الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غوركي: بين الناس

خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)

2024 / 6 / 30
الادب والفن


كتب غوركي سيرته الذاتية الثانية (بين الناس) أو كما ترجمت إلى الإنكليزية (في العالم) بين عام 1913 وعام 1923 أي استغرق عشر سنوات حتى ينهي سيرته الذاتية المؤلفة من ثلاث أجزاء، وفي هذا المقالة نتحدث عن الجزء الثاني من هذه السيرة.
يبدأ هذا الكتاب وفي أول صفحة معبراً عن العنوان:
" هذا أنا بين الناس صبي في مخزن فاخر ومعلمي مخلوق قصرت قامته واستدار جسمه، جامد التقاسيم، له لون حائل إلى التراب وأسنان ضاربة إلى الخضرة. خيّل إلي أنه أعمى، فطفقت أكشر في وجهه بغية إثبات ظني فقال لي مستاءً: لاتلو بوزك هكذا". ساعده على ايجاد هذا العمل أبن خاله الذي كان يكبره سناً. كان العمال يشتغلون في المخزن أثناء النهار وينامون في غرفة وراء المحل. في البيت طباخة عجوز غريبة المنظر كما يصفها، تحب أن تتفرًج على القتال، فتقول له ولابن خاله: "إذهبا وتقاتلا، فأني أحب القتال ولايهمني من يتقاتل ، كلاب أم بشر". لكن وبدون مقدمات تموت الطاهية ذات يوم في المطبخ، إذ أنها تنزلق وتقع وهي تعد الطعام ثم تنزف. يأتي المعلم بطاهية جديدة. أما زوجة المعلم " فكانت عجفاء القامة، كبيرة الأنف، تضرب بقدميها الأرض وتصيح بزوجها كأنه خادم الدار". في محل الأحذية شاب مختص ببيع الزبائن. يقول غوركي عنه واصفأً إحدى المواقف المضحكة: " دخلت سيدة شقراء إلى المخزن بغية شراء حذاء، وعندما جلست وحاول المساعد تجربة الحذاء في قدمها، جمع أصابعه إلى بعضها وطبع قبلة على قدمها، فقالت المرأة،: يالك من فتى ماكر، فنفخ خديه وأطلق زفرةعميقة.. آوه..ه. فانفجرت ضاحكاً بصورة جنونية وتمسكت بقبضة الباب ثم وهويت وارتطم رأسي بالزجاج وتحطم".
يهرب من محل الأحذية، عندما يتسبب بحريق في المطبخ، إلى بيت جده وجدته. في تلك الفترة يفقد جده معظم أمواله ويصبح رجلاً فقيراً. يستيقظون قبل شروق الشمس ويذهبون إلى الغابة يصطادون العصافير والبلابل كي يبيعوها ويشترون بثمنها طعاماً. لكن رغم كل هذاالفقر، كانت جدته توقظه أحياناً باكراً تدور على منازل القرية وتترك قليلاً من الخبز والبسكوت للأطفال وأحياناً بعض المال.
في الحي الجديد، يتعرف على فتاة تكبره سناً اسمها ( لودميلا) يصفها بأنها ثرثارة وعرجاء، حيث تقول له مبررة مرضها بأن إحد الجارات تشاجرت مع أمها وسحرتها فأصبحت مريضة وسببت لها العرج. لهذه الفتاة أب في الأربعين من عمره يصفه بأنه " مجعد الشعر كث الحاجبين، صموتاً وكان يضرب زوجته دون سبب ويقف مثل جندي كأنه يؤدي تحية عسكرية". أما أمها فكانت تشبه مكنسة بالية كما يصفها، طويلة نحيلة ذات وجه طويل.
لشدة فقره، يقبل مرة تحدٍ مرعب، وهو أن ينام طوال الليل قرب تابوت لأحد الأموات في المقبرة مقابل روبل واحد، تشجعه جدته أن يفعل ذلك، لأن الروبل في تلك الأيام يشتري الكثير. كان الشاب الذي طرح عليه التحدي أسمه فاليوك، وعندما يذهب إلى هناك، يظل مرعوباً طوال الليل يعد الثواني حتى يأتي الصباح. أخيراً يربح الروبل وتسعد بذلك جدته.
في تلك الآونة، يموت أخوه الصغير من الجوع والمرض، فقد ماتت أمه منذ فترة وتركت الصغير مع الجدة، وهنا يتذكرها بمشاعر متناقضة، فهو يحن إليها وفي الوقت ذاته يغضب لأنها تركته.
عندما أتى الشتاء وأصبح الطقس بارداً، كان عليه أن يبحث عن مكان يعمل به ويكون دافئاً، فتختار له جدته ( أكولينا) مكان في المدينة عند أختها الكبيرة. فيعمل هناك خادم ينظف البيت ويذهب للسوق يشتري حاجيات المنزل، أما معلمه يكون الأبن الأكبرلأخت جدته كان كما يصفه يشبه الشاب الذي كان يحب والذي كان لقبه (هذا رائع). كانت العجوز فظة الطباع دائمة الصراخ به، توقظه في الصباح الباكر. لم يحتمل العمل هناك، فيهرب عندما يأتي الربيع ويذهب للعمل على ظهر مركب يجلي الصحون في المطبخ لقاء روبلين في الشهر، وهناك يتعرف على الطباخ (سموري) الذي أثّر في حياته لأنه كان محباً لجمع الكتب، كان يطلب منه في كل مساء قراءة بعض كتبه التي يحتفظ بها في الغرفة. وضمن التنافسات، يفقد عمله ويعود إلى جدته مرة أخرى ومعه ثمانية روبلات وهو أكبر مبلغ قبضه في حياته. وفي عودته هذه، يرجع لإلتقاط العصافير والبلابل كي يبيعها ويعيش من ثمنها.
أتى الشتاء مرة أخرى، فيأخذه جده إلى أخت جدته في المدينة كي يعمل عندهم خادماً، وهناك يتعرف على سيدة متزوجة تحب المطالعة، تعطيه بعض الكتب ليقرأها، وفي أحد ليالي الشتاء، يجلس على النافذة ويضع صينية معدنية تعكس ضوء القمر يقرأ طوال الليل من الكتب المستعارة من الجارة، وينام عند النافذة، فتستيقظ أخت جدته وتراه على ذلك الحال، فتنهره وتضربه بالكتاب الذي كان يقرأ وتقول له جملة يتذكرها: الأغبياء والهراطقة هم يؤلفون الكتب والقراءة لهؤلاء خطرة ومضرة للإنسان". هذا ماكان الناس العاديين يظنون في الكتب والثقافة في تلك الفترة.
في عام 1881 تقرع الأجراس في الخارج على غير العادة، وعندما يخرج معلمه الرسام ليستطلع الخبر، يرجع ليقول أن القيصر ألكسندر الثاني قد اغتالته منظمة تطلق على نفسها ( إرادة الشعب).
كانت القراءة كما يقول بلسم ينسيه حياة الشقاء. فقد اعجب بروايات فكتور هوغو وبلزاك وقصائد بوشكين. وهنا يعلن أنه كان معجب بالآداب الأجنبية أكثر مما كان معجباً بالأدب الروسي، خاصة بأدب شارلز ديكنز الكاتب الإنكليزي وولتر سكوت . عندما قرأ رواية (الأنفس الميتة) للكاتب الروسي غوغول قال بأنها لم تعجبه وقرأها بلا مبالاة ثم قرأ لدوستوفسكي ( مذكرات من بيت الموتى). لكن أنا شخصياً اعد رواية غوغول رائعة لأنها يكمن فيها تفاصيل هامة ترشد إلى جزء من تاريخ المجتمع الروسي .
عندما يأتي الصيف يعود ويعمل على ظهر المركب مساعد طباخ بأجر قدره 7 روبلات شهرياً، لكن ما إن رجع الشتاء حتى فارق المركب وعاد للمدينة يعمل إجيراً في محل لرسم الإيقونات، ويحدثنا بأن المعلمة كانت سمينة وعجوز، أما المعلم فكان ينهره لأنه لايتقن جذب الزبائن والبيع، إذ يروي لنا بأنه حاول مرة دعوة أحد الزبائن إلى المحل فقال له : ياسيدي هذا أفضل محل أيقونات في المدينة. لكن الزبون دفعه إلى الخلف وذهب إلى المحل المجاور لأن جارهم يبيع أرخص منهم
أخيراً، يعود ويعمل مع الرسام، أبن اخت جدته لقاء خمسة روبلات شهرياً. في تلك الآونة يعود زوج أمه ويسكن معهم. يقول له مقوله هامة يتذكرها: " الناس الذين يطيلون المكوث في مكان واحد، يكتسبون مع الزمن وجهاً واحداً متشابهاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غوركي كاتب رائع
زاهد سلام ( 2024 / 6 / 30 - 18:40 )
مقالة جيدة عن سيرته الذاتية وواضخة
تحياتي لك


2 - تحيّاتي الحارّة
بديع ( 2024 / 7 / 1 - 17:31 )
مُبدع لا مُتبع .

اخر الافلام

.. الفنان العربي يحارب بالريشة والألوان


.. في حدث نادر.. خامنئي يؤم صلاة الجمعة ويخطب باللغة العربية




.. الطيب العوفي يقدم موسيقى -الديوان- في حفل باريسي


.. أغنية -حكاية متتنسيش- للفنان دياب




.. رد فعل أحمد زكي لما اتعرض عليه فيلم المصير ليوسف شاهين ??