الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعًا عن الأدب العربي المترجم إلى اليونانية وليس بيرسا

خلف علي الخلف

2024 / 6 / 30
الادب والفن


بسبب علاقة شخصية تربطني باليونان، حيث أقمت فيها فترتين وتعلمت اليونانية للحياة اليومية ثم نسيتها، والتي نتج عنها أيضا علاقتي بالمؤسسة الثقافية اليونانية في الإسكندرية، ونظرا لعلاقة الصداقة المديدة والمستمرة التي تربطني بخالد رؤوف الذي ترجم عشرات الكتب من اليونانية إلى العربية، تابعت الحملة ضد المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسي التي تترجم الآداب العربية إلى اليونانية.
تقود تلك الحملة صحيفة مصرية يرأس تحريرها أحد أعلام برامج "التوك شو" المصرية السطحية والمثيرة للغثيان. وبرامج "التوك شو" المصرية تخترع مواضيعًا بناءً على توصيات الجهات التي تتحكم بالإعلام المصري، لتغطي على غياب النقاش السياسي والثقافي والاجتماعي الجاد في الإعلام المصري.

أعرف بيرسا وتحدثنا مرات قليلة، ولم نلتق بشكل شخصي، وليس هذا سبب كتابتي هذه لكني أذكره كي أعطي المتصيدون فرصة لتأليف الهراء.

تعمل هذه السيدة في حقل الترجمة منذ أربعين عامًا، بشكل محدد في ترجمة الآداب العربية إلى اليونانية، وتتحدث العربية باللهجة المصرية، فهي وُلِدَتْ في القاهرة ودرست حتى انتهت من الدراسة الجامعية في مصر قبل أن تعود لليونان.
منذ بداية رحلتها في الترجمة، ترجمت عشرات الكتب لمؤلفين مختلفين، أبرزهم نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الآداب. وتحظى بيرسا بمكانة مقدرة في الثقافة اليونانية، وهي كاتبة بالإضافة إلى كونها مترجمة، وقد حصلت في عام 2021 على جائزة حمد الدولية للترجمة من دولة قطر، في فئة جوائز الإنجاز في ترجمات اللغات المختارة، فرع اللغة اليونانية الحديثة بالتعاون مع الصديق خالد رؤوف.

بداية استغربت أن يرسل لي أحد الأصدقاء غير المصريين رابط مقال في جريدة مصرية، واستغربت أن تلك الجريدة ما تزال حية ترزق رغم تبدل الأحوال والظروف. لكن استغربي لم يطل، فقد وجدت أن الجريدة المصرية الورقية، وهي نسخة "توك شو" ورقية، عن برامج التلفزيونات المصرية، نشرت عنوانًا مثيرًا [وقائع جديدة في اغتيال نجيب محفوظ بـ الترجمة المشوهة !] حسبت بداية أن هذه الجريدة أعادت فتح ملف اغتيال نجيب محفوظ وحصلت على وقائع جديدة مكنتها من إعادة فتح هذا الملف، رغم عدم فهمي لعلاقة "الترجمة المشوهة" بملف الاغتيال، واعتقدت أنه مجرد عنوان ركيك لم تعد تخلو منه الصحف العربية التي انحدر مستواها إلى القاع. وخمنت أنه لهذا السبب ربما أرسل لي الصديق رابط المقال.
اكتشفت بعد القراءة أن مسؤولية اغتيال نجيب محفوظ تم تحميلها لبيرسا كوموتسي التي ترجمت عددًا كبيرًا من رواياته إلى اليونانية، وكانت نافذة القارئ اليوناني إلى محفوظ والأدب العربي.

أحد المشاركين في الحملة يحمل درجة "دكتوراه"، وهو على ما يزعم متخصص في الأدب البيزنطي ويعرف اليونانية. ولا أدري حقًا حدود معرفته باللغة اليونانية أو مدى قدرته على الترجمة من العربية إلى اليونانية، فلا يوجد في أرشيفه شيء يشير لهذا. إذ أن الاختصاص في الأدب البيزنطي أو التاريخ البيزنطي وحتى التاريخ اليوناني والأدب اليوناني القديم لا يؤهل حامله للترجمة. فقد أحصل على هذا التخصص باللغة العربية أو السويدية دون أي علاقة باللغة اليونانية أو بالترجمة. أليس كذلك؟ إذ يمكن للمرء أن يحمل دكتوراه في الأدب البيزنطي دون أن يعرف كلمة يونانية واحدة ودون أن يعرف أين تقع اليونان على الخارطة ودون أن يفرق بين يوروبيديس وأخيه بالرضاعة سوفوكليس.
ومع ذلك، ورغم أن هذا "البيزنطي" المصري ليس لديه أي تخصص باللغة اليونانية الحديثة أو القديمة أو الترجمة، لكنه يعتقد، كما تنضح كتابته، بأنه حجة الترجمة الأول. ربما يعتقد ذلك لأنه يحمل حرف [د] قبل اسمه ويعرف اليونانية، على ما يزعم. وعبر اعتقاده الشخصي هذا حسب نفسه أنه صار مؤهلاً لأن يفتي ويقرر شؤون الترجمة من العربية إلى اليونانية رغم أنه نكرة في هذا المجال، وهذا تقرير حال وليس انتقاصاً من قدر الرجل.

موضوع "دكاترة" الجامعات العربية، يحتاج مبحثاً طولاً ليس هنا مكانه، لكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك مئات الآلاف، في العالم العربي ومصر على التحديد يحملون "الدكتوراة" ويسبقون اسمهم بحرف دال، حتى على شبكات التواصل بشكل يثير الشفقة متسولين التقدير والمكانة. إنهم جيش مرعب يشكل في عمومه جائحة تنشر الجهل والتعصب والانغلاق، خنقت وتخنق الإبداع والتجريب في الثقافة العربية. إنهم جيش من الجهلة؛ عدا نوادر قليلة منهم، عمل بحماس على تجهيل الطلبة العرب وأفقر اطلاعهم على الثقافة المعاصرة، إلا من نجا بجهده الذاتي معاندا حركة التجهيل التي يقومون بها. هؤلاء الجهلة، و المختصين بالأدب منهم على التحديد، وهم ما يعنينا هنا، تتوقف معرفتهم بالشعر والشعراء العرب عند المتنبي، لا يعرفون شاعرا بعده! وبعض المتنورين منهم يعرفون أحمد شوقي، أما في الرواية والقص فيتوقفون عند مقامات الحريري وكليلة ودمنة لابن المقفع، وفي العموم يعتبرون كتاب ألف ليلة وليلة الذي أثر في ثقافات العالم كتابا جنسيا.
هؤلاء الجائحة التجهيلية في الثقافة العربية كانوا العامل الأساسي في فقر مخرجات الدراسات الجامعية في العالم العربي، فهي تدور في عالم مواز منفصل عن حركة وواقع المجتمع فمعظم الرسائل والبحوث التي يقوم بها الطلبة تتناول مواضيع وقضايا يعود معظمها للقرن السادس الميلادي والحداثية مهنا تتصل إلى "الخيل والليل والبيداء". فيتخرج الطالب من كلية الآداب وحدود معرفته في الشعر تتوقف عند المعلقات وأبي الطيب لا يفقه شيئا في الآداب الحديثة و المعاصرة؛ العربية منها والأجنبية.
جيش الجهلة هذا يتحصن بلقب "أكاديمي" حصل عليه في العموم الغالب بدراسة لا تفيد مجتمع الإنسان ولا مجتمعات النمل من مثل "دراسة مقارنة بين أو ولولا في معلقة طرفة بن العبد" أو "الناقة في الشعر الجاهلي القديم: أوصافها وألقابها" وبرسالة كهذه يعتقد أن صار مؤهلا لنقد شكسبير وكتابة حواشي على مؤلفات أرسطو.

كما أسلفت، فإن المستند الأساسي في الحملة ضد المترجمة اليونانية مختصا في بيزنطة، ورغم أن بيزنطة لم يكن فيها "دكاترة" يحملون حرف الدال بأيديهم أو على ظهورهم، إلا أن الرجل للدلالة على اختصاصه البيزنطي يحمل هراوة مزينة ومنقوشة بحرف الدال، يحركها بينما يتلو مزاميره على جوقة في الفيسبوك من أصدقائه ومتابعيه. والمصريون عموما يهابون، بل يرعبهم لقب "دكتور" ويعتقدون أن "الدكتور" أيّا كان تخصصه سواء في بيزنطة أو زراعة الفجل، يفهم في كل شيء؛ في الفلسفة اليونانية والطب الشعبي والترجمة من الصينية، حتى لو لم يكن يعرف الصينية أو يعرف أين تقع الصين.

يبيع المصريون وعموم العرب ما فوقهم وما تحتهم للحصول على هذه الدال بأي تخصص كان، لأنها في الغالب تجلب احتراما مغشوشا لحاملها من الشعوب المغلوب على أمرها، التي ما تزال تعتقد أن "الاكاديمي" درس في أكاديمية أفلاطون. ويعطي حرف الدال الذي يسبق اسم شخصا ما في مصر والبلاد العربية حامله جرأة على ارتكاب الجهل بوقاحة وقدرة على تعميمه، فالناس منخفضي الوعي يصدقونه للأسف لأنه يخدعهم بلقبه الذي تحصل عليه عبر دراسة الاختلاف في شوم الجمال لدى قبائل الأوس والخزرج! على ما أحمله من حب لهذا الحيوان الجميل الصبور؛ لكن التخصص في الناقة او حتى الجمل لا يؤهل حامل التخصص ليخوض في شؤون الترجمة من العربية إلى اليونانية.

قام هذا الرجل الذي يحمل "دكتوراه" لا ندري كيف أتى بها؛ سواء كانت سليمة أو معطوبة مزورة مثل تلك التي جاء بها سيد القمني وحكمت محكمة مصرية بتزويره لها، بتنصيب نفسه محكمّا للترجمة العربية إلى اليونانية. وأيّا تكن طريقة حصوله على هذه الدكتوراه في الأدب أو التاريخ البيزنطي فهي تؤهل حاملها لأن يُدرس طلبة؛ إذا كانت سليمة، في شؤون بيزنطة الأدبية على التحديد فقط، ذلك إذا كانت في الأدب البيزنطي، ولا تؤهله لبخوض في مسائل تخصصية كالترجمة من العربية إلى اليونانية فهو ربما لا يعرف اليونانية. وحتى لو كان يعرف اليونانية فله الحق في أن يبدي رأيه في موضوع ترجمة كتاب لكنه ليس حجة في شيء خارج أدب بيزنطة.

وعلى ما قال إمبرتو إيكو، فشبكات التواصل جعلت للحمقى الذين كانوا يتناقشون في البارات دون أن يدري بهم أحد صوتا و قدرة على التأثير! فقد قام هذا الرجل البيزنطي المصري باستخدام الفيس بوك للإدلاء بدلوه في قضية ترجمة بيرسا كوموتسي لأدب نجيب محفوظ وهذا حق للقارئ والمختص. لكن كان واضحاً أن دافعه هو شعورا بالإهمال رغم حمله دالا وليس غيرة على أدب نجيب محفوظ، فقد وجدت أنه ترجم شيئا إلى اليونانية ولم يسمع به أحد لا يوناني ولا عربي. وقد كان لما كتبه أن يطمر في نفايات الفيسبوك لولا أن الجريدة "التوكشويّة" المصرية التقطت ذلك الهراء الذي أدلى به ولا يستحق النقاش وحولته، بطبل وزمر ومانشيت عريض لعملية اغتيال لعمنا نجيب محفوظ و حمّلت وزر الاغتيال لبيرسا كوموتسي.

بالطبع عمل بيرسا ليس محصنا عن النقد، وأي عمل ثقافي يجب أن يخضع للنقد، وبالتأكيد لا يمكن مقارنة الأعمال الأولى التي ترجمتها بيرسا في بداياتها بالأعمال التي تترجمها الآن بعد تراكم عمرا من الخبرة والتجربة، وهذا ينطبق على أي مترجم، لكن ما تفعله الصحافة "التوكشوية" هو عملية تشويه ممنهجة متعمدة لعمل سيدة جعلت اليونان يقرأون الأدب العربي بينما لا يعرف أحد هذا النكرة الذي التقطته الجريدة من شوارع الفيسبوك، ولا ندري ما فائدة الثقافة العربية من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ خلف علي خلف
جلال عبد الحق سعيد ( 2024 / 6 / 30 - 00:44 )
تحياتي
هذه الحملة التي قادتها الجماعة التوكشويّة على المترجمة اليونانية بخصوص نجيب محفوظ ونشرت بانها اغتيال وتشويه
السؤال هو هل نشرت هذه الجماعة نماذج من هذه الترجمات التي زعمت انها مشوهة وهل قامت بمقارنتها بالاصل العربي
اعذرني على هذا السؤال لانه غير معقول ان لاتفعل ذلك
وكان حريا بك ياعزيزي ان تتوسع قليلا في مقالتك وتجعل قراء الحوار المتمدن يشتركون في هذه المقارنات و
وهذا لايعني ابدا انتقاصا من مصداقية مقالتك
وانما هو الفضول فقط لمعرفة كيف يترجم الادب العربي الى اللغات الاخرى حيث عاني كثير من الادباء العرب في زمن الحقبة السوفيتية من مترجمين روس مثلومي الضمير ترجموا بعض اعمالهم الى الروسية بطريقة مشوهة واختزالية
اكرر لك تحياتي

اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل