الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد من ذاكرة جسد في المنفى

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 6 / 30
الادب والفن


بعدما استقر به المقام في منزل تعود ملكيته لشيخ متحدر من جماعة تيديلي، تبين له أن بالغرفة المجاورة لبيته أشخاصا يمتهنون – ربما – التجارة.. بنى افتراضه هذا على تواجدهم بين أكياس تكدست فيها سلع لم يستطع استطلاع نوعها وطبيعتها.. في غرفته، لا وجود لمطبخ.. قنينة الغاز الصغيرة والأواني الأخرى التي كان يستعملها لتهييئ وجبات عادية جدا كان يحتفظ بها في جنابه ويحرص كل مرة قرر فيها الارتماء في أحضان الفضاء الخارجي على إحكام إغلاق باب الغرفة بالمفتاح..
في كل يوم سبت، عندما يعود من المدرسة في الزوال، كان يجد الممر المؤدي إلى البيت الذي يوجد فيه مرقده ممتلئا عن آخره بالقفف المشحونه باللحم والخضر والفواكه ومقتنيات أخرى.. لم يفكر مرة واحدة في انتشال أي شيء من القفف العامرة بما لذ وطاب رغم أن حوالته الشهرية تتجاوز بالكاد ألفي درهم وتشكو، فضلا عن ذلك، من اقتطاعات ناتجة عن تورطه في دوامة القروض الرهيبة..أصحاب هذه القفف كلهم من بلدة الشيخ الذي يسكن في منزله، جاءوا إلى سوق أكويم كما هي عادتهم للتبضع.. اعتادوا إيداع مشترياتهم بهذا “الكولوار” بإذن مسبق من الشيخ..
ذات سبت، عند انتهائه من آخر حصة دراسية، غادر المدرسة واتجه رأسا إلى حيث مسكنه سالكا طريقا وسط السوق الأسبوعي الذي ينماز بضيق فضائه وصغر حجمه، إلا أن “الأوطيل” بحوانيته ومقاهيه وأفرانه يعتبر امتدادا له.. عندما وصل للمنزل، لم يجد القفف وحدها كما جرت العادة، بل رأى بجانبها أمرأة يتعدى سنها الخمسين..تبادلا نظرات وتقاسما ابتسامات..أدرك بحاسته السادسة أن هذه المرأة أمازيغية تسكن وسط الجبال بعيدا عن أكويم.. ومع ذلك، تواصل معها مستعينا بحركات دالة وهامسا لها بكلمات بسيطة أن ادخلي إلى بيتي لنشرب الشاي سويا.
تجاوبت معه المرأة التي عاث الزمن بجمالها وذهب ببريق عينيها عدا عن قسمات باهتة ما زالت شاهدة على زين لم تبق منه سوى حروف شائهة.. بخفة لا تناسب سنها، نهضت من مكانها بين القفف والابتسامة لا تكاد تفارق محياها.. دلفت إلى داخل الغرفة فدعاها للجلوس، بينما تناول غلايا معدنيا، سكب فيه ماء وأشعل موقد قنينة الغاز ثم وضع فوقه ‘المقراج”..
في انتظار خروج البخار من أنبوب الإناء، سارع إلى وضع الصينية ببرادها وكؤوسها أمام المرأة دون أن يهمل تقريب الشاي والسكر من متناولها..كانت ضيفته الأمازيغية تحتفي بمراقبة حركاته وتنقلاته الممسرحة حيالها وتصدر عنها ضحكات خافتة لكنها تدل على أنها جدلانة لتواجدها معه رأسا لرأس في منأى عن أصحاب الوقت وطابورهم الخامس..شربا الشاي وقضى منها وطره ثم طلب منها بأدب الانصراف وهو يدس في يدها اليمنى ورقة مالية لم يعد يذكر قيمتها..
لم يكن بمستطاعه البتة الاعتذار لصديقه النجار عن دعوته لزيارة وكر الدعارة التي تديره أمرأة تعيش مع بنتيها اليافعتين وطفلها البالغ عشر سنوات وأحد تلاميذه في القسم الثالث..كيف يرفض هذه الدعوة وهو مسكون بحب جارف لاكتشاف المجاهيل والوقوف على أحوال الناس الذين يشكلون قاع المجتمع!
يوجد هذا الوكر بمحاذاة الطريق الرئيسية، بين الدوار و”الأوطيل”..هو في الحقيقة أقرب إلى الثاني منه إلى الأول..هذا الموقع يفصح عن أشياء كثيرة تخص ماضي العائلة التي تنتمي لها ربة الوكر ودواعي اختيارها للسكن في هدا الموقع البرزخي..إذا ما أردنا الخوض في هذه التفاصيل فلن تذهب بنا الذاكرة بعيدا، لا لشيء سوى لأن المدة الزمنية التي قضّاها هنا صاحبنا قصيرة جدا بحيث لم يتمكن من معرفة عدة خبايا ترتبط بحياة هذه الأسرة التي لا تشبه باقي الأسر..إجمالا، تم السماح للقوادة بأن تسكن هنا درءا لكل الإزعاجات التي يمكن أن تتسبب فيها للسكان، ودفعا لكل ما يمس الحياء العام من سوء ناتج عن سلوكاتها واختياراتها..
أصر على زيارة القوادة في عقر دارها لأنه كان قد لمس من زملائه في المدرسة اجتنابهم الحديث معه عما وقع ويقع في محيطهم القريب..لهذا، انتابنه الفرح لما أخبره النجار بأنه سيأخذه الليلة إلى الوكر الذي على باله..فعلا، سار معه في لجة الظلام وما هي إلا لحظات حتى و صلا إلى مبتغاهما..دحل مرافقه وهو يقتفي أثره..ماذا وجد؟ وجد امرأة وشابتين على قدر كبير من الجمال بالإضافة إلى رهط من أبناء المنطقة..رحبت به صاحبة الدار واعتبرته أكثر من ضيف لأنه معلم ولدها الوحيد بين أختيه..
جلس بجانب البنت الصغرى التي كانت منهمكة في لعبة الورق مع بعض الحاضرين..اكتفى بالتفرج، بينما انخرط النجار معهم في اللعب..كان جسمه لصيقا بجسم الفتاة..كل جركة تصدر عنها إلا وتسمح بالتقاء جسديهما..تنبعث منها رائحة طيبة استنفرت ليس حاسة شمه فقط بل حتى جوارحه التي لها علاقة بالليبيدو..أما جسدها الأسيل الناصع البياض فقد أسكرته اهتزازاته وأسرته حركاته..حاول إخفاء تأثره بهذا الكائن البلوري الشفاف الذي فتح له باب الحلم على مشراعيه..وفي لحظة من اللحظات، تصنع العياء، فتمدد على “السداري” موليا وجهه للحائط وقد التصق ظهره تماما بردفي الفتاة المكتنزين والدافئين..
بعد انصرام تلك الليلة، لم يعد في حاجة للنجار حتى يذهب عند القوادة..ذات يوم، عندما أنهى حصصه الصباحية، عزم على السفر إلى ورزازات من أجل الذهاب إلى الحمام..قبل الوقوف على قارعة الطريق بحثا عن سيارة أجرة، عرج على الوكر فظهر له في كامل هيئته تحت ضوء النهار..الرؤية في الليل ليست كالرؤية في واضحة النهار..
تبين له أن الوكر يتكون من جزئيين: علوي وسفلي..يمكن الولوج للعلوي انطلاقا من سفح الجبل، أما السفلي فيؤدي إليه سلم صخري طويل كأنه سرداب من سراديب ألف ليلة وليلة.. في الطابق السفلي، ثمة غرفة ل”لعمليات” تقبع بداخلها مومس بدينة حد السمنة..لا شك أن الحركة في الوكر جامدة ولم يأت هذا اليوم ولو زبون واحد لإجراء “عملية” تتبعها لذة ولا تستدعي نزيفا دمويا..
من أجل طرد النحس الذي أناخ بكلكله على المكان، حاولت البنت الصغرى استدراجه إلى القبو حيث تقيم المومس ذات الردفين المكتنزين..رفض الامتثال لرغبتها وطلب منها أن تقوم مقامها إن أرادت منه مالا..هي بدورها لم توافق..أثناء هذه المفاوضات العسيرة، كانت المومس تلوح له بيديها أن انزل عندي ضيفا في غرفة “العمليات”..في الأخير، انسحب تاركا البنت والمومس في حيرة من أمره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG


.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل




.. تراث الصحراء الجزائرية الموسيقي مع فرقة -قعدة ديوان بشار-


.. ما هو سرّ نجاح نوال الزغبي ؟ ??




.. -تعتبر مصدر إلهام للكثير من الأعمال-.. أفلام ينصح بها صانع ا