ قائد جبهة تحرير شعب تيجراي، بل وفى حل الجبهة الديمقراطية الثورية لشعب أثيوبيا، واستبداله بحزب الرخاء.
عموما، لقد انتهت الحرب في تيجراي في أواخر عام 2022، ولكن تداعياتها ما زالت تلقي بظلالها على إثيوبيا. الخسائر البشرية والمادية كانت هائلة، وتركت البلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. شخصية آبي أحمد الحقيقية أصبحت موضوعًا للنقاش والجدل، حيث يعتبر البعض أنه يتحمل مسؤولية كبيرة عن الكارثة التي حلت بالبلاد.
وعلى صعيد أخر، لم يكن آبي أحمد في سعيه لتحقيق رؤيته المستقبلية وحيدا. ذلك انه حصل على دعم قوي من دول مثل الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. لقد أغدقت عليه هذه الدول بالاستثمارات والدعم الدبلوماسي والأسلحة. خاصة وأن دولة الإمارات العربية دائمة السعى إلى توسيع نفوذها ليس فقط في القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر، بل فى المناطق الحيوية فى قارتنا السمراء. لذا، فقد رأت في آبي أحمد شريكًا مناسبًا لتحقيق ذلك، بداية من القرن الأفريقى والتحكم فى حوض النيل.
أخيرا، لقد تحولت صورة آبي أحمد بشكل دراماتيكي من زعيم مُبَشَّر منوط به الاصلاح السياسي والاقتصادى فى البلاد، إلى قائد متورط في حرب أهلية مدمرة. إن قصة آبي أحمد هي تذكير بقوة الطموحات الشخصية والسياسات الدولية في تشكيل مصير الأمم. وبالنظر إلى المستقبل، يبقى السؤال: هل يمكن لإثيوبيا التعافي وإعادة بناء نفسها بعد التجربة المريرة فى الحرب الأهلية التى ورط فيها آبي أحمد البلاد؟ الوقت وحده سيكشف الإجابة.

بهذا تنتهي رحلتنا الأولى فى محاولة تحليل تحول آبى أحمد من حامل لآمال التغيير إلى شخصية مثيرة للجدل في تاريخ إثيوبيا الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ