الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الجبهة الشعبية والنضال تحت راية الطبقة العاملة
محمد السكاكي
2024 / 6 / 29الحركة العمالية والنقابية
مقدمات اولية:
• إن الحديث عن تنظيم سياسي جبهوي ليس حديثا عن تجميع كمي من المكونات السياسية والنقابية والحقوقية...وغيرها من الحركات المناضلة تلتقي حول أهداف مرحلية محددة في مرحلة تاريخية معينة فقط.
• الجبهة الشعبية ضرورة مرحلية لتعديل علاقات القوى في المرحلة الأولى بالاستناد على مواجهة شراسة الرأسمال الامبريالي وآثاره المدمرة التي طالت فئات اجتماعية أخرى خارج الطبقة العاملة.
• إن الجبهة الشعبية لا تستطيع شق طريقها خارج برنامج محدد يلامس المطالب الأساسية للفئات الشعبية المتضررة من هجوم الرأسمال الامبريالي.
• إن الجبهة الشعبية لا يمكن ان تكون إطارا للنضال ما لم تتأسس على بناء قاعدي متين يقيه من آفات الانحراف البيروقراطي،ويمنحه بعده الديموقراطي.
• كل تنظيم جبهوي دون مضمون تقدمي،سيكون مجرد واجهة من واجهات القوى الرجعية التي لن تثمر إلا وضعيات من النكوص.
إن الحديث عن الجبهة الشعبية بما هي إطار للصراع والنضال ضد المصالح التي تحميها الدولة يستدعيي:
• الحديث عن الدولة ومكانتها في التناقضات الطبقية القائمة ودورها في الصراعات المترتبة عنها.
• استحضار وضعيات الرأسمال الامبريالي وانفجار تناقضاته الداخلية،بما أدى إليه من حركات توسعية استعمارية،وحروب عالمية مدمرة،وازمات اقتصادية خانقة،نتجت عنها حركات عنصرية وارهابية متطرفة...الخ
• ضم فئات اجتماعية أخرى لمواجهة شراسة الرأسمال الامبريالي وكل افرازاته الجديدة التي أضافت إلى دائرة ضحاياها شعوب المستعمرات،وبعض المكونات الاثنية والثقافية في اروبا نفسها.
تأطير الفئات الشعبية الكادحة تحت الراية العمالية،وفشل كل الرهانات خارج الطبقة العاملة في قيادة الصراع وقيادة الجبهة الشعبية.
1-الدولة أداة للسيطرة الطبقية وطرف أساسي في الصراع
إن تاريخ كل مجتمع هو تاريخ تناقضاته الطبقية،وتاريخ الصراعات المترتبة عنها.لأن المجتمع عبارة عن تركيبة طبقية معقدة تتكون من طبقات مختلفة،متعارضة ومتناقضة المصالح،تتكون من تشكيلات متعددة من الفئات...إذا كانت هذه هي قاعدة المجتمعات الطبقية،فإن المجتمعات الرأسمالية تتوضح فيها هذه الصورة أكثر،كونها تقوم على تناقض أساسي هو ما ينظم علاقات العمل في إطار ما يسمى "علاقات الإنتاج"،بين طبقة تنتج الثروة وفائض القيمة (الطبقة العاملة) وطبقة تستغل فائض القيمة وتستفيد منه(الطبقة البورجوازية) عبر "سرقة" جزء من قيمة قوة العمل غير المؤدى عنها للعمال.
إذا كانت هذه العلاقة هي حقيقة علاقات الإنتاج،فإنها لا تبدو دائما بهذه الصورة،بحيث تكون محاطة بخطاب دعائي كثيف يحاول أن يبين حجم ما يستفيده العمال سواء من حيث الأجور أو غيره من الخدمات التي تبدو بمثابة اميازات...كما لوكانت هبة يمنُّ بها رب العمل.ويسعى هذا الخطاب لتوفير تبريرات تمجد الاستغلال وتقدس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج،والإقرار بشكل مسبق باختلاف "الأرزاق".كما يُصور بعض المستغِلين في ثوب الشخص التقي الورع،فيُصوره يتسابق نحو الصفوف الأمامية في المسجد،ويبين سخاءه وكرَمه وفضله على الناس،إذ يمنُّ عليهم بمختلف أشكال الصدقات والمساعدات (الزكاة،المساعدة في بعض المناسبات الدينية...) في مقابل حرمانهم من جزء من قيمة قوة عملهم،وحرمانهم من خدمات يؤدون مقابلها من الأجور المخصصة لهم (التقاعد،الخدمات الطبية،التأمين عن حوادث الشغل...)هذا إضافة إلى حملات جمع التبرعات والمساعدات لفائدة فئات معينة (الأطفال المتخلى عنهم،المسنون،المعاقون...) هي في حقيقتها ضحايا الوضعية القائمة التي يكرسها نمط الإنتاج السائد.وهكذا تبدو حقيقة حملات دعائية تضليلية متواصلة،من كبار مصاصي دماء الشعب،يتنكرون في ثوب "المحسن" الذي يسعى لنشر الخير والمحبة بين الناس ليغطي على حقيقة استغلالهم وحرمانهم من أبسط شروط الحياة.يسلب الناس حقوقهم ليتصدق عليهم بجزء تافه منها،وبذلك يمنح فعله (فعل الاستغلال الاقتصادي) هذا قيمة دينية وأخلاقية،تساهم في تشكيل ونشر وعي زائف،بحيث لا تبدو علاقات العمل على صورتها الحقيقية،بل تبدو بالصورة التي يحاول المستغِل الترويج لها عبر مختلف المنابر،مما يعيق فهم ميكانيزمات الرأسمال ونوعية علاقات العمل التي تتأسس عليه،وبالتالي سبل مواجهته.
إضافة إلى دور الدعاية الإيديولوجية،في تبرير واقع الاستغلال والدفاع عنه،فإنه يكون محاطا كذلك بترسانة قانونية تسلِّم بقَدَرية وقدسية الإستغلال،تدعي احترام حقوق الجميع،كما لوكانت سرقة جزء من قيمة قوة عمل العمال حقا يجب ضمان احترامه.ويكون محاطا كذلك بأجهزة (مادية) من الدولة تفرض هذا الوضع عن طريق نشر وتشكيل وعي زائف من خلال وسائل الإعلام ،المدرسة،المسجد،...أو فرضه بالقوة بواسطة الشرطة،المحاكم،السجون...الخ.
وتبدو هذه الصورة عادية،ولا تثير أي استغراب،أثناء فترات تراجع الحركات الاحتجاجية،لمختلف الفئات الشعبية الكادحة،بحيث تبدو التمفصلات الشكلية بين مختلف مستويات وأجهزة الدولة واضحة،مما يسهم في انتعاش الخطابات العقيمة والتضليلية حول فصل السلط،استقلال المؤسسات،دولة المؤسسات،دولة الحق والقانون،خطابات تختزل كل مجهوداتها في مقاربات قانونية وحقوقية صورية تبين الدولة كما لو كانت عبارة عن أجهزة متعالية عن واقع التناقضات الطبقية ومستقلة عن الصراعات المترتبة عنها.لكن ما أن تبدأ هذه الحركات في إثارة بعض المطالب حتى تبدأ الصورة في التغير بشكل يتناسب مع حجم وقوة الاحتجاج،وقيمة المطالب،إلى أن تختفي الحدود الشكلية الفاصلة بين مختلف اجهزة الدولة الرأسمالية،وتتوحد لغتها أكثر وتصطف وراء راية المصالح الطبقية التي تمثلها في الواقع،وتتوحد الغاية في "الدفاع عن النظام العام"،"حماية وحفظ الحقوق"،"محاربة الفوضى"...لتكميم الأفواه وكبح الحركات الاحتجاجية،بما يؤدي إلى الحفاظ على الوضع القائم واستمراره.إذن هذه هي حقيقة حياد الدولة وضمان حقوق المواطنين - طالما لم يطالبوا بها!-إذن فالنضال الجماهيري عموما والنضال العمالي بصفة خاصة لايكتسي طابعا مهنيا خالصا بل يستدعي مواجهة تتجاوز حدود العمال كفئة مهنية إلى المواجهة مع الدولة ليكتسي النضال العمالي بعدا سياسيا،يفتح أفقا للتغيير الجذري،أفق دولة العمال وكل الفئات الكادحة.
إذا كان النضال الجماهيري عموما النضال العمالي بصفة خاصة يتجاوز دائما حدود ماهو مهني خالص،كونه يمس مصالح طبقية مسيطرة تسندها بنيات إدارية،تشريعية وقضائية قائمة،فإنه يكون في حاجة إلى رؤية مركبة تستطيع دمج كل الواجهات والجبهات والامكانات المتاحة في صراعها ضد الرأسمال.ومن هنا ينبغي تجاوز النضال الحلقي المحدود والأحادي الاتجاه.
إذا كانت هذه قاعدة عامة تحكم علاقات الإنتاج الرأسمالي(في صراعها مع قوى الانتاج الصاعدة)،التي كانت حدثا تاريخيا ثوريا في مرحلة صعود الطبقات البورجوازية،وتغييرها لأنماط الإنتاج الإقطاعية.فإن البلدان التي عرفت نمط الإنتاج الرأسمالي عبر العمليات الإستعمارية،عرفت نموذجا هجينا استطاع أن يدمج جميع أشكال الاستغلال السابقة على علاقات الإنتاج الرأسمالية،إذ لا تزال تتعايش أنماط الاستغلال عبر نظام المحاصصة الذي كان يميز علاقات الانتاج الإقطاعية (الخماس،الرباع) إلى جانب الاستغلال الرأسمالي الذي يميز المنشآت الاقتصادية الحديثة،التي تعتمد نظام الأجر،وهو ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا.
هذه التركيبة الاستغلالية الهجينة،تبين مستوى دمج المستعمَرات في الرأسمال الامبريالي،دون القطع نهائيا مع رواسب المرحلة الإقطاعية،كونها لم تفرز النظام الرأسمالي كنتيجة لتطور تاريخي لبنياتها الاقتصادية،السياسية والإيديولوجية...بل كان نتيحة تطور الرأسمال الامبريالي وحركاته التوسعية،وما يقتضيه من دمج اقتصادات البلدان المستعمَرة في تقسيم العمل الدولي،حيث لم يقم الرأسمال الاستعماري بتدمير البنيات والعناصر المقاومة لهذا الدمج بل عمل على تطويعها وإخضاعها دون أن يحدث فيها تغييرا جذريا،حيث استطاع كسبها والاعتماد عليها في تنظيم الاستغلال ودعم الاستعمار.وهكذا سيرتمي العديد من زعماء المؤسسات الاجتماعية (القبائل) أو ما عُرِف بالأعيان،والعديد من زعماء المؤسسات الدينية (الزوايا) في أحضان الاستعمار،كما دخلت مؤسسات دينية أخرى (المساجد) لِما كان لها من تأثير وقوة في تشكيل الوعي،والتمرد أو الانضباط، كذلك في مهادنة الاستعمار،لتكون الحصيلة توفير بنيات تستوعب الاستعمارونمط انتاجه الجديد دون تغيير جذري.
إذا كانت الصورة في المجتمعات الرأسمالية الإمبريالية تبدو واضحة من حيث الفرز الطبقي والطبقات الأساسية المتصارعة،فإن الاستعمار زاد من تعقيد الوضعية في البلدان المستعمرة.وتداخل البعد الوطني بالبعد الطبقي،فأصبح مطلب الاستقلال الوطني وجها آخر من أوجه التغيير الجذري وإسقاط نظام الرأسمال الإمبريالي.
2- الاستعمار وتعدد جبهات الصراع.
بالنظر إلى التحول الاقتصادي والسياسي العالمي،خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر،وبروز النزعة الامبريالية لنظام الرأسمال،وما ترتب عنه من توسعات استعمارية تطلبها نمو الرأسمالية العالمية،بحيث لم يعد بإمكانها التطور داخل الحدود القومية،فكان الاستعمار كعملية عسكرية سياسية ضرورية أسهمت في تطور الرأسمالية العالمية.
ولمواجهة هذا التوسع الاستعماري تشكلت حركات التحرر الوطني،دون أن تتخذ طابعا طبقيا محددا،فهي لم تكن حركات بروليتارية أو بورجوازية محضة.
وهذه الظاهرة الجديدة -حركات التحرر الوطني -هي ما استطاع لينين ان يستوعبها من خلال مفهوم "شعوب العالم المضطهدة"،تطويرا لمفهوم "عمال العالم" مع ماركس وانجلز،الذي أدى تبنيه بشكل دوغمائي (تبني شعار :يا عمال العالم اتحدوا) إلى قبول الاستعمار،والتخلي عن مطلب الاستقلال الوطني،كما هو شأن الحزب الشيوعي ىالمغرب في النصف الأول من القرن العشرين.
إن لينين استطاع ان يستوعب وحدة المعركة ضد الامبريالية،وإدماج الطبقي بالوطني في الصراع،وبذلك استطاع ان يُدْخِل شرائح اجتماعية أخرى إلى جانب الطبقة العاملة في الصراع ضد الرأسمال الامبريالي،انطلاقا من واقع اختلاف الفرز الطبقي في البلدان المستَعمرة بالمقارنة مع البلدان الرأسمالية الاستعمارية.
كما أن النصف الأول من القرن العشرين،ونتيحة التوسع الامبريالي،تفجر التناقض الذاتي في الرأسمال فكان ما عرف بالحرب العالمية الأولى،حيث تم تقسيم العالم اقتصاديا في البداية وتقسيمه عسكريا بعد ذلك.لكن أثناء هذا التقسيم،تعارضت المصالح بين مختلف المراكز الامبريالية،وتبعا لهذا التعارض سيتم الاستقطاب (في إطار سياسة الأحلاف العسكرية) وهو ما أعطى بعدا عالميا لحرب تناقض الرأسمال (أو تناقض المصالح الرأسمالية) الذي دفعت ثمنه علاوة على البلدان المستعمَرة خارج أروبا،بعض البلدان الأوروبية نفسها خاصة تلك التي انهزمت في الحرب مثل ألمانيا.
لم يكد يمض عقد من الزمن على انفجار التناقض الداخلي للراسمال حتى انفحر آخر ،هو ما يعرف في التاريخ بأزمة 1929 الاقتصادية،التي كان تأثيرها على بقية بلدان العالم بحسب درجة الارتباط بمراكز الرأسمال الامبريالي.وهذه العوامل نفسها،هي ما كان وراء بروز النزعات والحركات العنصرية والديكتاتورية في اروبا مثل النازية،الفاشية،ديكتاتورية فرانكو...التي أثارت نقاشا حادا داخل الاحزاب الشيوعية في اروبا بحيث تشكلت داخلها توجهات جديدة تقر بضرورة التحالف التكتيكي والمرحلي مع "مكونات اجتماعية وسياسية"خارج الطبقة العاملة،لأن مواجهة الحركات العنصرية ليست مهمة الطبقة العاملة وحدها.واستطاعت أن تمنح لها (التوجهات الجديدة) بعدا أمميا ترجمتها أدبيات المؤتمر السابع للأممية الثالثة ب"الجبهات الشعبية".
-3الجبهة الشعبية وضرورة تعديل علاقات القوى
إن الصيغ التنظيمية الجبهوية كانت في البداية جوابا على تداخل بين المطالب العمالية التي تخص التغيير الجذري ومطالب جميع فئات المجتمع،مثل النزعة العنصرية التي استهدفت جميع الأجناس غير الآرية على يد الحركة النازية التي حكمت ألمانيا من 1934إلى 1945،أو نظام الحكم الفاشي في إيطاليا،أو ديكتاتورية فرانكو القومية المتطرفة في إسبانيا،أو نظام الابارتهايد الذي تميزت به جنوب إفريقيا الذي أقام سياسة الفصل والعزل بالاعتماد على لون البشرة،والنزعة العنصرية التي قامت على أساسها الحركة الصهيونية ودولتها الاستعمارية (اسرائيل)،التي اعتمدت الدين بمثابة أساس ايديولوجي للتمييز،النهج نفسه سارت عليه العديد من الحركات الأصولية الإسلامية مثل حزب الله،حركات طالبان،الدولة الإسلامية...وغيرها من الحركات السياسية التي تجعل من الدين معيارا للفصل،بشكل يخفي حقيقة التناقضات الطبقية ويسهم في نشر وعي زائف ويزج بقطاعات واسعة من الفئات الشعبية الكادحة في معارك هامشية في حقيقتها معارك يقتضيها تطور الرأسمال الامبريالي من حيث انها توفر سوقا كبيرة لاستهلاك السلاح والإسمنت.
وأثير هذا النقاش أول الأمر في صفوف الحزب الشيوعي الإيطالي على شكل صراع بين توجه أ.بورديغا وتوجه آخر تزعمه أ.غرامشي،حيث كان الأول من أشد المعارضين للتحالف مع حركات سياسية أو اجتماعية خارج الطبقة العاملة،في حين سيؤكدغرامشي أن هذا الأمر هو ما اتاح الفرصة للحركة الفاشية للصعود إلى السلطة،ولم يكن يرى منذ البدء في مواجهة الفاشية مهمة الطبقة العاملة وحدها.وبهذا ستتيح الصيغ التنظيمية الجبهوية إمكانية ضم قوى ومكونات سياسية مناضلة لا توحدها بالضرورة استراتيجية التغيير الجذري،بحثا عن تحالفات مرحلية وتكتيكية تهم مطالب أوسع الفئات الشعبية الكادحة،الكفيلة بتعديل موازين القوى لصالح الحركة الجماهيرية وحركة التغيير الجذري.
وبالنظر لحالة المغرب فإن مطلع الثمانينيات من القرن الماضي(القرن العشرون) تميز بمباشرة الدولة لما عُرِف بسياسة التقويم الهيكلي الذي فرضته المؤسسات المالية الدولية،حيث توجه إلى تقليص الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم،بخفض ميزانية الدولة المخصصة لهذين القطاعين،عكس ما يقتضيه التزايد الديموغرافي،وفتح المجال للاستثمار الخاص بدون قيود؛مما حرم فئات عريضة من الشعب من حقها في الصحة والتعليم،كانت من نتائجه الأولية تفشي مختلف انواع الأمراض وانتشار الأمية.
كما عرفت العديد من القطاعات العمومية الأخرى (التي كانت تابعة للدولة ) المصير نفسه،بتقديمها على شكل هدايا للاستثمار الخاص،في إطار ما يسمى بالخوصصة،مما حرم خزينة الدولة من موارد مالية ضخمة،وفتح المجال أمام القطاع الخاص للمضاربة والاحتكار بدون قيود،وما تعرضت له مصفاة لاسمير في قطاع المحروقات خير نموذج،أما الأراضي الفلاحية المملوكة للدولة (صوديا،صوجيتا) فقد شكلت في معظمها هدايا مجانية لبعض الأشخاص نموذج ما تم تقديمه لأحد العدائين من مساحات المنطقة السقوية لنهر ملوية،أو ما تم تفويته قبل ذلك في النصف الأول من العقد التسعيني بدرهم رمزي نواحي منطقة سيدي قاسم لمساحات شاسعة من هذه الأراضي.أما قطاع الاتصالات فكان هدية مجانية للقطاع الخاص،بتفويته في وضع من الامتيازات،تستند بالأساس لغياب المنافسين والمنافسة،بما يسمح بالتحكم في السوق وبالشروط التي تروقه.
كما ترتب عن دمج المغرب في إطار التقسيم الدولي للعمل الذي يقتضيه الرأسمال الإمبريالي المزيد من الظواهر الاجتماعية السلبية مثل البطالة، التي امتدت لتشمل أطرا يتميزون بتكوين أكاديمي عالي وبالحصول على شهادات اكاديمية عليا.في مقابل ارتفاع نسبة الأمية والانقطاعات المبكرة عن الدراسة.وإذا استحضرنا الآثار السلبية للبطالة فإنها تشكل مصدر كل الآفات الاجتماعية وعلى رأسها الجريمة،فالعلاقة بين الجريمة والبطالة هي العلاقة بين المقدمة ونتيجتها المنطقية والطبيعية.
أما قطاع العقارو بالنظر للطابع الريعي للرأسمال المحلي،الذي يعتمد الاستثمار في قطاع الخدمات ذات الدورة الاقتصادية القصيرة.وبالنظر كذلك إلى المبالغ المالية الضخمة المتحصلة عن طريق الاتجار في المخدرات ومختلف اشكال الفساد من رشوة واختلاسات ونهب للمال العام،فإنه شكل ملاذا آمنا للاستثمار والمضاربة وتبييض الأموال؛نتج عنه خنق القطاع يكشف حقيقته (وجهه الآخر)،انتشار مدن من الصفيح،كإقرار بمصادرة حق الفئات الشعبية في سكن لائق.
أما وضعية العالم القروي،فتكاد تنعدم أبسط مقومات الحياة مثل السكن،الماء،الكهرباء،وسائل النقل، الشيء الذي زاد من تعميق واقع العزلة والتهميش على جزء كبير من الشعب.وفي المقابل تنتعش مختلف مظاهر الفساد ونهب للمال العام.فالفساد اصبح يشكل بنية مجتمعية قائمة بذاتها،ولم يعد انفلاتا في سلوك بعض المسؤولين،بل أصبح صفة أخرى لمؤسسات الدولة ومواقع المسؤولية (الجماعات المحلية،السلطة المحلية،البرلمانيون،مسؤولو الأندية الرياضية،صناديق التعاضديات والتأمين...)وبلغ هذا الفساد أوجه بعدم القدرة على التشريع لتجريم الإثراء غير المشروع،مما يعني وبوضوح التشجيع على نهب المال والممتلكات العمومية،وعدم مصادقة البرلمان على مبلغ التعويضات الشهرية والتي حاولت بعض الجهات ان تحصره في 150000 درهم دون جدوى،كما تم رفض الكشف عن قيمة أجور كبار موظفي ومسؤولي الدولة.هذا يضاف إلى عملية التهرب الضريبي التي حولت كبار المستثمرين إلى لصوص للمال العام بحرمانهم لخزينة الدولة من مستحقات مالية ضخمة.وهذا ما تنعكس آثاره السلبية بشكل مباشرعلى القوت اليومي للفئات الشعبية الكادحة دون أن يكتسي دائما طابعا طبقيا محددا،فرغم كونه نتاج لشراسة هجوم الرأسمال الامبريالي ووكلائه المحليين،فإنه لم يقتصر على الطبقة العاملة وحدها،بل يشمل الشغيلة بمختلف مكوناتها ومختلف شرائح البورجوازية الصغيرة والفلاحين الفقراء...الخ،بحيث يؤدي الأمر في الأخير إلى مزيد من الفرز الطبقي،بحيث تتسع قاعدة الفئات الشعبية الكادحة في مقابل ازدياد الثروات تركيزاً في أيدي أقلية من الطبقة المستغِلة.
إن عملية التفقير هذه،هي نتيجة مباشرة لسيرورة نظام الرأسمال وميكانيزمات اشتغاله،بحيث يسعى دائما إلى توسيع نطاق الأرباح،من خلال رفعه لقيمة قوة العمل التي يسلبها للعمال مما يؤدي مباشرة إلى انخفاظ الأجور،من خلال التعويض على جزء أقل من القيمة الحقيقية لقوة العمل،والرفع من سعر البضائع،وهي ما يبين المبلغ الحقيقي الذي يستفيده الرأسمالي عبر عملية الاستغلال،بحيث يتحدد من خلال الفارق بين سعر البضاعة (او كلفة انتاجها) وسعر البضاعة المعروضة للاستهلاك.
هذه الوضعية تجعل العديد من الفئات الشعبية الكادحة عاجزة عن توفير المتطلبات الأساسية للحياة،مما يدفعها أحيانا للبحث عن موارد أخرى باللجوء لأعمال هامشية أخرى مكملة،التسول،الاختلاس السرقة،الرشوة،الرهان(القمار)....الخ.
إن إدماج المستعمرات السابقة في التقسيم الدولي للرأسمال الامبريالي لم تنحصر آثاره في الجانب الاقتصادي بل شمل كل البنيات الاجتماعية وعمل على تشكيل ونشر وعي سياسي جديد وساهم في بلورة منظومة قيمية جديدة تستوعب التحولات التي يفرضها الرأسمال الامبريالي وتمكن من مسايرته،فيفرض قضايا لا تعبر عن متطلبات الفئات الشعبية لهذه البلدان،وتثير القضايا بشكل معكوس.ولذلك أُثيرت بعض المشاكل ونالت أكثر من حجمها الحقيقي نموذج ما يعرفه الشذوذ الجنسي من اهتمام وتحويله إلى قضية حقوقية كبرى.وحوار/صراع الأديان،الإرهاب...مقابل الصمت حول الإبادة الجماعية التي يتزعمها الرأسمال الامبريالي وذراعه الأيمن (الصهيونية) في كل من فلسطين،أفغانستان،السودان،اليمن...الخ
ومقابل الصمت كذلك تجاه تجويع شعوبةالعالم ونشر الرعب والحروب وانتهاك سيادة البلدان وتدمير قدراتها العسكرية والاقتصادية.وكما اصبحت المؤسسات المالية الدولية تتحكم في القوت اليومي للمواطنين،اصبحت المجمعات الصناعية الحربية ومجمعات الإسمنت تنشر الحروب والدمار.وبذلك تكون العلاقة بين بلدان الرأسمال الامبريالي والأنظمة الموالية في المستعمرات السابقة علاقة غير متكافئة تكون على حساب المتطلبات الاقتصادية لشعوبها وعلى حساب قراراتها ومواقفها في السياسة الخارجية (السياسة الدولية)،وفي هذا السياق يمكن ان نفهم استقطاب المغرب إلى سلسلة من المناورات العسكرية التي تقودها امريكا بشكل يهدد استقرار المنطقة ويهدد بالزج بها في حرب مدمرة،وفرض كسر الحدود مع كيان الاستعمار الصهيوني بفتح العلاقة على مختلف المستويات،عسكريا،اقتصاديا،سياسيا،ثقافيا...بشكل يزيل كل العقبات أمام الاختراق الصهيوني،أو كما سماه عراب التطبيع الاول مع الكيان الصهيوني،انور السادات ب"الحواجز النفسية"،بما يسمح باستيعاب والتعايش مع كيان استعماري قائم على تهجيىر وإبادة الشعب الفلسطيني على امتداد ثمانية عقود من الزمن بدون توقف.
إذن بالنظر لهذه الوضعية،فإن الأمر يقتضي تجاوز النضال الحلقي المحدود،بضم وحشد أوسع فئات الشغيلة والفئات الشعبية الكادحة،وكل الإطارات والتعبيرات التنظيمية (سياسية،حقوقية،نقابية،جمعوية...) المناهضة للاستغلال الرأسمالي،في إطار يستوعب واقع الاختلاف،ويضع برامج نضالية (مرحلية واستراتيجية) في إطار ما يُعْرَف ب"الجبهة الشعبية"،قادرة على تعديل موازين القوى.وتكون الطبقة العاملة هي عماد هذه الجبهة سواء من حيث كونها طبقة منتجة لفائض القيمة وبالتالي دورها المحوري في الصراع أو من حيث القوة والتأثير أو من حيث الأفق.فكل جبهة غير قائمة على الطبقة العاملة وفئات الشغيلة المرتبطة بها،فإنها ستحكم على نفسها بالفشل قبل البدء،وهذا ما يفسر الإخفاقات المتتالية (المتواصلة) للحركات الاحتجاجية التي لا تستند على قاعدة عمالية وعلى أفق النضال العمالي.وستعيد تكرار التجارب السابقة دون إمكانية لتجاوزها،بالنظر لضيق الأفق والطبيعة غير المؤثرة للعديد من الفئات الشعبية خاصة موظفو الدولة.
4- حدود قدرة الموظفين على النضال وآفاقها: الرهانات الفاشلة
يشكل الموظفون،وخاصة موظفو الدولة،قطاعا مهما من الشغيلة،وتختلف مهامهم ومراتبهم بحسب مستوى ما يستفيدونه من عملية توزيع فائض القيمة،الذي تنتجه الطبقة العاملة بالدرجة الأولى.استفادة الموظفون من هذا الفائض الذي يتم تدويره عبر آلية الضرائب تجعلهم يتوصلون بشكل منتظم بمبلغ مالي محدد يسمى بالأجر الشهري،تقتطعه الدولة من "المال العام"،ويخضع لإجراءات مسطرية محددة،تفرض على الموظف المستفيد الالتزام والتقيد بالعديد من الشروط وعلى رأسها انجاز العمل المسند إليه،وإتقانه واحترام القوانين المنظمة له وما يرتبط به من جوانب شكلية أخرى (احترام المرفق،احترام الرؤساء،الالتزام بتنفيذ المهام المسندة....).
هذا من جهة الواجبات التي يجد الموظف نفسه مقيدا بها.أما من جهة الحقوق فيتم التنصيص عليها من خلال العديد من النصوص التشريعية والتنظيمية،تحدد له حقوقه المرتبطة بالجانب المالي ومبلغ مستحقاته،وكذلك بقية الحقوق الأخرى سواء المادية او الرمزية التي يقتضيها أداء عمله.
هذه إذن ،الوضعية العامة للموظف من الناحية الصورية،أما في الواقع فغالبا ما تختلف الصورة عن الواقع الذي تمثله أو تحيل عليه.فإذا أخل الموظف بشرط من شروط التشغيل التي تجمعه بالدولة (كمشغِّل) ستلجأ بحكم "القانون" إلى اتخاذ ما تراه "مناسبا" من الإجراءات ضده بكل سهولة،لأنها تستند على امتلاكها لسلطة التشريع فتصدر القوانين التي تراها "مناسبة"،وتملك سلطة القضاء الذي تجعلها تأخذ قوتها الفعلية،وتملك ايضا سلطة التنفيذ لتجعلها فعلا ملموسا في لحظة ومكان محددين.أما حين يتعلق الأمر بإخلال الدولة بواجباتها تجاه الموظف (وهي ما يشكل حقوقه) فإن الأمر سيكون مختلفا،ولم يكن أمامه من خيار إلا طريقة واحدة وهي طريقة "الإضراب" كأسلوب للإخلال بالسير العادي للعمل -بما يحمله من آثار-لجعل الدولة تستجيب للمطالب التي يتقدم بها الموظفون.وهنا يبدأ الاصطدام وتبدأ المراوغات ويتم البحث عن مبررات لإقناع الموظفين للعدول عن الإضراب،عن طريق تفسير وتأويل للقانون احيانا،وباستحضار "المصلحة العامة احيانا" أخرى،أو اللجوء إلى شروط عامة قد لا يوجد أي مبرر لاستحضارها،عادة ما يعبر عنها ب"الإكراهات"،أو الإدعاء ان هذا الوضع مطروح حتى في دولة من الدول القوية من الناحية الاقتصادية.هذا من جهة المبررات التي يتم الالتجاء إليها كمرحلة أولى حتى تحافظ الدولة على صورتها الشكلية المخصصة للترويج والاستهلاك الإعلاميين.أما إذا لم تفلح هذه الأساليب على ثني الموظفين عن الإضراب،فإنها ستلجأ إلى أساليب عنيفة كالتهديد،القمع،اتخاذ إجراءات قاسية ومهينة رغبة في الإذلال والضغط قصد الاستسلام،على رأسها إيقاف صرف الأجور،التوقيف عن العمل،الحرمان من الترقي اوقهقرة الموظف في الرتب أو الدرجات وبالتالي خصم المبلغ المستحق كمرتب شهري،أو المتابعة القضائية والاعتقال...
إذا استحضرنا واقع القطاعات المهنية وطبيعتها فسيتبين أنها تختلف بشكل أساسي فيما بينها من حيث المردودية المادية المباشرة بالنسبة للدولة(سواء من جهة انتاج فائض القيمة،أو من جهة تحقيق فائض القيمة،أو من جهة ما يتطلبه هذا القطاع من تمويل من ميزانية الدولة).هذا الاختلاف،يجعل مكانتها وبالتالي دورها يختلف بشكل عام،ما بين هذه القطاعات من حيث إسهامه في "الإقتصاد الوطني"،وبالتالي تأثيره.فإذا كان القطاع الذي ينتج فائضا في القيمة يشكل العماد الأساسي ل"لاقتصاد الوطني"، بالنظر لدوره الإنتاجي،فإن القطاع الذي يحقق فائضا في القيمة لا يقل عنه أهمية في حجم ما يساهم به من المردودية رغم كونه قطاعا غير منتج،لأن قطاع الخدمات،يمتلك قدرة على التحكم في المنتج والمستهلك،لدوره في الربط بين الطرفين وإن كان ذلك عبر شبكة معقدة من الوساطات والخيوط غير المرئية.أما القطاعات التي تمولها الدولة من المال العام،رغم مكانتها وأهميتها لا تملك قدرة على التأثير بشكل كبير على شرايين الإقتصاد،وإن كان تأثيرها ينعكس بشكل محدود في مجالات أخرى.
باستحضار هذا الاختلاف بين القطاعات،يمكن أن ندرك مدى الاهتمام الذي تعيره الدولة لكل قطاع على حدة،ومدى "الضرر"الذي قد يصيبها جراء توقف الشغيلة في هذا القطاع أو ذاك.
ولذلك فإن نضال الموظفين يظل محكوما بهذه الشروط العامة،بحيث يتحدد موقعهم كشريحة من شرائح البورجوازية الصغيرة،لايمكن أن يلعبوا دورا محددا في التاريخ،خارج الاصطفاف إلى جانب الطبقات الأساسية في أي مرحلة من المراحل التاريخية.ولذلك فنضال الموظفين يظل دائما محدودا بأفق ضيق لا يتجاوز في أحسن الأحوال تحسين بعض شروط العمل (الأجور،ساعات العمل،التقاعد،....)،التي تظل مشروعة،لكنها في الغالب ما تكون مستحيلة في ظل الشروط القائمة،لأنها ليست وليدة ظرفية طارئة وعابرة،بل هي تعبير عن طبيعة نمط الإنتاج القائم،مما يجعل هذه المشاكل التي يعاني منها الموظفون لا يمكن حلها إلا في إطارها العام والشامل،بالبحث في الأسباب الحقيقية داخل علاقات الانتاج القائمة،وفي البنى الفوقية التي تسندها،والبحث عن الحلول خارج الدائرة الضيقة لمطالب الموظفين،بحيث يتبين أن نفس الأسباب هي التي تكمن وراء جميع مشاكل الطبقات والفئات الاجتماعية موضوع السيطرة.
إذا تفحصنا واقع القطاعات المهنية كلها التي تعتمد على نظام الأجر،سيتأكد اننا امام نفس المشاكل،مع تفاوت في الحدة أحيانا،وبالتالي أمام نفس الأسباب،لكن النضال "الحلقي" الضيق الأفق لايجعلنا نرى الأمور كذلك،بل نختزل الأمر في انفلات في التدبير او شطط في استعمال السلطة،او طغيان بعض المسؤولين...في حين أن الأمر يتجاوز ذلك إلى ماهو بنيوي لا يمكن حله خارج عملية التغيير الشامل.لكن واقع الموظفين كشريحة اجتماعية،وبالتالي قدرتها على النضال،لايسمحان لها بالسير بعيدا على درب المواجهة،وخاصة حين يعتمدون في اساليبهم النضالية الانعزال والاجتهاد في فصل مشاكلهم المهنية عن بقية المهنيين الآخرين،رغم ترابطها وتداخلها البنيوي،بشكل يبين ضيق الأفق وبالتالي الطابع الانتهازي لنضالهم،بحيث لا يمانعون في الاستفادة دون غيرهم،او حتى على حسابهم.
ولذلك يجتهدون في الفصل بين القطاعات المهنية التي تعتمد نظام الأجر،والاجتهاد في الفصل اكثر ما بين مجموعات وفئات القطاع الواحد،وبذلك اعتمدوا اساليب جديدة وغريبة في الوقت نفسه،تشكل ردود افعال على مشاكل آنية في إطار ما يعرف ب"التنسيقية".
إن اسلوب النضال الغريب هذا،لا يسمح ابدا بتشخيص الوضعية المجتمعية الحقيقية،وبالتالي يستحيل فهم الميكانيزمات الفعلية حتى لوضعيتهم المهنية بحكم واقع التشابك والتداخل بينها وبين جميع المعطيات المجتمعية الأخرى.وهذا ما يعكسه واقع البؤس الذي يطبع فهمها وتصوراتها لواقعها المهني،وبالتالي أساليبها "النضالية" الانتهازية، الضيقة الأفق،بحيث تسعى إلى الابتعاد أكثر عن الحركات الاحتجاجية الأخرى،وتجاهل لكل القضايا الكبرى للشعب المغربي-الذي أصبحت بنهجها هذا متنكرة له-ناهيك على قضايا الإنسانية الكبرى كنتاج مباشر لشراسة تطور نظام الرسمال الإمبريالي.
وهكذا سيتحدد أفق حركة نضال الموظفين كحركة انتهازية تسعى إلى أهداف ضيقة دون أن تتمكن أبدا من الظفر بها،خارج اصطفافها إلى جانب فئات الشغيلة الأخرى المنتجة لفائض القيمة،وخارج اصطفافها إلى جانب الحركات الجماهيرية المناضلة ومواقفها التقدمية عموما.
إن كل وهم بالنضال" الحلقي الضيق،هو نوع من الانتهازية،ونوع من التضليل،يبعد الموظفين عن حقيقة النضال،ويضاعف مقدار الابتعاد،بقدر هذا السير في الاتجاه المقلوب.إن حركة النضال أصبح من الواجب أن تتوسع أكثر بالنظر لتشابك المطالب وبالنظر إلى تمدد الرأسمال الإمبريالي في إطار ما يعرف ب"العولمة" وتشابك وتداخل مصالحه على الصعيد العالمي.
إن النضال "الحلقي" الضيق،ومن قبله النضال أحادي الاتجاه الذي أفرز الوضع الحالي،كان يتوقف دائما عند تمفصلات القطاعي(النقابي،الحقوقي،،،،،)بالسياسي،إذ يتوقف عند هذه الحدود، دون أن يستطيع تجاوزها،ففي الحركة النقابية مثلا تم ترسيخ تصور رجعي انتهازي يقتضي عدم ملامسة أو البحث في الاسباب السياسية أوصياغة مواقف سياسية تجاه القضايا المجتمعية،لأن النقابة لايجب ان لا تثير قضايا ذات طابع سياسي ...الخ،ونفس التصور تم تكريسه في باقي الإطارات (الحقوقية،الجمعوية بصفة عامة)،وبذلك تشكلت حواجز تاريخية صلبة من التفكير الضيق الأفق في هذه الحركات،ولم تستطع أن تتجاوزه،بل أصبح يثمر ما هو أسوأ.
إذا كانت هذه الحركات تتوقف عند نقطة التمفصلات الكبرى بين ماهو قطاعي وماهو سياسي،فإن الأمرلا يتطلب الانتهاء،بل يتطلب تفكيرا أعمق ومواقف أكثر جرأة وأفقا للنضال أوسع،يتطلب كيفية صهر نضال هذه الحركات في أفق واحد هو أفق التغيير الشامل،نكون بذلك قد عثرنا بشكل ملموس وبكيفية واضحة كيف يمكن الربط بين جميع المشاكل رغم اختلافها،لأننا سنكتشف أن هذه الوضعية هي نتاج لنمط الانتاج القائم،والبنى الفوقية التي يقتضيها استمراره وتطوره.
وبذلك فإن كل نضال اونضال نقابي،دون ان يكون واجهة من واجهات الصراع الطبقي،ومكونا من مكوناته سيصبح بالضرورة واجهة للطبقة النقيض لإحكام سيطرتها على الطبقة العاملة ومعها عموم الشغيلة.إن النضال النقابي خارج أي تصور محدد للصراع الطبقي،يبقي عليه في دوامة مغلقة من حيث آفاقه،ويبقي عليه في وضع حلقي ضيق من الناحية التنظيمية بحيث لا يستطيع حشد القوة اللازمة لتحقيق مطالبه،ضعفه وعجزه هذا سيفقده مكانته وقوته على الضغط وبالتالي التأثير،ويضظر إلى القبول بالفتات مقابل البحث والترويج للمسوغات التي يحتاج إليها القبول بالأمر الواقع.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. عوام في بحر الكلام - محمد عبد القادر: 90% من العاملين في هيئ
.. أول ظهور لصاحب محل كابر صبحي الجديد: محدش مشي من العمال وكان
.. مصطفى حسني يحدثنا عن العامل المشترك بين الصحابة رضي الله عنه
.. آلاف العمال الأجانب في لبنان بلا مأوى مع ضعف الإمكانيات
.. الصحة العالمية: مقتل 28 من العاملين في مجال الصحة في لبنان خ