الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأكيد العودة في رواية - والله راجع- للكاتب د. محمد كريّم

روز اليوسف شعبان

2024 / 6 / 29
الادب والفن


د. روز اليوسف شعبان

صدرت رواية والله راجع عام (2023) عن دار اسفار للنشر والتوزيع، في العاصمة اللبنانية بيروت، وتقع في 165 صفحة من القطع المتوسط، وقد فازت بجائزة سليماني العالمية.
صاغ الكاتب أحداث روايته، بكل ما تحمله من ألم وأسف وخذلان وخيانة وبطولة وحنين، بأسلوب شائق ماتع، وبلغة جميلة، اختلطت فيها بعض الكلمات المحكيّة، الزجل، الأغاني التراثيّة، والأمثال الشعبيّة.
وقد تميّز أسلوب السرد في هذه الرواية، بما يسمّى"الرؤية من الخلف"، حيث يتميّز السارد فيها بكونه يعرف كلّ شيء عن شخصيّات روايته، بما في ذلك أعماقها النفسانيّة، مخترقًا جميع الحواجز كيفما كانت طبيعتها، كأن ينتقل في الزمان والمكان من دون صعوبة، ويرفع أسقف المنازل ليرى ما في داخلها وما في خارجها، أو يشقّ قلوب الشخصيّات ويغوص فيها ليتعرّف إلى أخفى الدوافع وأعمق الخلجات. (بوطيّب، 1993، ص72).
يصوّر الكاتب في هذه الرواية، مجموعة من المقاتلين العائدين لتحرير صفد، يرأس هذه المجموعة المقاتل أبو العبد وهو ابن عبد السلام بن محمود أبو زينة(أبو نايف)، الذي يأخذهم إلى بيت جدّه القديم المهجور (أبو نايف)الذي هجره أثناء حرب 48، ورغم أن أبا العبد لم يكن في بيت جدّه حيث ولد في المهجر، إلّا أن أوصاف البيت التي رواها له والده، بقيت راسخة في ذهنه، وقد وعد والده بالعودة إليه.
في بيت جدّه يروي ابو العبد قصّة تهجير عائلة جدّه من صفد، ويصف حركة المقاومة بدءا من ثورة 1936 ضد الانجليز وحتى النكبة، مسلّطا الضوء على بسالة المقاتلين ودفاعهم منقطع النظير في حماية فلسطين بشكل عام وصفد بشكلّ خاص.
قاتل عبد السلام مع المقاتلين في حرب 48، في عين الزيتون(قضاء صفد)، وقد قاد قوّات جيش الانقاذ في الجليل القائد السوريّ أديب الشيشكلي، أما قائد الثوّار في صفد فكان الملازم السوريّ إحسان كم ألماظ الذي اهتمّ بتدريب الثوّار، وقد أبلى معهم بلاء حسنا، لكن يبدو أن ملامح الخيانة العربيّة بدأت تظهر جليّة، فتمّ إبعاد الملازم احسان بعد النجاحات الكبيرة التي حقّقها مع الثوّار. وفي هذا الإقصاء قال الملازم إحسان للثوّار:" أسفي عليكم يا أبناء صفد. لقد باعوكم للأغراب بأرخص الأسعار".( ص 140).
يصف الكاتب ما حدث للمقاتلين في صفد عام 48 ،والتحام الصفّ الفلسطينيّ مسلمين ومسيحيّين في الدفاع عن الوطن، وكان عبد السلام يقاتل مع المقاتلين:" اشتبك الطرفان هؤلاء(اليهود) ببنادقهم الرشاشة الحديثة والقذائف المدفعية والصاروخيّة ومدافع الألغام، وهؤلاء ببنادق متخلّفة، هؤلاء بصواريخ ومدافع من مصادر شتّى، وهؤلاء بالصبر واليقين". ص 142.
كانت ليلة عصيبة على صفد، تمركز المقاتلون في مركز بوليس كنعان، واستبسلوا في الدفاع عن صفد وأوقعوا خسائر فادحة في صفوف عصابات اليهود، لكن صفد خسرت الكثير من الشهداء. يسأل أحد المقاتلين عبد السلام:" ما الذي يحدث يا عبد؟ العبد: والله لا أعرف فنحن مئات الملايين من العرب والمسلمين ولا يتحرّك منهم الا مئات المتطوّعين، والقرى حول صفد تسقط الواحدة تلو الأخرى تحت وطأة المجازر المتتالية، ففي عين الزيتون ذبحت العصابات اليهوديّة سبعين شخصا، وها هي حيفا سقطت منذ يومين وسقطت طبريا، والعصابات اليهوديّة آخذة في تهجير أهالي القرى والمدن وترويعهم".(ص 145-146). وقد لعب الاعلام البريطانيّ دورا كبيرا لصالح اليهود، حيث أعلنوا عن سقوط صفد وهجرة المواطنين الى سوريا ولبنان في حين لا يزال المقاتلون يدافعون عنها. ويضيف عبد السلام:" ما كان لمدينة صفد أن تنهار لولا أيد خفيّة تمكّنت من فعل ما لم تستطع العصابات اليهوديّة فعله".(ص 156).
إنّ حقيقة خيانة العرب للفلسطينيّين، وانسحاب جيش الانقاذ، وخداع الفلسطينيّين، وتشجيعهم على مغادرة البلاد والعودة اليها بعد انتهاء الحرب، كانت معروفة لدى كافّة شرائح الشعب الفلسطينيّ، فها هي ام نايف جدّة العبد تقول:"
الحقيقة أنّ الانكليز هم من أثّر علينا كثيرا، فقد سلّحوا العصابات اليهوديّة وأمّنوا لهم كلّ سبل الانتصار. أما العرب فخذلانهم كان أكبر، فقد كنّا نعلّق آمالنا على جيش الانقاذ، الذي كان بحاجة للإنقاذ".( ص 163).
لقد كُتب عن النكبة الفلسطينية الكثير، وهناك العديد من الروايات التي خلّدت النكبة في أذهاننا. منها: الطنطورية رضوى عاشور، زمن الخيول البيضاء ابراهيم نصرالله، التغريبة الفلسطينيّة وليد سيف، غريب النهر جمال ناجي، عائد إلى حيفا غسّان كنفاني، الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس إميل حبيبي، البحث عن وليد مسعود جبرا ابراهيم جبرا، باب الشمس إلياس خوري، سوناتا لأشباح القدس واسيني الأعرج، على عهدة حنظلة إسماعيل فهد اسماعيل.
فماذا جدّد لنا الكاتب محمد كريّم في روايته " والله راجع"؟
يبدو التجديد جليّا في عنوان الرواية. فالعنوان هو من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلا أساسيّا في قراءة الإبداع الأدبيّ والتخيّيليّ بصفة عامّة، والروائيّ بصفة خاصّة. ومن المعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى. وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النص وتسمّيه وتميّزه عن غيره. وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنصّ الرئيس إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدّمات والمقتبسات والأدلّة الأيقونيّة.( جميل حمداوي، 2006، ديوان العرب).
إن العنوان عبارة عن علامة لسانيّة وسيميولوجيّة غالبا ما تكون في بداية النصّ، لها وظيفة تعيّينيّة ومدلوليّة، ووظيفة تأشيريّة أثناء تلقي النص والتلذّذ به تقبّلا وتفاعلا، كما له وظيفة إيديولوجيّة، ووظيفة التسمية، ووظيفة التعيّين، والوظيفة الأيقونيّة/ البصريّة، والوظيفة الموضوعاتيّة، والوظيفة التأثيريّة، والوظيفة الإيحائيّة، ووظيفة الاتّساق والانسجام، والوظيفة التأويليّة، والوظيفة الدلاليّة أو المدلوليّة، والوظيفة اللسانيّة والسيميائيّة(جميل حمداوي، 2006، ديوان العرب).
إذا ما تمعّنا في عنوان الرواية" والله راجع"، فإننا نجده يبدأ بواو القسم، حيث يقسم الكاتب باسم الجلالة، بأنه سيرجع، مستخدما صيغة اسم الفاعل لتأكيد حالة الرجوع، فاستخدام القسم " والله" قبل صيغة اسم الفاعل يعزّز من التأكيد والثبات على الفعل، فيعطي انطباعا بأن الرجوع مؤكّد ولا مجال للشكّ فيه. كما أنّ صيغة اسم الفاعل تعبّر عن النيّة أو القرار الصريح للفاعل، وهذا يعني أنّ القسم مع صيغة اسم الفاعل يعطي معنى التأكيد، الاستمراريّة، النيّة الثابتة، العزيمة والإصرار على الرجوع.
الرجوع إذن هو محور هذه الرواية، فقد صوّر لنا الكاتب وضع سكّان صفد قبل النكبة وخلالها و الذي لا يختلف كثيرا عن وضع باقي سكّان فلسطين، كما صوّر لنا مقاومة الثوّار والمقاتلين واستبسالهم بالدفاع عن صفد، من خلال رواية الحفيد أبو العبد وهو أحد المقاتلين الذي نجح في الدخول الى صفد مع مجموعة من المقاتلين بهدف تحريرها، كما دخل الى باقي البلدان مجموعات أخرى من المقاتلين. إنّ نجاح أبو العبد ومجموعته في الدخول الى صفد، وتحديدا إلى بيت جدّه، له دلالات كبيرة، فحلم والده عبد السلام بالعودة الى صفد لم يتحقق، لكنه تحقّق من خلال ابنه الذي وعد والده بالعودة. فالوالد عبد السلام الذي أودع بندقيته عند صديق العائلة في بلدة الجش، واضطر مرغما لمغادرة الوطن مع أسرته، أوصى صديق العائلة بالحفاظ على بندقيته قائلا له:" فأنا راجع.. راجع أقسم بالله العظيم راجع". يتردّد صوت العبد "راجع" في حين يرتدّ الصدى بصوت حفيده أبي العبد" والله العظيم راجع".(ص 165). فالقسم ملازم للعائلة وكأنه شعلة تنتقل من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد.
أبرز الكاتب أيضا في روايته دور الأطفال في الثورة ومساعدة الثوّار والمقاتلين، وهو أمر لافت ومثير، ولعلّ تربية الأهل لأولادهم كان لها الأثر الكبير في غرس حبّ الوطن في نفوسهم، فقد عمل الأطفال في الأرض مع أهلهم، وساعدوهم في الزراعة والسقاية والقطاف، هذا الأمر وثّق الصلة بين الأطفال وأرضهم، فلا غرابة إذن، أن يبتكروا طرقا في مساعدة الثوّار.
وقد برز دور الأطفال في حماية الثوّار في ثورة 1936 حين كان الانجليز يقتلون كلّ رجل يضع الحطّة والعقال؛ لأن هذا الزيّ كان سمة الثوّار، في حين كان يضع باقي الرجال الطرابيش، فما كان من
عبد السلام ابن الثمان سنوات، أن جمع طلّاب المدرسة حوله ، يحملون قدورا وعلبا معدنيّة وعصيّا ويصيحون:" الحطّة والعقال بخمس قروش والحمار لابس طربوش".(ص 73). فصدر قرار من قيادة الثورة أن يلبس جميع الرجال الحطّة والعقال ويخلعون الطربوش، وكانت نهاية الطرابيش في صفد على يد أطفالها.(ص74 ).
كان للأطفال دور آخر في حماية الثوّار، وذلك عندما اصطفّ الأطفال على طول الشارع الذي يجتمع في آخره الثوّار، لإعلامهم اذا ما حدث هجوم عليهم من قبل الانجليز، بتمرير كلمة (أجو ) بينهم، وفعلا قام الأطفال بإيصال الكلمة للثوّار، فانتهى الاجتماع واختبأ الثوّار قبل وصول الجنود الانجليز اليهم. وقد استشهد في الثورة من 1936-1939، أكثر من خمسة آلاف شهيد، إضافة إلى إعدام الانجليز لمائة وثمان من الثوّار، وحجز أكثر من اثني عشر ألفا وستمائة مقاتل.
يمكن القول إنّ رواية والله راجع هي رواية شائقة مثيرة توثّق أحداث النكبة بتفاصيلها، خاصّة تلك الأحداث المتعلّقة في الدفاع عن صفد، وهي إضافة نوعيّة الى مكتباتنا وتحديدا إلى أدب النكبة وأدب المقاومة. مبارك للكاتب د. محمد كريّم هذا العمل القيّم وإلى مزيد من الإبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك


.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا




.. فيلم عن نجاحات الدورة الأولى لمهرجان العلمين الجديدة