الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّاتيّةِ

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2024 / 7 / 1
الادب والفن


تشملُ التّقارباتُ أو المشتركاتُ بين السّيرة الذّاتيّة والرّواية العديدَ من الجوانبِ التي تتداخلُ فيها الحدودُ بينَ الأدبِ الواقعيِّ والتخيّليِّ، وكما سنوضّحُ في النقاطِ الآتيةِ:

١. السّردُ الشّخصيُّ: كلٌّ من الرّوايةِ والسّيرةِ الذّاتيّةِ تعتمدُ علىٰ سردِ القصصِ من منظورٍ شخصيٍّ. في السّيرةِ الذّاتيّةِ، يروي الكاتبُ قصةَ حياتِهِ الحقيقيّةِ، بينما في الرّوايةِ يمكنُ أنْ يعتمدَ الكاتبُ علىٰ تجاربِهِ الشخصيّةِ لخلقِ سردٍ تخيّليٍّ.

٢. التّعبيرُ عن المشاعرِ والأفكارِ: في السّيرةِ الذّاتيّةِ، يعبّر الكاتبُ عن مشاعرِهِ وأفكارِهِ بشكلٍ صريحٍ، بينما في الرّوايةِ يمكنُ أنْ يعبّرَ عن مشاعرِ وأفكارِ الشّخصيّاتِ بطرقٍ مبتكرةٍ ومجازيّةٍ.

٣. الوصفُ التّفصيليُّ: كلٌّ من الرّوايةِ والسّيرةِ الذّاتيّةِ تتطلّبُ وصفاً دقيقاً للأماكنِ والشّخصيّاتِ والأحداثِ. هٰذا الوصفُ يساعدُ القارئَ علىٰ تصوّرِ الأحداثِ والشعورِ بعمقِها.

٤. البِنيةُ الزّمانيّةُ: في السّيرةِ الذّاتيّةِ، غالباً ما يكونُ السّردُ خطيّاً ومباشراً، بينما في الرّوايةِ يمكنُ للكاتبِ اللّعبُ بالزّمنِ من خلالِ الفلاش باك والفلاش فوروارد لإضافةِ تعقيدٍ وتشويقٍ للسّردِ.

٥. الرّمزيّةُ والمواضيعُ: يمكنُ أنْ تستخدمَ السّيرةُ الذّاتيّةُ، مثل الرّوايةِ، الرّموزَ والمواضيعَ الكبيرةَ مثلَ الهُويةِ، والحريةِ، والصّراعِ الدّاخليِّ، والنًموِّ الشّخصيِّ، لإضفاءِ عمقٍ ومعنىٰ علىٰ النّصِّ.

٦. الاندماجُ بينَ الخيالِ والواقعِ: في بعضِ الأحيانِ، يمكنُ أنْ تتداخلَ الحدودُ بينَ السّيرةِ الذّاتيّةِ والرّوايةِ عندما يُضيفُ الكاتبُ عناصرَ خياليّةً أو يبالغُ في بعضِ الأحداثِ لجعلِ القصةِ أكثرَ جاذبيّةً.

تحليلُ البنيةِ الزّمانيّةِ

البِنيةُ الزّمانيّةُ سواء في الرّوايةِ أو السّيرةِ الذّاتيّةِ هي عنصرٌ أساسيٌّ يمكنُ أنْ يؤثّرَ بشكلٍ كبيرٍ علىٰ كيفيّةِ تلقّي القارئِ للنّصِّ وفهمهِ للأحداثِ. هٰذه عدد من النّقاط التي من ممكن نجد فيها تقاطعاً أو اتفاقاً بين هذين الجنسيين بخصوص البِنيةِ الزّمانيّةِ:

١. مجرى الزّمنِ
في الرّوايةِ:

التّسلسلُ الزّمنيُّ الخطيُّ: بعضُ الرّواياتِ تتبعُ ترتيبًا زمنيًّا خطيّاً حيثُ تبدأُ الأحداثُ من نقطةٍ معينةٍ في الماضي وتتحرّكُ بشكلٍ متسلسلٍ نحوَ الحاضرِ. هذا النوعُ من البِنيةِ الزّمانيّةِ يُسهّلُ على القارئِ متابعةَ تطوّرِ الحبكةِ والأحداثِ.

مجرى الزّمنِ في السّيرةِ الذّاتيّةِ:

السّردُ الكرونولوجيُّ: السّيرةُ الذّاتيّةُ التّقليديّةُ غالبًا ما تتبعُ تسلسلًا زمنيّاً خطيّاً، حيثُ يبدأُ الكاتبُ من طفولتِهِ ويمضي في السّردِ عبرَ مراحلِ حياتِهِ المختلفةِ حتى يصلَ إلى الحاضرِ. هذا الأسلوبُ يساعدُ في تقديمِ تطوّرِ الشّخصيّةِ والأحداثِ بشكلٍ واضحٍ ومنظّمٍ.

٢. التّنقلُ بينَ الأزْمانِ
في الرّوايةِ:

كثيرٌ من الرّواياتِ تعتمدُ على تقنياتٍ مثلَ الفلاش باك (الرّجوع إلى الماضي) والفلاش فوروارد (التّقدّم نحو المستقبل) لإضافةِ عمقٍ وتعقيدٍ إلى القصةِ. هذه التّقنيةُ تساعدُ في كشفِ خلفياتِ الشّخصيّاتِ ودوافعها وتقديمِ معلوماتٍ مهمّةٍ عنِ السّياقِ.

في السّيرةِ الذّاتيّةِ:

التّنقلُ الانتقائيُّ: قد يقومُ الكاتبُ في السّيرةِ الذّاتيّةِ بتنقلاتٍ انتقائيّةٍ بينَ الأزْمانِ، حيثُ يتذكّرُ أحداثاً معينةً في غيرِ ترتيبِها الزّمنيِّ الطّبيعيِّ، معَ التّركيزِ على تلكَ التي لها تأثيرٌ كبيرٌ على حياتِهِ. هذا الأسلوبُ يتيحُ للكاتبِ تسليطَ الضّوءِ على نقاطِ تحوّلٍ مهمّةٍ في حياتِهِ.

٣. الزّمنُ المتداخلُ
في الرّوايةِ:

في بعضِ الرّواياتِ، يمكنُ أنْ يتداخلَ الحاضرُ معَ الماضي والمستقبلِ بشكلٍ معقّدٍ، ممّا يتطلبُ من القارئِ الانتباهَ والتّمعّنَ لفهمِ العلاقةِ بينَ الأوقاتِ المختلفةِ.

في السّيرةِ الذّاتيّةِ:

الفلاش باك والفلاش فوروارد: على غرارِ الرّوايةِ، يمكنُ استخدامُ الفلاش باك والفلاش فوروارد في السّيرةِ الذّاتيّةِ لإضفاءِ مزيدٍ من العمقِ والسّياقِ. علىٰ سبيلِ المثالِ، يمكنُ للكاتبِ التّحدّثَ عنْ حدثٍ معيّنٍ في الحاضرِ ثمَّ العودةَ إلىٰ الماضي لشرحِ خلفيّتِهِ وأثرهِ.

٤. الزّمنُ الدّائريُّ
في الرّوايةِ:

بعضُ الرّواياتِ تبدأُ منْ نهايةِ القصةِ ثمَّ تعودُ إلى البدايةِ وتتحرّكُ نحوَ تلكَ النّقطةِ النّهائيّةِ مرّةً أخرى، ممّا يمنحُ القصةَ إطارًا دائريّاً ويضفي تشويقاً علىٰ الأحداثِ.

في السّيرةِ الذّاتيّةِ:

الزّمنُ التّأمّليُّ: بعضُ السّيرِ الذّاتيّةِ تعتمدُ على الزّمنِ التّأمّليِّ، حيثُ يتوقّفُ الكاتبُ عندَ لحظاتٍ معيّنةٍ للتّفكّرِ والتّأمّلِ في أحداثِها ومعانيها وتأثيرها على حياتِهِ. هذا النّوعُ من السّردِ يمكنُ أنْ يضيفَ بُعدًا فلسفيّاً وإنسانيّا عميقاً إلىٰ النّصِّ.

تأثيرُ البِنيةِ الزّمانيّةِ على القارئِ:

- الفهمُ والتّفاعلُ: التّلاعبُ بالزّمنِ يمكنُ أنْ يزيدَ من تفاعلِ القارئِ معَ النّصِّ ويجعلَهُ أكثرَ انخراطاً في محاولةِ فهمِ العلاقاتِ الزّمانيّةِ والأحداثِ.
- الإثارةُ والتّشويقُ: تقنياتُ الزّمنِ غيرِ الخطيّ يمكنُ أنْ تخلقَ جوّاً من الإثارةِ والتّشويقِ من خلالِ تقديمِ أجزاءٍ من القصّةِ بشكلٍ متقطّعٍ ثمَّ ربطِها لاحقًا.
- العمقُ العاطفيُّ: العودةُ إلى أحداثٍ ماضيةٍ يمكنُ أنْ تعمّقَ الأبعادَ العاطفيّةَ للشّخصيّاتِ من خلالِ تقديمِ خلفيّاتٍ ودوافعٍ إضافيّةٍ.

وأخيرا، تُعدُّ البِنيةُ الزّمانيّةُ أحدَ الأدواتِ الأدبيّةِ الهامّةِ التي يستخدمُها الكتّابُ لجعل سَرْدِهمْ أكثرَ تميّزاً وجاذبيّةً، سواءً في الرّوايةِ أو السّيرةِ الذّاتيّةِ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة


.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي




.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا


.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR




.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-