الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصحاب الجلالة والسيادة والسمو

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


نعوت توارثتها البشرية كانت ذات يوم لها مضامين مرئية ومحسوسة في الممارسة لكنها في العالم المعاصر فقدت كل مضامينها الأصلية وتحولت إلى مجرد ألقاب شرفية لا تعطي لحاملها أي ميزة على غيره. في مفهوم العالم المعاصر، أصبحت صفات الجلالة والسيادة والسمو حكراً على القانون، النافذ في الكافة على قدم المساواة. لكن في الثقافة والممارسة العربية، لا تزال هذه المفاهيم القديمة فاعلة بنفس قوتها الأولية. وهذا ما يضع المجتمعات العربية كافة ضمن الفئة القديمة، بمعنى التقليدية، في مقابلة مع نظيراتها الحديثة حول العالم.

في المفهوم، الله هو صاحب الجلالة والسيادة والسمو الأعلى، الأعلى على الإطلاق كونه الخالق. الله يتربع على قمة هرم الجلالة والسيادة والسمو في حياة البشر؛ ومنه تستطيع البشرية أن تستعير قبساً من نور سيادته الكونية. وهذا القبس، مهما كان ناقصاً ومعيباً بحكم بشرية القابضين عليه، كافٍ لكي يضمن لهم نصيباً من الجلالة والسيادة والسمو وسط غيرهم من البشر غير القادرين على الولوج إلى النور الإلهي والحكمة الإلهية. ومن يكون هؤلاء القادرون على ثبر أغوار الأسرار الإلهية والعودة منها بما ينفع حياة البشر؟

رجال الدين في كل العصور والأمصار القديمة. هؤلاء يسندون منزلتهم وسموهم وسط أقرانهم العاميين على قدرتهم على الاتصال بالآلهة، والعودة من هناك بالأوامر والنواهي والتعليمات والشرائع التي تنفع الناس وتغفر الخطايا والذنوب وتقيم العدل والقسط بينهم. بعد الله، رجال الدين، في النظرية والمفهوم، هم الأعلى منزلة على الإطلاق فوق الأرض، كونهم الأكثر قرباً من الله والأكثر علماً برسالته إلى الأرضيين. ولما كانت الرسالة الإلهية هي الأقدس في أعين هؤلاء، كانت الرسالة أو الشريعة ذات المصدر الإلهي التي يستنبطها أو يفسرها أو يجتهد فيها الدينيون هي كذلك أيضاً، بحكم قاعدة الأصغر جزء من الأكبر. لكن في عالم الممارسة لم يكن الوضع كذلك فعلاً أبداً. ولم تخلو الساحة يوماً من المنافسين والمزاحمين والمقاتلين لرجال الدين على الجلالة والسيادة والسمو وسط العامة. وخلال النصيب الأعظم من تاريخ البشرية، كانت الهيمنة الفعلية على حياة البشر من نصيب الغزاة وقطاع الطرق وسفاكي الدماء وقاطعي الرقاب وناهبي الثروات، وهؤلاء هم حرفياً الأكثر بعداً وانحرافاً عن السيادة والعدالة السماوية المنشودة.

مع ذلك، بطرق شتى، استطاع هؤلاء الحكام الأقوياء تجنيد السيادة الإلهية لمصلحتهم الشخصية، حين جنَّدوا رجال الدين في خدمتهم وشملوهم بحمايتهم وكرمهم. وهكذا، مع تعاظم القوة، تحول الدين إلى همزة وصل ما بين الله من ناحية والملك من الناحية الأخرى. أصبح الملك خليفة الله في الأرض، أو نسخة مصغرة من الخالق وصاحب السيادة الأعظم. الملك قَدَر البشرية، اختاره الله لهم. ما هو مصير من لا يرضى بقضاء الله وقدره؟!

ثم، خلال الحقبة الأوروبية الحديثة، واجهت النظرية الإلهية القديمة تحديات ومحن أخفقت فيها جميعاً، لتسقط بالكامل ويخسر رجال الدين سموهم المعنوي القديم. لقد تصدع أخيراً الهرم السلطوي الذي ظل الإله يتبوأ ذروته منذ أكثر من ألف عام. حين تلاشت الفكرة من المفهوم البشري، تصدعت معها النظم السلطوية الدنيوية الواحدة تلو الأخرى كقطع الدومينو. زالت مضامين الجلالة والسيادة والسمو عن النخب وحل محلها سيادة القانون، فوق الملك والنخب قبل ومثل بقية الناس العاديين وعلى قدم المساواة التامة معهم.

مع ذلك، في الممارسة العربية الحاضرة، يبقى هناك واقع تمييزي وتسلطي فاضح وفظ ومخزي، إلى الحد الذي كأنه يُضفي على البعض جوهراً يستثنيه من دنيا البشر. إذا كان الجوهر البشري للناس جميعاً واحد، من أين يأتي المبرر والمسوغ لجلالة وسمو وسيادة البعض على الآخرين؟ لكن، في المفهوم العربي، الجوهر البشري ليس واحداً. لأن الله لا يزال حاضر وحاكم فوقنا بقوة من السماء، هؤلاء المتصلين به والعارفين بأسراره يكتسبون بالضرورة جوهراً أعلى وأسمى من العامة، وبالتالي يحق لهم وحدهم- أو من يبايعونهم- السيادة فوق العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب