الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست قصة قصيرة

كريم الثوري

2024 / 6 / 29
الادب والفن


لشدة ما كان يزعجها تلك الشآمة التي تتربع مُضيئة وتستوطن أعلى شفتها العليا من جهة اليسار والتي صارت محط أنظاروتندر ليس الشباب وحدهم بل كبار السن أيضا ، أمّا فيما يتعلق بصديقاتها اللواتي لم يحظين بمثل ما حظيت به ، فقد نافست وجودهن بحضورها ، يفقدنّ السيطرة على توازنهن درجة ، كُنّ يبالغن بتحميلها الذنب ما ليس فيها ، كونها تستدرج الآخرين " بدراية أو دون دراية " ، من خلال شدّهم للنظر عند شامتها عبر تلامض شفتيها عند الكلام ، فيجدن أنفسهن مهمشات منزويات فيدفعن بتعليقاتهن وتندرهن أبعد ما يكون ، لكنهن حين يختلين بلسان حالهن فالأمر معكوس تماما . المتزوجات يتمنينها لإسعاد أزواجهن الذين يشاطروهن الأسرار الصغيرة والكبيرة في أوقات بعينها ، ناهيك عن الفتيات اللواتي يتمنين الإيقاع بفتى الأحلام بأكبر عدد من الإغراءات..
يوما مازحتها صديقتها إبتسام في ساعة إنسجام ووئام ، فقد عبّرت عن أمنيتها المُستحيلة ، فيما لو يمكن استعارة شامتها المُضيئة ولو لليلة واحدة ، لا لشيء سوى لرد الصاع صاعين لزوجها فريد الذي يفتش في نواقص غيره وينسى عيوبه ..
كاشفت سهام أمّها عمّا يحصل لها من مضايقات أثناء العمل من قبل الجنسين بسبب تلك الشامَة المشؤومة ، كان جواب أمها :
" ياغشيمة " أنت مبخوتة إذ وهبك الله خصلة مضيئة بها يُجلب المُريد ، تغطي بعض نواقصك كما إنّها مركز الاستقطاب والتركيز .. ياإلهي ، وأنا أمك ، اتقبل كل تقلباتك حين أتطلع إليك من خلالها خاصة حين تخرجين من الاستحمام فتبدو مثل حبة كرز حمراء يافعة ، لكم تمنيت لو اطبق عليها بأسناني همممم .. حتى اخذتها ضحكة مجلجلة ، ثم تصافت وبنبرة جادة أردفت : ثم أنّ الشامات تضيء ليلة الوحشة عند القبر كما يُحكى على لسان جدتي رحمها الله . لم يخفف كلام أمّها معها معاناتها اليومية وإن كان يمدها بشيء من الاسترخاء والزهو ما يجعلها تبتسم لحظيا ..
جرجرتها وساوسها عند غرفتها فراحت تفكر في طريقة جديّة تجعل من الأمر هيّن عليها وتستمر بحياتها بشكل طبيعي ، قالت بصوت يملؤه الجرأة : سأتخلص من الخجل واتعود المواجهة . ربما احتيال أمّها بعد كلامها معها ساعدها بتنشيط عزيمتها ما جعلها تتخطى طبيعة خجلها ، هذا ما حدثها به "صوت فطنتها " ، لا لا يجب أن احسم الأمر فلا استطيع الاستمرار بهذا التردد المقيت . انتبهت انها بدأت تحاور نفسها وبواقعية واصرار وهذا امر جيد ، فمثل هذه المحادثات لابُد أن تُسفر عن قرار ، مع نمو هذا الإحساس وتطويره ستتبدل شخصيتي الخجولة وسيتعود الذين التقيهم على غير تلك التي تعودوا عليها " صوت عزيمتها " .
فرحت بهذا الاستقواء ما دفعها لتقوم بواجبات البيت برغبة ينم عن سعادة واضحة . انتبهت والدتها لذلك وفرحت به قبل أن يباغتها فضولها لتسألها عن السبب ، قالت :
-سيتغير كل شيء ، ستريني مبتسمة على الدوام ..
- هل تقصدين .... وقبل أن تُكمل جملتها ، أجابتها :
-نعم يجب مواجهة نفسي أولا ، هناك تغييرات حاسمة اتمناك توافقيني عليها ..
في الصباح الباكر وفيما كانت تستعد الذهاب إلى عملها بعد تصليح مكياجها وتضبيط هندامها تمعنت في المرآة المترية المركونة قرب البوابة الخارجية والتي تبين تمام قامتها ، انتبهت ، أنّ الشامة والتي كانت تستجلب نظرها بحكم العادة ، لم يعد لها ذلك الحضور ، وإن الموظفين الذين كانت تنتظر تعليقاتهم المتحرشة ونظراتهم الذئبية عند شفتيها لم يعد لهم ذكر ، " مواجهة خوفها المستبطن "، لكنها انتبهت أيضا لمزايا أنثوية أخرى يمكن أن تجلب الإنتباه أيضا وتجعلها في حرج ما يقيد حريتها ، مثلا غصن رقبتها الممدود بأناقة علاوة على برونزيته الموهوب جاذبية ، ثم أنّ نهديها المرتكزين بدلالة قوام صدرها المشدود والذي يجعل من حركتها مهما كانت بسيطة ، سببا لتقافز التفاحتين بطريقة يستجلب الكثير من الإدهاش في ثعلبية تركيز العيون العطشى . كان نهدها الأيسر يباغت نهدها الأيمن هلمّ نتسابق ! . كثرت وتصاعدت الأصوات الضآجة كلما توغلت أكثر في انثوية أبعادها حتى كادت تلتصق بالمرآة بمقدمة أنفها ، فيما كان تنفسها قد فيّض قبل أن يُغيّب ملامحها حتى تبلور الماء في وجه المرآة وسال لعابه . لمّت قوامها وانتصبت ، وقبل أن يباغتها سيل من الأسئلة اللحوح تناولت مزهرية ورد اصطناعي كانت مسترخية عند قاعدة المرآة وهشمت به تمام جسدها المطبوع قبالتها على المرآة . رمت بكل شي خلفها ، تطشر مع قطع وشظايا المزهرية، وبعد أن تخطت عتبة باب الداركانت تمشي بثقة لم تتعودها من قبل وهي تمسك بحضن يدها اليسرى حقيبتها الرصاصية الصغيرة المعلقة بنطاق جلدي أنيق ، جانب رقبتها ، لكي لا يؤثر ترنحه على هفهفة حركاتها ..
ومازالت تمشي الهوينا بثقة " الواثق يمشي ملكا " .
بعد أن اخرست كل منافذ الوسواس الخناس
لم يكن هناك جمهور ولا مسرح وكأنها وحدها... ولوحدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نظرة الغرب للثقافة السعودية تغيرت في السنوات الأخيرة


.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و




.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك