الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا على طريق الفاشية

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2024 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة/ محمد ناجي

أعتقد أن الجميع قد فهموا الآن ، على مضض في كثير من الأحيان ، أنه في 24 فبراير 2022 ، اتخذ التاريخ منعطفاً جديداً . وأن هناك ما قبل هذا التاريخ وما بعده . وأننا لن نعود أبداً إلى العالم الذي كان موجوداً من قبل . ولا ينطبق هذا على أي بلد أكثر مما ينطبق على روسيا .

في أوائل مايو/أيار ، لخص مدير مكتب واشنطن بوست في موسكو ، روبين ديكسون ، في مقال طويل ومهم ما يحدث في البلاد - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأيديولوجياً . من المؤكد أن الكثير قد تم الإبلاغ عنه من قبل ، لكن الصورة العامة مخيفة بلا شك . لم تسرّع الحرب العمليات التي كانت موجودة من قبل فحسب ، بل بدأت أيضاً تحولاً جذرياً وشبه ثوري في روسيا - مصطلحا "جذري" و"ثوري" هما كلمات من اختيار الموالين للنظام الذين تمت مقابلتهم .

لقد كان من الواضح منذ فترة طويلة أن بوتين ، باستخدام الحرب كذريعة ، قد حول روسيا إلى دكتاتورية خالصة وفجة ، حيث لا يتم التسامح مع أي نوع من المعارضة ، مهما كانت ضئيلة - مثل ارتداء قرط قوس قزح ، أو رفع ورقة بيضاء خارج محطة مترو الأنفاق . ولم يحدث منذ عهد ستالين أن سُجن هذا العدد الكبير من الأشخاص لأسباب سياسية . كان القمع السوفييتي خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أخف وطأة . تتحرك روسيا أيضاً نحو نوع خاص من الفوضى القانونية الاستبدادية التي اتسمت بها فترة ستالين في السلطة ، حيث لا يحظى الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً بأي فرصة ــ حيث يمكن دائماً إيجاد الإطار القانوني المناسب أو اختراعه - ويمكن لأعلى الحكام أن يفعلوا ما يريدون ومع من يريدون .

ليس من المستغرب أن يتم الاحتفاء بستالين الآن في التأريخ الروسي ، حيث يتم عرض وجهه ذو الشارب بفخر خلال المظاهرات في الساحة الحمراء (كان آخرها في التاسع من مايو/أيار) ، وخلال سنوات حكم بوتين في السلطة ، تم تشييد 95 (نعم ، خمسة وتسعين) نصباً تذكارياً جديداً للقاتل الجماعي . كما تغيرت المواقف تجاه ستالين بين الروس بشكل عام . لقد تضاعفت نسبة الذين لديهم صورة إيجابية عن الديكتاتور خلال عشر سنوات ، من 28% في عام 2012 إلى 63% في عام 2023 . وأصبح قول الحقيقة حول حقبة ستالين محظوراً الآن .

بالتوازي مع هذه الزيادة القوية في القمع الخارجي البوليسي ، تطور أيضاً قمع ثقافي داخلي بنفس القدر من القوة . الفنانون والمخرجون السينمائيون ومن على شاكلتهم ممن يُعتبرون غير جديرين بالثقة يوضعون على القائمة السوداء ، بينما يتم تكليف من يُسمح لهم بالعمل بمهام ذات نزعة تسييس قوية . وتقوم الشرطة بمداهمة الحانات والحفلات الخاصة التي يتم فيها عرض مواقف أو ملابس غير لائقة . وتتم محاكمة الباحثين الأحرار في الجامعات بتهمة الخيانة . لقد تمت إعادة صياغة التعليم في المدارس ، في اتجاه روسيا العظمى ، ومنذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي ، أصبح التدريب العسكري إلزامياً أيضاً ـ حيث يتعين على جميع أطفال المدارس الروسية الآن أن يتعلموا استخدام الكلاشينكوف وإلقاء القنابل اليدوية .

وفي الوقت نفسه ، يتم استخدام كل من الدعاية والتغييرات التشريعية لتغيير سلوك النساء : مهمتهن الرئيسية من الآن فصاعدا هي إنجاب أطفال لروسيا الأم ، العديد من الأطفال - ويفضل أن يكونوا ثمانية ، كما قال بوتين نفسه . وبطبيعة الحال ، فإن الأفكار المتشددة والمتزمتة التي يتم زرعها هي بالطبع رافضة تماماً للمثلية الجنسية والتحول الجنسي وما شابه ذلك ، والتي توصف بأنها واردات غير طبيعية من الغرب . . (وُصِفت فكرة المراحيض المحايدة جنسانياً بقدر كبير من الرعب من جانب مسؤولين روس رفيعي المستوى مثل وزير الخارجية سيرجي لافروف ، حتى أن الأمر بدا في بعض الأحيان وكأن الحرب تهدف إلى وقفها) .

وفي الوقت نفسه ، تمت إعادة هيكلة الاقتصاد الروسي لخدمة الحرب في أوكرانيا بشكل كامل . هناك أرقام مختلفة هنا ، لكن التقدير الواقعي هو إن ما يصل إلى 40% من ميزانية الدولة الروسية يذهب الآن للأغراض العسكرية . وهذا التغيير طويل الأمد ، سواء من حيث أنه من الصعب للغاية التراجع عنه بمجرد أن يبدأ ، أو من حيث وصف غزو أوكرانيا بالمرحلة الأولى من الحرب "المقدسة" ضد الغرب "الشيطاني" . إن الروس يتجهون نحو نوع من حالة الحرب الدائمة – اقتصادياً ، وأيديولوجياً ، وعقلياً . نعم هذا أكثر من المستهدف . روسيا تتحول إلى نوع جديد من الدولة .

السؤال هو - أي نوع ؟

كان هناك الكثير من النقاش حول ما إذا كان من الممكن اعتبار روسيا اليوم دولة فاشية . تعريفات الفاشية كثيرة ، ولكن لا يمكن إنكار أن حكم بوتين يمثل معظم السمات التي تصنف على أساسها الدول الفاشية : الانتقام المتولد من الشعور بالإذلال الوطني ، والنزعة العسكرية ، والذكورة المفرطة ، وعبادة الموت في سبيل الوطن ، والانشغال بما يُنظر إليها على أنها ظواهر خطيرة من الانحلال الداخلي - الجنسية والأخلاقية والأيديولوجية والديموغرافية ، والرغبة في التجانس الثقافي ، والميل إلى اتخاذ كبش فداء ونظريات المؤامرة ، وعبادة الزعامة ، وبرنامج استعادة العظمة الوطنية المفقودة إقليمياً .

حتى أن هناك رمزاً غرافيكياً قوياً مرتبطاً بالنظام ، والذي يزين كل شيء بدءاً من المركبات المدرعة والمواد الدعائية إلى الأعلام والمباني العامة .

كانت الحجة الرئيسية ضد وصف روسيا بالفاشية هي أن الفاشية ، كما نعرفها تاريخياً ، كانت تركز على المستقبل ، وعلى خلق مجتمع جديد ، بل وحتى انسان جديد بالفعل ، ولكن رؤى بوتين ، على النقيض من ذلك ، كانت تتعلق بالماضي إلى حد كبير . الاعتراض الآخر هو أن النظام ، على عكس أسلافه ، لا يستند الى حركة جماهيرية ، بل بنى سلطته على اتفاق ضمني ، وعد بموجبه غالبية الشعب بالرخاء مقابل التزامه السلبية والصمت والابتعاد عن السياسة .

هذه الحجج ليست بلا قيمة . لكن السؤال هو ما إذا كانت هذه التصريحات صحيحة بعد الآن .

لقد أجبرت انتكاسات الحرب النظام على حشد الدعم الجماهيري النشط والعلني (والمنسق) الذي لم يكن بحاجة إليه في السابق . وقد درس إيان جارنر في كتابه "الجيل Z" جزءاً من هذه الحركة ، وهي الحركة الفاشية الشابة في روسيا ، بما في ذلك "يونارميجا - جيش شباب روسيا" ، الذي كان يضم في عام 2023 حوالي 1.250.000 عضو (وعددهم في تزايد مستمر) ، والذي اصبح الآن سمة منتظمة في مسيرات الساحة الحمراء ، حيث يسير الشباب الذين يرتدون ملابسهم الأنيقة بقبعاتهم الحمراء وأزيائهم ذات اللون الرملي .

إذن ، هناك الآن مسيرات واجتماعات جماهيرية وتلويح بالأعلام ، لكن وجهة نظر غارنر هي أن الكثير من هذا يحدث الآن افتراضياً ، على وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث تتوافد هناك جحافل المؤمنين الشباب على مدار الساعة ، ويكررون كل أكاذيب النظام الدعائية ، ويطالبون بالدعم والطاعة والتضحية ، ويتفوهون بأفظع الأشياء عن الأوكرانيين . ويُظهر غارنر مدى تطرف الحرب ، وكيف حولت المراهقين الروس الذين يبدون عاديين إلى محاربين عدوانيين ذوي قومية متطرفة . أن الدعم لبوتين وللحرب أكبر وأعمق وأكثر حماساً مما كنا نتصور في الغرب .

ومن ناحية أخرى ، لم يسر الغزو على الإطلاق كما كان متوقعاً ـ فقد قُتل أو جُرح أو فقد نحو نصف مليون روسي ـ وازداد الوضع سوءاً داخل روسيا . كيف لنا أن نفهم هذا ؟ إن نجاح الدعاية الداخلية للنظام والتلقين العقائدي أمر لا لبس فيه . ولكن هذا لا يكفي كإجابة .

نجد دليلاً عند حنه أرندت . ففي أحد مواضع كتابها "أصول الشمولية" (1951) ، كتبت عن إحدى "الخصائص الرئيسية" للجماهير الحديثة ، وهي أنها "لا تؤمن بأي شيء مرئي ، في واقع تجربتها الخاصة ، فهي لا تثق في عيونها وآذانها ، بل في خيالها فقط ، الذي يمكن أن يأسره أي شيء يكون في آن واحد عاماً ومتسقاً في حد ذاته . إن ما يقنع الجماهير ليس الحقائق ، ولا حتى الحقائق المفبركة ، بل فقط اتساق النظام الذي يفترض أن تكون هذه الحقائق جزءاً منه" .

هل هذا ربما هو المكان الذي تلتقي فيه الخطوط المختلفة ؟ فمن ناحية ، كتائب يونارميجا ذات اللون البني الفاتح ، التي تصدق كل ما يقوله بوتين ، ليس فقط لأنه غير قابل للتصديق ولكن أحياناً بسبب ذلك . ومن ناحية أخرى ، التحول الجذري ، شبه المسيحي ، لروسيا الذي يدعي النظام أنه يهدف إليه ، والذي هو بالفعل قيد التنفيذ ، وفقاً لمراقبين مثل روبين ديكسون . ولا يقتصر الهدف على عسكرة الاقتصاد والدولة فحسب ، بل وأيضاً خلق هوية وطنية جديدة تماماً ، وهو التحول الجذري الذي يقول عضو مجهول من نخبة موسكو والذي يرتبط بعلاقات مع الكرملين : "إنه ثوري مثل ثورة أكتوبر" . " وحيث أن المستقبل ، وفقا لبوتين نفسه ، سوف ينتمي إلى نخبة جديدة ، نخبة اختبرتها وشكلتها الحرب : المحاربون القدامى . انظر هنا مجاز فاشي آخر .

لقد قيل من قبل إن الصفة الأكثر أهمية التي يتمتع بها بوتين هي اعتياديته ، وهي العادية التي مكنته من إدراك ما شعر به الكثير من الروس بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، ومن ثم وبشكل راقي ، تجسيد ذلك المزيج الخاص من الكبرياء الوطني والصدمة الوطنية ، التي استحوذت عليهم . بمرور السنين ، أصبح هذا المزيج الإيديولوجي متفجراً على نحو متزايد ، حيث بدأت مختلف المفاهيم القومية الأرثوذكسية والأفكار الفاشية المتطرفة (التي رعتها لفترة طويلة فقط مجموعات هامشية) في الكرملين . ثم جاءت الحرب ، وتسارعت عملية التطرف هذه برمتها ، أيديولوجياً وعملياً .

نعم ، أعتقد أن روسيا أصبحت دولة فاشية . ولكن ليس المقصود هنا هو القيمة الازدرائية للتصنيف ، بل محاولة تكوين فكرة عما يمكن توقعه بناءاً على ما نعرفه عن هذه الدول تاريخياً .

الدول الفاشية تميل إلى الحروب العدوانية ، ليس فقط لأن الإمبريالية والتوسع الأقليمي (أو الاستعادة) تشكل عنصراً أساسياً في برنامجها ، ولكن أيضاً لأن الحرب يُنظر إليها باعتبارها شيئاً مرغوباً في حد ذاتها ، وطقساً تطهيرياً ، وقوة تحويلية . إن الدول الفاشية قادرة على تحقيق تطور مؤقت هائل للقوة المادية ، فلا توجد معارضة أو قوى أخرى تكبح جماحها ، بل يمكن إخضاع كل شيء للهدف الذي حدده القائد . والدول الفاشية لديها القدرة على تطوير هائل للقوة الايديولوجية والعاطفية ، وذلك بفضل أيديولوجية تعد بالفخر للمهانين ، والأمن والقوة للضعفاء ، والبطولة للخائفين .

إن حقيقة أن روسيا بدأت تتخذ شكل دولة فاشية أمر خطير . وخاصة بالنسبة لأولئك الذين هم الآن مستهدفون من عدوانية هذه الدولة : الأوكرانيون . ولكن أيضاً بالنسبة لنا في الغرب ، الذين يُصنفون الآن على أنهم العدو الرئيسي . نعم ، القدرات المذكورة أعلاه مرعبة . وخاصة بالنسبة للجيران الديمقراطيين الذين يفتقرون دستوريا إلى نقاط القوة هذه ، لأنهم ديمقراطيون على وجه التحديد . ومع ذلك ، فإن كل من القدرات القوية المذكورة أعلاه لها جوانب سلبية ، وهو أمر مثير للاهتمام بما فيه الكفاية . وهي تساعد المرء على تخمين السبب الذي يجعل الدول الفاشية لا تدوم أبداً .

من المؤكد أن الدول الفاشية عرضة للحروب العدوانية ، لكنها أيضاً ، كما أشار أمبرتو إيكو ، معرضة بنفس القدر لخسارة هذه الحروب ، لأن نظرتها للعالم المتضخمة ذاتياً وعسكرياً تجعلها غير قادرة على تقييم قوة خصومها بشكل موضوعي . وهم يخلطون بين بطء الديمقراطيات والضعف ، ويستخفون باستمرار بقدرة هذه الدول على تطوير قوتها الذاتية .

من المؤكد أن الدول الفاشية قادرة على تحقيق تنمية مادية هائلة للقوة ، ولكن هذا التطور للقوة عادة ما يثقل كاهل الاقتصاد والمجتمع بسرعة كبيرة ، ويصبح منهكاً أو طفيلياً . (علاوة على ذلك ، فإن مبدأ القائد الواحد المطلق يؤدي دائماً إلى فوضى الكفاءة خلف الكواليس ، حيث ينخرط الأفراد والفصائل والجماعات الموالية للنظام في حروب تافهة مستمرة مع بعضهم البعض على الموارد والمناصب والمكافآت ، والنتيجة هي الهدر والشلل والفساد ، علاوة على ذلك ، فإن مثل هذه الأنظمة تكافئ بالتأكيد الولاء الذي لا يتزعزع على حساب الكفاءة ، ولهذا السبب تميل أيضاً إلى العمل دون المستوى الأمثل ، وخاصة مع مرور الوقت .) من المؤكد أن الدول الفاشية لديها القدرة على تطوير طاقة أيديولوجية هائلة ، لكن هذه القدرة تميل إلى التآكل بمرور الوقت أو أن تصبح لها نتائج عكسية ، لأن ازدراء الحقائق يؤدي إلى الهروب من الواقع إلى عالم من الخيال المتزايد باستمرار .

لذلك أعتقد أن هناك كل الأسباب التي تدعو إلى الثقة ، ومن المفارقات على وجه التحديد أن روسيا بوتين جعلت هذا التحول الواضح بشكل متزايد نحو الفاشية . إنه نظام خطير يتمتع بنقاط قوة كبيرة ولكن به أيضاً نقاط ضعف كبيرة . ولكن لكي تصبح نقاط الضعف هذه قاتلة ، يجب على الأنظمة الديمقراطية أن تطور ، في المقابل ، القوة الهائلة التي نحن قادرون عليها ، القوة التي استخفت بها الأنظمة الفاشية دائماً ، القوة المطلوبة لوضع حد للقوة الرجعية العدوانية والعسكرية التي تشق طريقها الآن ببطء . عبر مدن وقرى أوكرانيا . لن يكون الأمر سهلاً . لكن التاريخ يعلمنا أنه يمكن القيام بذلك .


بيتر انجلوند - صحيفة داغنس نيهيتر
مؤرخ وكاتب وصحفي - عضو سابق في الأكاديمية السويدية ولجنة جائزة نوبل .
3 يونيو/حزيران 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب