الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفريقيا إذ تبحث عن نظام دولي مختلف

سعيد مبشور

2024 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة حراكا متزايدا في إفريقيا، حيث تتعالى الأصوات الداعية إلى ما يعتبره بعض المراقبين الأفارقة موجة أخرى من التحرر، فيما يذهب أكثر المحللين إلى أن الأمر لا يعدو كونه تعبيرا عن الصراع المحتدم بين القوى الكبرى المهيمنة على المشهد الدولي، هذا الصراع الذي توجد القارة السمراء في صلبه، من حيث هي مجال واسع للثروات الطبيعية والمادية والبشرية، ولكون أغلب بلدانها لا زالت قابلة للانخراط في أجندات هذا الطرف أو ذاك مقابل امتيازات قد يحصل عليها حاكم مستبد أو تيار سياسي أو مجموعة إثنية أو مشروع انقلاب من طرف قوات الجيش التي تعد اليوم أكبر فاعل في التحولات الميدانية لخرائط إفريقيا السياسية والاقتصادية.
وتظهر تجليات هذا الحراك بشكل أكبر في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، حيث يتراجع النفوذ الفرنسي يوما بعد يوم، وتتزايد فرص التحول على مستويات الدبلوماسية والاتفاقات الاقتصادية والأمنية، وتطفو على السطح ملامح صراع قد تشتد وطأته بين أطراف دولية راغبة في تقاسم الإرث الفرنسي وإدارة الوضع الجديد في المنطقة، من روسيا إلى الصين مرورا بتركيا والإمارات، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي ترغب في مضاعفة حضورها في القارة، وهذا ما يؤكده تعاقب الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا في السنوات الأخيرة، والتي تميزت بوصول المجموعات العسكرية إلى السلطة في كل من النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا، والرفض شبه الواسع لفرنسا في المنطقة، ومغادرة القوات الفرنسية العديد من هذه البلدان.
وما يحدث في إفريقيا اليوم هو استدارة استراتيجية قد تكون مفاجئة للبعض، لكنها بالتأكيد لحظة تاريخية تغادر فيها القارة بعنف شديد نظاما دوليا قائما، وتدخل عصر نظام دولي جديد لم تتضح ملامحه بعد، تماما مثلما هو الوضع في أكثر من منطقة في العالم، حيث تتعاظم فرص تراخي قبضة النظام الدولي كما أرست دعائمه الولايات المتحدة وحلفاؤها عقب نهاية الحرب الباردة، لتحل محلها قوى جديدة بعضها يحاول استعادة مكانته المفتقدة مثل روسيا، والبعض الآخر يمضي بثبات نحو إحلال واقع دولي جديد قوامه تعدد القوى والأقطاب، بفضل تنامي قوة دول مثل الصين والهند.
ويبدو أن عددا من الدول الإفريقية هي كذلك بصدد إعادة تعريف علاقاتها الدولية، وتسعى إلى تأكيد مصالحها الخاصة بدلا من تعريف نفسها وفق التحالفات السابقة، وتعمل على إيجاد حلفاء أمنيين جدد وفق تعاقدات مختلفة تماما عن تلك التي كانت مبرومة بشكل تقليدي مع الولايات المتحدة وفرنسا، ويندرج في هذا مثلا استعانة جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي بخدمات قوات الفاغنر الروسية في محاولة لمواجهة حركات التمرد المسلحة على أراضيهما.
أما على الصعيد الاقتصادي، حيث طالما تم انتقاد الغرب بانتظام لعدم استثماره بما فيه الكفاية في إفريقيا، مقابل استفادة هائلة للدول الغربية باستغلال الثروات الطبيعية الإفريقية وفق شروط مجحفة، فيبدو أن القارة السمراء تتجه منذ سنوات إلى تطوير تجارتها مع دول أخرى غير شركائها التقليديين وتنويع مصادر "التعاون" الاقتصادي بما يخدم رؤى ومصالح النخب الاقتصادية والسياسية الإفريقية الجديدة.
وهكذا تأمل إفريقيا في قدر أقصى من الاستثمار، وليس فقط الحصول على "مساعدات" مرتبطة بأجندات بعيدة عن الأهداف المعلنة، إن ما تحتاجه القارة هو مشاريع بنية تحتية كبرى في كل المجالات، مثل خط السكك الحديدية الذي تموله بكين والذي يربط جيبوتي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي تم افتتاحه في عام 2017، في تأكيد واضح على مكانة إفريقيا المهمة في استراتيجية طريق الحرير الصينية الجديدة، والتي تتضمن منح قروض للبلدان الإفريقية وتمويل بنياتها التحتية، على الرغم من أن التباطؤ الاقتصادي في الصين وتراكم الديون على إفريقيا قد أعاق هذه الديناميكية في الآونة الأخيرة، دون إغفال الأدوار التي تلعبها قوى أجنبية أخرى، وإن كانت أكثر تكتما، على الأراضي الإفريقية، بما في ذلك تركيا والسعودية وإيران والإمارات.
وتمتلك أنقرة أكثر من 40 سفارة في إفريقيا، وقد باعت أنقرة طائرات قتالية بدون طيار إلى النيجر وبوركينا فاسو ومالي وتشاد في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى طائرات ومركبات مدرعة، كما قامت الشركات التركية ببناء مسجد في غانا، وملاعب في رواندا والسنغال، ومطارات في عدة دول، وتخدم الخطوط الجوية التركية أكثر من 60 وجهة في القارة.
أما المملكة العربية السعودية، التي بعد أن نشرت إسلامها "الوهابي" المتشدد لعقود في جميع أنحاء القارة، فهي تستثمر الآن في مكافحة "الإرهاب" في القرن الإفريقي، وهي قلقة من موجات الهجرة المحتملة من هذه الدول، وحريصة على الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر للدفاع عن أهدافها التجارية والسياحية.
ومهما يكن فلا يجب قراءة التطورات الحالية في إفريقيا من منظور اقتصادي أو عسكري فقط، فالقوة الناعمة الثقافية والدينية تساهم بشكل كبير في تدبير العلاقات داخل القارة، ومن هنا كان الدور الكبير الذي يلعبه المغرب في إدارة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الإفريقي، انطلاقا من مكانته التاريخية الحضارية روحيا ودينيا، فضلا عن مساهمته الفعالة في برامج التنمية المستدامة وتنويع فرص الاستثمار في المشاريع الواعدة التي ليس آخرها المشروع الاستراتيجي الهائل لإفريقيا الأطلسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات