الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطر الفاشي في فرنسا

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


العالم القديم يحتضر. والعالم الجديد تأخر في الظهور. وبين النور والعتمة تولد الوحوش.

أنطونيو غرامشي

“Il vecchio mondo sta morendo. Quello nuovo tarda ad arrivare. E in questo chiaroscuro, nascono i mostri.
”
Antonio Gramsci


هذه الجملة الرهيبة التي تركها لنا المناضل الشيوعي ضد النظام الفاشي الإيطالي تنطبق حرفيا وبطريقة مفزعة على الوضع السياسي الفرنسي في هذه الأيام العصيبة التي يعانيها الشعب الفرنسي، بعد فوز الحزب الفاشي في الدورة الأولى للإنتخابات البرلمانية يوم أمس الأحد ٣٠ يونيو ٢٠٢٤. العالم القديم يمثله ماكرون وسياسته المبهمة، والتي يمثلها التعبير المشهور "في نفس الوقت En même temps "، وهو التعبير الذي ردده طوال حملته للانتخابات الرئاسية عام 2017 ثم خلال ولايته الرئاسية الاولى والثانية. هذا التعبير الذي يمثل إتجاهه السياسي المتمثل في محاولته لفعل الشيء وضده في نفس الوقت بدون خجل. لكن خطأ ماكرون المميت والذي قد يؤدي إلى سقوطه، لأنه حاليا ما يزال واقفا وإن كان مترنحا، هو وحركته السياسية التي ولدت في عام 2017، هو إدعاءه الكاذب بأنه "لا من اليمين ولا من اليسار" أو أنه يميني ويساري في نفس الوقت، وإرادته ألمرضية لحكم فرنسا مثل مدير شركة أعمال تجارية أومدير مصرف تجاري، من دون أي توجه سياسي واضح، وغالباً ما تكون مشاريع قوانينه مدفوعة من قبل الخبراء الماليين أكثر من أصحاب الأيديولوجيات أو ألأفكار السياسية. قليل من الخبراء في فرنسا قادرون على تحديد العمود الفقري لسياسته الحقيقية بوضوح، بخلاف إنتماءه للنيوليبرالية المتطرفة التي تلبس قشرة من الحداثة المزيفة.
أما العالم الجديد الذي تأخر في الظهور، فهو عالم توحيد قوى اليسار لمواجهة وتغيير الماكرونية وتحقيق إنجازات جديدة في تاريخ السياسة الفرنسية. ففي مساء يوم حلّ الجمعية الوطنية ـ البرلمان ـ خرج قادة اليسار الفرنسي عن صمتهم بسرعة غير متوقعة، ولم يستسلموا لنتائجهم المخيبة لآمال اليسار الشعبي في الانتخابات الأوروبية. بدأ قادة الأحزاب اليسارية مثل حزب "فرنسا غير الخاضعة La France Insoumise " الذي يمثل اليسار الراديكالي، بدأوا التعبئة الشعبية في بث تلفزيوني مباشر، "اليمين المتطرف على أعتاب السلطة، علينا أن نتحد". في الانتخابات الأوروبية، انقسمت الأحزاب اليسارية كالعادة إلى شيوعيين واشتراكيين وراديكاليين وإيكولوجيين، لأن كل منهم كان يحلم للحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، وهي في الحقيقة مقاعد جد مريحة ومربحة، مما أدى إلى تشتت أصواتهم، لكن في مساء هذا اليوم الغريب، أنتابهم الخوف وربما الهلع، فدعا العديد منهم إلى إنشاء "جبهة شعبية" موحّدة جديدة، لدخول الإنتخابات البرلمانية المفاجأة بدون أية إستعدادات مسبقة للوقوف في وجه الأفكار الفاشية التي يحملها حزب التجمع الوطني والذي كان يستعد منذ فترة طويلة للإنتخابات الرئاسية. ففي فرنسا، الجبهة الشعبية، إسم سحري يتردد صداه في ذاكرة الشعب الفرنسي المناهض للفاشية والسلطوية. ففي عام 1936، ومع تفاقم خطر الفاشية الذي كان يتهدد فرنسا، اتحدت كل الأحزاب اليسارية للفوز في الانتخابات التشريعية والحصول على أكثر من نصف مقاعد البرلمان. نجحت هذه "الجبهة الشعبية" في 1936 في توحيد اليسار المجزأ، من الشيوعيين إلى الاشتراكيين الديمقراطيين، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الكبيرة التي كانت سببا في التقسيم والتشتت. وقد أعاد شعب اليسار اكتشاف ذاكرة "الجبهة الشعبية" غريزياً، وخلافاً لكل التوقعات، شكّلت الأحزاب اليسارية تحالفاً للانتخابات في غضون أربعة أيام، وتقدمت على حركة إيمانويل ماكرون الذي أصبح في الموقع الثالث في السباق على السيطرة على البرلمان بحصوله على ٢٠٪ من الأصوات بعد الجبهة الشعبية اليسارية ٢٨٪ والحزب الوطني الفاشي ٣٣٪، علما بأن الناجح الحقيقي في هذه المهزلة الإنتخابية هم الممتنعون عن التصويت والذين يمثلون ثلث عدد المسجلين للإنتخاب ٣٣,٣٪.
أما الوحوش التي ذكرها غرامشي والتي تتوالد وتتكاثر في الفترات المظلمة من التاريخ فهي القوى الوطنية التي تحارب الديموقراطية الحقيقية وتحارب الإنفتاح الثقافي وتضطهد الغرباء وتريد إعادة النساء إلى المطبخ، وتعبد الدين والتقاليد والأعلام والأناشيد الوطنية وتناهض حقوق النساء والمثليين .. والقائمة طويلة وتبدو بلا نهاية.
وفي وقت الجبهة الشعبية الأولى سنة ١٩٣٦ كما هو الحال الآن، كانت أوروبا تعيش في جو من العتمة أو الظلمة المكثفة، حيث تتوالد الوحوش حسب تعبير غرامشي. كانت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أوجها، وكانت أوروبا تعاني من صعود الأيديولوجية الفاشية والنازية في إسبانيا عن طريق الجنرال فرانكو Francisco Franco , وألمانيا بصعود هتلر Adolf Hitler وإيطاليا بواسطة تولي موسوليني للسلطة Mussolini. كما هو الحال اليوم مع عودة الأحزاب الوطنية العنصرية والفاشية في كل من إيطاليا، المجر، بولندا، فنلندا، سلوفاكيا، السويد وأخيرا فرنسا.
ولكن في رأينا، مشكلة الأحزاب الفاشية العنصرية لا تشكل في حقيقة الأمر سوى مرحلة مؤقتة وضرورية من مراحل تطور الرأسمالية لوصولها في نهاية الأمر إلى السيطرة كليا على عقول كل مواطني العالم. والأحزاب الوطنية، مثلها مثل الحركات الوطنية في العالم الثالث لا تعدو أن تكون مقاومة يائسة ودليل على التشنجات الأخيرة وعلامة من علامات الإحتضار لمثل هذه الأفكار البائدة حتى لا نقول المتعفنة، والتي ما زال هناك من يبحث عنها في مزبلة التاريخ. القضية السياسية الأولى في نظرنا هي تطور الرأسمالية وهيمنتها إقتصاديا وفكريا على كل بقاع الدنيا بحيث أصبح من المستحيل تخيل تغيير هذا النظام الذي أصبح ظاهرة طبيعية مثل حركة الشمس أو كروية الأرض ودورانها حول الشمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد رد حماس.. انفراجة في مساعي التهدئة| #غرفة_الأخبار


.. للمرة الأولى من 6 سنوات.. برزاني يجري مباحثات في بغداد| #غرف




.. رويترز عن مسؤول بالبيت الأبيض: مباحثات أمريكية فرنسية لاستعا


.. بريطانيا.. ماذا تعرف عن كير ستارمر؟ وماذا سيفعل حزبه بعد الف




.. نشطاء يرفعون علم فلسطين على جسر فولاهاف لوقف الإبادة