الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن نقص عليك أحسن القصص...6: الله وأمين وأمينة

أمين بن سعيد

2024 / 7 / 1
كتابات ساخرة


كثرت زيارات الله لي هذه الأيام، وصارت، حقيقة، تقلقني. لا يأتي إلا في الليل، واليل عندي فيه غزوات وشؤون، طلبت منه أن يزورني في النهار، فقال إنه لا يستطيع ذلك لأن ليله نهاري ونهاره ليلي. يستيقظ الله في صباحه، يشرب قهوته، يدخن بعض الحشيش ثم يقصد منزلي المتواضع. سألته لماذا اختارني وترك أصحاب القصور، فرد أنه لا يدري وفي رده كان كأنه يحبني، راقني ذلك في البدء عندما ظننت أن زياراته ستكون قليلة، لكني وما أن اكتشفت أنها كل ليلة حتى أرقني ذلك وأضجرني.
قال الله أنه سيفني كل البشر وطلب مني أن أختار امرأة لتعمير الأرض من جديد. فنهرته ولمته، لكنه كان مصرا، فطلبت منه أن يترك نساء كثيرات فصرخ في وجهي: "قلت واحدة يعني واحدة!". من غضبه، اكتشفت جرحا عميقا يؤلمه، الملائكة ثاروا عليه، وقالوا له "مللنا صحبتك". فغضب، وعندما أراد إفناءهم، اكتشف أنه لا يستطيع، وأوحي إليه أن كل قواه لا تأثير لها خارج كوكب الأرض. قال لي أنه انعزل في أحد أروقة الجنان، وفكر طويلا، ثم مر بجانب جهنم ولم يشعر بشيء؛ قبل ذلك كان تارة يسخر وأخرى يتلذذ بصراخ المعذبين لكنه تلك المرأة لم يشعر بشيء، وكان لذلك بليغ الأثر عليه، وتذكر بعض البشر وقولهم عنه أنه لا صفات له، فوجد أنه قولهم صحيح، لكنه لم يقبل ذلك، فلو فعل لكان غير عادل وقد ألقاهم في جهنم لقولهم ذاك. الله لم يكن هكذا قبل، تذبذبه وشكوكه أمر حديث، لم يقل لي منذ متى. خمنت وحدي أن لاكتشافه ألا سلطة له خارج الأرض علاقة، لكني لم أكن جازما.
نعم أضجرني حضوره كل ليلة، طبت منه ألا يأتي في صورة صغير، لأن الجيران على علم بغزواتي الليلية، وأن يظن بي أني أفعل ذلك مع... لا، كله إلا ذلك! كن لا يستطعن رؤية الله، وكنت وحدي أراه، في البدء كنت أشعر ببعض الخجل والإحراج، لكني تعودت، حتى صرت أقوم بما يجب وكأنه غير موجود. مرة سألني مبتسما: "تلك الأفكار لم لم تفصح عنها؟"، فخجلت، ولم أستطع الرد. الله كان يراني كل ليلة أغزو حصونَ جميلةٍ فاتنةٍ، والأفكار كانت "هل الله يتلذذ بما يرى؟". نعم خجلت من الله، ولم أستطع أن أسأله، وانتظرته حتى يفتح الموضوع وهو العالم بما أخفي، ربما لو كنت على كوكب آخر دون الأرض كنت أخفيت ذلك عنه، لكن على الأرض لا أستطيع وقدراته تمكنه من معرفة كل شيء.
قال الله وكان يخاطبني كما يخاطب الصغير، النور لا يتأثر بالأوحال، لكنه رأى ما أفعل جميلا. معي، كان الله أول مرة يرى عن قرب ما يفعله البشر، قبل ذلك ومن سمائه كانت نظرته بانورانية أما معي فكانت الدقة والمجهرية. مرات عديدة، أوقف الله الزمان، كان يشل حركتي، يقترب مني ويرى عن قرب قليلا، ثم يعيد حركة الزمان فأواصل فعلي. في إيقافه لكل شيء، كان يستثني عيني، فكنت أرى كل شيء يقوم به. ربما فعل ذلك، ليشعرني أني مميز عنده وليقرب نفسه مني أكثر، وربما ليبدد شيئا من الخوف منه بعد مصارحتي بعزمه على إفناء كل البشر إلا أنا وامرأة.
كنت أسخر من القصص الدينية، ولم أكن أؤمن بوجود الله، لكن بعد زياراته لي صدقت. أشعرني ذلك بأني متميز نوعا ما، فالله لم يذهب لمؤمن به بل لمن أنكره. أكيد، لثورة الملائكة عليه صلة، وربما خاف الله من أن يرفضه مؤمن أو يثور عليه فاختارني، لم أر اختياره لي دون البشر جورا بل رأيت العكس، لأني لا أضمن أحدا من البشر إلا نفسي، فبرغم ضجري منه إلا أني قبلته ولم أطرده والعبرة بالخواتيم كما يقال، غيري من غير المؤمنين به لا أضمن موقفه وربما رفضه وطرده، وكان ذلك سيكون كارثيا على الله بعد أن رفضه سكان السماء.
مع مرور الليالي، بدأت أشعر بشيء نحو الله، شعور بدأ بالخوف منه ثم تحول إلى الشفقة عليه ثم إلى شراكة مفروضة علي -ولا قدرة لي على رفض مشروعه إبادة كل البشر- ثم تطور إلى شيء من المودة ثم وصل إلى المحبة! نعم، أحببت الله، لم أقل له شيئا عن تطور مشاعري نحوه، ولم يسألني عنها وهو العالم بها، موقفه ذاك ذكرني بكل امرأة أحبتني وانتظرت أن أعلن لها نفس الشيء، الله مختلف عن النساء بالطبع والحب معه مختلف عنهن، لكني مثلت فقط لأساعد نفسي على فهم تطور مشاعري نحوه، ولكيلا أكبح رغبتي في إعلان حبي له.
قررت ذلك في ليلة صيف، تلك الليلة لم يكن معي صاحبة، انتظرت قدوم الله لكنه لم يأت. تأسفت ثم خفت، وظننت أنه شرع في إفناء البشر في قارات أو دول أخرى، وغلبتني الشكوك حتى ظننت أنه ذهب لغيري أو غادر الأرض نهائيا وعاد للسماء، قلت ربما استعاد قواه فذهب لإفناء الملائكة ثم سيعود لي، قلت ربما تراجع عن كل شيء وهو الآن يفكر ويعد لمشروع جديد، ولم تزل بي الشكوك حتى ظننت أنه تعرض لحادث فضحكت من نفسي وقلت إن ذلك ينطبق على البشر لا على الله...
عندما مللت من انتظار الله، اتصلت بإحدى النسوة فقدمت، وما إن شرعنا حتى رأيت الله جالسا في مكانه المعتاد. كان في صورة أفعى وما إن لاحظ امتعاضي تذكر خوفي من الثعابين والأفاعي فتحول إلى أسد، فرحتي كانت عظيمة أنستني المرأة التي كانت بين يدي فتركتها وجريت نحوه لأحضنه. لكنه غاب، فوقفت مكاني قليلا، ونظرت في أنحاء الغرفة فلم أره. أما المرأة، فكانت بجانب السرير ترتدي ملابسها وتنظر لي بخوف، وعندما دعوتها لمواصلة ما كنا فيه، قالت أنها يجب أن تغادر وربما أتممنا ما لم يتم مرة أخرى ثم خرجت مسرعة. ضحكت منها عندما غادرت ولم ألمها، المسكينة خافت مني وظنت أني مجنون...
لكني لمت الله على فعلته، أفسد علي ما كنت فيه، ثم غادر دون قول أي حرف. كان تصرفه صبيانيا وغير مسؤول. هو العارف عني كل شيء، علم تغير مشاعري نحوه وشوقي إليه بعد أن أبطأ ولم يكن ذلك له عادة. لم أفهم ما أراد من تصرفه، لكني في الأخير عذرته، كل عاشق يعذر حبيبته ويبحث لها عن الأعذار. لم أنم تلك الليلة وانتظرت عودته حتى الصباح لكنه لم يعد...
في الصباح، غادرت إلى عملي وكان الله يشغل كل تفكيري حتى وصلت مكتبي. عندما دخلت وجدت أمينة، أختي التي لم أرها منذ مدة، عندما رأيتها ورأتني هرع كل إلى الآخر، احتضنتها طويلا ثم تركتها، كنت سعيدا بحضورها وكانت أسعد، ظللنا برهة ننظر كل عيني الآخر ثم رأيت وجهها يقترب مني، فقفزت إلى الخلف وقلت "اللعنة لقد فعلها الله!"...
- ما بك؟ لا تريد تقبيلي؟
- أمينة... يجب أن أشرح لك...
- تشرح لي ماذا؟ أخي الذي أذوب رغبة في تقبيله يرفضني وينفض عني وكأن نارا لسعته! كيف تجرأت على رفضي هكذا؟
- أمينة... الله... فعل هذا...
- الله ماذا؟ أصرت مؤمنا بالخرافات الآن؟ قل لي أنك لم تعد تحبني ووجدت لك أخرى!!
- أمينة... الله أفنى كل البشر ولم يبق أحدا غيري، قال أنه سيبقي لي امرأة واحدة لكني لم أتصور أنه سيبقي أختي! اللعنة!
- ما هذا الكلام السخيف؟ ما الذي حصل لك؟ منذ يومين فقط قررنا الإنجاب... كم جميل أن يكون عندنا أبناء... ما الذي حصل منذ يومين؟ لم أستطع الاتصال بك لذلك جئت، هل أنت بخير؟
- نعم أنا بخير... اللعنة يجب أن أرى الله، يجب أن أوقف هذا!
- ما قصة الله هذا الذي تتكلم عنه؟ مزاحك لم يعجبني... تحيرت عليك وجئت أطمئن عليك...
- قولي، هل رأيت أحدا وأنت قادمة؟ في الطريق أقصد..
- لا، ولم تسأل هذا السؤال الغريب؟ ما بك قلي؟ أنت غريب الأطوار؟
- لم تري أحدا؟ أي أحد؟ أي بشر؟
- نعم لم أر أحدا، ومنذ متى نرى أحدا لتسأل هذا السؤال الغريب؟
- اللعنة يا الله! إنها أختي!
- أوووووه عدنا إلى هذا الله! تعالى دعني أضمك وأقبلك، اشتقت إليك وأريدك الآن، تعالى...
هربت منها، وطلبت منها ألا تبرح المكتب حتى أعود، فأبت. وأصرت على الذهاب معي، فوافقت، ورجوتها أن تتحملني قليلا، أن تشاهد ما سيحدث دون أن تتكلم حتى أسمح لها. عاهدتني على ذلك فقبلت بمرافقتها لي...
وصلت منزلي، ودخلت غرفتي فوجدت الله جالسا في مكانه. كان في شكلي، فأسرعت إليه. فتح ذراعيه مبتسما، كان سعيدا برؤيتي، وظنني سأرتمي في حضنه وأصارحه بحبي، لكني لكمته في وجهه بكل قوتي فسقط أرضا، فنزوت عليه، وجعلت أضربه وأتفل عليه وأصرخ "اللعنة إنها أختي! لماذا فعلت ذلك!". لم يقاومني حتى أدميت وجهه، كان مبتسما والابتسامة لم تغادر شفتيه، حتى شوهت فمه لكما أسقط أسنانه وجعل شفتيه لا تميزان عن باقي وجهه. ظللت أضربه حتى خارت قواي، حتى غابت ابتسامته، حتى غابت أنفاسه، حتى صار جهة هامدة تحتي...
شعرت بأمينة تضمني من خلفي، نظرت إليها. كانت جميلة، أجمل امرأة عرفت، وأعظم أميرة أحببت. قلت لها: "قتلت الله بعد أن قتلني" قالت: "لا أحد يستطيع مس شعرة منك وأنا حية" فقلت: "ليته قتلك، ليته قتلك"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة الكبيرة نيللي لسة بنفس الانطلاق وخفة الدم .. فاجئتنا


.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي




.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح


.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة




.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ