الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومضة ضوء - عن رائعة سامي البدري الكولونيل في شأنه الجانبي/ محطة قطار شرقية -

محمد سعد خير الله
محمد سعد خيرالله عضو رابطة القلم السويدية

(Mohaemd Saad Khiralla)

2024 / 6 / 29
الادب والفن


خلال الأيام الماضية كنت أسيراً لرأئعة الكاتب والروائي المبدع "سامي البدري " الكولونيل في شأنه الجانبي/ محطة قطار شرقية " كنت أنتظر قدوم الساعات الأخيرة من الليل بفارغ الصبر كي يحين موعد إعادتي إلى أكثر من قرن سابق من الزمان، والانتقال من السويد إلى موقع الأحداث في أراضي شبه الجزيرة العربية .

لقد نجح الكاتب باقتدار في أن يجعلني شخصا حاضرا غير مرئياً في أحداث روايته التي تتناول توماس أدوارد لورنس،المعروف والمشهور بلورنس العرب،تلك الشخصية التي لم نعرف عنها إلا القليل حتى يومنا هذا، على الرغم من تحقيقه لانجازات عسكرية تصنف كمعجزات بكل ما تحمله الكلمة من معانى ، وقتما قاد الكولونيل حروب طرد القوات التركية من شبه الجزيرة العربية وإنهاء الحكم العثماني وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا المنجز الأهم لما يطلق عليه الكثير من
المؤرخين "ثورة العرب الكبرى "


تمكن البدري بخلطته التشويقية، من الصفحات الأولى للرواية من اصطحاب القارئ معه، وتعريفه عن قرب بجميع الشخصيات وأهمها " الأمير فيصل و عودة أبو تايه شيخ قبيلة الحويطات ونمره البشري كما كان يطلق عليه ، بالإضافة إلى الشاب البدوي سليم أحمد الذي كان مقربا جدا من الكولونيل ويتردد أنه دخل معه في علاقة مشبوهة ،كذلك الشخصيتين النسائيتين ليلى والعنود "


لفت نظري وبشدة ،دقة سرد البدري لتفاصيل المعارك الحربية وكأنه جنرال سابق أو محلل عسكري متميز. كما أظهر لنا بشكل عفوي تماما غير متعمد، جانب شديد الأهمية من الرقي الإنساني والشهامة العربية عبر عنهما الأمير فيصل و عودة أبو تايه في الكثير من المواقف بدرجة تمنيت معها أن يكون لي أصدقاء على تلك الشاكلة.


طريقة سامي البدري والحكي في تناول يوميات الكولونيل سلسة وبلغية في آن واحد، استوقفتني
الكثير من المشاهد في الرواية للدرجة التي أعدت قراءتها عدة مرات وكأنني أكرر الاستماع إلى إحدى
المقطوعات الموسيقية المحببة لدى من روائع أندريه ريو.


وفي السطور التالية سأتناول بعضها كما جاءت نصا كمحاولة منى لإلقاء الضوء من واقع صفحات الرواية.

المشهد الأول:
بعد معركة البتراء والتي تمكن فيها الكولونيل من خداع ومحاصره الأتراك والألمان في ممر واديها الضيق المؤدي إلى بقايا المدينة التاريخية، دار حوار ما بين الكولونيل و نمره البشري عودة، حول الحرب والمرحلة التي تليها و ماذا سيفعل كل منهم بعدها وبعد أن تحدث عودة عن ما يرتب له ويريد أن يحققه جاء دور لورنس الذي قال( ليتني أعرف أي شيطان يركبني فعلا، فكل ما ذكرته لا يشغلني
بالمطلق. فالكل يتزوجون وينجبون، ولا أجد أن هذا سيضيف إلى شيئاً .أخشى أني سأنتهي نهاية
الاسكندر وأمضي حياتي باكياً،لأني لا أجد حروباً تلهيني عن مواجهة وجهي في مرآة العزلة ) أنتهى الاقتباس، والمشهد يشرح لنا بوضوح ويكشف عن روحه المعذبة والهائمة برغم كل كل انتصاراته.

المشهد الثاني:
دائما ما كان يسأل لورنس عن معنى اسم ليلى "محبوبته " وفي كل مرة كان يأتيه المعنى على إنه الليلة الطويلة و الحالكة السواد ، كان يشك، وكان يقول لمحدثه ليس من المعقول أن يكون هذا الاسم الشاعري الرقيق بهذا المعنى أبدًا لابد أن معناه قد حرفته حادثة ما ، وظل على رأيه هذا وإلى أن التقى في جده ببدوي كهل من بني تميم فسأله عن معنى الاسم أجاب البدوي الوقور ( لقد أهمل
معناه الأساسي، بسبب أنه مكروه من كراهية الخمر ، و إلا فمعناه نشوة الخمر ) ولانه وتطابقا مع صفات ليلاه الخمرية ، كان يتوقع أن يأتي معناه في هذا السياق فعلا صرخ لحظتها فرحا( نعم هذا هو المعنى المناسب، فهي كانت فعلا كنشوة الخمر وبرائحته النفاذة ) أنتهى المشهد والذي يؤكد لنا أن النساء وحدها هي القادرة على تحويلنا كرجال " لأطفال ما بين ليلة وضحاها"

المشهد الثالث :
عندما كان الأمير فيصل يراقب "الكولونيل بصمت "وهو يمسد الجزء الاسفل من لحيته ويتساءل مم يهرب هذا الفتى الأشقر يا ترى؟ إنه يغامر بنفسه ، بالتسلل إلى ما وراء خطوط العدو الدفاعية، من أجل جمع المعلومات لخططه واستحكاماته، ويسافر وحده، في أحيان كثيرة،قاطعا مئات الأميال من مجاهل الصحراء، التي ربما تصعب طرقها على أهلها ذاتهم، ويغامر بنصب الألغام لنسف خطوط
السكك الحديدية وتفجير قطارات المؤن التركية وحده ،هل يعقل أن يكون عمله المميت من أجل نصرتنا أو نصرة حتى جيش بلاده فقط ؟ من يصدق هذا ؟ ( ويتساءل الأمير فيصل بحس فلسفي وحكمة فطرية ) من أي ألم أو حرج يهرب هذا الفتى من حدود الموت يا ترى؟
المشهد على لسان الأمير يلخص لنا جزء من المهارات والقدرات العسكرية المتفردة الاستثنائية لتوماس أدوارد لورنس وأيضا عن شتات روحه.


المشهد الرابع والأخير ويجمع لورنس مع صوت العنود والأمير فيصل عندما كان " غناء العنود يصله ، رخيماً وندياً وعميقاً ، كأنه غناء قلب مبارك ، خرج لتوه من بهجة الفردوس ، ورغم أنها لم تكن تغني بحب ،بل بتحد وغرور .وفي ليلة قمرية تالية، أعقبت نفسه لقاطرتين وعشرة أميال كاملة من خط سكة حديد المؤن التركية ، جلس تحت القمر على تلة قريبة من المعسكر لينصت إلى صوتها ، الذي كان يسمعه برأسه، لا بقلبه. تسلل الأمير فيصل ليجلس إلى جانبه، بسبب أرق ألم به ، وجده مستغرقا
تماما في الإنصات لصوت سحيق فسأله(أليس من الأفضل لو كنت تغني معها الان)أوما الكولونيل برأسه نافياً وقال ( كلا فمثل غرورها يجب الإنصات له عن بعد) ولان ذلك الوقت كان له وحده ، انسحب الأمير فيصل بهدوء ليتركه لوجعه الخاص والصامت، "لأنه لم يكن يحتمل الرفقة " ومع هذه العبارة التي تقطر شجن ، أنهي مقالي وآمل وأتمنى أن أكون قد وفقت ولو بقدر بسيط في حديثي عن رائعة المبدع سامي البدري " الكولونيل في شأنه الجانبي، محطة قطار شرقية "والصادرة من دار نشر لاماسو السويدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نظرة الغرب للثقافة السعودية تغيرت في السنوات الأخيرة


.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و




.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك