الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضاءات على ( مدونة الاعرابي ) ل د. عارف الساعدي

حسناء الرشيد

2024 / 6 / 30
الادب والفن


(( كذبٌ وادّعاءٌ هو الموت )) !!

حين تبدأ قصيدةٌ ما بمثل هذه الجملة التي تدعو للتأمل بعد أن تدهشك للحظات أو ربما لأيام وهي تترددُ بين الحين والآخر في رأسك وكأنك تسمعها فعلاً بصوت شاعرها، فلا بدّ لك من التوقف قليلاً كي تفهم ما الذي يحدثُ من حولك, وهذا بالضبط ما حدث معي بعد أن قمتُ بمشاهدة لقاء للشاعر د.عارف الساعدي والذي وكأنهُ أراد أن يختم لقاءهُ بدهشةٍ كبيرة بقراءته لبعض أبيات هذه القصيدة وكأنهُ قدّم لي دعوةً مجانية لاعادة قراءتها من ديوانه وأنا لا أدري فعلاً لماذا كانت في القسم الأخير منه وكأنها موجودةٌ هنا لتخبرنا أن الأولوية لا تكون بالضرورة للأشياء الاكثر أهميةً وقيمة.
وقصيدة ( مدونة الأعرابي ) التي بدأها بهذا الشطر الملفت للانتباه لم تكن أبياتها الأخرى أقلّ دهشة بل _وهذا ما اكتشفتهُ بعد قراءتي لها كاملة_ كان هذا الشطر تمهيداً رائعاً لما سيأتي من بعده:

فأنا لم أمت بعد
وأنا منذ أن ولدتني الهجيرةُ
ما زلتُ حياً
ولدتُ بخاصرةٍ في كهوف اليمن
قبل عشرين عاماً من البعثة النبوية

( والشطر الأخير قد يكشف لنا شيئاً من هوية هذه القصيدة والهدف من كتابتها ) فلنستمر بالقراءة:

أذكر أني ولدت
وما زلتُ أذكرُ
كيف نصلّي
ونعبدُ آلهةً من حجر
وكيف نشرُّ النذور على بابهم
ونغسلُ أحلامنا بالمطر ( وأظنكم مثلي تخيلتم المشهد فهذا ما كان يحدث فعلاً قبل الإسلام ) ..

وهو سيستمر في سرد ما كان يحدث معه أو ما كان يمارسه آنذاك:

وأذكرُ اني درجتُ على تلكم الأرض
وعتّقتُ أدعيتي في الكهوف البعيدة ( فالدعاء ليس له وقت أو زمن أو دين حتى )
ثم احتميتُ بما ظلّ من خيم الآلهة
غفوتُ على بابهم مطمئناً
شكمتُ الرؤى العابثات
وزجرتُ خطىً تائهة ( وهذا تصويرٌ رائع لمايحدث معنا حال اطمئناننا للتواجد في الأماكن المقدسة )

ثم يستمر بالكلام وهو يثني على ( الآلهة ):

سلامٌ على عدد الآلهة
ثلاثون .. عشرون .. لا أتذكرُ
لكنهم كثرٌ طيبون
ثلاثون رباً ينامون في غرفة واحدة!
ثلاثون رباً على الأمم البائدة
ثلاثون رباً ولكننا أمةٌ واحدة !! ( فهل كان يتهكم في بيته الأخير أم أنه كان ينقل حقيقة موجودةً فعلاً ؟؟ )

ثم يستمر الشاعر في تدوين ما حدث في تاريخه:

أتذكرُ أني تركتُ اليمن
وأدركتُ وجه النبي بمكة
صافحتهُ مرتين
( وهو هنا على وشك أن يصبح مسلماً, فهل سيفعلها فعلاً؟ فلنكتشف هذا الأمر معاً من خلال قراءتنا للأبيات)

عطراً كان ذاك النبيُ
ويأخذُ بالقلب قبل اليدين / ويا لهُ من وصف رائع لجمال شخصية النبي محمد ( ص )

لكنه ( كشاعر ) لا بد أن يدعونا للدهشة من خلال استخدامه لبعض الأفكار المتضادة وهو يستخدم (اليدين) هنا:
ولكنما يدهُ الفارهة
كسرت أذرع الآلهة !!
ثم قال لنا
إنما ربكم واحدٌ واسمه الله
لم نكن نعرف الله إلا قليلاً
ولم نكُ نعرف أن الإله
الذي وحدّتهُ القبائل شتتها بعد حين
فلم يبصروه ولم يعبدوه
ولم يعرفوا لرضاهُ سبيلا

وهو قام باختزال كل ماعرفناهُ عن عبادة الناس أيام الجاهلية, أو كل ما كان يدور برؤوسهم فعلاً من اعتقادات وخيالات في هذه الأبيات.

ولكن تدوين شاعرنا لما حدث لم ينتهِ بعد:
وأبصرتُ كيف تجيءُ القبائل حافيةً
في الحروب ( فهم يطلبون الفوز القريب في حربهم )

وكيف القصائدُ مبتلةً بصغار الذنوب
وكيف يمرّ بهم شاعرٌ
يترنحُ من خمرةٍ في الصباح
يجلدون قصائدهُ بالشتائم
لكنهُ شاعرٌ لا يتوب!! ( وكيف للشاعر أن يتوب ؟؟ )

وشاعرنا ينتقل بعد هذا كله للكلام عن مشاعره الخاصة, عن إيمانه واعتقاده بالرب الواحد الأحد الذي لم يكُ يعرفه من قبل, عن تناقضات مشاعره أو ربما عن صراعات روحه:

لم أكن بعدُ أسلمتُ إلا قليلاً
فما زال ربي الذي كنتُ أعبدهُ في ضلوعي
أشكّلهُ مثلما أشتهي
وأدسُّ بأسراره خمرتي ودموعي
وحين أعودُ مساءً إليه
مطمئناً أنامُ على قدميه ( وهو هنا يصفُ بدقة بالغة كيف أن لكلّ مخلوق رغبةٌ كبيرةٌ في داخله في أن يكون لهُ رب يعبده, يشكو إليه حزنه ويبكي في حضرته , قد تختلف المسميات لكن الحاجة لوجود الرب حاضرة لا تغيب )

وربهُ الذي يصفه أو الذي يريده حقاً هو ربٌ حنون ودود قبل كل شيء فهو:
لم يكن غاضباً حين أسكر
أو شاكياً حين أغضبُ منه
فهو ربٌ بسيطٌ خجول
لا يكلفُ أبناءهُ رهقاً في عبادته
وليس لهُ مسجدٌ وقبابٌ
وليس لهُ في المعابد معبد!!

وهو يستمر في إصراره على أنه لم يكن بعد قد أسلم إلا قليلاً حتى نهاية القصيدة:

لم أكن بعدُ أسلمتُ إلا قليلاً
ولكنني لم أكُ نافراً عنهم
أتذكرُ اني دخلتُ مع الداخلين لمكة
يوم أسموهُ فتحاً مبيناً
ويومَ رأيتُ القبائل
تدخلُ في الدين
طائعةً خائفة

ولكن كان لا بد لهُ ان يتوقف مع تساؤلاته التي يبدو أنها لن تنتهي أبداً:

كنتُ أسألُ كيف استطاع الإلهُ الوحيد
أن يروّض هذي القبائل بالكلمات
ويجمعُ في لحظةٍ خاطفة
العبيد مع الأمراء
والنسيم مع العاصفة؟؟

ولكنها لحظةٌ خاطفة .... !!

وهي لحظاتٌ خاطفةٌ فعلاً تلك التي سرقتها من عمر الزمن كي أقرأ هذه القصيدة ثم أحاول الإبحار بين أبياتها كي أكتب عنها ما كتبتُ هنا ويبدو أن شاعرنا لم يكن يستطيع التخلي عن الصحراء التي تسكن روحه وهو يقوم بتدوين تاريخ حياته أو تاريخ حياة ( الأعرابي ) وكأنه يودّ أن يثبت فعلاً أنهُ لم يغادر تلك الصحراء التي صارت كجلده تماماً كما يقول الشاعر جاسم الصحيح في أحد أبياته:
ولو كانت الصحراء ثوباً خلعتها
وألقيتها عني ولكنها جلدُ .. !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل